عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:46 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل التاسع والعشرون


يسوع أمام بيلاطس




كانت حوالي الثمانية صّباحاِ، عندما وصل الموكب إلى قصر بيلاطس. وقف حنّان وقيافا وكبار أعضاء مجلس السنهدريم في الجزءِ الذى يقع بين الساحة ومدخلِ دار الولاية، حيث وضعت بعض المقاعدِ الحجريةِ لهم. جر الحرّاس المتوحشين يسوع إِلى بداية الدّرجِ الذي يقودَ إِلى مقعدِ الحكمِ. كَانَ بيلاطس مُضجعاً على كرسيِ مريحِ فى شرفة تُشرف على الساحةِ وبجانبه منضدة صّغيرة ذات ثلاث أرجل وُضِعَت عليها شارة مكتبه وأشياء أخرى. كان يحيط به ضّبّاطِ وجنودِ يرتدون زي الجيشِ الرّومانيِ. لم يدخل اليهود والكهنة دار الولاية، لئلا يُدنّسُوا أنفسهم، بل ظلوا فى الخارج.
عندما رَأىَ بيلاطس الموكبَ الصّاخبَ يَدْخلُ، وأدرك كيف عَامل اليهود القساة سجينهم، نَهضَ وكلمهم بنغمةِ محتقرة بقدر ما يستطيع : "ماذا أتى بكم مبكّراً جداً؟ لماذا بالغتم فى الإساءة فى معاملة هذا السّجينِ على نحو مُخجل ؟ ألم يكن من الممكن أَنْ تَمتنعَوا من تُمَزيِّق مجرميكم أربا وإعدامهم حتى قبل أنْ يُحاْكموا؟ " فلم يجيبواُ بل صِاحوا إِلى الحرّاسِ " أحضروه, أحضروه ليُحاْكَمُ! " وبعد ذلك التفتوا إِلى بيلاطس وقالوا " اَستمعُ لاتهاماتنا ضد هذا الشّريرِ؛ لأننا لا نستطيع أَنْ نَدْخلَ المحكمة خشية أن نُدنّسُ أنفسنا. " ما أن انتهوا من هذه الكَلِماتِ، حتى صاح من وسطِ الحشود؛ شيخاً عجوزاً " أنكَم على حق في عدم دْخولُ دار الولاية، لأنها تقُدّستَ بدمِ الأبرياءِ؛ ليس لأحد الحق فى أَنْ يَدْخلَ سوى شخصاً واحداً، وهو الوحيد الذى يستطيع أَنْ يَدْخل، لأنه هو الوحيد النقي كالأبرياءِ الذين ذُبِحوا هناك" الشيخ الذي نَطقَ بهذه الكَلِماتِ بصوتِ عالِ، وبعد ذلك اختفىَ بين الحشودِ، كَانَ رجلاً غنياَ اسمهِ صادوق وهو ابن عم سيراخ زوج فيرونيكا؛ لقد ذُبح اثنين من أطفاله من بين الأطفال الذين أمر هيرودس بذبحهم عند مولدِ مُخلصنا. لقد يأس منَ العالم منذ تلك اللّحظةِ المُخيفةِ، لقد رَأىَ مُخلصنا ذات مرة في دارِ لعازر وسَمعه هناك يتناقشُ، وبرؤية الأسلوب البربريِ الذي يُجر به يسوع أمام بيلاطس تَذكّرَ كل ما عَاناه عندما قُتل طفليه بقسوة أمام عينيه، وقرر أن يُقدم هذه الشّهادةِ العلنية عن إيمانه ببراءةِ يسوع. أما الكهنة وحاشيتهم لكونهم كَانوا مغتاظين من الأسلوب المتغطرسِ الذي يعاملهم به بيلاطس، وبالوضعِ المهين الذى اضطروا أَنْ يتخذوه، لم يبالوا بكَلِماتِ هذا الرجل.
