كانت الإسكندرية في زمن مارمرقس حينما أتي إليها, مدينة عالمية هرب إليها العلماء والفلاسفة من بلاد اليونان وبلاد الرومان, فكنت تجد مدارس فلسفية وعلمية لا مدرسة واحدة. وكنت تجد علوما, علوم الفلك وعلوم الكيمياء وعلوم التحنيط واللغات والموسيقي والفن, لكل دائرة من دوائر هذه العلوم فقهاء, بلغوا القمة فيما وصلوا إليه من علم, وكانوا يحجوا إليهم طلبة المعرفة من كل حدب وصوت من كل بقعة من بقاع العالم, وكانت الإسكندرية فوق هذا مركزا اقتصاديا كبيرا, وكان يأتي إليها رجال الاقتصاد ورجال التجارة, حتي من بلاد الهند ومن بلاد الصين فضلا عن بلاد الشرق الأوسط, وكانت الهندسة والمعمار والطب أيضا والصيدلة, جميع المعارف كان لها أساتذتها وأساطينها وعلماءها المتفوقون المبرزون الذين كانوا أعلي القمم في مدينة الإسكندرية في الوقت الذي جاء فيه مارمرقس الرسول.
فما كان أصعب مهمته, كيف يستطيع أن ينحت له طريقا في هذه العقول المجهزة المهيأة؟ والتي كانت تحس بالسمو والامتياز والارتفاع, كانوا أساتذة فكيف يتتلمذون, كانوا علماء فكيف يبتدئون من جديد أن يدرسوا دينا جديدا؟ وكانت المسيحية قد سمع الناس في الإسكندرية وفي المدن الكبري في مصر بأخبارها, ولكن أكثر العلماء نظروا إليها بغير احترام, سمعوا أنبائها فلم يتأثروا بها وظلوا علي حالهم بل بعضهم كان ينقد المسيحية. وخصوصا فيما يتصل بعقيدة المسيحية في الحياة بعد الموت, وكذلك في عقيدة القيامة, المصري القديم كان يعتقد بالحياة بعد الموت علي أساس اعتقاده أن الجسد لابد أن يكون محفوظا حتي تجد الروح المسكن الذي تسكنه, لتحيا فيه في العالم الآخر تلك الحياة الأخري, إذن كانوا يؤمنون بالحياة الأخري لكنهم ما كانوا يؤمنون بمبدأ القيامة, أن الجسد بعد أن يتحلل ويذوب ويتحول إلي عناصره الأولية, ويأكله السمك أو تأكله النيران أو تلتهمه الوحوش, كيف يمكن لهذا الجسد بعد أن يفني هذا الفناء كيف يمكنه أن يقوم؟ هذه مسألة لم يتصورها لا المصريون القدماء ولا العلماء الذين كانوا يبرزون في ذلك الزمان.