عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:48 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثاني والثلاثون
يسوع أمام هيرودس


بُنِى قصر هيرودس في المدينةِ الجديدةِ على الجانبِ الشّماليِ للساحةِ؛ على مسافة ليست بعيدة عن قصر بيلاطس. سار الموكب برفقة جنودِ رومان. كان أعداء يسوع بغاية الغيظ لكونهم قَدْ أُرغموا على أَنْ يسلكوا الطريق ذهابا وإيابا، ولهذا نَفّسوا عن غيظهم فى يسوع.
سبق رسول بيلاطس الموكب، ولذلك كان هيرودس يَتوقّعهم. كان جالساً في قاعةِ واسعة ومُحاطاً مِن قِبل حاشيته وحراسه. دخل رؤساء الكهنة واتكئوا بجانبه، تْاركُين يسوع في المدخلِ. كان هيرودس مبتهجاَ ومسروراً كثيرا من بيلاطس لكونه اعترفِ علانية بحقه فى محُاكْمةِ الجليلى، واُبتَهَج أيضاً برُؤيةِ يسوع الذي لم يسَبَقَ أَنْ تَنازلَ وَظْهرَ أمامه وقد أهين بمثل هذه الحالة من الإذلالِ. فضوله قد أثير بشّدة بالتّعبيراتِ التي أعلن بها يوحنا المعمدان عن مَجيء يسوع، وسَمعَ كثيراً أيضاً عنه من هيروديا ومن عديد من الجواسيسِ الذين أرسلهم في مختلف المناطقِ: لهذا كَانَ مسروراً لكونه وجد فرصةِ لاسْتِْجوابه في حضورِ رجال حاشيته وكهنة اليهود، مَتمنّياً أَنْ يَقدم يسوع عرضاً كبيراً عن معرفته ومواهبه. ولكون بيلاطس قد أرسل له خطاباً يقول فيه : " أنه لم يستطع أَنْ يَجدَ علة في الرّجل " فقد استنتجَ بأن هذه الكَلِماتِ قَدْ تكون تلميحِ بأن بيلاطس يرَغبَ أن يُعامل مُتهمي يسوع باحتقار وارتياب. لهذا خاطبهم بأسلوب متغطرسِ بأقصى ما يستطيع مما زِادَ من غيظهم وغضبهم بما يفوق الوصف .
بدأ الجمع فى الحالً يَصِيح باتهامات سمعَها هيرودس بصعوبة، ولكونه اعتزم أن يرْضى فضوله باختبار سريع ليسوع، الذى تمنى كثيراً أَنْ يَراه. لكن عندما نَظره عاَرّيا من كل لباسِ باستثناء‏ عباءةِ وقادراً بالكاد أَنْ يَقفَ، وطلعته تشَوّهتْ بالكلية من الضّرب الذى ناله، ومن الطّينِ الذي ألقاه الرّعاع علي رأسه، استدارا الأمير المترف والمخنث في اشمئزازِ، ناَطقَا باسمَ الرب، وقال للكهنة بنغمةِ هى خليط من الرّحمةِ والاحتقار : " خذوه من هنا، ولا ترجعوه إلى حضرتي بمثل هذه الحالة المذرية ", أخذ الحرّاس يسوع إلي القاعة الخارجيةِ، ودبّروا بمشقّة‏ بعض الماءِ في أناء ونظفوا ملابسه المُلَوَّثةَ ووجهه المشَوّه؛ لكنهم لم يتَمَكّنوا من أَنْ يمنعوا توحشهم حتى بينما كانوا يفعَلَون هذا، ولم يبالوا بالجراحِ التى قَدْ تغُطّى بها.
أثناء ذلك تَحرّشَ هيرودس بالكهنة كما فعل بيلاطس وقال لهم " إن سلوككمَ يَشْبهُ جداً سلوك الجزارين، وها أنتمَ قد شْرعُتم فى ذبائحكم مبكّراً‏ في الصّباحِ." تلا رؤساء الكهنة اتهاماتهم فى الحال. أدعى هيرودس عندما جاء يسوع ثانية إلي حضرته أَنْه يَشْعرَ ببعض الشّفقةِ، وقدم له قدحاً من الخمر ليُجددَ قوته؛ لكن يسوع أدارَ رأسه بعيداً ورَفضَ.