جر الحرّاس المتوحشون يسوع على السلمِ الرّخاميِ واقتادوه إِلى نهايةِ الشرفة، حيث كان بيلاطس يَتشاورُ مع كهنة اليهود. لقد سمع الحاكم الرّوماني عن يسوع كثيراً ومع ذلك فهو لم يسَبَقَ أَنْ رَآه، وقَدْ انُدهشَ تماماً بالمظهر الهادئِ لتصرفِ الرجلِ الذى جُلبَ أمامه في حالة يرثى لها. أن السّلوك الوحشي للكهنة والشيوخ قد أثاره وزِادَ من احتقاره لهم، وأعلمهم فى الحال أنه لَيْسَ لديه أدنى نّيةُ لإدانةِ يسوع بدون براهين مقنعة عن حقيقةِ اتهاماتهم. وقال مُخاطباً الكهنة بنّغمةِ أكثر احتقاراً : " أي اتّهام تَجْلبُونه ضد هذا الرّجلِ؟ " أجابَ الكهنة بتجهّم : " ما لم يكنَ شريرا لما كُنّا أُسلّمناه إليك " فقال لهم بيلاطس : " خذوه، وَحاْكموه أنتم طبقاً لناموسكم " فقالوا له : " إنك تعلم جيداً إنه لا يحق لنا أَنْ نحكم على أي إنسان بالموتِ. " كان أعداء يسوع غاضبين ورُغِبوا أَنْ يَنهوا المحاكمةُ، ويُعدموا ضحيّتهم بأسرع ما يمكن، لكى يستعدوا للاحتفال بالفصحِ، ولم يعرف هؤلاء التعساء الأردياء، أن من ساقوه أمام محكمةِ قاضِ وثنيِ لم يدخلوا منزله خوفاً من أن يُدنّسُوا أنفسهم قبل تَنَاوُلِ الذبيحة الرّمزيةِ، ليس سوي هو، وهو فقط، كَانَ حملَ الفصحَ الحقيقيَ، ولم تكن الحملان الأخرى إلا مجرد ظّل له فقط.
أمرهم بيلاطس أَنْ يُقدموا اتهاماتهم. هذه الاتهامات كَانَت ثلاث، وقَدّموا عشَر شهودَ ليَشْهدوا عن صدق كل اتهام. لقد كان هدفهم الأعظم هو أَنْ يَجْعلَوا بيلاطس يُصدق أن يسوع زعيمَ مؤامرةِ ضد الإمبراطورِ، لكى يُدينه إِلى الموتِ كمتمرّدِ، لقد سعوا أَنْ يُدينوه بإغْواءِ الشعب وتُحريضه عِلى التّمرّدِ، وأنه عدو للسّلامِ العامّ والهدوء.
ليُبرهنَوا على صدق هذه الاتهامات قَدّموا بعض الشّهودِ الكذبة، أعلنوا أيضا أنه انتهكَ السبت ودَنّسه بشفاء المرضىِ فى ذلك اليومِ. قَاطعهم بيلاطس عند هذا الاتهام وقالَ لهم باسْتِهْزاءِ : " من الواضح أن لا أحد منكم كان من بين هؤلاء المرضى وإلا لما كُنتُم ستَشتكونَه لكُونه قد شفاكم فى السبت. " فرد رؤساء الكهنة : " إنه يُحرض الشعب، ويَغْرسُ تعاليم كريهة. إنه يقول، لا أحد يستطيع أَنْ ينال الحياة الأبدية ما لم يَأْكلَ لحمه ويَشْربَ دمه " أغتاظ بيلاطس تماماً من الكراهيةِ الحادةِ التي أظهرتها كَلِماتهم ووجوههم وصاح بنظرةِ ازدراء : " أنكم بكل تأكيد تَرْغبَون أَنْ تَتْبعوا تعاليمه وأَنْ تنالوا حياة أبدية، لأنكم متعطشون لجسده ولدمه. "
ثم قدم اليهود الاتهام الثّاني ضد يسوع، أنه منع الشعب من أَنْ يَدْفعَ الجزية إِلى الإمبراطورِ. هذه الكَلِماتِ أيقظتْ نقمة بيلاطس، لأنه كان يَرى من موضعه أنّ كل الضّرائبِ قَدْ دُفِعتَ بشكل سليم، وصِاحَ بنغمةِ غاضبةِ : " ذلك كذبُ! لابد أنى اَعْرفَ ذلك أكثر منكم. " هذا أكره أعداءِ يسوع أَنْ يَمْضوا إلى الاتهام الثالث، الذي أعلنوه قائلين : " مع أن هذا الرّجلِ ذو مولد غامض، إلا أنه رئيسُ حزبِ كبيرِ. أنه يسكب اللعناتَ على أورشليم، ويروى أمثالاً ذات معنىِ مزدوج فيما يتعلق بملك يَعدُّ لحفل عرس لابنه. إن الجموع التي جمّعَها على جبلِ سَعت ذات مرة أَنْ تَجْعله ملكاً عليهم؛ لكن لكون ذلك كان أقرب مما نَوى؛ لأن خططه لم تكن قد نْضجُت بعد؛ لهذا هَربَ وأخفىَ نفسه. حديثا‏ قَدْ تَقدّمَ أكثر, فقبل أيام دَخلَ أورشليم علي رأسِ جمّعِ صاخبِ، الذين بأمره جَعلوا الشعب يشقون الجو باستقبال حافلِ صارخين : " أوصنا لابن داود! مباركة هى مملكة أبينا داود، التي تَبْدأُ الآن. " أنه يُلزمُ الموالين له أَنْ يقدموا له كرامة ملوكية، ويُخبرهم أنه هو المسيحُ، مسيح الرب، المسيا المنتظر، ملك اليهودِ الموَعود، إنه يَرْغبُ أنْ يُنادى بهذه الألقاب الرّفيعةِ ". ثم قدموا عشَرة شهود تختص شهادتهم بتلك الأمور .
