عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الخامس والخمسون
إنزال يسوع من على الصّليب




في الوقت الذى ترك فيه الجميع الصليب، وقف الحرّاس فقط حوله، رأيت خمسة أشخاص، أعتقد إنهم كانوا من التلاميذ، والذين يأتون من الوادي من بيت عنيا، اقتربوا من الجلجثة، نظروا لبضع لحظات على الصّليب، وبعد ذلك انصرفوا. ثلاث مرات التقيت في المنطقة بالرّجلين اللذان كانّا يتشاوران سوياً. هذان الرّجلان كانا يوسف الرامى ونيقوديموس. أول مرة كانت خلال الصّلب عندما تسبّبوا فى استعادة ملابس يسوع من الجنود، ولم يكونا حينئذ على مسافة كبيرة من الجلجثة. المرة الثّانية كانت عندما وقفا لينّظرا إن كانت الحشود قد تفرّقت أم لا، ثم ذهبا إلى القبر ليعدا بعض التّجهيزات. المرة الثالثة كانت عند عودتهم من القبر إلى الصليب، كانوا ينظران حولهم في كل اتجاه، كما لو أنهم ينتظرون لحظة مواتية، وبعد ذلك قرّرا سوياً أنهما يجب أن يُنزلا جسد يسوع عن الصليب، بعد ذلك عادا إلى المدينة.
اهتمامهم كان منحصر فى عمل الترتيبات لحمل الأشياء الضّرورية لتكفين الجسد، وأخذ خدامهم بعض الأدوات اللازمة لإنزال جسد يسوع من الصّليب، وأيضا سلّمان وجدوهما داخل مخزن قرب منزل نيقوديموس.
المرأة التي اُشترى منها الحنوط كانت قد حزمتها سوياً. أشترى نيقوديموس ما يزن بمائة دينار من الحنوط. حمل الخدم تلك الحنوط في سلال من القش معلّقة حول رقابهم وتستقر على صدورهم. إحدى هذه السلال احتوت على نوع من المساحيق. كان يوجد معهم أيضا حزم من الأعشاب في حقائب مصنوعة من رقّ الكتابة أو الجلد، وحمل يوسف الرامى صندوق به نوع من المراهم. وكان الخدم يحملون آنية وزجاجات جلدية وإسفنج وبعض الأدوات على نقالة، واخذوا أيضاً نار في فانوس مغلق. تركوا المدينة قبل سيدهم ومن بوّابة مختلفة ربما تكون بوابة بيت عنيا، وبعد ذلك اتجهوا نحو جبل الجلجثة. بينما كانوا يسيرون فى المدينة عبروا على دّار كانت توجد بها العذراء المباركة مع القديس يوحنا والنساء القديّسات لإعداد متطلبات تكفين جسد يسوع، وتبع يوحنا والنّساء القديّسات الخدم. النّساء كنّ خمسة، البعض منهن حملن حزم كبيرة من الكتان تحت عبيهم. كان ذلك عُرف‏ يتبعه النّساء عندما يخرجن في المساء، أو إن اعتزموا أن يؤدّون عمل رحمة سراً، يلفون أنفسهم بحذر بملاءة طويلة.
كان يوسف الرامى ونيقوديموس في ثياب الحداد، ولبسوا أكمام سوداء وأوشحة‏ عريضة. عباءتهم جذبوها على رؤوسهم، كانت عريضة وطّويلة، لونها رمادي وتخفي كل شيء يحملونه.
