عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل التاسع والثلاثون
الحكم على يسوع بالصلب


بيلاطس، الذي لم يرد أَنْ يَعْرفَ الحقيقة، بل كَانَ حريصاً فقط أَنْ يَخْرجَ من المأزق بدون مشاكل، صار متردداً أكثرَ من ذى قبل؛ هَمسَ ضميره داخله : " أن يسوع برئُ " قالتْ له زوجته " إنه قدّيسُ " مشاعره المؤمنة بالخرافات جَعلته يَخَافُ من أنّ يكون يسوع فعلا عدواً لآلهته؛ وجبنه مَلأه بالُخوفِ لئلا يُنتقم يسوع لنفسه إن كان هو فعلا الرب. لقد كَانَ غاضَباً ومنتبّهَ لكلمات يسوع الأخيرةِ، وحاول مرة أخرى إطلاق سراحه؛ لكن اليهودَ هَدّدوه فى الحال إنهم سيتّهمونهِ أمام الإمبراطورِ. هذا التّهديد أفزعه، وقرر أن يذعن لرغباتهم، مع أنه مقتنعَ ببراءةِ يسوع بقوة، وواعيا تماماً أنه بنطق عقوبة الموتِ علي يسوع فإنه يَنتهكَ كل قوانينِ العدالةِ، هذا بالإضافة إلى نْكثُه بوعده الذى وعد به زوجته هذا الصّباحِ. وهكذا ضحى بيسوع، وسْعي إلى أن يرضى ضميره بغَسْلِ يديه أمام الشعب قائلا " إنى بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ. فَانْظُرُوا أَنْتُمْ فِي الأَمْرِ!. " عبثاً تُعلنُ هذه الكَلِماتِ يا بيلاطس, لأن دمه على رأسك أيضاً؛ أنك لا تستطيع أن تغسلَ دماه لا عن نفسك، ولا عن يديك
ما أن تَوقّفَت تلك الكَلِماتِ المخيفةِ : " دمه علينا وعلى أولادنا " عن أن تَدوّي، حتى شرع بيلاطس فى إعداد حكم الموت. طَلبَ الرداء الذي يرتديه فى المناسباتِ الرسمية، وَضعَ تاجاً مرصع بمجموعة من الأحجار الكريمةِ على رأسه، غَيّرَ عباءته وجعل عصا أمامه. لقد كان مُحاطَاً بجنودِ وضبّاطِ المحكمةِ، وبعض الكتّبِة، الذين حَملواَ رقائق الكتابةِ وكتبِ تستعملَ لكِتابَةِ الأسماءِ والتواريخِ. سار رجلُ إلى الأمام وكان يحَملَ بوقاً. تقدَّم‏ الموكبُ بهذا الترتيب من قصرِ بيلاطس إِلى الساحةِ، حيث يوجد مقعد مرتفع، يُستعمل فى هذه المناسباتِ الخاصةِ، موُضِوعَ قبالة العمود حيث جُلِدَ يسوع. هذه المحكمةِ تُدعِي جَبَّاثَا؛ أنها شرفة واسعةِ مستديرةِ، يُصَعدَ إليها بدرج؛ يوجد بها مقعدَ لبيلاطس، وخلف هذا المقعدِ منصة، ويصطف عددَ من الجنودِ حول الشرفة وكذلك على الدرج. غادر عديد من الفريسيون القصر ومضوا إلى الهيكلِ، وتبع حنان وقيافا وثمانية وعشرون كاهناً الحاكم الرّوماني إِلى الساحةِ، وأُخذا اللّصان إلى هناك في ذلك الوقت الذي قَدّمَ فيه بيلاطس مُخلصنا إِلى الشعب قائلا :" انظروا الرجل "
كان يسوع ما زالَ يكتسي بردائه الأرجواني وتاج الشّوك على رأسه، ويداه مقَيّدتان، عندما أحضره الجنود إِلى المحكمةِ، ووَضعاه بين الشّريرين. ما أن جلس بيلاطس، حتى بدأ يخاطب أعداءَ يسوع ثانية بهذه الكَلِماتِ " اَنْظرُوا ملككَم! " لكن نداءاتَ " أَصْلبه! أصلبه! ' دَوّت من كل جانبِ. قال بيلاطس " أأصْلبُ ملككَم؟ ". رَدَّ كبار الكهنة " لَيْسَ لنا ملكُ سوى قيصرَ!" .