أدى الاتهام الأخير بأن يسوع قد جعل نفسه يُدْعَى ملكاً إلى بعض التأثير على بيلاطس؛ فاصبحَ مستغرقاً في التفكير‏ قليلاً وترك الشرفة وأَلقي نظرة فاَحْصة على يسوع، ثم دَخلَ الغرفة المُجَاوِرةَ، وأَمرَ الحرّاس أَنْ يَأتوا بيسوع بمفرده إلي حضرته. لم يكن بيلاطس يؤمن فقط بالخرافات، بل كان أيضاً ضعيفَ العقل بشدة وسريع التأثُّر. لقد سمع كثيراً، خلال منهج تعليمه الإلحادي، عن إشارات عن أبناءِ آلهته الذين قَدْ سَكنوا لفترة على الأرضِ؛ لقد كَانَ مدركاً بالكامل أيضاً بأنّ أنبياءِ اليهود قد تنبئوا منذ أمد بعيد بأنّ شخصاً ما يَجِبُ أَنْ يَظْهرَ في وسطهم وأنه سيَكُونَ مسيح الرب، مُخلّصهم ومنجيهم من العبوديةِ؛ وأن كثيرين من بين الناسِ يؤمنون بهذا إيماناً قوياً.
لقد تَذكّرَ أيضاً هؤلاء الملوكِ الذين قَدْ جاءَوا من الشّرقِ إِلى هيرودس، جد الملكِ الحالي وبنفس ذلك الاسم، ليقدموا الولاء إِلى ملكِ لليهودِ مولودِ حديثاً، وأن هيرودس لهذا أمر بذبح الأطفال. لقَدْ سَمعَ كثيراً من التّقليدِ بما يختص بالمسيح المنتظر وملك اليهودِ، حتى أنه امتحنهم ببعض الفضولِ؛ ولو بالطبع، بَكُونُه مُلحدَاً, بدون أدنى إيمان، من المحتمل أن يكون قَدْ وَافقَ حزب هيرودس وأولئك اليهودِ الذين يتَوقّعوا ملكاً قوياً ومنتصراً. بمثل هذه الانطباعات، فكرة أن يَتّهمُ اليهودِ هذا الشخص المسكين الذي جَلبوه في حضرته بوَضعُ نفسه كملكِ وكالمسيح المنتظرِ المَوْعُودِ، بدت له بالطبع فكرة سخيفة؛ لكن لأن أعداءِ يسوع قَدّموا هذه الاتهامات ببرهانِ الخيانةِ ضد الإمبراطورِية، اعتقد أنه من الأسلم له أَنْ يَستوجبه سراً.
