يا صاحب القداسة
بإسم ربنا يسوع المسيح , وبأسم الحق والعدل , أصلى أن نكون معاً بإتحاد القلب والفكر فى نصرة المظلوم على الظالم , ورد الحق إلى صاحبة فهذه رسالة الكنيسة التى هى رسالتنا كخدام المسيح
جريدة وطنى 13/5/2007م السنة 49 العدد 2368 عن مقالة بعنوان " القديس مرقس أكبر الأنوار " للمتنيح العلامة: الأنبا غريغوريوس اسقف الدراسات العليا
فسيروا في النور مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلاممادام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور.قال المسيح له المجدأنا هو نور العالموقال أيضا للآباء الرسلأنتم نور العالمولكن فرق بين أن يكون المسيح له المجد هو نور العالم وبين أن يكون الرسل هم نور العالم.المسيح له المجد هو النور الأصيل,أما الرسل فنورهم نور منعكس عليهم من نور المسيح,مثل نور القمر الذي ليس فيه من ذاته,إنما هو من نور الشمس,إن القديسين من فرط عشرتهم للمسيح وتأملهم فيه,تضيء وجوههم ويلمع محياهم,وبهذا يتحولون وهم بطبيعتهم أجسام معتمة إلي أجسام منيرة تشع نورا وتضيء في الظلمات,وأظن أننا نذكر موسي النبي الذي وهو جسم معتم كإنسان لكنه حينما دخل إلي جبل حوريب في الحضرة الإلهية,لمع وجهه وصار منيرا حتي أنه عندما نزل من الجبل كان حينما يكلم الشعب يضع برقعا علي وجهه,فإذا ارتفع إلي الجبل رفع البرقع من علي وجهه,وهذه صورة محسوسة ووسيلة إيضاح أعطاها الكتاب المقدس ليبين كيف أن القديسين وهم أجسام معتمة بطبيعتهم كبشر,لكنهم حينما يدخلون دخولا حقيقيا الحضرة المقدسة يتحولون إلي أجسام منيرة,ويصبحون نورا للعالم بطهارة سيرتهم وأيضا بالتعاليم المقدسة التي يحملونها.
تحتفل كنيستنا بعيد استشهاد واحد من أكبر الأنوار التي أشرقت علي البشرية وهو هذا النور الذي أضاء علينا نحن المصريين,مارمرقس الرسول الذي نور في بلادنا ونقل إلينا نور الإنجيل ونقلنا من الظلمة إلي نور ابن الله الوحيد.في يوم 30 برمودة استشهد مارمرقس الرسول في شوارع الإسكندرية,في يوم 29 برمودة جره وسحبه وسحله الوثنيون الذين غضبوا علي ما فعله مارمرقس الرسول في بلادنا المصرية,حيث جذب كثيرين إلي نور المسيح,ومثل ما قال المسيح له المجد سيروا في النور مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلاموالذي يسير في الظلام لايعلم إلي أين يذهب,ثم يقول الإنجيلمع أنه قد صنع أمامهم آيات هذه عددها لم يؤمنوا بهليتم قول إشعياء النبي الذي قاليارب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الربلهذا لم يقدروا أن يؤمنوا به لأن إشعياء قال أيضاقد أعمي عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم, ويقول الكتاب أيضامع ذلك آمن كثيرون من الرؤساء غير أنه بسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله.وهذا معناه أنه علي الرغم من أن النور واضح أمام الكل لكن هناك البعض لغباوة قلوبهم وعنادهم وإصرارهم علي رفض النور فإنهم يقاومون النور ويضعون الحجاب بينهم وبين النور,ثم يقيمون حرب علي أهل النور,وتنشأ بينهم وبين أهل النور حرب وقتال,قتال بالفكر وقد يتطور إلي قتال بالسيف وبغيرها من وسائل العنف البدني والمادي,وهذا ماحدث بالنسبة للمسيحية في مصر,هذه الديانة الناشئة التي جاء مارمرقس الرسول يحمل مشعلها ليضيء علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت,فوجد هناك أناس أبرياء استجابوا للنور,وفتحوا عيونهم وفتحوا قلوبهم لهذا النور فاستناروا به,وتحولوا إلي دين المسيح وتعمدوا باسم المسيح وصاروا مسيحيين وأسس لهم مارمرقس كنيسة وسلمهم القداس المعروف بالقداس المرقسي والذي دونه فيما بعد البابا كيرلس الأول فصار ما يعرف بالقداس الكيرلسي,وكتب إنجيله وأنشأ المدرسة اللاهوتية الأولي في الإسكندرية والتي لم ينتصف القرن الثاني للميلاد حتي صارت جامعة لاهوتية وصار يقصد إليها طلاب المعرفة من كل بلاد العالم ولذلك فأن كثيرين من الآباء الكبار المعروفين في القرون الأولي للمسيحية من غير أبناء كنيستنا هؤلاء بعد أن أتموا علومهم اللاهوتية في بلادهم جاءوا إلي جامعة الإسكندرية اللاهوتية ليتزودوا بمعارفها,ومن هؤلاء يوحنا ذهبي الفم الذي صار فيما بعد بطريرك القسطنطينية,وغريغوريوس الثيئولوغوس الذي أصبح أيضا بطريركا وباسيليوس الكبير الذي أصبح بطريركا وغيرهم كثيرون من آباء الكنيسة الكبار في العالم الأرثوذكسي المسيحي الأول,هؤلاء أيضا تزودوا من المعارف اللاهوتية من جامعة الإسكندرية بعد أن أتموا دراساتهم الدينية في بلادهم,إن مارمرقس الرسول أحدث ثورة,وأقول أيضا أحدث انقساما في مصر,لكنه ليس الانقسام الذي من النوع البغيض الذي تلعب به الأهواء النفسية والشهوات البشرية والكرامة الإنسانية دورها.إنما هذا الانقسام من النوع الروحاني الذي لابد أن يحدث بين الظلمة و النور,وهذه الحرب الضروس التي لابد ولامفر من أن تحدث بين أبناء النور وأبناء الظلمة,وهذا ما قاله السيد المسيح له المجدلاتظنوا أني جئت علي الأرض لأحمل سلاما بل جئت لأحمل سيفا,جئت لأفرق الأب ضد ابنه,والابنة ضد أمها والحماة ضد كنتها وأعداء الإنسان أهل بيتههذه الحرب حرب المباديء حرب بين النور والظلمة,حرب بين المعرفة والجهل,حرب بين الخير والشر,المسيحية لاتعرف الاستكانة,إذا كانوا يفسرون السلام بمعني الاستكانه,فليس هذا هو السلام الذي جاء المسيح لينشره علي الأرض,إنه سلام الله وسلام الله يجيء بناء علي رسالة مقدسة تأتي فيقبلها الناس فيؤمنون.أحدث مارمرقس هذه الثورة وهذا الانقسام بين أبناء النور وأبناء الظلمة بين من يعبدون الله ومن يعبدون الأوثان,وبينما كان مارمرقس الرسول يحتفل بعيد القيامة الذي وقع في تلك السنة في 29 من برمودة وكان يقابل 26 من أبريل من عام68لتجسد المسيح,وتصادف أن هذا اليوم كان أيضا عيدسيرابيسالإله المصري وكانت عبادة سيرابيس تجمع بين عبادة الإله آمون والإله أبيس.كان هذا عيدا عظيما عند الوثنيين,وبينما هم يحتفلون بعيد سيرابيس الإله الوثني هاجت الجموع وثارت ثورتهم علي أن فريق من المصريين تبع مارمرقس الرسول في ديانة جديدة ناشئة هي الديانة المسيحية التي جاء مارمرقس يكرز بها,فخرجوا من معبدهم بحماسة بالغة وهياج عظيم ودخلوا إلي الكنيسة.