07 - 11 - 2012, 05:03 PM
|
رقم المشاركة : ( 6 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل الثالث والخمسون
طعن جنب يسوع
موت اللّصين
ساد الصمت حول الجلجثة بينما كانت تحدث هذه الأحداث في أورشليم. تفرّقت الجماهير التي كانت منذ وقت قصير صاخبة وهائجة؛ الكل كان مذعوراً؛ مشهد ذلك الرّعب قد انتج توبة صادقة فى البعض, لكن البعض الآخر لم يُحدث تأثير ذو قيمة.
كل من العذراء مريم ويوحنا والمجدلية ومريم التى لكلوبا وسالومه ظلوا أمام الصليب أمّا واقفين أو جالسين أمام الصّليب يبكون بصمت. كان هناك بضع جنود يتكئون على مِصْطَبَة بقرب الربوة؛ كاسيوس كان يروح ويجئ؛ السّماء كانت مكفهرة، واكتست كل الطّبيعة بالحداد. ظهر ستة جنود جالبين معهم سلالم وجواريف وحبال وهراوات حديدية كبيرة لأجل كسر سيقان المصلوبين، ليعجّلوا بموتهم. عندما اقتربوا من صليب يسوع، تراجع رفاقه بضع خطوات للخلف وغشي العذراء المباركة الخوف خشية أن يُطلِقون العِنان لكراهيتهم ليسوع بإهانة حتى جسده الميت. لم يكن خوفها بلا أساس، لأنهم عندما وضعوا سلالمهم على الصّليب أعلنوا أنّه فقط يدعى الموت؛ في بضع لحظات رأوا أنّه كان بارداً ومتصلباً، تركوه، وأزالوا سلالمهم إلى الصّليبين اللذين كان لا يزال اللّصين معلّقين عليهما أحياء. رفعوا هراواتهم الحديدية وكسروا أذرع اللّصين من أعلى وأسفل المرفق؛ بينما كسر جندي آخر في نفس اللحظة سيقانهما، من أعلى وأسفل الرّكبة. أطلق جيماس صرخات مخيفة، لهذا قتلوه بثلاث ضربات من هراوة ثقيلة على صدره. أطلق ديماس آهة عميقة ومات: لقد كان الأول بين الهالكين الذي كان لديه الفرح بالانضمام ثانية إلى فاديه. ثم حلوا الحبال وسقط الجسدان على الأرض، وجرهما الجنود إلى مستنقع عميق، بين الجلجثة وأسوار المدينة، ودفنوهما هناك.
كان الجنود ما زالوا مرتابين من موت يسوع، والوحشية التى أظهروها في كسر سيقان اللّصين جعلت النّساء القدّيسات يرتعدن لما يمكن أن يرتكبونه ضد جسد يسوع. لكن كاسيوس، الضّابط الشاب الذى كان فى حوالي الخامسة والعشرون من العمر، قد أنير فجأة بالنّعمة، وتأثر تماما من التّصرف القاسي للجنود ومن الحزن العميق للنّساء القدّيسات، فقرر أن يهدأ قلق الجنود بإثبات أن يسوع قد مات حقاً. شفقة قلبه حثّته، لكن بشكل غَيْر مقصود منه, لتتحقق النبوءة, أخذ رمحه في كلتا يديه ودفعه بالكامل في الجانب الأيمن ليسوع إلى درجة أنه اخترق القلب وظهر من الجانب الأيسر. عندما أخرج كاسيوس رمحه من الجرح تدفق منه دّما وماء على وجهه وجسده. هذه النوع من الاغتسال انتج تأثيرات مشابهة لتأثير مياه المعمودية: النعمة والخلاص دخلا نفسه فى الحال. قفز من على حصانه وألقى بنفسه على ركبتيه وقرع صدره، واعترف بصوت عالي أمام الجميع بإيمانه الراسخ بألوهية يسوع.
العذراء المباركة ورفيقاتها كن لا يزلن واقفات قريبا وأعينهم مثبّتة على الصّليب، لكن عندما دفع كاسيوس الرمح في جانب يسوع كن مذهولات، وأسرعن عائدين له. بدت مريم وكأن الرّمح قد طعن قلبها هى وليس قلب ابنها الإلهي، وبالكاد استطاعت أن تسند نفسها. كاسيوس ظل ساجداً أثناء ذلك وشكر الرب، ليس فقط عن النّعم التى نالها بل أيضاً على شفاء عينيه، التي كانت مصابة بالضّعف والحول. هذا العلاج اثّر في نفس اللّحظة على الظّلمة التي كانت تملأ نفسه سابقا وقد أزيلت الآن.
تعمّد كاسيوس باسم لونجينوس وصار برتبة شمّاس، وبَشَّر بالإيمان. وحفظ دائما البعض من دماء السيد المسيح، ووجدوها داخل تابوته بإيطاليا.
تأثر كل قلب من منظر الدماء التى تدفقت من يسوع والتي سالت إلي تجويف فى الصّخر عند موطئ الصّليب. جمّعت العذراء مريم ويوحنا والنّساء القديّسات وكاسيوس الدّماء والماء في قوارير، ومسحوا من تبقى بقطع من الكتان.
كاسيوس، الذي أستعاد قوة أبصاره, انفتحت تماما عيني نفسه في نفس اللّحظة، لقد تأثر بعمق، واستمرّ فى صلاته لشّكر الرب. أصيب الجنود بالدّهشة من المعجزة الذي حدثت، والقوا أنفسهم على ركبهم بجانبه، قارعين في نفس الوقت صدورهم مُعترفين بيسوع. استمر الماء والدّم يتدفّقان من جرح يسوع الكبير الذى في جنبه؛ حتى أنه سال نحو تجويف في الصّخر والنساء القدّيسات يضعنه في آواني، بينما العذراء مريم والمجدلية يمزجنه بدموعهم. تسلم الجنود رسالة من بيلاطس، يأمرهم فيها بألا يمسّوا جسد يسوع.
حدثت كل هذه الأحداث قرب الصّليب، قبل الرابعة بقليل، بينما كان يوسف الرامى ونيقوديموس يجمّعان سوية الأشياء الضرورية لدفن يسوع. لكن خدم يوسف الرامى بعد ما أرسلوا لينظّفوا القبر، أخبرهم رفاق يسوع أن سيدهم نوى أن يأخذ جسد يسوع ويضعه في قبره الجديد. عاد يوحنا فى الحال إلى المدينة مع النّساء القديّسات؛ لكى تستعيد العذراء قوتها قليلا، ولكى يشتري بعض الأشياء التي ستتطلّب للدّفن. كان للعذراء المباركة مسكناً صغيراً قريباً بين البنايات. لم يدخلوا المدينة من خلال البوّابة التي كانت بقرب الجلجثة، لأنها أغلقت، وكانت تحت حراسة الجنود الذين وضعوا هناك من قبل الفريسيون؛ لكنهم ذهبوا خلال تلك البوّابة التي تقود إلى بيت لحم.
|
|
|
|