نعمة اقتناء حياة المسيح
+ بالسخاء
ذاك الذي يعطينا أعظم كل العطايا، حياته ذاتها
+ (إذ
صار إنسانًا) صرنا الآن قادرين أن نقتنيه، نقتنيه هكذا بالعظمة، وبذات طبيعته التي
كان عليها، إن كنا نعد له مكانًا لائقًا في نفوسنا.
+ المسيح
الذي هو كل فضيلة، يأتي ويتكلم على أساس أن ملكوت الله في داخل تلاميذه وليس هو
هنا وهناك .
نعمة رائحة المسيح الذكية
+ هكذا
تشبَّه بولس العروس بالعريس في فضائله، وصور بعطره الجمال الذي لا يُدنى منه. من
ثمار الروح الحب، الفرح، السلام وما شابه ذلك. صنع عطره، واستحق أن يصير "رائحة
المسيح الذكية" (2 كو 15:2). لقد استنشق القديس بولس هذه النعمة
الغير مدركة التي تجاوزت كل نعمة، وأعطى نفسه لآخرين كرائحة ذكية ليأخذوا
منها على قدر طاقتهم، حسب تدبير كل إنسان. صار بولس الرسول عطرًا، إما لحياة أو
لموت، فإنه إذا ما وضعنا العطر ذاته أمام خنفس وأمام حمامة، فلن يكون له تأثير
مماثل على الاثنين؛ فبينما تصير الحمامة أكثر قوة حين تستنشقه فإن الخنفس يموت
حينذاك. هكذا الحال مع الرائحة المقدسة، مع بولس الرسول العظيم الذي شابه الحمامة .
نعمة الفضيلة
+ بحق يمكن للإنسان أن
يصف نفس القديس بولس بكونها حاملة بذار الفضيلة وفردوسًا روحيًا. فقد ترعرعت
في داخله النعمة بعمقٍ، كما كان دائمًا يهيئ أعماقه لتنمو النعمة فيها وتزدهر.
وحين صار إناءً مختارًا دأب على تنقية نفسه فاستحق أن ينسكب عليه الروح القدس
بفيض. هكذا صار لنا مصدر أنهارٍ كثيرة وعجيبة، ليست فقط الأنهار الأربعة التي نبعت
في الفردوس، وإنما أنهار أخرى كثيرة تجرى كل يومٍ لكل واحدٍ منا لتروى ليس فقط
الأرض، بل نفوس البشر فتجعلها تنبت الفضائل.
نعمة الآب والابن
تقديم النعمة
الإلهية هو عمل إلهي واحد، عمل الثالوث القدوس محب البشر. فالآب يهب نعمته بفيض
بالكلمة الإلهي، بكونه قوة الله وحكمته، يقدمها لنا بروحه القدوس بكونه روح القوة
والحكمة. فالنعمة الإلهية هي نعمة الآب والابن والروح القدس، عمل واحد للثالوث
القدوس.
نعمة
ميراث الملكوت
غاية خلقتنا هي
تمتعنا بالخلود مع الله أبينا، يكون لنا نصيب في أحضانه الإلهية. هذا ما شغل قلب
ربنا يسوع المسيح وفكره، محتملاً عار الصليب عوضًا عنا لننعم بنعمة الملكوت
أبديًا. ولا يزال مسيحنا في السماء يعد لكل واحدٍ منا موضعًا، فهو مشغول بميراثنا
الأبدي.
نعمة الخلود فيه
+ لكن
الآن قد صار الكلمة إنسانًا، وأخذ ما يخص الجسد، فلم تعد تلك الأشياء تمس الجسد
بسبب اللوغوس الذي سكن فيهم، والتي أُبيدت بواسطته. فلم يعد البشر خطاة وأمواتًا
بعد بحسب الأهواء الخاصة بهم، بل إذ قاموا بحسب قوة اللوغوسظلوا عديمي الموت،
وعديمي الفساد إلى الأبد.
وإذ قد أخذ
الرب جسدًا من مريم والدة الإله، فإن الذي أعطى الآخرين أصل حياتهم، قيل عنه هو
نفسه أنه قد وُلد، ليصبح هو ذاته أصلنا، فلا نعود نرجع إلى الأرض بعد باعتبارنا
مجرد تراب من الأرض، لكن إذ اتحدنا باللوغوس نقل هو إلى ذاته ضعفات الجسد الأخرى
أيضًا، حتى تكون لنا شركة في الحياة الأبدية، لا كبشر، بل كمن ينتمي إلى اللوغوس.
لأننا لا نموت بعد
في آدم بحسب نشأتنا الأولي، بل إذ قد تحول أصلنا وضعف جسدنا إلى اللوغوس، نقوم من
التراب، إذ زالت عنا لعنة الخطية بسبب ذاك الذي هو فينا والذي صار لعنة من أجلنا.
