أخذ نبوخذ نصر المدينة الأصلية وترك المدينة الجديدة، ولكن الاسكندر أخذ الاثنتين، رغم صعوبة أخذ الثانية المحاطة بالمياه وبالأسوار الحصينة. ومع أن الأسطول الفارسي كان يحميها، إلا أن الاسكندر صنع طريقاً في البحر من أنقاض صور. ولـم يكن هذا الهجوم سهلاً، فقد كان الصوريون يهاجمون العمال الذين يرمون الأنقاض في البحر. فبنى اليونانيون بُرجَين عاليين لحماية العمال. وكان اليونانيون كلما تقدموا في العمل وجدوا البحر يزيد عُمقاً. وأحرق الصوريون الأبراج التي بناها اليونانيون، وعطلوا تقدُّم الغزاة، وعزلوا جزءاً من الجيش عن البقية، وكانت الخسائر جسيمة جداً. ورأى الاسكندر شدة حاجته إلى السفن، فجعل أهل البلاد التي هزمها يساعدونه في صناعة سفن الحرب، فقدَّمَتْ له صيدا وأرفاد وبيبلوس نحو 80 سفينة، وعشراً من رودس، وثلاثاً من سولي ومالوس، وعشراً من ليكية، وواحدة كبيرة من مكدونية، و120 من قبرص (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 3:26).
وعندما حصل الاسكندر على السفن، وتقدَّم بناء الطريق في البحر، عرف أن انتصاره على صور أكيد. وقد كان!
ولا تزال الطريق التي صنعها الاسكندر موجودة، تربط الجزيرة بالأرض. وبعد حصار دام سبعة شهور سقطت صور، وقتل ثـمانية آلاف من سكانها وبيع ثلاثون ألفاً في سوق العبيد (44). وكان الاسكندر قد تكلّف الكثير في غزو صور، وملأه الحقد على أهلها، فتصرف بكل قسوة لينتقم منهم، فأخرب المدينة تماما عام 332 ق.م: "وقد قامت صور الجديدة من عثارها بعد ذلك، لكنها لـم ترجع أبداً إلى مكانتها في العالـم. والجزء الأكبر من موقع المدينة اليوم صخرة عارية يجفّف عليها الصيادون شباكهم" (44) - (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 5:26 و14).
ولـم يتوقف تاريخ صور بعد الاسكندر، فقد بُنيت وهُدمت عدة مرات ولكنها أُخربت بعد 16 قرناً ولـم تُبْنَ بعد ذلك أبداً!
3- وبعد ذلك جاء أنتيجونس بعد أن انتصر على بابل، واستولى على المدن الفينيقية، ولكنه قُوبل بمقاومة شديدة من صور. وكانت قد مضت ثـماني عشرة سنة على استيلاء الاسكندر عليها. وحاصر أنتيجونس صور 15 شهراً فسقطت وأخربها. ويرجع تاريخ أنتيجونس إلى سنة 314 ق.م.
4- وجاءت كارثة أخرى على صور في عهد بطليموس فيلادلفوس (285 ـ 247 ق.م.) الذي بنى ميناء برنيس على البحر الأحمر، وربط مجرى النيل بخليج السويس، فتحوَّل مجرى التجارة إليه، بعد أن كان يمرّ بخليج العقبة إلى ميناء إيلات، ومنها إلى البتراء، ومن ثَمَّ إلى مواني البحر الأبيض المتوسط لتحمله سفن صور. وكانت هذه ضربة قاسية على تجارة صور، إذ خسرت تجارتها لتربحها الإسكندرية.
5- ولكن المدينة استردت بعض غناها. ويصف زائر للمدينة سنة 1047م حالتها فيقول: "لقد بنوا جزءاً صغيراً من المدينة لا يزيد عن 100 ياردة فقط على صخرة في البحر، أمّا معظم المدينة فيقع فوق المياه. أما الحيطان فمبنية من الحجارة المنحوتة، تغطي الفواصل بينها بالبيتومين ليعزل الماء. وترتفع البيوت إلى خمسة أو ستة طوابق. وهناك نافورات للمياه، والأسواق نظيفة، وعلامات الغِنَى في كل مكان. وهي مدينة مشهورة بثروتها بين كل الموانئ الفينيقيّة. وقد أقاموا "المشهد" عند مدخل المدينة حيث الطنافس الثمينة والثريـات الذهبية والفضية. وهم يجلبون الماء اللازم لهم من الجبل" (45).
6- وقد استولى المسلمون على المدينة، وحاربهم الصليبيون وأخذوها، ولكن المسلمين استعادوها. ويقول أحد المؤرخين: "بعد أخذ بتولمايس وإخرابها، أرسل السلطان أحد الأمراء مع فرقة من جيشه لأخذ صور، فملأ الرعب قلوب أهلها ففتحوا الأبواب بدون أي مقاومة، فذُبح بعض سكانها وبيع الآخرون عبيداً. وهُدمت المعابد والأسواق، وأُبيد كل شيء بالسيف أو بالحريق" (46).
وقد عاد المسلمون واستولوا على المدينة عام 1291 وأخربوها تماماً. وقد زار ابن بطوطة خرائب المدينة سنة 1355، وكتب ما ترجمته (عن الانكليزية): "كانت المدينة قبلاً مضرب الأمثال في قوّتها، تغسلها مياه البحر من ثلاثة جوانب. ولـم يبق اليوم سوى آثار من أسوارها ومينائها، مع سلسلة كانت في مدخل الميناء" (47).
(وهكذا تحققت نبوة حزقيال 14:26).
وكان بلني الكبير قد كتب يقول: "صور معروفة بأنها أم المدن، لأنها ولدت من حولها مدن لبتس ويوتيكا. وهي تنافس روما وقرطجنة وكادز". ولكن شهرتها اليوم تقوم على أصداف بحرية وصبغة أرجوانية (47).
(وهكذا تحققت نبوة حزقيال 21:26).