بَدأَ هيرودس حينئذ يُسهِب‏ بثّرثرةِ عظيمةِ عن كل ما سَمعهَ بخصوص يسوع. سَألَه كثيراً وحَثّه أَنْ يؤدى معجزة في حضرته؛ لكن يسوع لم يُجبَه بكلمةَ ووَقفَ أمامه وعيناه ناظرتان لأسفل، مما جعل هيرودس يُغضَب ويرتبكَ، مع أنه سَعى أن يُخفى غضبه واستمرَّ فى استجواباته. في بادئ الأمر عبَّر عن‏ دهشته واستعملَ كَلِماتِ مقنعةِ : " هل ممكن أن تظهر بنفسك يا يسوع أمامي كمجرمِ؟ لقَدْ سَمعتُ عن أعمال كثيرةً تخصك يتحدثون بشأنها. ربما تكون غير مدرك أنك أهنتني بشدة بإطْلاقِ صراح السّجناءِ الذين حبستهم، لكن ربما كانت النوايا حسنه. لقَدْ أرسلَك الحاكم الرّوماني إلي الآن لتُحاْكَمُ؛ أي جواب ممكن أن تَعطيه لى عن كل هذه الاتهامات؟ لماذا أنت صامت؟ لقَدْ سَمعتُ كثيراً عن حكمتك، وعن الدّيانة التى تنادى بها, دعني اَسْمعُ إجابتك وفنّد ما يدعيه خصومك. هل أنت ملك اليهودِ؟ هل أنت ابن الرب؟ من أنت ؟ لقد قيل لى أنك تؤدى معجزات عظيمة؛ أصنع واحدة الآن في حضرتي. فإن لى السلطة أَنْ أطلقك. هَلْ أعدت حقاً البصرَ للأعمىُ وأحييت لعازر من الموتِ، وأطعمت ألفين أو ثّلاث آلاف إنسان ببضعة أرغفةِ؟ لماذا لا تجيبَ؟ لقد أمرتك أَنْ تفَعْلَ معجزة بسرعة أمامي؛ ربما تُسر بعد ذلك لكونك امتثلتَ لرغباتي. " استمر يسوع مَحتفظاً بصمته واستمرَّ هيرودس يَسْأله بثرثرةِ أكثرِ.
" من أنت ؟ من أين تستمد قوتك؟ كيف أنك لم تعد تَمتلكها؟ هل أنت من كان ميلادك قَدْ أُنبّأ به بمثل هذا الأسلوب العجيب؟ لقد جاء ملوك من الشّرقِ إِلى جدي ليَروا ملك اليهودِ المولود حديثاً: هَلْ حقاً أنك أنت ذلك الطّفلِ؟ هل هربت عندما ذُبح الكثير من الأطفال، وكيف دبرت أمر هروبكَ؟ لماذا كنت غير معروف لعديد من السَنَوات؟ أجب عن أسئلتي! هل أنت ملك؟ أن مظهرك الآن لا يُعطى بالتأكيد ذلك الانطباع. لقد قيل لى أنّك كنت ذاهباً إِلى الهيكلِ في موكب منذ وقت قصير. ماذا كَانَ يُعنى مثل هذا الموكبِ؟ تكلّمُ حالاً! أجبني! "
استمرَّ هيرودس يَسْألَ يسوع بهذا الأسلوب السّريعِ؛ لكن يسوع لم يجبه. لقَدْ رأيت أن يسوع كَانَ صامتاً هكذا لأن هيرودس كُان فى حالة عزلة، بسبب زواجه الغير شرعي من هيروديا، ولأنه أعطىَ أمراً بقتل يوحنا المعمدان. عندما شاهد حنان وقيافا كيف أن هيرودس ساخطاً من صمتِ يسوع، سَعيا فى الحال أن يَستغلاُ مشاعر غضبِه، وأعلنا تهمهما قائلين أن يسوع قَدْ وصف هيرودس نفسه بالثعلب؛ وأن هدفه العظيم لسنوات عديدّة مضت هو أَنْ يُسقطَ عائلةِ هيرودس؛ وأنه كَانَ يسعي إلى أن يُؤسّسَ ديانةَ جديدَ، وإنه احتفلَ بالفصح فى اليومِ السّابقِ. ومع أن هيرودس قَدْ اُغتاظ بشدة من تصرفاتِ يسوع، إلا أنه لم يُبعد نظره عن النّهاية السّياسيةِ التي أراد أَنْ يحققها. لقَدْ قرر أَلا يُدينُ يسوع، لأنه أحس بإحساس غامض بالرّعبِ في حضوره، ولأنه ما زالَ نادماً لكونه أسلم يوحنا المعمدان إِلى الموتِ، بالإضافة أنه يمَقتَ رؤساء الكهنة لأنهم لم يسَمحوا له أَنْ يُشتركَ في التّضحياتِ بسبب زواجه الغير شرعي من هيروديا.