وَجدَ بيلاطس أنه لا يجدي بالمرة أَنْ يَقُولَ أي شئ آخر، ولهذا شَرعَ فى إعداد حكم الموت. اللّصان كانا قد تلقيا الحكم بصلبِهما من قبل؛ لكن كبار الكهنة قَدْ حَصلوا على تأجيلِ لهما، من أجل أن يُصلب يسوع معهما ليَعاني عاراً إضافياً لَكُونُه يُصلب مع مجرمين من أردأ المجرمين. صليبا اللّصان كَانا بجانبهما؛ أما صليب يسوع لم يكن قد جُلب بعد، لأنه لم يكَنَ قد حُكمَ عليه بالموتِ حتى الآن.
اقتربتَ العذراء المباركة لتَسْمعَ النطق بعقوبة الموتِ على ابنها وإلهها. وَقفَ يسوع وسطِ الجنود، عند بداية السّلمِ الذى يُؤدّي إلى المحكمةِ. دوى البوق ليَطْلبَ الصمت، وبعده أعلن القاضي الجبان، بصوتِ مرتجفًِ مترددً، عقوبة الموتِ على الإنسان البارِ. أنهكني منظر جبنِ ونفاق هذا الإنسان، وكذلك بهجة الجلادين ووجوه كبار الكهنة الذين بدوا منتصرين، بالإضافة إِلى الحالة المحزنةِ التي وصل إليها مُخلصنا الحبيب، وأسى أمه الحبيبة, كل ذلك زِادَ من آلامي. نَظرتُ ثانية، ورَأيتُ اليهود القساة يَلتهمونَ تقريباً ضحيّتهم بأعينهم، الجنود يَقفونَ ببرود، وحشود من الشّياطينِ المروّعةِ تَعْبرُ ذهاباً وإيابا وتخَتلْط بالحشودِ. شَعرتُ أنّي كَانَ يجبُ أَنْ أكُونَ في موضع يسوع، عريسي الحبيب، لأن العقوبة حينئذ لَنْ تكون ظالمةَ؛ لكنى كنت مقهورة بالألمِ، وآلامي كَانت حادةَ جداً، حتى أنى لا أستطيع أَنْ أَتذكّرَ بالضبط كل الذي رَأيتُه. على أية حال، سوف أروى كل شئ تقريباً بقدر الإمكان .
بعد مقدمةِ طويلةِ، قَدْ أُعدّتْ بالدرجة الأولى‏ كقصيدة مدح للإمبراطور ِطيباريوس، تَكلّمَ بيلاطس عن الاتهامات الموجهة ضد يسوع من قِبل رؤساء الكهنة. قالَ إنهم قَدْ أدانوه إِلى الموتِ لكونه يُعكر السّلام العامّ، وكَسرَ ناموسهم بدُعوةِ نفسه ابن الرب ِوملكِ اليهودِ؛ وأن الشعب قَدْ طَالب بشكل جماعي أن حكمهم لابد أَنْ يُنفّذَ. هذا القاضيِ على الرغم من قناعته المتكرّرة ببراءةِ يسوع، لم يكن خجلاناً من أن يقَولِ أنه أيضاً احترم‏ قرارهم كقرار عادل، وإنه لهذا يَجِبُ أَنْ يعلنَ الحكم الذى صاغه في هذه الكَلِماتِ : " إني أُدينُ يسوع الناصري، ملك اليهودِ، بأنْ يُصْلَبُ " وأَمرَ الجلادين أَنْ يُحضروا الصّليب. أَعتقد أنى أَتذكّرُ أيضاً أنه اَخذَ عصا طويلةَ في يديه وكَسرها، وألقاها عند قدمي يسوع.
