07 - 11 - 2012, 04:47 PM
|
رقم المشاركة : ( 5 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل الحادي والثلاثون
بيلاطس وزوجته
بينما كان اليهودَ يَقتادُون يسوع إِلى هيرودس، رَأيتُ بيلاطس يَذْهبُ إلى زوجته، كلوديا بروكليس. لقد كانت متعَجّلة لملاقاته، وذَهبا معا إلى إحدى الشرفات التى تقع خلف القصرَ. بدت كلوديا متأثرة كثيراً وخائفةِ. لقد كَانتْ امرأة طويلةَ القامة، رقيقة، لكنها كانت شاحبة. شعرها مُضُفِرَ ومُزَيَّن قليلاً، لكنه مُغَطَّىَ جزئياً بخمار طويلِ يسَقطَ بشكل رشيق على كتفيها. تَحدّثتْ مع بيلاطس لوقتِ طويلِ، وتَوسّلت إليه بكل ما هو مقدّسَ عنده ألا يظلم يسوع، ذلك النّبيِ، قدّيسِ القديسين؛ وروت الأحلامِ والرُّؤى الغير عادية التى رأتها فى اللّيلةِ السّابقة والتى تختص به .
بينما كَانتْ تَتكلّم رَأيتُ أكبر جزءَ من هذه الرُّؤىِ: أولاً الأحداث الرّئيسية في حياةِ الرب يسوع : البشارةِ، الميلاد، توقير الرّعاةِ والمجوسِ، نبؤه سمعان الشيخ وحنة النبيةِ، الهروب إلي مصر، مذبحة الأطفالِ، وتجربة الرب يسوع في البريةِ. لقَدْ رأت في نومها أيضاً السمات الآخّاذة للحياةِ العامّةِ ليسوع. لقد ظَهرَ لها دائما مُحاَّطاً بضياءِ متألقِا، لكن أعداءه الخبثاء والقساة كَانوا يظهرون فى أشكالِ مروّعةِ ومثيرة للاشمئزاز. لقد رَأتْ آلامه الشديدة وصبره ومحبّته التى لا تنضب، على نفس النمط رأت آلام أمه واستسلامها الكامل. هذه الرُّؤىِ مَلأتْ زوجةَ بيلاطس بالقلقِ والرّعبِ، خاصة أنها يرافقها رّموزِ جَعلتها تفَهمَ معانيها، ومشاعرها الرقيقة قَدْ سُلِبت برؤية مثل هذه المشاهدِ المُخيفةِ. لقَدْ عَانتْ منها طوال اللّيلِ؛ وعندما أشرق الصباح واستيقظتْ على ضوضاءِ الغوغاءِ الذين كَانواَ يَسْحبُون يسوع لُيحْاكَمُ ورَأتْ فى الحال الذبيح بلا مُقَاوَمَةِ وسطِ الحشودِ، مُقيداً، متألماً، ويُعامل على نحو غير أنساني حتى أنه كانَ من الصعب تمييزه، كأنه لم يكنَ ذلك الشخص المُشرق والممجدِ الذى رأته أمام عينيها في رُؤىِ اللّيلِة الماضيةِ. لقَدْ تأثّرتْ بشّدة من هذا المنظر، وطَلبتْ بيلاطس فوراً وأعطته تقريراً عن كل ما حَدثَ لها. تَكلّمتْ بكثير من الشدة والانفعال؛ بالرغم من أن جزء عظيمَ مما رَأتْه لم تتَمَكّنَ من َفْهمَه أو توضحه، ومع ذلك تَوسّلتْ إلى زوجها ونَاشدتْه بأكثر التّعبيرات تأثيراً أَنْ يَمْنحَها طلبها.
كَانَ بيلاطس مُتعجّبَا ومضطرباً من كَلِماتِ زوجته. لقد قَارنَ بين رّوايتها مع كل ما سَمعهَ بخصوص يسوع سابقاً؛ وتأمل فى كراهيةِ اليهودِ وصّمت مُخلصنا وإجاباته الغامضة عن كل أسئلته. لقد تَردّدَ لبعض الوقتِ، لكنه تغلّبَ أخيراً بالتماسات زوجته واخبرها أنه أعلن بالفعل عن إيمانه ببراءةِ يسوع وأنه لَنْ يُدينه، لأن رَأىَ أنّ الاتهامات ليست سوي تّلفيقَ من أعدائه. لقد تَكلّمَ عن كَلِماتِ يسوع له ووَعدَ زوجته أن لا شيء يَجِبُ أَنْ يُقنعه بأَنْ يُدينَ هذا الرجل البار، حتى أنه أعطاها خاتمه قبل أن يفترقا كعربون عن وفائه بوعده.
شخصية بيلاطس كانت فاسدة ومترددة، لكن أسوأَ صفاته كَانتْ الكبرياءَ الشديد والدناءة اللتين تجَعلانه لا يَتردّدَ عن فعل أى عملِ ظالمِ. أنه يؤمن بالخرافاتَ بشدة، وكان يستعين بالسّحرِ والشعوذةِ إن اعترضته أي صعوبات. لقد كَانَ مرتبكاً كثيراً ومنزعجاً بخصوص محاكمةِ يسوع؛ ولقد رَأيته يَجْري ذهاباً وإيابا، يقدم بخوراً أولاً لأحد الآلهة وبعد ذلك إِلى إله آخرِ، ويُنَاشَدهم أَنْ يُساعدونه؛ لكن الشيطانَ مَلأَ خياله بأعظمُ تشويشُ ؛ لقد غرس أولاً فكرة باطلة وبعد ذلك فكرة أخرى. ظل ذهنه مُغَلَّفاً بالظّلمةِ، واصبحَ متردداً أكثر فأكثر. لقد فكر أولاً أن يُبرّئُ يسوع، لأنه يعرف جيّداً أنْه برئَ، لكنه خَافَ تَحَمُّلَ غضبَ آلهته إن أطلق سراحه، كما أنه توهم أنه أحد أنصاف الآلهةِ، وبغيض إِليهم, لقد قال فى نفسه " من المحتمل أن يكون هذا الرّجلِ ملكِ اليهودِ الذى اختصت به عديد من الّنبوءاتِ. ربما كان هو ملك اليهودِ الذي أتى المجوس من الشّرقِ ليُمجّدَوه. ربما يكون العدوُ السريُ لكل آلهتنا والإمبراطوريةِ؛ ربما يَكُونَ إنقاذ حياته يكون أكثر الحماقات فى حياتي. من يَعْرفُ ربما يكون موته نصراً لآلهتي؟ " ثم تَذكّرَ الأحلامَ الغير عادية التي وَصفتْها له زوجته، التي لم يسَبَقَ أَنْ رَأتْ يسوع، ومرة أخرى غَيّر رأيه، وقرر أنه سَيَكُونُ أكثر آمناً إنْ لم يُدنه. حَاولَ أَنْ يُقنعَ نفسه أنه يرَغبَ أَنْ يجيز حكماً عادلاً؛ لكنه خَدعَ نفسه، لأنه عندما سَألَ نفسه، " ما هو الحق؟ " لم ينتظرَ الجواب. ذهنه قَدْ أمتلئ بالتّشويشِ، وكَانَ مرتبكاً تماماً ولا يعرف كيف يَتصرّف، أمنيته الوحيدةِ كَانتْ أَنْ لا يُعرض نفسه لأي مخاطرة .
|
|
|
|