عرض مشاركة واحدة
قديم 04 - 12 - 2012, 08:19 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي




الموت نتيجة السقوط والخطية

لم يوجد الموت من بدء حياة الإنسان، فالإنسان الأول كان قابلاً للفساد ولعدم الفساد، أيّ بإمكانه أن يموت، وبإمكانه ألاّ يموت. إن يحفظ وصايا اللّه، لن يموت، وإن يُخالفها سيقبل الموت. وبناءً عليه لو لم تسقط الجبّلة الأولى لما حصل الموت للجدّين الاولين، فالموت إذًا ثمرة الخطيئة ووُجد في العالم.

المقاطع الكتابية التالية ذات أهمية؛ الأولى من حكمة سليمان: "فإنّه خلق كل شيء لكي يكون وإن خلائق العالم مفيدة وليس فيها اسمٌ مهلك ولا ملك لمثوى الأموات على الأرض لأنَّ البّرَ خالد"[iii]. كلام العهد القديم واضح، أيّ أنَّ اللّه لم يصنع الموت، وهذا جواب لأولئك الذين يتساءلون: كيف يكون الموت من عمل اللّه كعقاب للبشر بسبب الخطيئة التي سقطوا فيها؟ هذا تعليم لاهوتي سكولاستيكي لكنيسة الروم الكاثوليك الغربية، المتعارضة مع الكنيسة الأرثوذكسية التي تفسّر واقع الموت بشكل مختلف. فلنرَ مقطعًا من رسالة الرسول بولس إلى رومية: "من أجل ذلك كأنّما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم بالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع"[iv]، وكلام الرسول دقيق ولا يحتاج إلى تأويل، وأنّ الموت دخل إلى العالم بسبب خطيئة إنسان واحد، ومن خلاله اجتاز إلى البشر، فالموت إذًا حدثٌ لاحق، هو ظاهرة دخيلة على حياة الإنسان، ولم يكن موجودًا في بدء الخليقة.

عندما نقول "بسبب الخطيئة دخل الموت" يجب أن ندرك نوعين للموت. يُدعى الأول الموت الروحي الذي يعني انفصال الإنسان عن اللّه، والثاني الموت الجسدي ويعني انفصال النفس عن الجسد. الموت الروحي دخل للتوّ بسقوط الجبّلة الأولى، ولكن اللّه لم يرد أن يصير الموت الجسدي في الوقت نفسه مع الموت الروحي، لهذا عاش آدم وحواء مئات السنين بعد موتهم الروحي الذي قد سقطا به. السقوط والخطيئة جلبا الموت كنتيجة طبيعية لهما وليس فقط كعقاب.

يستطيع الطبيب أن يقول للمريض عندما يفحصه: "يجب أن تتبع حمية، لأنّ السكر عندك عالٍ، فإلّم تفعله فأنت عرضة للخطر، وستموت من السكر"، إذا فكر المريض وخرج من عند الطبيب عاملاً بمعتقداته الشخصية، سيقول لنفسه "كيف أعمل حمية، هل هذا سهل؟"، فيقرر لوحده أن يأكل، ويعود ليأكل ما كان يأكله، وبعد فترة يموت من السكر، فهل الطبيب هو المسؤول في هذه الحال عن موت المريض؟

وقال اللّه للجبّلة الأولى: "أطيعوني، فإنكم إذا لم تفعلوا تموتون"، لم تُطع الجبّلة الأولى اللّه وماتا، ولا يُردُّ سبب موتهما إلى اللّه ، بل موتهما هو ثمرة الخطيئة بعد السقوط وعاقبتهما.

يقول كتابنا المقدس أن اللّه بعد السقوط أعطى جبّلته الأولى "مطارفَ جلديّة"، فما هي هذه المطارف الجلديّة؟

يقول الآباء القدّيسون إنّها الفساد والفناء اللَذين أَوجدا الأمراض التي بسببها نموت، وأَوجدا الأحزان التي تلد بها النساء. كلّ هذا عواقب السقوط، فآدم وحواء قبل أن يخطأا لم يكونا يعلمان أيّ شيء عنها. كانا يعيشان في حالة أخرى، نستطيع فقط أن نتخيلها مادام ليس لنا خبرة مثلها في حياتنا. نحن أناس مابعد السقوط ولسنا ما قبله

إن قبلنا بلاهوت كنيسة الروم الكاثوليك الاسخاتولوجي، أيّ أنّ الموت هو عقاب اللّه سننقاد إلى مآزق أخرى، كمثل أن نقول، إنّ الشيطان الذي حرَّض على سقوط الجبّلة كان أداة اللّه.

