عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 05:05 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل السادس والخمسون
تطييب جسد يسوع



جلست العذراء المباركة على قطعة قماشِ كبيرِ فُرشت على الأرضِ، وأسندت ظهرها على بعض العِبيِ الملفوفة معا لتُشكّلَ مسندِ. لم توجد وسيله ما تستطيع بأية طريقة أن تخفف من آلامها ومن مأساة نفسها العميقِة، لأن الواجب المحزن والذي بغاية القداسة والذى كَانتْ عَلى وَشَكِ أَنْ تُنجزَه يتعلق بجسد ابنها الحبيبِ. استقرت رّأس يسوع على ركبةِ العذراء مريم، ووضع جسده على ملاءة. العذراء المباركة قَدْ غُمِرتْ بالحُزنِ والحبِّ. مرة أخرى، وللمرة الأخيرةِ، أخذت بين ذراعيهاِ جسدِ ابنها الحبيب، الذي كَانتْ عاجزةَ عن أَنْ تُقدم له أي شهادةِ حبِّ خلال سّاعات استشهاده الطّويلة. وقد حَدّقتْ فى جراحه واحتضنت خديه الملطّخة بالدمِاء بحنان، بينما ضمت المجدلية قدميه على وجهها.
مضى الرّجال إلي مغارة صغيرة تقع على الجانبِ الجنوبي الغربي من الجلجثةِ، ليَعدوّاَ هناك الأشياء الضرورية للتَكفين؛ ظل كاسيوس بعيدا مع بضع من الجنودِ الذين قَدْ اهتدوا، كل الأشخاصِ النّاقمين قَدْ رُجِعوا إِلى المدينةِ، والجنود الذين كَانوا حاضرينَ خُدِموا بشكل مجرّد ليُشكّلوا حراسة ليَمْنعَوا أي مقاطعةِ للإكرام الأخيرِ الذي كَانَ يُعدَ لجسدِ يسوع. بعض هؤلاء الجنودِ قدموا مساعدة عندما رَغبَوا. حملت النِّساء القديّسات الأواني والإسفنج والكتّان والحنوط حسبما يُطلب؛ لكن عندما كانوا لا يُطالبون بشئ كانوا يظلوا مبتعدين، يحدقون بيقظة على العذراءِ المباركةِ بينما هى ماضية في مهمتها الحزينةِ، لم تترك المجدلية جسد يسوع؛ وقدم يوحنا المساعدةَ للعذراءِ المباركِة، وذَهبَ وعاد بين الرّجالِ والنِّساءِ، مُقدما معونة لكليهما. النِّساء كَانَ معهم بعض الزّجاجاتِ الجلديةِ الكبيرةِ وأناء ممتلئ بالماءِ موضوع على فحمِ مشتعل. أعطوا العذراءَ المباركةَ والمجدلية، حسب ما يَطلّبان، آنية ملآنة بالماءِ النظيف والإسفنج، الذي كانوا يعَصرونه بعد ذلك في الزّجاجاتِ الجلديةِ.
تواصلت شّجاعة وثبات مريم في وسطِ آلامها المتعذر وصفها . بالتأكيد كان من المحال لها أَنْ تَتْركَ جسد ابنها في الحالة المُخيفة التي كَان عليها من قبل آلامه، ولهذا بَدأتْ بنّشاط جاد تَغْسلَ وتَُطهر جسده المقدس من آثارِ الإساءةِ التي ارتكبت ضده. جذبت بعناية فائقة تاجَ الشّوكِ، فْتحته من الخلف، وبعد ذلك نزعت شوكة تلو الأخرى من الأشواك التي انغرست بعمق في رأسِ يسوع، حتى لا تُوسّعَ الجراح. وضِعَت التّاج بجانبِ المساميرِ، وبعد ذلك نزعت الأشّواكَ التي بَقيتْ في الجلدِ بكلاباتِ , وأرتهم بحزن إِلى أصدقائها. هذه الأشّواكِ قَدْ وُضِعتْ مع التّاجِ، لكن بعضها لابد أَنْه حُفَظ منفصلاً.
