عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 05:09 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي


الفصل الثالث والستون
لمحة عن تلاميذ يسوع فى يوم السبت المقدّس




تجمع تلاميذ يسوع الأمناء ليَحْفظَوا ليلة السبت. كَانوا حوالي عشرون، ارتدوا ملابس بيضاءِ طّويلةِ، وتمنطقوا فى أوساطهم. كانت الغرفة مضاءة بقنديلِ؛ وعاد معظمهم بعد تناول الطعام إلى البيت. ثم تجَمّعوا ثانية فى الصّباحِ التّالي وجَلسوا يَقْرءونَ سوية ويَصلّونَ بالتناوب؛ وإن دخل صديقَ الغرفةَ، نَهضوا وحَيّوه بمودة .
فى الجزءِ الذى كانت تشغله العذراءِ المباركةِ كانت هناك غرفةَ كبيرةَ، مقَسّمَة إلي حُجيْرات‏ صّغيرةِ مثل الصوامع، كَانتْ تستعمل من قبل النِّساءَ القدّيساتِ للنَّوْمِ في الليل. عندما رَجعن من القبرِ، أضاءت واحدة منهن قنديل كَانَ مُعلّقُ في منتصف الغرفةِ، وتجمعن جميعاً حول العذراءَ المباركةَ، وشَرعوا فى الصَّلاة بحزن ِلكنْ بهدوء. بعد وقت قصير، جاءت مرثا وماروني ودينا ومارا، الذين أتوا توا مع لعازر من بيت عنيا، حيث قَدْ عَبروا السبت، دَخلَوا الغرفةَ. العذراء المباركة ومرافقيها أعطوهم تقرير مُفصّلَ من موتِ ودفنِ يسوع، يصحب كل رواية عديد من الدّموعِ. المساء كَانَ يَتقدّمُ، ودخل يوسف الرامى مع بضع تلاميذ آخرين، ليَسْألَ إن كانت أي من النِّساءِ يرَغبَن أَنْ يَرْجعَن إِلى بيوتهن، حيث أنه مستعد أَنْ يُصحبهن. البعض قْبل الاقتراح ورحلوا على الفور؛ لكن قبل أن يَصلوا محكمةَ قيافا، أوقف بعض الرّجالِ المُسَلَّحين يوسف الرامى وقبضوا عليه ووضعوه في برجِ مَهْجُورِ قديمِ كما ذكرنا من قبل.ِ
جلست النِّساءِ القديّساتِ اللواتي لم يتَركنَ البيت ليَسترحن فى ما يشبه صومعة: رَبطوا رؤوسهن بمناديل، جلسوا بحزن على الأرض، واتّكئوا على أرائكِ وُضِعت قبالة الحائطِ. بعد وقتِ نَهضن ونشرن أغطية الفراشَ التي لُفّتْ على الأرائكِ واستعدن للنوم. فى منتصف الليلِ، نَهضن وتجمعوا حول القنديل ليواصلوا صلواتهم مع العذراءِ المباركةِ.
عندما انتهت أم يسوع ورفيقاتها من صلاتهم اللّيلية (ذلك الواجبِ المقدّسِ الذي مورسَ مِن قِبل كل أولاد الرب المخلصين والنفوس المقدّسةِ، الذين أمّا قد شَعرا بأنفسهم مدَعوين إليه بنعمةِ خاصّةِ، أو الذين يَتْلون قاعدة أُعطتْ مِن قِبل الرب وكنيسته)، سَمعوا طرق على البابَ ودخل يوحنا وبعض التّلاميذ ليصحبوا النساء إِلى الهيكلِ. كانت الثالثة صباحا تقريبا حينئذِ، وذَهبوا مباشرة إِلى الهيكلِ، لقد كان مألوفَ بين عديد من اليهودِ أَنْ يَذْهبوا هناك قبل شروق فجر اليوم التالي لأَكل حمل الفصح؛ ولهذا السبب كان الهيكل مفتوحَ منذ منتصف الليلِ، حيث تبدأ التّضحياتِ مبكّرةَ جداً. لقد بَدأت تقريبا في نفس السّاعةِ التى وضع فيها الكهنة ختمهم على القبرِ. مظهر الأشياءِ في الهيكلِ كَانَت مع هذا مختلفة تماما عن ما كُنْتُ علية عادة في مثل هذه الأوقاتِ، لأن التّضحياتِ قَدْ توُقِفَت، والمكان كَانَ خاويا ومُقفراً لأن كل شخصِ قَدْ رحل بسبب أحداث اليومِ السّابقِ.