اتجهوا نحوِ بوّابةِ تَقُودُ للجلجثة. الشّوارع كانت مهجوِرةْ وهادئة، لأن الرّعبِ جعل كل شخصَ يلزم بيته. عدد عظيم كَانَ قد بْدأُ يتوب، ولكن قلة كاَنت تستعد للعيد. عندما وَصلَ يوسف ونيقوديموس إلى البوّابة وَجدوها مغَلقةَ، والطّرق والشوارع وكل زاويةِ مكتظة بالجنودِ. هؤلاء كَانوا الجنودَ الذين طلبهم الفريسيون فى حوالي الساعة الثانية، والذين ظلوا بأسلحتهم وعلى أهبة الاستعداد، حيث كانوا لا يزالوا يَخَافونَ الشغب بين الشعب. أظهر يوسف أمر موَقّعَ مِن قِبل بيلاطس، أَنْ يجعلوهم يَعْبرون بحرية، والجنود كَانوا راغبينِ أن يفَعلونَ ذلك، لكن وَضّحَوا له إنهم سعوا عدة مرات أَنْ يَفْتحَوا البوّابة، لكنهم لم يستطيعوا تحريكها؛ أظهر ذلك بجلاء أن البوّابة حدث بها عيب في بعض أجزائها؛ ولذلك أضطر الجنود الذين أرسلَوا ليَكْسرواَ سيقان اللّصوصِ أَنْ يعودوا إِلى المدينةِ من بوّابةِ أخرىِ. لكن عندما أمسك يوسف الرامي ونيقوديموس بمقبض البوابة، انفتحت وكأنها تنفتح من تلقاء نفسها، مما أثار دهشة جميع الحاضرين.
كانت الظلمة قد بدأت والسّماءُ كانت غائمةُ عندما وَصلوا جبل الجلجثةَ، حيث وَجدوا الخدمَ الذين كَانوا قَدْ أُرسلوهم قد وْصُولوا بالفعل، والنِساءِ القدّيسات جالساتِ يَبْكين أمام الصّليب. كاسيوس وبِضْعَة جنود كانوا قد أمنوا ظلوا قريبين، وسلوكهم كَان مُحترمَ ومتحفظ. وَصفَ يوسف ونيقوديموس للعذراءِ المباركة ويوحنا كل ما فعَلوه من أجل أَنْ يُنقذوا يسوع من الموتِ، وعرفا منهم كيف إنهم نَجحوا في مَنْعِ كسر عظامِ يسوع، وهكذا تحققت الّنبوءة . تَكلّموا أيضا عن الجرحِ الذي أحدثه كاسيوس برمحه. ما أن وصل ابن أدار القائد الروماني حتى بدءوا عملهم المحزن والمقدّس لإنْزالِ جسد إلهنا الحبيب من على الصّليبِ وتطييبه .‏
جلست العذراء المبارك والمجدلية أسفل الصّليبِ؛ بينما، على الجهة اليمنىِ، بين صليبِ ديماس وصليب يسوع، انشغلت النِّساء الأخريات في إعْداْدِ الكتانِ والحنوط والماء والإسفنج والأواني. تَقدّمَ كاسيوس أيضا، وروى لأبن ادار الشفاء المعجزى لعينيه. الجميع كان متأثراً بعمق وكانت قلوبهم تَفِيضُ بالحُزنِ والحبِّ؛ لكن، في نفس الوقت، ظلوا صامتين وكل حركةِ كَانت ممتلئة بالمهابة والرزانة‏. لم يكَسرَ هذا السّكونَ سوى كلمة حزن، أو آهة تفلت من هنا أو من هناك من هؤلاء الأشخاص القدّيسين، على الرغم من تلهّفهم الجادّ وانتباههم العميق إلى عملهم. أفَسحت المجدليةَ المجال لأحُزانها، ولم يلهيها حضورُ عديد من الأشخاصِ المختلفين، ولا أي اعتبار آخرِ عن ذلك .
وضع نيقوديموس ويوسف السّلمان خلف الصليب وصَعدا عليهما، ممسكين في أياديهم بمُلاءة‏ كبيره، عبارة عن ثلاث أشرطة طويلة مثبته معا. رَبطا جسدَ يسوع، من تحت الذراعين ومن عند الرُّكَبتين بعمود الصليب، وثَبّتا‏ الذراعين بقِطَعِ من الكتان وَضعتْ أسفل اليدين. ثم اقتلعا المسامير، بدَفْعها من الخلف بأوتاد قويةِ. بينما كانت المسامير تُزالَ عنوة بطرقات المطرقةِ، كانت العذراء المبارك والمجدلية، وكل أولئك الذينِ سَبَقَ أَنْ كَانَ حاضرَين الصّلبِ، يشعرون بكل ضربةِ وكأنها تَطْعنُ قلوبهم. أعاد الصّوتُ لأذهانهم رؤى كل آلامِ يسوع، ولم يتَمَكّنوا من أَنْ يُسيطروا على خوفهم المرتجفِ، خشية أن يَسْمعوا صراخه الحاد من الألمِ ثانية؛ ولو إنهم، في نفس الوقت، حَزنوا من صمتِ شفاهه المباركة، التي بَرهنتْ، بكل أسف، أنه قد ماتَ حقاً.
