عرض مشاركة واحدة
قديم 04 - 12 - 2012, 11:32 AM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,348,275

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: عـبد يغـدر بمولاه للراهب كاراس المحرقي

القبض على يسوع

لم يكد رب المجد يفرغ من صلاته فى بستان جثسيمانى، حتى ظهرت مصابيح، تتلألأ بأنوارها من خلال الأشجار التى قد خيّم عليها الحزن، وها جماعة من سافكى الدماء المدججين بالسلاح من سيوف وعصى تقترب فى اتجاه وادى قدرون، وكأنَّهم خرجوا ليقبضوا على لص أو زعيم متمردين (مت26: 47)!

وهكذا تراكضوا مسرعين وقـد اشرأبت أعناقهم بتشوق، لكى يحظوا بنظرة من الذي فى نظرهم قد كفر! وشارك الأرواح الشريرة على بث السموم والعلل الجَهَنَميّة فى فضاء قريتهم! ألم يتهموه مرَّة قائلين: " هَذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ " (مت24:12).

وكان يتقدم الجمع رجل بوجه عابس، وعلى ملامحه شجاعة مصطنعة، يتسلل بين الأشجار والحيرة تتلاعب بعواطفه، مثلما تتلاعب العواصف بأوراق الخريف! إنّه يهوذا ابن الهلاك، ذلك الشقيّ الذي يتغطى برداء التلميذ كما يتغطى الأفعوان السام بجلده الأملس اللامع، المرائيّ الذي يخفى نفسه فى زى الرسول كما يختفى الخنجر الملوث بالدماء فى جرابه الذهبيّ، لقد كُملت الخطية فيه، وأصبح الآن يبغض يسوع بمرارة كما تبغض الظلمة النور!

سألهم رب المجد: " مَنْ تَطْلُبُونَ ؟ " فقالوا: " يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ "، فلمَّا قال لهم: " أَنَا هُوَ" سمعوا صوتاً صارخاً كما لو كان خلرحاً من أحشاء الليل! وضجة هائلة منبثقة من قلب النهار! ولهذا " رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ " (يو4:18-6)، وكأن وميضاً من البـرق قد صعقهم! أو وجّهت الشمس أشعتها برعب على الظلام فبددته! أو كأن بحر النيران اشتعل ليحرقهم! أو نسمة من القدير طوّحت بهم! فوقف يسوع ولم تتغير ملامحه، بل ظل مرفوع الرأس كالبرج أمام الزوبعة، وسالت على شفتيه ابتسامة محزنة وهو يشفق على الجمع الثائر، الذي كان أشبه بآلة قوية عمياء، فى يد مبصر ضعيف يلطمهم ويسحق الضعفاء منهم!

لمّا سمع الرجال هذا الكلام اقشعرّت أبدانهم، وارتجفت أيديهم كالأغصان اليابسة أمام الريح، وصارت ثيابهم مبللة بعرق الخوف كأنَّها خارجة من نهر الاوحال، كأنَّ عذوبة صوته قد انتزعت الحركة من أجسادهم، وأيقظت الميول السماوية الساكنة فى أعماق قلوبهم، ولكنهم عادوا فانتبهوا كأنَّ صدى صوت قيصر قد دوى على مسامعهم، وذكّرهم بالمهمة البشعة التى بعثهم من أجلها.

لقد أسقطهم الرب على وجوههم، لَعَلَّهم يحسّون بتأثير أُلوهيته غير المُدركة، وكأنَّما أراد أن يترك للعالم دليلاً عملياً، أنَّه قد صار ذبيحة ليس تحت ضغط أو إكراه بل بمحض إرادته، فياله من جبروت عظيم، فبعبارة واحدة خرجت من شفتيه ترنّحت عصابة الجناة وصارت طريحة الأرض عند قدميه، لأنَّ ليس للرمل الضعيف قوة أن يقف أمام الريح العاتية!!

أمثال هؤلاء الرجال يُخيّل إلىّ أنَّ أُمهاتهم قد حبلت بهم فى خريف السنة، وولدتهم فى العواصف الشريرة، وفى الرياح الهوجاء يعيشون يوماً ثم يهلكون إلى الأبد! لأنَّهم لم يتكلموا بغير الشر عن البار، وكانت ألسنتهم كالسهام المسمومة!

إننى أشفق عليهم وعلى كل الجمع الثائر ضد يسوع، ولكنَّ الشفقة لو أحاط بها أسف جميع الملائكة، فهى لا تحمل لهم نوراً، ونحن نعرف الأقزام الذين يتحاملون على من تلمس رؤوسهم العروش، ونعرف ما يقوله القش الحقير عن أرز لبنان الشامخ العظيم!

وبعد أن قام الجميع بسماح من الرب، ووقفوا أمامه مرّة ثانية كرر نفس السؤال: " مَنْ تَطْلُبُونَ ؟ " وفى هذه المرّة كان سؤال سُخريّة، فلمَّا قالوا يسوع الناصريّ، أجاب يسوع: " قَدْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا هُوَ فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هَؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ " (يو7:18،8)، وقد دل هذا على إخلاصه الكريم ومحبته العظيمة لتلاميذه، فبينما يسوع يمضي إلى الصليب، لم ينسَ أن يحمى تلاميذه من العاصفة التى كانت تقترب منهم، وهذا ليتم قوله: " الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَداًً " (يو9:18).
  رد مع اقتباس