فما هى الحكاية؟ ولماذا يهاجم بعضهم العهد القديم؟ وما ردنا على ذلك؟
أولاً: قدسية العهد القديم
يتصور البعض أن العهد القديم ليس بنفس القدسية التى للعهد الجديد. فلماذا تصوروا ذلك؟ وما هو الموقف المسيحى والكنسى السليم من العهد القديم؟ لاشك أن الموقف المسيحى والكنسى من العهد القديم، هو أن كاتبه هو الروح القدس، وأن كُتابه سجلوا هذه الأسفار مسوقين من الروح القدس، لا بمشيئتهم الشخصية فقط .وقد أكد السيد المسيح نفسه، وأسفار العهد الجديد هذه القدسية، وهذه بعض الأدلة كأمثلة على ذلك :
1- من أقوال السيد المسيح
أ- "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس، حتى يكون الكل" (مت 17:5،18).
والتكميل هنا معناه تكميل الهدف من الناموس وهو معرفة السيد المسيح، وتكميل الإنسان حتى يصنع الناموس، وذلك من خلال تجديد الطبيعة البشرية بالروح القدس. كذلك فهو تكميل الوصية حتى لا تقف عند حدود الفعل كالزنا والقتل، بل تصل إلى الدوافع الكامنة وراء ذلك كالشهوة والحقد.
ب- "فتشوا الكتب (كتب العهد القديم طبعاً فى ذلك الوقت)، لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة، وهى التى تشهد لى" (يو 39:5،40)... "تضلون إذ لا تعرفون الكتب، ولا قوة الله" (مت 29:22).
ج- "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم، أذن لكم أن تُطلقوا نساءكم" (مت 3:19-12)، وهذا مأخوذ عن سفر (تث 1:24-4).
د- "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنـــى فــى نامـــوس موســـى والأنبياء، والمزامير.. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب، وقــال لهــم هكــذا هــو مكتــوب، وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات فى اليوم الثالث.." (لو 44:24-49).
هـ- قال له الكتبة والفريسيون: "يا معلم نريد أن نرى منك آية"، فأجاب وقال لهم: "جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبى، لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض، ثلاثة أيام وثلاث ليال.رجال نينوى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت 38:12-41). وهنا يتحدث الرب ليس فقط عن سفر يونان، الذى حاول البعض أن يعتبروه أسطورة خيالية، بل عن شخص يونان، وحوت يونان، ومناداة يونان، وأهل نينوى، وتوبتهم. والرمز الواضح بين يونان والسيد المسيح.
و- كذلك تحدث الرب عن ملكة التيمن، التى أتت من أقاصى الأرض لتسمع حكمة سليمان، وقال: "هوذا أعظم من سليمان ههنا" (مت 42:12). وهنا يتحدث الرب عن زيارة ملكة التيمن لسليمان، وعن حكمة سليمان.. وهذا كله فى العهد القديم.
ز- حديث الرب عن الزواج من امرأة واحدة، وعن عدم الطلاق إلا لعلة الزنا، وكيف أعاد الرب الأمور إلى أصولها حينما قال: "من البدء لم يكن هكذا" (مت 8:19) (يقصد سهولة التطليق وكيف أن التطليق سمح به موسى، من أجل قساوة قلوبهم). وكذلك حينما تحدث عن شريعة الزوجة الواحدة بقوله: "أما قرأتم (فى العهد القديم طبعاً) أن الذى خلق من البدء، خلقهما ذكراً وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرأته، ويصير الإثنان جسداً واحداً" (مت 1:19-9). وواضح أن هذه كلها إقتباسات من أسفار العهد القديم، ودعوة إلى قراءة أسفاره: "أما قرأتم"؟!
ح- وفى إمتداح السيد المسيح ليوحنا المعمدان، آخر أنبياء العهد القديم. تأكيد على قدسيته. وذلك حين قال: "ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا.. أنبياً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبى! فإن هذا هو الذى كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك، ملاكى الذى يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر فى ملكوت السموات أعظم منه" (مت 7:11-11).وواضح أن الرب يقتبس من نبوات العهد القديم ما جاء عن تجسده الإلهى، وعن المعمدان كسابق له.وواضح أيضاً أن "الأصغر" هنا قد يكون السيد المسيح نفسه (لأنه أصغر سناً من المعمدان - بالجسد - بستة أشهر)، أو هو مؤمن العهد الجديد الذى لن يمر بالجحيم بل يدخل إلى الفردوس مباشرة، بعد أن فتح الرب الفردوس بصليبه، الأمر الذى لم يحدث مع المعمدان، إذ عبرت نفسه بالجحيم فى إنتظار الفداء والفادى.
ى- قال الرب لبطرس: "أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى، فيقدم لى أكثر من أثنى عشر جيشاً من الملائكة؟ فكيف تكمل الكتب، إنه هكذا ينبغى أن يكون" (مت 53:26،54).هذه مجرد أمثلة بسيطة عن مدى تقديس رب المجد للعهد القديم: أسفاره وأنبيائه، ففى النهاية هو مسيح العهدين، والعهد القديم كان مرحلة فى طريق العهد الجديد، والروح القدس هو كاتب جميع الأسفار، عاصماً كاتبيها من الزلل.