عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:45 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل السابع والعشرون
يأس يهوذا



بينما كان اليهود يقتادون يسوع إلى بيلاطس، سار يهوذا الخائن بالقربً منهم ليستمع لأحاديث الحشود التي تتبعه، فسمع هذا الحديث : " إنهم يأخذونه أمام بيلاطس؛ لقد أدان رؤساء الكهنة الجليلي إلى الموت؛ أنه سيصلب؛ إنهم سيتمّمون موته؛ لقد أساءوا معاملته بشكل مخيف؛ أن صبره غير عادى؛ أنه لم يجب بكلمة؛ كلماته الوحيدة هى أنّه هو المسيح المنتظر، والذي سيجلس على يمين الرب؛ إنهم سيصلبونه بسبب تلك الكلمات؛ لو لم يقل تلك الكلمات لما كان ممكن أن يدينوه إلى الموت. إن الفاجر الذي باعه كان أحد تلاميذه، ومنذ وقت قليل كان يأكل الفصح معه؛ لا يوجد فى مجتمعات البشر ما يجعلنى مضطراً لأتيان مثل هذا العمل الذى آتاه؛ مهما كان هذا الجليلى مذنباً، فإنه في كل الأحوال لم يبع صاحبه من أجل المال مثلما فعل هذا الشخص الكريه, إن أمثال هذا الرجل ليستحقون ما هو أكثر من الموت. " حينئذ استولي الألم واليأس على يهوذا. حثه الشيطان على الهرب. فهرب كما لو أن عاصفة في أعقابه، والكيس الذى كان معلّقا علي جانبه كان يضربه أثناء جريانه ويدفعه كالمهماز؛ فأخذه في يدّه ليتجنب ضرباته. هرب بأسرع ما يمكن، لكن إلى أين يهرب ؟ هل نحو الحشود؟ هل يلقي بنفسه تحت قدمي يسوع، مُخلصه الرّحيم، يناشده غفرانه، ويستجدى أن يموت معه؟ كلا, إنه لم يعترف بذنبه ولم يتوب توبة حقيقية أمام الرب، بل كان يسعي أن يحرر نفسه مِن عِبء‏ جريمته أمام العالم ومن ثمن خيانته.
جاء يهوذا إلى الهيكل، حيث تجمع أعضاء المجلس معاً بعد محاكمة يسوع. نظر كل منهم للآخر بدّهشة؛ وبعد ذلك أداروا وجوههم المتغطرسة بابتسامة سّاخرة. مزّق يهوذا بإيماءة هائجة حافظة الثّلاثين قطعة فضة من جنبه، وحملها بيدّه اليمنى، صاح بلهجة يائسة : " استردّوا فضتكم, تلك الفضّة التى رشوتموني بها لأسلم هذا الرجل البار؛ استردّوا فضتكم؛ أطلقوا سراح يسوع؛ إن اتفاقنا ملغى؛ لقد أثمت لأنى قد أسلمت دماً بريئاً." . أجابه الكهنة بأسلوب حقير، وكما لو كانوا خائفين من أن يلوثوا أنفسهم بلمس مكافئة الخيانة، لم يمسّوا الفضة، بل أجابوا : " ماذا علينا أن نفعل بخطيئتك ؟ إن كنت تعتقد أنك أسلمت دماً بريئاً، فإن ذلك شأن يخصك؛ لكننا نعرف ما دفعنا من أجله، ولقد حاكمناه وأنه لمستوجب الموت. إليك مالك ولا تقل شيئاً آخر " لقد خاطبوه بهذه الكلمات بنّغمة فظّة ليتخلّصوا منه، فنهض على الفور وانصرف. ملأت هذه الكلمات يهوذا بالغضب واليأس حتى أنه صار شديد الاهتياج‏؛ شق الحقيبة التي تحتوي الثّلاثين قطعة فضة، وألقاها في الهيكل، وهرب إلى أطراف المدينة.
رأيته مرة أخرى يسرع ذهابا وإيابا كالمجنون في وادي هنوم: كان إبليس بجانبه في شكل قبيح، يهمس في أذنه، ساعياً أن يسوقه إلى اليأس، تتبعه كل اللّعنات التى صبها الأنبياء على هذا الوادي، حيث ضحّى اليهود بأولادهم سابقاً إلى الأصنام.
بدت وكأن كل هذه اللعنّات تُنصب عليه، كما لو أن مثل هذه الكلمات، قيلت له : " ثُمَّ يَمْضُونَ لِمُشَاهَدَةِ جُثَثِ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تَخْمَدُ. وَيَكُونُونَ مَثَارَ اشْمِئْزَازِ جَمِيعِ النَّاسِ” .
