الفصل الستون
الصّليب ومعصرة العنب
بينما كُنْتُ أَتأمّلُ فى كَلِماتِ أو بالأصح فى أفكار يسوع عندما عُلق على الصّليب: " ها أنا أُعتصر كالنّبيذِ الذى وَضعَ هنا تحت المعصرة لأول مرة؛ أن دمي لابد أَنْ يواصل الَتدفّقَ حتى يأتى الماءِ، لكن خمرا لن يُصنع هنا فيما بعد " أُعطى لى تفسير بواسطة رّؤيا أخرى تَتعلّقَ بالجلجثةِ.
رَأيتُ هذا البلدِ الصّخريِ في فترةِ سابقةِ على الطّوفانِ؛ كان حينئذ أقل برية وقاحل أقل مما اصبحِ عليه بعد ذلك، وقَدْ كان فيه مزارع عنبِ وحقولِ. رَأيتُ هناك البطريرك يافث، رجل عجوز ذو مظهر أسمر فخم، مُحاطَ بأسرابِ وقطعانِ هائلةِ وأولاده لأجيال قادمةِ عديدةِ وهو نفسه كَانَ له مساكن منقورة في الأرضِ ومُغَطّاة بأسقفِ من أغصان الشجر، تنمو عليها الأعشابِ والزهورِ. كانت هناك كروم فى كل الدائرة، وطريقة جديدة فى صنع النّبيذِ كَانتْ تُحاولُ على الجلجثةِ، في حضورِ يافث. رَأيتُ أيضا الطّريقةَ القديمةَ لإعْداْدِ النّبيذِ، لكنى لا أستطيع أَنْ أَعطي سوى الوصف التّالي لها. في بادئ الأمر كان البشر يأْكلون العنب؛ بعد ذلك عصروه بمدقاتِ من أحجار مجوفة، وأخيراً في خنادقِ خشبيةِ كبيرةِ. معصرة النبيذِ الجديدةِ هذه، كانت تَشْبهُ الصّليبَ المقدّسَ في الشّكلِ؛ كانت تتكون من جذع شجرةِ مجوف توضع رأسيا، بكيس من العنبِ معَلّقا عليه. على هذا الكيس كانت تُربِطْ مدقة، يعلوها ثقل؛ وعلى كل من جوانبِي هذا الجزع كانت توجد أذرع مربوطة بالكيس، من خلال فتحات مصنوعة لأجل هذا الغرض، وعندما كانت تٌحرك هذه الأذرع بإنزال نهاياتهاِ، كانت تعصر العنبَ. فيتَدفّقَ العصيرُ خارج الجذع من خمسة فتحات، ويسقط في حوضِ حجريِ، حيث يتَدفّقَ خلال قناةِ مصنوعة من اللحاء والمكَسوة بمادة صمغيةِ، إلي صّهريجِ محفور في صّخرةِ حيث سُجن يسوع قبل صلبه. فى مقدمة عصارة النّبيذِ، عند الحوضِ الحجريِ، كان توجد شبكة كى تمنع القشور، التي كانت توُضِع على أحد الجوانبِ. عندما صنعوا عصارة نبيذهم، ملئوا الكيس بالعنبِ، سَمّروه إِلى قمةِ الجذع ووَضعَوا المدقةَ، وحركوا الأذرع الجانبية، ليجعلوا النّبيذَ يتدفق. كل هذا ذكرني بقوة بالصّلبِ، بسبب التّشابه بين معصرة النّبيذِ والصّليبِ. كَانَ لديهم قصبةُ طويلةُ، في نّهايتها أفرع، لكي تشَبهَ أشواكِ كبيرة، وكانوا يديرون هذا القصبة خلال القناةِ وجزع الشّجرةِ عندما يكون هناك أي إعاقةِ. لقَدْ تذُكّرتُ الرّمحِ والإسفنجةِ. كان هناك أيضا بعض الزّجاجاتِ الجلديةِ، والأواني المصنوعة من لحاء الأشجار والمكسوة بمادة صمغية. رَأيتُ بْعض الشبابَ، بلا شيء سوى قماشَ ملَفّوفَ حول خصرهم مثل يسوع، يعمِلون في معصرة النّبيذِ هذه. يافث كَانَ عجوز جداً؛ ذو لحيةَ طويلةَ، ورداء مصنوع من جلدِ الوحوشِ؛ ونَظرَ إلي معصرة النّبيذَ الجديدةَ برّضاِ واضحِ. لقد كان يوم عيد، وقدموا ذبائح على مذبحِ حجري من بعض الحيواناتِ التي كَانتْ تَجْري طليقة في الكرمة، عنزات وخراف. أنه لم يكن فى نفس المكانِ الذي جاءَ إليه إبراهيم ليَضحّي بإسحاق؛ الذى كان على جبل الموريا. لقَدْ نَسيتُ عديد من الدروس المختصة بالنّبيذِ والخلّ والجلود، والطرق المختلفة التى كان كل شيءِ يُوزّعُ بها إِلى اليمينِ وإِلى اليسار؛ وأنى آسفة لذلك، لأن هذه الأمورِ لها معنىُ رمزيُ عميق. إن كانت إرادة الرب لي أَنْ أَجْعلها معُروِفة، فهو سَيُريهم لي ثانية.