لكن دافعه الرّئيسيَ لقراره بألا يُدينُ يسوعَ، أنه أراد أَن يصنع مودة مع بيلاطس لأجل مجاملته له، واعتقدَ أن أفضلَ مُقابل سيَكُونُ إظهار التقديرَ لقراره ومُوَافَقَته في الرّأيِ. لكنه تَكلّمَ بأسلوب محتقر إِلى يسوع، والتفت إِلى الحرّاسِ والخدمِ الذين أحاطوه، وكَان عددهم يُناهز مأتى شخص قائلاًَ :' خذُوا هذا الغبيِ، وقدموا له الإجلال الذى يستحقه؛ إنه مجنونُ، لكنه ليس مذنباً بأي جريمةِ. "
حينئذ اُخِذوا يسوع فى الحال إلى قاعة كبيرةِ، حيث أهانوهِ واحتقروه بكل أهانه ممكنة. كانت هذه القاعة بين جناحي القصرِ، وقف هيرودس ليشاهدَ ذلك لبعض الوقتِ. كان حنان وقيافا بجانبه، يَسْعيان إلى إقناعه بأَنْ يُدينَ مُخلصنا. لكن جهودهم كَانتْ غير مثمرةَ، وأجاب هيرودس بنغمةِ عاليةِ تكفى أنْ تُسْمَعُ مِن قِبل الجنودِ الرّومان : " كلا، سأكون مُخطئاً بالتأكيد إن أنا أدنته. " بما معناه، أنه سَيَكُونُ مخطئاً إذا أدان شخصاً كمذنبِ بينما يرى بيلاطس أنه برئُ، وأنه يرجأ الحكم النّهائي له.
عندما أدرك رؤساء الكهنة وباقي خصوم يسوع أنّ هيرودس قَدْ قرر أَلا يَستسلمُ لرغباتهم، أرسلوا مبعوثين إلى الجزء الذى يسُكِنهَ الفريسيون من المدينة، ليعلموهم إنهم يَجِبُ أَنْ يحتشدوا بجوارِ قصرِ بيلاطس وأن يجمّعواُ الرّعاعَ ويَرْشوهم ليصنعوا ضوضاء، ويَطاْلبوا بإدانة يسوع. وبَعثوا بوكلاءَ سريين أيضاً كى يُحذروا الشعب بتهديدات الثّأرِ الإلهى إن لم يصروا على قتل يسوع، الذي يعتبرونه مُجدفاً. لقَدْ أمروا هؤلاء الوكلاءِ أَنْ يحذروا الشعب بإعْلانِ أنه إن لم يُقتل يسوع، فأنه سيَذْهبُ إِلى الرومانِ، وسيُساعدُ على إبادةِ الأمةِ اليهوديةِ، لأن ذلك كان ما يُشير إليه عندما تَكلّمَ عن مملكته المُقبلة. لقد سَعوا فى نْشر تقريرَ في أجزاء أخرى من المدينةِ، أن هيرودس قَدْ أدانه، لكن ما زالَ ضروري للشعب أَنْ يُظهر رغبته، كما أن الموالين له سيَخَافونَ؛ لأنه إن أطلق سراحه فأنه سيتقرب للرومان، ويصنع اضطراباً فى يومِ العيدِ، وينتقم بوحشية منهم. رَوّج البعض منهم تقارير تحذير مناقضة ليُثيروا الشعب ويتسبّبُوا فى حدوث تمرد؛ بينما وزع آخرون أموال بين الجنودِ ليَرْشوهم ليسيئوا معاملة يسوع، لكي يتُسبّبَوا فى موته، الذي كَانوا مُتلهفين على َجْلبه بأسرع ما يمكن، خشية أن يُبرّئه بيلاطس.