وكانت كنيسة مارمرقس في ذلك الوقت في بقعة تسمي دار البقر,دخلوا إلي مارمرقس وكان يحتفل بالقداس الإلهي,دخلوا وشدوا عنقه بحبل,وبعنف شديد جروه وسحلوه إلي خارج الكنيسة,وكانوا يهتفون جروا جروا التيتل إلي دار البقرخرجوا بحماسة بالغة كما تعلمون كيف تكون المظاهرات,خاصة وإذا كانت هذه المظاهرة دينية,وهي مظاهرة الأغلبية الكثيرة ضد الأقلية الناشئة الضعيفة,بحماسة بالغة وبهياج شعبي ضخم أخذوا يجرون مارمرقس الرسول في طرقات الإسكندرية علي الأحجار والتراب وفي الشوارع,فتقطعت أوصاله وسالت دماؤه وتكسرت وتهشمت عظامه في كل طرقات الإسكندرية,إلي أن جاء المساء وحينئذ أودعوه في السجن بعد أن صار حطاما نتيجة ما أصابه من ضرب وركل وسحل,وفي هذه الحالة المؤلمة التي كان فيها,ظهر له ملاك من السماء,وبعد قليل ظهر له رب المجد نفسه,وحياه وقال لهالسلام لك ياعبدي مرقس,بعد قليل ستنتقل إلي السماء وتنال إكليل الشهادة,كن ثابتا رابط الجأش لك الجزاء المبارك.أجرك عظيم جدا.وربما لهذا السبب وغيره سمي مارمرقس الإنجيلي ناظر الإله,الذي تشرف بأن نظر الإله ورآه عينا بعين ليس فقط أيام أن كان تلميذا للمسيح عندما كان بين السبعين رسولا ولكن أيضا بعد صعود الرب إلي السماء نظره في هذه الرؤيا وفي غيرها من المناظر الروحانية التي أنعم الله بها عليه,وهذا هو السبب بأن مارمرقس أختص بهذا اللقب أنهالثيئوفورسأي الناظر الإله.فلما أشرق الصباح أقبل الوثنيون في مظاهرة ثانية وأخذوه مرة أخري وأخذوا يسحلونه بعد أن نال الشجاعة والقوة وكان قد نال الشفاء من جراحاته بظهور السيد المسيح له,ولكنه من جديد عاني معاناة أخري بهذا السحل الجديد وهذا التحطيم الجديد لعظامه,ومن كثرة ما عاني ارتطم رأسه وانقطع من جسمه,ففارقت روحه جسده وحملتها الملائكة إلي أحضان القديسين إلي السماء.وكان هذا هو يوم 30 من برمودة ولم يكف الجماهير أنهم رأوه قد مات,وأن رأسه قد انفصل عن جسده,ولكن أرادوا أن ينكلوا به أكثر فجمعوا أجزاءه وأشلاءه المبعثرة إلي بعضها البعض ليشعلوا فيها النار,وبالفعل أشعلوا النار غير أن شيئا عجيبا حدث,وهو أن أمطار تجمعت من غير توقع وسقطت علي النار فأطفأتها.وبهذا أنقذ جسد مارمرقس الرسول من الحريق الذي أحال الوثنيون علي إحداثه تنكيلا بهذا القديس الذي أزعجهم وأقضي مضاجعهم,والذي صنع تلك الثورة وأحدث ذلك الانقسام الروحاني بين المؤمنين وغير المؤمنين وصارت الكنيسة الناشئة الصغيرة ابتداء من هذه الفترة تمتد شيئا فشيئا بسبب استشهاد مارمرقس الرسول فزاد عدد المؤمنين وكان استشهاده بذرة لنمو الإيمان وازدياده في مصر,وهذا هو ماقاله آباء الكنيسة ونقلته كتب التاريخ أندماء الشهداء بذار الإيمانفكان عندما يموت شهيد,المتوقع أن ينتهي بموته المبدأ الذي كان يدعو له,وهذا هو المقصود في تخطيط الناس الذين يضطهدوا الشهداء للقضاء علي الإيمان المسيحي,ولكن الذي كان يحدث هو العكس تماما,فبموت الشهيد يولد للمسيح أولاد كثيرون فتمتد الكنيسة,فتكون فعلا دماؤهم بمثابة البذرة التي تنبت وتخرج من هذا النبت ثمار كثيرة متعددة.