يقول القدّيس يوحنا الدمشقيّ: "بسبب الإنسان دخل الموت -بسبب سقوط آدم- وكذلك بقية العقوبات"، الآباء القدّيسون واضحون عندما يقولون أنّه: "بسبب الإنسان دخل الموت إلى العالم، لا بسبب اللّه "

عندما نقول إنّ الخطيئة الأصلية ورثها البشر، لا نعني الإحساس بالذنب الذي ينقله الإنسان إلى الآخرين بسبب الخطيئة الأولى. بل نعني نتائج خطيئة الجدّين الأصلية الموروثة. لقد مرضت طبيعتنا بعد تلك الخطيئة، وهذا المرض نرثه.

هذه الحقائق التي قرأناها في مقاطع كثيرة في كنيستنا، نجدها مصوغة بشكل رائع في مقاطع ليتورجيا القدّيس باسيليوس الكبير الإلهيّة. يتوجّه الكاهن إلى اللّه قائلاً: "عندما جبلت الإنسان ياإلهي بأخذك ترابًا من الأرض، ووضعته في فردوس النعيم، وعدته بالحياة الخالدة والتمتع بالخيرات الأبديّة إن حفظ وصاياك. لكن عندما خالف وصاياك أنت الإله الحقيقي وانقاد بسبب غواية الحية، أُميت بزلاته، نفيته وأرسلته مرة ثانية إلى الأرض التي منها أُخذ، أي مات"[v]

كان لآدم إمكانية الخلود وإمكانية الموت، لو لم يخطأ لما تعرض للموت، هذا الوضع الصحيح. وقد ظهرت هرطقات كثيرة في عصر آبائنا القدّيسين، منها تقول: "إن آدم المجبول أولاً خلقه اللّه فانيًا، أي جُبلَ ليموت سواء أَخطأ أم لم يخطأ، أي سيبارح جسده لا بسبب الخطيئة بل بسبب تركيب طبيعته وبنائها"، هذا يعتبر هرطقة، ودعا الآباء أن يكون مفروزًا كلّ من يؤمن بهذا. وقد ظهر أيضًا هراطقة مختلفين نادوا بالمعنى المعاكس، أي أن اللّه خلق آدم الفاني؛ وبالتالي اللّه هو خالق الموت.

قانون المجمع الكورنثسي المحلي "رقم120" والذي تبنّاه المجمع المسكوني بحث في هذا الموضوع وشغل آباء كثيرون وهذه آراء البعض منهم:

ثيوفيلوس الأنطاكي يقول: "إنّ الإنسان موجود في الوسط، ليس فانيًا بالكليّة وليس خالدًا بالكليّة، ولكنه قابل للحالتين".

يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي بوضوح: "إنّ الموت بالنسبة للبشر كان التناول من تلك الثمرة المحرمة".

القدّيس نيقوديموس الآثوسي يقول: "بما أن آدم تذوّق شجرة المعرفة، دخل في الفساد، وبالتالي صار فاسدًا وفانيًا بعد أن كان عديم الفساد والفناء، والأسوأ من ذلك أنّه لم يفسد آدم وحده، بل نقل هذا الفساد الذي أصابه أولاً إلى كلّ جنس البشر" .

فالإنسان منذ البدء لم يعرف الموت، بل جاء أثناء مسيرته. جاء كغريب، كعنصر دخيل، كنتيجة للخطيئة التي جلبت الموت الروحي للحال، وفيما بعد هذه جلبت الموت الجسدي.

وبسبب دخول هذا الموت، لا يريد الإنسان أن يموت بل يريد بجميع الطرق أن يطيل حياته على هذا الكوكب، ناظرًا إلى الموت نظرته إلى عدوٍ كبير "آخر عدو"[vi]، كما يصفه الرسول بولس.

تشّبه رؤيا يوحنا الموت بجواد أصفر، وفارس يمسك سيفًا وينثر الجوع والأمراض الوبائية، ويقضي على الحياة، ويتبع هذا الجواد الجحيمَ فاتحًا فاه ويبتلع الأموات بسرعة.

أما الرسامون فيصّورون الموت مثل الهيكل العظمي الذي يمتطي جوادًا ويمسك بيده منجلاً يحصد به حياة الناس.

يتخيله اليونانيون القدماء مَضيقاً ويدعونه "χάροντα"، فيه مركب ينقل البشر إلى بحيرة "Αχερουσίας"، إلى الجحيم؛ أيّ من الحياة إلى الموت.

  رد مع اقتباس