نعمة التمتع بمعرفة
الإلهي
خلق الله في الإنسان
حنينًا نحو التعرف على يقة غير المتغيرة، فقدم السيد المسيح نفسه بكونه
"". من يقتنيه يتمتع بمعرفة كنعمة إلهية مجانية.
نعمة الثبوت في الآب
والابن
+ "بهذا
نعرف أننا نثبت في الله وهو فينا إنه قد أعطانا من روحه" (1 يو 4: 13)، لهذا
فإنه بسبب نعمة الروح القدس التي أعطيت لنا، نصبح نحن في الله وهو فينا، حيث أن
المقصود هنا هو روح الله الذي من خلال مجيئه ليصير فينا، نُعتبر نحن أيضًا في الله
والله فينا إذ لنا الروح.
نعمة الشبع والفرح
"صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلاً، إذ قيل لي كلَ يوم: أين
إلهك؟" (مز 42 :3)،
وبحق دُعيتْ الدموعُ هنا خبزًا، حيثُ الجوع إلى البرّ. "طوبى للجياع والعطاش
إلى البرّ، لأنه يُشبعون" (مت 5: 6)، لهذا توجد دموع بمثابة خبزٍ، تقَّوى
وتسند قلبَ الإنسان (قابل مز 104 :15)،
نعمة النور
تعبر النفس من الخطأ إلى ، وتتبدل صورة حياتها
المظلمة إلى نعمة فائقة. انتقل بولس الرسول عروس المسيح من الظلمة إلى النور، إذ
يقول لتلميذه تيموثاوس، كما العروس لوصيفاتها، إنه قد صار مستحقًا إن يكون جميلاً،
لأنه كان قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا ومظلمًا (1 تي 13:1). ويقول بولس الرسول
أيضًا أن المسيح جاء إلى العالم لينير للذين في الظلمة. لم يدعُ المسيح أبرارًا بل
خطاة إلى التوبة، الذي جعلهم يضيئون كأنوار في العالم (في 15:2)، بحميم الميلاد
الثاني الذي غسلهم من صورتهم السوداء الأولى .
نعمة الكرازة والشهادة
+ لماذا
لم تُرسل الملائكة في مهمة الكرازة بالإنجيل؟ لكي لا يكون للإنسان عذر في كسله أو
إهماله، فيُبَرر نفسه بحُجة اختلاف الطبيعة البشرية عن الطبيعة الملائكية، لأن
الفرق عظيم.
من العجيب حقًا إن
الكلمة المنطوقة من لسان ترابي لها القدرة على اقتلاع الموت، وغفران الخطايا،
وإعادة النظر للعميان، وتحول الأرض سماءً، وهذا يجعلني أتعجب من قدرة الله ويزداد
إعجابي وإكرامي لغيرة بولس لنواله تلك النعمة وتهيئة نفسه وإعدادها حتى يستحق
نوالها.
نعمة ديناميكية
من أجلنا قيل عن
السيد المسيح: "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئًا حكمة، وكانت نعمة الله
عليه" (لو 2: 40)، وأيضًا: "وأما يسوع
فكان يتقدم في الحكمة والنعمة عند الله والناس" (لو 2: 52). وكما
يقول العلامة أوريجينوس: [لقد أخلي ذاته وأخذ شكل العبد (في 7:2)... وبالقدرة التي
بها أخلي ذاته نما أيضًا.] هكذا يدخل بنا إلى طريق النمو الدائم في النعمة.
فالنعمة فينا هي عمل الله المستمر الديناميكي غير المتوقف.
نعمة جامعة
+ "صرت كل شيء لكل البشر، لكي أربح الكل" (١
كو ٩: ٢٢). تمطر النعمة الإلهية على الأبرار والأشرار (مت ٥: ٤٥).
هل هو إله اليهود
وحدهم، أم إله الأمم أيضًا؟ نعم هو إله الأمم أيضًا، بيقة هو الله الواحد (رو
٣: ٢٩–٣٠)، هذا ما يعلنه الرسول السامي[324].
واهب النعمة يطلب النعمة
لحسابنا
عندما يقول المخلص إذن، بحسب الأقوال التي يتذرعون بها،
"دُفع إلى كل سلطان" (مت 28: 18) و"مجد ابنك" (يو 17: 1)،
وحينما يقول بطرس "وسلاطين وقوات مخضعة له" (1 بط 3: 22)، يجب أن نفهم
كل تلك النصوص بنفس المعنى، أعني أن المخلص يقول ذلك كله بشريًا، بسبب الجسد الذي
لبسه، إذ أنه وهو غير المحتاج قيل عنه رغم ذلك إنه نال ما ناله بشريًا.
+ + +
منقول