الهيكل كَانَ مع ذلك مفتوحا؛ القناديل مضاءة والناس في حريةِ أَنْ تَدْخل دهليز الكهنة، حيث كَانَ هذا امتيازَ مألوفَ فى هذا اليومِ، وأيضا فى اليوم الذي يَلي عشاء الفصح. الهيكل كَانَ خاويا تماماً كما قُلتُ من قبل، باستثناء كاهن أو خادم يعبر مصادفة؛ وحمل كل جزءِ من الهيكل مظاهر الاضطراب والأحداثِ الغير عادية والمخيفةِ التي حَدثتْ فى اليوم السابق.
كَان أبناء سمعان وأبناء شقيق يوسف الرامى، حُزاِنىَ بسَماعهم نبأ القبض على عمهم، لكنهم رَحّبوا بالعذراءِ المباركة ومرافقيها، وقادوهم في جميع أنحاء الهيكل بدون أى صعوبةَ. توقفت النِّساء القديسات في صّمتِ وتَأمّلنَ بمشاعرِ رّهبةِ عميقةِ كل العلاماتِ الفظيعةِ والتى أظهرت غضبِ الرب، وبعد ذلك استمعَن باهتمام لعديد من التّفاصيل. كانت تأثيرات الزّلزالِ ما زالَتْ مرئيُة، لأن القليلِ قَدْ عُمِلَ نحو إَصلاح الشقوق العديدةِ والشروخ في الأرض والجدرانِ. فى ذلك الجزءِ من الهيكلِ حيث يتصل الدّهليز بالقدّسَ، الحائط كان قد أهتزَ بشدة بالزّلزالِ، ونتج عنه شق عريض بما يكفيِ لعبور شخصِ من خلاله، وبقية الحائطِ بدا غير مستقرَ، وكان ممكن أن ينهار فى أي لحظة. حجاب القدّسِ أنشق لنصفين وتدلي علي الجانبينُِ؛ لاشيء كَانَ يَرى سوى جدران منهارة، بلاطَ مُفتت، وأعمدة متساقطة أمّا جزئياً أو بالكامل .
زارت العذراء المباركة كل الأجزاءِ التي جعلها يسوع مقدّسة في عينيها؛ انطرحتْ أمامها وقَبّلتها، ووَضّحتْ للآخرين والدّموعِ في عينيها أسباب تَبجيلهاِ لكل بقعةِ، عند ذلك فعلوا مثلها فى الحال.
التّبجيل الأعظم كان يُرى دائما مِن قِبل اليهودِ لكل الأماكنِ التي جُعلت مقدّسة بمظاهر القوةِ الإلهية، وكان من المألوف أَنْ توضع الأيادي بوقاّر على مثل هذه الأماكنِ، يُقبّلونها ويَنطرحوا إِلى الأرضِ أمامها. أنى أَعتقدُ أنه ليس هناك أي شئ مدهشِ في مثل هذا التقليدِ، لأنهم جميعا عَرفوا ورَأوا وشَعروا بأنّ إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إنما هو إله حيّ، وأن سكناه بين شعبه كَانَ في الهيكلِ في أورشليم؛ بِناء على ذلك‏ كَانَ يمكنُ أَنْ يَكُونَ مُدهِشَ أكثرَ بشكل لانهائي إن لم يبَجّلوا تلك الأجزاءِ المقدّسةِ حيث قوته قَدْ أُظهرت على نحو خاص، لأن الهيكلِ والأماكنِ المقدّسةِ كَانت بالنسبة لهم ما للعشاء الربانى المباركَ من قداسة عند المسيحيين.
سارت العذراء المباركة فى الهيكلِ مع رفاقها، وأشارت لهم إلى البقعة حيث قُدّمتْ إلى الهيكل عندما كانت ما تزالَ طفلُة، والأجزاء التى عَبرتْها خلال طفولتها، والمكان الذى خُطِبتْ فيه إِلى القديس يوسف النجار، والبقعة التى وَقفتْ فيها عندما قَدّمتْ يسوع وسَمعتْ نبؤه سمعان الشيخ وبذكر كَلِماته بَكت بحرقة، لأن ها هي النبؤه قَدْ تحققت، وسيف الأسىِ قَدْ طَعنَ قلبها؛ أوَقفتْ رافقاها مرة أخرى عندما وَصلتْ لذلك الجزءَ من الهيكلِ حيث وَجدتْ يسوع يُعلّمُ عندما فَقدته وهو فى الثانية عشر من العمر، وقَبّلتْ الأرضَ التي وقف عليها آنذاك. عندما نظرت النِّساء القديّسات كل مكان تقدس بحضورِ يسوع، بَكين وصَلّوا فيه، ثم رَجعن إِلى صهيون .