وجه مُخلصنا الإلهى كَانَ ممكن تميزهً بالكاد، كان بغاية التشَوّهَ بالجراحِ التي غَطته. اللّحية والشّعر قَدْ تغُطّيا بالدّمِاء. غَسلَت العذراء مريم الرّأسَ والوجهَ، ومررت إسفنج مبلل على الشّعرِ لتُزيلَ الدّم المُتجلط، وكلما كانت تمَضى في مهمتها المقدسة، كلما تظهر أكثر مدى القسوةِ المُرعبةِ التي مورستْ ضد يسوع، وكانت مشاعرها تزدِاد حنوا وألما كلما عَبرتْ من جرحِ إِلى آخرِ. لقد غَسلتْ الرّأس والعينان التى كانت ملآنة بالدّم وكذلك الأنف والآذنان بإسفنجةِ وقطعةِ صغيرةِ من الكتان فردتها على أصابعِ يدّها اليمنى؛ وبعد ذلك غسلت بنفس الأسلوب الفم النّصف مَفْتُوح واللّسان والأسنان والشّفاه. ثم قَسّمتْ ما تبَقيْ من شّعرِ يسوع لثلاثة أجزاء , جزء ينسدل على كل خد، والثالث على رأسه من الخلف؛ وعندما حَلّتْ مقدمة الشّعر وصففته وضعته خلف آذانه. عندما أكملت غسل الرّأس، غطتها بمنديل بعد ما قَبّلَت خدي ابنها الحبيبِ. ثم اهتمت بالرّقبةِ والكتفين والصدر والظهر والأيدي المثقوبة. كل عظامِ الكتف والمفاصل قَدْ تخُلِعت ولم يكن من الممكن ثنيها. كَانَ هناك جرحَ مخيفَ على الكتفِ الذي حَملَ الصليبِ، وكل الجزءِ العلوي من الجسدِ قَدْ تغُطّى بالكدماتِ وتأثرت بعمق من ضرباتِ السّياطِ. عند الثدي الأيسر كَانَ هناك جرحَ صغيرَ حيث خَرجتْ منه حربة كاسيوس، وعلى الجانبِ الأيمن كَانَ يوجد الجرحَ الكبيرَ الذى صُنع بنفس الرّمحِ، والذي ثَقبَ القلب من جهتين. غسلت العذراء مريم كل هذه الجراحِ، والمجدلية، على رُكَبتيها، تسَاعدها من وقت لآخر؛ لكن بدون تَرْكَ قدميِ يسوع، التي غسلتها بدّموعِها ومَسحتْهما بشعر رأسها.
رّأس وصدر وأقدام يسوع قَدْ غُسِلت الآن، واستقر الجسد المقدّس على رُكَبتيِ مريم ، هذا الجسد الذي تغُطّى بعلامات سّمراءِ وحمراءِ في الأماكنِ التى كان الجلد فيها قَدْ تمُزّقَ، وبلونِ أبيضِ مزرق، مثل اللّحمِ الذي صُفى من الدّمِ، غَطّت العذراء الأجزاء التي غَسلتْها بمنديل، وبعد ذلك مَضتْ فى تتُطيب كل الجراحِ. النِّساء القديسات سَجدنَ بجانبها، وتباعاً قَدّمنَ لها الصّندوقِ، الذى كانت تأخذ منه بعض الحنوط الثّمينِ، وتملئ وتغَطّيْ الجراح. دَهنتْ الشّعرَ أيضا، وبعد ذلك، أْخذُت أياديَ يسوع في يدها اليسرى، قَبّلتهم ومَلأَت الجراح الكبيرة التى أحدثتها المسامير بهذا الحنوط. مَلأتْ الآذنينَ والأنف وجرح الجنبِ بنفس الخليطِ الثّمينِ. في نفس الوقت مسحت المجدلية أقدام الرب وطيبتهما، وبعد ذلك غَسلتهما ثانية بدموعها، وضمتهما إلى وجهها.
الماء الذي كَانَ يستعملَ لم يكنَ يَرْمي، بل كان يُصَبَّ في زّجاجاتِ جلديةِ بعصر الإسفنج فيها. لقد رَأيتُ كاسيوس وبعض الجندِ الآخرينِ يَذْهبُون عدَة مرات ليَجْلبَوا ماء عذب من نبع جيحون، الذي لم يكن على مسافةُ كبيرة. عندما ملأت العذراء المباركة كل الجراحِ بالحنوطِ، أغَلقتْ العينان النّصفَ مفتوحةَ، وأبقت يدّها فوقها لبعض الوقتِ. أغَلقتْ الفمَ أيضا، وبعد ذلك احتضنت جسد ابنها الحبيبِ، ضمت وجهه بحنان وتبجيل على وجهها ثم لَفّتْ الرّأسَ بالكتان. يوسف الرامى ونيقوديموس كَاناَ يَنتظرُان، عندما اقتربَ يوحنا إِلى العذراءِ المباركِ وتَوسّل إليها أَنْ تسمح لهم بأخذ جسد ابنها منها، لإكمال التطييب لأن السبت كَانَ يلوح. احتضنت مريم جسد يسوع المقدّس مرة أخرى، ونطقت بكلمات وداعها بلهجة بغاية التأثر، وبعد ذلك رَفعوه الرجال من حضنها على ملاءة، وحَملوه على بعد خطوات. حُزن مريم العميق قَدْ خَفَّ بمشاعرِ الحبِّ والوقارِ التي أتمّتْ بها مهمتها المقدّسة؛ لكن حزنها قد غْمرها الآن مرة أخرى، ووقعت بين أيادي النِّساءِ القدّيساتِ. شَعرت المجدلية كما لو أن حبيبها سيؤخذ منها بعيدا قسراً، وجَرت للأمام بضعة خطوات بعجالة، وذراعيهاِ ممدودتان للأمام؛ لكن بعد لحظةِ، رَجعَت إِلى العذراءِ المباركةِ.
  رد مع اقتباس