لم تسقط أيادي يسوع المقدّسة، وخرجت المسامير من الجراحِ؛ لأن تلك الجراح كَانَت قَدْ كبرت بتأثير ثقل الجسدِ، الذي لكونه ممسوك بالقماشِ، لَمْ يَعُدْ مُعلق من المسامير. الجزء الأسفل من الجسد، الذي منذ موت إلهنا قَدْ أنحدر لأسفل على الرُّكَبتينِ، استقر الآن بوضع طبيعيِ، مسنود بالملاءة المرَبوطةَ من أعلى بذراعي الصّليبِ. بينما كان يوسف الرامى يُخرجُ المسمار من اليد يسرىِ، وبعد ذلك يَسْمحُ للذّراع، مدعوما بقماشه، أَنْ تَنزل بهدوء لأسفل على الجسدِ، نيقوديموس كَانَ يَرْبطُ الذّراع الأيمن ليسوع بذراع الصليب، أيضا الرّأسِ المُتَوَّجهِ المقدّسِة، التي مالت على الكتفِ الأيمن. ثم أخرج المسمار، وبعد ما أحاطَ الذّراع بملاءة، تَركها تنزل بهدوء عِلى الجسدِ. في نفس الوقت، أقتلع ابن ادار بصّعوبةِ عظيمةِ، المسمار الكبيرَ الذي أخترق القدمين. تناول كاسيوس المسامير بخشوع ووَضعها عند قدمي العذراءِ المباركةِ.
بعد أن وَضعَ يوسف الرامى ونيقوديموس السلمان أمام الصّليبِ، بوضع قائم جداً، وقرب الجسدِ، حَلاَ الشّريطَ الأعلى، وثبتوه بأحد الخطّافاتِ على السّلّمِ؛ ثم فعَلوا نفس الشيء مع الشريطان الأخريانِ، وَنْقلُوهم جميعا من خطّافِ إلى خطاف، مما جعل الجسدَ المقدّسَ يَنحدرَ بهدوء نحو القائد الروماني، الذي بعد أن صَعدَ على كرسي صغيرِ تناوله بين ذراعيهِ، وأمسكه من أسفل الركبتين؛ بينما يوسف الرامى ونيقوديموس، يسندان الجزء الأعلى من الجسد، ينزلان بهدوء علىِ السلم، متوقفين عند كل درجه، وبغاية الحرص القابل للتخيل، كرجال يَحْملُون جسد صّديقِ محبوبِ قَدْ جُرِحَ بشدة. هكذا نزل جسدَ مُخلصنا الإلهى إلى الأرضِ .
لقد كان من أكثر المناظر المؤثرة. الجميعً قد أظهر نفس الحَذّر، نفس العناية، كما لو إنهم يخشون أَنْ يُسبّبوا ليسوع بعض الألمِ. لقد بدوا أنهم يركزون على الجسدِ المقدّسِ بكل الحبِّ والتّبجيلِ الذي شعروا به نحو مُخلّصهم خلال حياته. أعين الكل قَدْ ثُبّتتْ على الجسدِ الجدير بالحب‏، وتتبع كل ما يحدث له؛ وكَانوا يَرْفعونَ أياديهم نحو السماء بشكل مستمر, ذارفين الدموع، ويعبرون بكل طريقِ ممكنة عن زيادةِ أساهم وآلامهم. ومع ذلك فأنهم ظلوا جميعاً هادئَين تماماً، وحتى أولئك الذين كانَوا مشغولين جداً بأمور الجسدِ المقدّسِ كانوا يؤدون أعمالهم بغاية الهدوء، وعندما كانوا يضطرون أَنْ يتكلموا لإبداء ملاحظةِ ضّروريةِ، كانوا يفعلون هذا همساً .
عندما نزل الجسد لُفَّ في الكتان من الرُّكَبتينِ إِلى الخصرِ، وبعد ذلك وَضعَ في أحضان العذراءِ المباركةِ، التي مدت أياديها لتحتضن بكل الحُزنِ والحبِّ، جسد ابنها وإلهها الحبيب.


  رد مع اقتباس