07 - 11 - 2012, 04:53 PM
|
رقم المشاركة : ( 6 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل الثامن والثلاثون
الحكم علي يسوع
حينئذ عاد الجلادون القساة واقتادوا يسوع إلى قصر بيلاطس والعباءة القرمزية كانت ما زالت مُلقاة على كتفيه وتاج الشّوك على رأسه والقصبة في يديه المقيّدتين. لقد كان من المستحيل تمييزه بالمرة، عيناه، فمه، لحيته, الكل مُغطّى بالدّم، لم يكن جسده سوى جرح واحد، وظهره انحنى كأنه رجل مُسن، بينما كانت كل أطرافه ترتعد عندما يسير. عندما رآه بيلاطس واقفاً عند مدخل محكمته، حتى هو, وهو المعروف عنه القسوة, ارتخى وارتجف بالرّعب والحنو، بينما كان الكهنة البرابرة وعامة الشعب بعيدين عن الإحساس بالشفقة تجاهه، استمروا فى إهاناته والسخرية منه. عندما صعد يسوع الدّرج، تقدّم بيلاطس، أعلن البوق أنّ الحاكم على وشك أن يتكلّم، وخاطب رؤساء الكهنة قائلاً : " انظروا الرجل، لقد أحضرته إليكم، لكى تعرفوا أننّي لست أجد علة فيه. "
حينئذ اقتاد الجنود يسوع نحو بيلاطس، حتى يُمتع الشعب عيونهم القاسية مرة أخرى برؤيته، في الحالة المُزرية التى وصل إليها. مُهاناً ومُحتقراً حقا كان المنظر الذى قُدّم به، انفجر صياح الرّعب من الحشود، تلاه صمت مميت، عندما رفع يسوع بصّعوبة رأسه الجريح المتوّج بالأشّواك، وألقى نظرة منهكة على الحشود الثائرة. صاح بيلاطس بينما يشير إلى الشعب: " انظروا الرّجل! "
كراهية رؤساء الكهنة وتابعيهم كانت تزداد من منظر يسوع، وصرخوا : أسلمه إلى الموت؛ أصلبه. " فقال بيلاطس " ألستم قانعين. لقد نال عقاباً يكفي بدون شك أن يحرمه من كل شهوة لأن يجعل من نفسه ملكاً ", لكنهم صرخوا أكثر، وواصلت الحشود الصراخ : " اصلبه، اصلبه! " حينئذ قال بيلاطس : " خذوه أنتم واصلبوه، لأنى لست أجد علة فيه" أجاب الكهنة " نحن لدينا ناموسنا، وطبقا لذلك الناموس هو يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الرب. "
جملة "جعل نفسه ابن الرب" جددت رعب بيلاطس؛ فاخذ يسوع في غرفة أخرى وسأله؛ " من أين أنت ؟ " لكن يسوع لم يُجب. قال بيلاطس " ألا تكلمني؟ ألا تعلم أن لى سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك ؟ " فأجابه يسوع " ليس لك أي سلطان علىّ، ما لم يُعط لك من فوق؛ لهذا الذي أسلّمني إليك خطيئته أعظم. "
تردد وضّعف بيلاطس ملأ زوجته كلوديا بروكليس بالقلق؛ أرسلت له رسولا آخر، لتذكّره بوعده، لكنه رجع فارغاً بإجابة تعنى أنه يجب أن يترك القرار فى القضية فى النهاية إلى الآلهة.
بعد أن سمع رؤساء الكهنة والفريسيين عن جهود كلوديا لإنقاذ يسوع، أشاعوا بين الشعب، أن الموالين ليسوع قد أضَلوها، وأنه سيُطلق سراحه وبعد ذلك سينضم للرومان وسيجلب الدمار لأورشليم ويبيد اليهود.
كان بيلاطس في حالة من التّردد والاضطراب؛ لقد كان لا يعرف ما هى الخطوة التالية التى ينبغي عليه أن يخطوها، وخاطب أعداء يسوع ثانية بنفسه، مُعلناً أنه لا يجد أى جرم فيه لكنهم طلبوا موته بصورة أكثر شغباً. حينئذ تذكّر تناقض التهم الموجهة ضد يسوع وأحلام زوجته الغامضة، والتأثير الغير قابل للتفسير الذي أحدثته كلمات يسوع عليه هو شخصياً، ولهذا صمّم أن يسأله ثانية لكى يحصل على بعض المعلومات التي قد ترشده للطريق الذى يجب أن يتّبعه؛ لذا رجع إلى القصر، ذهب بمفرده في غرفة، وطلبت يسوع. نظر إلى الإنسان المعصور والناّزف أمامه، وصاح فى نفسه : " أيمكن أن يكون هذا إلهاً " ثم التفت إلى يسوع واستحلفه أن يخبره إن كان هو الرب، إن كان هو الملك الذي قد وُعد به اليهود، فأين مملكته تكون، وإلى أى صنف من الآلهة ينتمي, أما يسوع فقد لزم الصمت.
كان بيلاطس متردداً بين الخوف والغضب من كلمات يسوع؛ عاد إلى الشّرفة، وأعلن ثانية إنه سيطلق يسوع؛ لكنهم صرخوا " إن أنت أطلقت هذا الرّجل, فلن تكون مُحب لقيصر, لأن كل من يجعل نفسه ملكاً يكون ضد قيصر." آخرون قالوا إنهم سيتّهمونه إلى الإمبراطور بأنه أزعج عيدهم؛ وأنه لابد أن يقرر فى الحال، لأنهم ينبغى أن يكونوا في الهيكل قبل العاشرة ليلاُ.
دوّى صياح " أصلبه! أصلبه! " فى كل الجوانب؛ حتى أنها تردّدت من أسطّح البيوت التى قرب المحكمة، حيث تجمّع عليها عديد من الأشخاص. رأى بيلاطس أنّ كل جهوده عقيمة، وأنه لن يستطع أن يؤثر على الغوغاء الغاضبين؛ الذين كانت صرخاتهم ولعناتهم تصمّ الأذان، وبدأ يخاف من التمرد. حينئذ اخذ ماء وغسل يديه أمام الشعب قائلا : " إني برئ من دم هذا الرجل البار؛ أبصروا أنتم فى ذلك ", حينئذ صدر صياح مخيف وجماعي من الحشود التي تجمّعت من كل أجزاء إسرائيل " دمه علينا وعلى أبنائنا ".
|
|
|
|