قال بيلاطس ناظراً إلى يسوع : " أأنت ملك اليهودِ؟ " ولم يقدر أَنْ يخفى دهشته من المظهر الإلهى لطلعته. أُجابه يسوع : " هل تقول هذا الشيء من نفسك, أم الآخرون يقولون ذلك عنّي؟" أما بيلاطس فقَدْ شعر أنه أُهين بأن يظن يسوع أنه من الممكن أَنْ يؤمن بمثل هذا الأمر وأجابَ : " وهَلْ أنا يهودي؟ أن أمتك ورؤساء الكهنة قَدْ أسَلّموك إلي كمستحق للموتِ؛ ماذا فعلت؟ "أجاب يسوع : " لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَلَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدامي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. أَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا" تأثر بيلاطس بهذه الكَلِماتِ المهيبةِ إلى حد ما، وتكلم إليه بنبرة أكثرِ جديّة : " فَهَلْ أَنْتَ مَلِكٌ إِذَنْ؟" أَجَابَهُ يسوع : " أَنْتَ قُلْتَ، إِنِّي مَلِكٌ. وَلأجل هَذَا وُلِدْتُ وَلأجل هَذَا جِئْتُ إِلَى الْعَالَمِ: لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يُصْغِي لِصَوْتِي" نَظرَ بيلاطس إليه ونهض من مقعده وقالَ : " الحق! ما هو الحق؟ "
ثم تبَادلا بضع كَلِمات لكنى لا أَتذكّرها الآن، وعاد بيلاطس إِلى الشرفة. كَانت إجابات وتصرفات يسوع بعيدَة عن فهمه؛ لكنه رَأىَ بوضوح أن إدعاء المَلوَكِيَّة‏ لا يَتعارض مع الإمبراطورية، لأنها ليست مملكةُ دنيويةُ تلك التي ينشدهاَ؛ بينما الإمبراطوريةُ لا تهتم بشيء أبعد من هذا العالمِ. لهذا خاطب رؤساء الكهنة ثانية من الشرفة وقالَ : " إنى لست أَجدُ علة فيه" غضب أعداء يسوع ونَطقوا باتهامات مختلفة ضد مُخلّصنا. لكنه ظل صامتاًَ، مُستغرقاً بالكلية في الصَّلاةِ من أجل أعدائه، عندما خاطبه بيلاطس قائلاً : " أما تجيب بشيء ؟ اَنْظرُ بكم عديد من الأمور يَتّهمونك!" لم يُجبَه يسوع بشيء
قالَ بيلاطس وقَدْ أمتلئ بالدّهشةِ : " أنى أرى بوضوح أنّ كل ما تدعونه لهو باطل " أما متهموه، الذين استمر يتَزاِيد غضبهم، صْرخوا : " ألست تَجدُ علة فيه؟ ألم يجرم عندما حرّضُ الشعب على الَتمرّد في كل أنحاء المملكةِ ليَنْشروا تعاليمه الباطلة؟ ليس هنا فقط، بل في الجليل أيضاً ؟ "
ذكر الجليل جَعل بيلاطس يتردد: تأمل للحظةِ، وبعد ذلك سَألَ : " أهذا الرّجلِ جليلي، ومن اختصاص هيرودس؟ فأجابوا " أنه جليلى؛ وعِاش والديه في الناصرة، ومنزله حالياً في كفر ناحوم. "
أجاب بيلاطس : " فى تلك الحالةُ، خذوه أمام هيرودس؛ إنه هنا لأجل العيد، ومُمكنُ أَنْ يَحْاكمه حالاً، لأن هذا اختصاصه " اقتيد يسوع فى الحال لخارج الساحةِ، وبعث بيلاطس بضابطَ إِلى هيرودس، ليُعلمه أن يسوع الناصري، الذي من اختصاصه عَلى وَشَكِ أَنْ يصل إليه ليُحاْكَمهُ.
كان لدى بيلاطس سببان ليتصرف هذا التصرفِ؛ بالدرجة الأولى أنه قَدْ سر أَنْ يَهْربَ من أن يَحاْكمَه بنفسه، حيث أنه شَعرَ بغاية القلق من تلك القضيةِ بالكامل؛ وبالدرجة الثّانية كَانَ مسروراً لكونه وجد فرصةِ لكى يسَرِ هيرودس، الذي كَانَ على خلافَ معه، لأنه عَرف أنه فضوليَ جداً ويريد أَنْ يَرى يسوع.
غضب أعداء يسوع لكُونهم طردوا هكذا مِن قِبل بيلاطس في حضورِ هذه الحشود، وأعطوا متنفساً لغضبهم بإسَاْءَة معاملة يسوع أكثر من ذى قبل. كبلوه ثانية وبعد ذلك لم يتَوقّفوا عن أن يَغْمروه باللّعناتِ والضّربِ واقتادوه بعجالة خلال الحشدِ نحو قصر هيرودس، الذي كان على مقربة من الساحةِ. وانضم بعض الجنودِ الرّومان للموكب.
خلال وقت المحاكمة أرسلت كلوديا بروكليس، زوجة بيلاطس، رسائل متكررة لزوجها تُعلنَ فيها أنّها ترُغِب بشدة فى محادثته؛ وعندما أُرسلَ يسوع إِلى هيرودس، وقفت فى شرفةِ ورَاقبتْ التّصرف القاسى لأعدائه بمشاعرِ مَخْتلُطةِ من الخوفِ والأسى والرعب.

  رد مع اقتباس