ثم همس الشّيطان : " قايين أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ مَاذَا فَعَلْتَ؟ إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ يَصْرُخُ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. َمُنْذُ الآنَ، تَحِلُّ عَلَيْكَ لَعْنَةُ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا وَابْتَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ الَّذِي سَفَكَتْهُ يَدُكَ, وَتَكُونُ شَرِيداً وَطَرِيداً فِي الأَرْضِ "
وعندما رأى مجرى قدرون بجبل الزيتون، ارتجف، استدار، ومرة أخرى دوت هذه الكلمات فى أذنيه : يا صاحب، لماذا أتيت ؟ يهوذا, أتسلم ابن الإنسان بقبلة؟ " ملأ الرعب نفسه، رأسه بدأت تترنح، وهمس العدو مرة أخرى فى أذنيه : " لقد عبر داود وادي قدرون هنا عندما هرب من أبشالوم. الذى أنهى حياته بشنق نفسه. وأنه عنك ما تكلم به داود عندما قال :" يُجَازُونَنِي شَرّاً مُقَابِلَ خَيْرِي، وَبُغْضاً بَدَلَ حُبِّي. وَلِّ عَلَى عَدُوِّي قَاضِياً ظَالِماً، وَلْيَقِفْ خَصْمُهُ عَنْ يَمِينِهِ يَتَّهِمُهُ جَوْراً. عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ لِيَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَنْبُهُ، وَلْتُحْسَبْ لَهُ صَلاَتُهُ خَطِيئَةً. لِتَقْصُرْ أَيَّامُهُ وَلْيَتَوَلَّ وَظِيفَتَهُ آخَرُ. لِيَتَيَتَّمْ بَنُوهُ وَتَتَرَمَّلْ زَوْجَتُهُ. لِيَتَشَرَّدْ بَنُوهُ وَيَسْتَعْطُوا، وَلْيَلْتَمِسُوا قُوتَهُمْ بَعِيداً عَنْ خَرَائِبِ سُكْنَاهُمْ. لِيَسْتَرْهِنِ الْمُدَايِنُ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِهِ، وَلْيَنْهَبِ الْغُرَبَاءُ ثِمَارَ تَعَبِهِ. لِيَنْقَرِضْ مَنْ يَتَرَاءَفُ عَلَيْهِ، وَلْيَنْقَطِعْ مَنْ يَتَحَنَّنُ عَلَى أَيْتَامِهِ. لِيَنْقَرِضْ نَسْلُهُ وَلْيُمْحَ اسْمُهُمْ مِنَ الْجِيلِ الْقَادِمِ. لِيَذْكُرِ الرَّبُّ إِثْمَ آبَائِهِ، وَلاَ يَغْفِرْ خَطِيئَةَ أُمِّهِ. لِتَمْثُلْ خَطَايَاهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِماً كَيْ يَسْتَأْصِلَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. لأَنَّهُ تَغَافَلَ عَنْ إِبْدَاءِ الرَّحْمَةِ، بَلْ تَعَقَّبَ الفَقِيرَ الْمُنْسَحِقَ الْقَلْبِ، لِيُمِيتَهُ. أَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَلَحِقَتْ بِهِ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَابْتَعَدَتْ عَنْهُ. اكْتَسَى اللَّعْنَةَ كَرِدَاءٍ، فَتَسَرَّبَتْ إِلَى بَاطِنِهِ كَالْمِيَاهِ وَإِلَى عِظَامِهِ كَالزَّيْتِ. فَلْتَكُنْ لَهُ كَرِدَاءٍ يَتَلَفَّعُ بِهِ، وَكَحِزَامٍ يَتمَنَطَّقُ بِهِ دَائِماً. هَذِهِ أُجْرَةُ مُبْغِضِيَّ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، النَّاطِقِينَ شَرّاً عَلَى نَفْسِي"
ركض يهوذا مغلوّباً بهذه الأفكار الفظيعة، ووصل سفح الجبل. إلى بقعة مقفرة, كئيبة، ممتلئة بالقمامة والبقايا الفاسدة؛ صمت أصوات من المدينة آذنيه، وكرر الشيطان باستمرار : " إنهم على وشك أن يميتوه؛ لقد بعته. ألست تعرف كلمات الشريعة : " إِذَا خَطَفَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحَد أِخْوَتِهِ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُ الْخَاطِفُ. فَتَجْتَثُّونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. " ؟ ضع حداً لبؤسك أيها التعس ؛ ضع حداً لبؤسك " مزّق يهوذا حزامه مغلوباً باليأس وعلّق نفسه على شجرة نمت في شق بين الصّخور، وبعد موته تمزق جسده أرباً، وتبعثرت أشلاؤه.
  رد مع اقتباس