بينما كان الفريسيون يُعدون أنفسهم بهذا الأسلوب، كان مُخلصنا المبارك يَعاني أبلغ إساءة من الجنودِ الهمج الذين سلم هيرودس يسوع لهم، لقد سْخروا منه كأحمق. لقد سَحبوه إلي القاعة، وكان لواحد منهم كيس أبيض كبير كَانَ فيما سبق مَمْلُوءاً بالقطنِ، صنعوا فتحةَ في وسطه بالسيفِ، وبعد ذلك ألقوه على رأسِ يسوع ومصاحبين كل فعلِ بالضحك مُستهزئين به. أحضر جنديُ آخرُ عباءةِ قِرمزيةِ قديمةِ، ووضعها حول رقبته، بينما أحنى الباقون رؤوسهم أمامه وكانوا يَدْفعونه ويسبونه ويتفلون عليه ويصفعونه على وجههِ، لأنه رَفضَ أَنْ يُجيبَ ملكهم، سخروا منه بالتظاهر بأنهم يُبايعونه, ألقوا الوحل عليه, أوثقوه من خصرهِ كي يَجْعلوه يَرْقصَ؛ ثم طرحوه أرضاً، جروه إلى إلي جانبِ القاعةِ، لتصطدم رأسه المقدّسة بالأعمدة وبجوانب الحوائطِ، وعندما أنهضوه فى النهاية، كان ذلك فقط لكي يواصلوا إهاناتهم. بَلغ جنود وخدم هيرودس الذين تجُمّعوا في هذه القاعة أكثر من مائتين، وكل فكرهمِ أَنْ يتوددوا إِلى حاكمهم بتَعذيبِ يسوع ببعض الطّرقِ التى لم يُسمع بها من قبل. كثيرون منهم قَدْ أرتشي مِن قِبل خصوم يسوع كى يَضْربوه على رّأسهِ بعصيهم، وقد استغلّوا الفوضى والضّوضاءِ ليفعلوا هكذا. نَظرَ يسوع إليهم بشّفقةِ؛ زيادة الألمِ جعلته يتأوه ويئن، لكن أعداءه ابتهجوا بآلامه، وهزءوا بتأوهاته، ولا واحد من بين كل الّجمّعِ أظهر أدنى دّرجة من الرحمة. لقد رَأيتُ الدمَ ينزف من رأسه، وثلاث مرات طرحه الضّرب أرضاً، لكن الملائكةَ التى كَانتْ تَبْكي بجانبه كانت تدَهن رأسه ببلسمِ سّمائيِ. لقد كُشفَ لي ذلك لأعلم أنه لولا تلك المعونة لأفضت تلك الجراحِ إلى موت يسوع. أن الفلسطينيين في غزة، الذين أعطوا متنفساً لغضبهم بتَعذيبِ شمشون الأعمىِ، كَانَوا أقل بربريَة ووحشية من هؤلاء الجلادين اليهود القساة .
لم يكن الكهنة صبورين فى الرجوع إِلى الهيكلِ؛ لهذا، بعد ما تأكدوا من أن طلباتهم بخصوص يسوع لن تُطاع، رَجعوا إِلى هيرودس، وسَعوا لإقناعه بإدانة يسوع. لكنه، لِكَونِهِ قد قرر أن يفَعَلُ كل ما فى مقدوره كى يُسر بيلاطس، رْفضُ أَنْ ينصاع لرغباتهم، وأعاد يسوع ثانية مُكتسياً بزي الحمقى .



  رد مع اقتباس