بسّماعِ كَلِماتِ بيلاطس هذه, أغمى على أم يسوع لبضع دقائق، لأنها تأكدت الآن أن ابنها الحبيبَ لابد أَنْ يَمُوتَ الموت الأكثر خزيا وألماِ. حملها يوحنا والنِّساء القديّسات، لَمْنعَ هذه الكائنات القاسية التي أحاطت بهم من أضافه جريمةِ إِلى جريمتهم بالسخْرِية منِ أحزانها؛ لكنها أفاقت بعد مدة قليلةَ وتوسلت لرفاقها أنْ يأخذوها ثانية إِلى كل بقعةِ قَدْ تقُدّستْ بآلامِ ابنها، من أجل أَنْ تُبلّلها بدموعها؛ وهكذا قامت أمَ إلهنا، باسم الكنيسةِ، بتكريم تلك الأماكنِ المقدّسةِ.ُ
كتب بيلاطس الحكم، وأولئك الذين وَقفوا خلفه نَسخوه فى ثلاث نسخ. الكَلِمات التي كَتبَها كَانتْ مختلفةَ تماماً عن الكلمات التي أعلنها؛ إنى أستطيع أَنْ أرى بوضوح أنّ ذهنه قَدْ تحرك على نَحْو مُفزِع‏, ظَهرَ ملاك كى يُوجّهَ يدّه. خلاصة الحكم المكتوبِ كَانتْ كالآتي : " لقد أُرغمتُ، خوفاً من التمردِ، أَنْ أخضع لرغباتِ رؤساء الكهنة والسنهدريم والشعب، الذين طَلبوا الموت بصخب‏ ليسوع الناصري، الذي اتّهموه بأنه يٌعكر السّلام العامّ، وأيضا لكونه يجدف ويكَسرَ ناموسهم. لقَدْ أسلمته لهم كى يُصْلَب، على الرغم من أن اتهاماتهم بَدت بلا أساسِ. لقَدْ فعلتُ هذا خوفا من وشايتهم للإمبراطورِ بأنني أُشجّعُ التمردَ، وأُتسبّبُ فى الاستياء بين اليهودِ بإنْكار حقوقهم فى العدالةِ." ثم كَتبَ لوحة للصّليبِ، بينما كان كتّابه ينَسخَون الحكم عدة مرات، لُترسل هذه النّسخِ إِلى المناطق البعيدةِ من البلدِ.
استاء رؤساء الكهنة بشدة من كَلِماتِ الحكم، التي قالوا إنها ليست صادقة؛ وأحاطوا المحكمةَ بصخب سْاعين أن يُقنعوه بأَنْ يُعدّلَ اللوحة، وأَلا يَضعُ كلمة ملك اليهودِ، بل أنه قالَ، أنا ملكُ اليهودِ. اغتاظ بيلاطس وأجابَ بشكل غير صبور، " ما قَدْ كَتبته قَدْ كَتبته! '
لقد كَانوا حريصينَ أيضاً على ألا يكون صليبِ يسوع أعلى من صليبي اللّصين، لكن ذلك كان ضروريَا، وإلا لن يكون هناك مكانَ كافٍ لوضع لوحة بيلاطس؛ لذا كانوا حريصين على أَنْ يُقنعوه بألا تُوضع هذه اللوحة البغيضِة بالمرة. لكن بيلاطس كان مصمماً ولم تؤثر كَلِماتهم عليه؛ لذا كان لابد من تطويل الصّليب بقطعةِ إضافية من الخشبِ. ولذلك كان شكل الصّليبِ مميزاً, بدا الذراعان مثل فرعىِ شجرةِ ينْموان من جذعِ شجرة، والشّكل كَان على شكل حرف y، الجزءِ السفلي أطَوّلَ لكي يرتفع بين الذراعين اللذين قَدْ وُضِعاَ منفصلين، وكَانَا أنحفَ من جسمِ الصّليبِ. سُمّرتْ قطعة خشب قرب نهاية ساق الصّليبِ لتستقر عليها القدمان.
خلال الوقت الذي كان فيه بيلاطس يُعلنُ حكمه الجائر، رَأيتُ زوجته، كلوديا بروكليس، تُرد له التعهد الذي سبق أن أعطاه لها، وفي المساءِ تَركتْ القصر وانضمت إلى رفاق يسوع، الذين أخفوها في قبو تحت الأرضِ في دارِ لعازر في أورشليم. بعد ذلك في نفس اليوم. صارت كلوديا بروكليس مسيحيةَ وتبعت القديس بولس وأصبحت أحد رفاقه المقربين .