لم تترك العذراء المباركة الهيكل بدون ذرف عديد من الدّموعِ، بينما كانت تتَأمّلْ حالة الخرابِ التي وصل إليها، مظهر الخرابِ الذي بدا يناقض بوضوح الحالة العاديةِ للهيكلِ فى يومِ العيد. وبدلاً من الأغاني وترانيم الابتهاج، يسود الصمت الحزين هذا الصّرح الضخم، وفى مواضع العابدين المبتهجين والأتقياء، تَجوّلتْ العين على خلاء واسع وكئيب. بكل صدق، وآسفاهً، أن هذا التّغييرِ يَدْلُّ على الجريمةِ المخيفةِ التي اُرتكبتْ مِن قِبل شعب الرب، وتَذكّرتْ كيف أن يسوع قَدْ بَكى على الهيكلِ وقال : " اهدموا هذا الهيكلِ وأنا أقيمه في ثلاثة أيامِ مرة أخري." أنه عنى هدم هيكلِ جسدِه الذى قَدْ تم مِن قِبل أعدائه، وقد تَنهّدتْ برغبة متلهفة لفجر اليومِ الثالث عندما تتحقق كَلِمات الحقِ الأزلي.
كان الفجرِ يلوح عندما وصلت مريم ورفاقها المسكن، واختلوا في البنايةِ التي على اليمينِ، بينما دخل يوحنا وبعض التّلاميذ العلية وتجمع حوالي عشرون رجلَ حول قنديلَ، وانشغلوا في الصّلاةِ. بين الحين والآخر يقترب أشخاص جدد من البابِ، يدَخلَون على نحو خجول، يقتربَون من المجموعةِ التى حول القنديلَ، ويخاطبوهم ببضع كَلِماتِ حزينةِ ترافقها الدّموعِ. كل شخصُ أظهر ليوحنا مشاعرِ الاحترام؛ لكونه مكث مع يسوع حتى الموتَ؛ لكن مشاعرِ الاحترام هذه امتزجت بشعور عميق من الخزيِ والارتباك، عندما فَكَّروا مَليّا‏ فى تصرفهم الجبان بتَرْكِ ربهم وسّيدهم في سّاعةِ الضيقِ. تَكلّمَ يوحنا إِلى كل شخصِ بأعظمِ محبة وحنو؛ أسلوبه كَانَ معتدلَ ومتواضعَ كما لطفلِ، وبدا أَنْه يَخَافَ أن ينال المدحَ. رَأيتُ المجموعةَ تَأْخذُ وجبة واحدة خلال ذلك اليومِ، لكن أعضائها كَانَوا في معظم الوقت صامتين؛ لَم يُسمع صوتَ فى الدّار، والأبواب أغُلِقت بأحكام، ولو أنه في الحقيقةِ، لم يكن هناك إمكانيةُ أن يُزعجهم أى أحد، لأن الدّارُ تخص نيقوديموس، وهو قد تركها لهم لوقتِ العيد .
مكثت النِّساء القدّيسات في هذه الغرفةِ حتى المساءِ؛ كانت الغرفة مضاءة بقنديلِ وحيدِ؛ الأبواب قَدْ أُغلِقتْ، وأسدلت الستائر على النّوافذَ. أحياناً يتَجمّعون حول العذراءَ المباركةَ ويصَلّوا تحت القنديلِ؛ في أوقاتِ أخرىِ يجلسن فى جانبِ الغرفةِ، مغَطّيين رؤوسهم بمناديل سّوداءِ، أو يجَلسَن على الرماد علامة للحدادِ، أو يصَلّون بوجوههم نحو الحائطَ؛ من كانت منهن بصحةِ معتلة أخِذتْ طعام قليل، لكن الأخريات صمن .
لقد نَظرتُ إليهم مراراً وتكراراً، ورَأيتهم دوما في نفس الأسلوب، بعبارة أخرى، أمّا في صّلاةِ أو في حدادِ على آلامِ سيدهم الحبيبِ. عندما تَجوّلتْ أفكاري من تأملِ العذراءِ المباركةِ إِلى تأمل ابنها الإلهي، نَظرتُ القبر المقدسَ بستة أو سبعة حراسِ في المدخل, كاسيوس واقفا قبالة بابِ الكهفِ، مستغرقا في تّأملِ عميقِ، الباب الخارجي مُغَلقَ، والحجر موجود أمامه. على الرغم من الباب السّميك الذي يفصل بين جسدِ مُخلصنا وبيني إلا أننى استطعت أَنْ أراه بوضوح؛ لقد كان واضحاً تماماً بضوءِ إلهى، وكان هناك ملاكان بجانبه يُمجّدانه. لكن أفكاري تحولت حينئذ إِلى تأملِ النفس المُباركة لمخلصي، وصورة شاملِة وصعبة لهبوطه إلي الجحيم قَدْ أُظهرت لي، التي أستطيع أَنْ أتذكّرَ فقط جزء صغير منها، سَأَصفُها على قدر طاقتي.






  رد مع اقتباس