ما أن أعلن بيلاطس حكمه على يسوع حتى أُسلم إلي أياديِ الجنود، والملابس التي قَدْ تبدلت في محكمةِ قيافا أعادوها إليه ليرتديها ثانية. أَعتقدُ أن بعض الأشخاصِ المُحسنين قَدْ غَسلوها، لأنها بدت نظيفة. الأشرار الذين أحاطوا بيسوع حَلّوا يديه ليبدل رداءه، وجذبوا العباءة القرمزية التي كَسوه بها ليسخروا منهِ، بذلك تفتحت كل جراحه مرة أخرى؛ أرتدي ملابسه بأيادي مرتعدة، والقوا وشاحه على كتفيه. ولأن تاجِ الشّوكِ كَانَ كبيراً جداً ومنِعَ العباءة الغير مُخيطة، التي صنعتها له أمه، من المرور من رأسه، نزعوه بقسوة، غير عابئين بالألمِ الذى وقعَ عليه. القوا رداؤه الصّوفي الأبيض بعد ذلك على كتفيه، وأعطوه حزامه العريض وعباءته. بعد هذا، ربطوا ثانية حلقه مغَطّاة بقطع حديديةِ مدببة حول خصره، ورَبطوا بها الحبالَ التي اُقتيد بها، فاعلين كل ذلك بقسوتهم الوحشيةِ المعتادةِ.
كَانا اللّصان يَقفانِ، واحد على يمينِ يسوع والآخرِ على يساره، أياديهم مقيدة وكانت توجد سلسلةَ حول رِقابهم؛ وقَدْ تغُطّوا بعلاماتِ سّوداءِ وزرَقاء مِن أثر الضرب, نتائج‏ الجَلْدِ فى اليومِ السّابقِ. وكان سّلوك أحدهم هادئاَ ومسالمَ، بينما الآخرِ على العكس، كَانَ عنيفا ووقحاً، وشارك الجنود في إهانةِ يسوع والتجديف عليه، بينما نَظرَ يسوع على رفيقيه بحبِّ وشّفقةِ، وقدم آلامه لأجل خلاصهما.
جمع الجنود كل ما هو ضروري من أدواتِ لأجل الصّلبِ، وأعدوا كل شيء للرّحلةِ الشاقة والمؤلمةِ إِلى الجلجثة .
تَخلّى حنان وقيافا أخيرا عن مُعَارَضَةِ بيلاطس، وانسحبا بغضب، آْخذُين رقّ الكتابةِ التي كُتِب عليها الحكم؛ خَرجوا في عجالةِ، خشية أَنْ يصلوا الهيكلِ متأخرين لذبح الفصحِ. هكذا فعَلَ رؤساء الكهنة بجهل‏، تاركين حملِ الفصحِ الحقيقيِ. لقد ذَهبوا إلى هيكلِ مصنوع من حجارةِ، ليذبحوا ذلك الحملِ الذي لم يكن سوى رمزَ، وتَركوا حملَ الفصحَ الحقيقيَ، الذي كَانَ يُقاد إِلى مذبحِ الصّليبِ مِن قِبل جلادين قساة؛ لقد كَانوا حريصين ألا يرتكبون أدنى تلوث خارجي، بينما كانت نفوسهم من الداخل مدُنّسَة بالكامل بالغضبِ والكراهية والحسد. لقَدْ قالوا " أن دمه علينا وعلى أولادنا ! " وبهذه الكَلِماتِ أتموا الطقس، حيث وَضع مُقدم الذبيحة يده على رأسِ الذبيحة. هكذا تشّكل طّريقان, طريق يقود إِلى مذبحِ يختص بالشريعة اليهوديةِ، وآخر يقود إِلى مذبحِ النّعمةِ.
اَخذَ بيلاطس، ذلك الملحد المتكبر والمتردّدِ، عبدِ ذلك العالمِ، الذي ارتعدَ في حضرة الإله الحقيقيِ، ومع ذلك مَجّدَ آلهته الكاذبة، طريقَاً متوسّطَاً وعاد إِلى قصره. صدر الحكم الجائر في حوالي العاشَرة صّباحاِ.




  رد مع اقتباس