عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:42 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثالث والعشرون
إنكار القديس بطرس



في اللحظة التى قال فيها يسوع : " أنك قد قلت ذلك " وشق فيها رئيس الكهنة ثيابه، دوّت كل الغرفة بنّداءات صّاخبة. لم يستطع بطرس ويوحنا تحمل المنظر أكثر من ذلك، لقد تألما بشدة من المشهد الذي حدث فى التو، واجبرا أن يشهداه بصّمت، لهذا نهض بطرس ليترك الغرفة، وتبعه يوحنا فى الحال. ذهب يوحنا إلى العذراء المباركة، التى كانت في دار مرثا مع النّساء القديسات، محبّة بطرس ليسوع لم تجعله قادراً أن يتركه؛ قلبه كان يتمزق، وبكى بمرارة على الرغم من أنه سعى أن يمنع دموعه أو أن يخفيها. لقد كان من المستحيل عليه أن يبقى في المحكمة، فأن عاطفته العميقة برؤية آلام سيده الحبيب كانت ستخونه؛ لهذا دخل الدّهليز واقترب من النّيران التى كان يجلس حولها بعض الجنود وعامة الناس وكانوا يتحدّثون بأسلوب قاس ومثير للاشمئزاز‏ عن آلام يسوع ويقصون ما فعلوه هم بأنفسهم به. كان بطرس صامتاً، لكن صمته وسلوكه المحزن جعل من حوله يشكّون فى أمره. جاءت البوّابة نحو النيران في وسط الحديث ونظرت إلى بطرس وقالت " أنك أنت أيضا كنت مع يسوع الجليلي " باغتت هذه الكلمات بطرس ونبّهته؛ ارتعد لما يمكن أن يتبع ذلك إن اعترف بهذه ‏الحقيقة أمام رفاقه القساة، وأجاب بسرعة : " يا امرأة، أنى لست اعرفه " ونهض وترك الدّهليز. فى هذه اللحظة صاح دّيك من مكان ما عند أطراف المدينة. بينما كان بطرس يخرج نظرت إليه جارية أخرى وقالت لمن معها : " إن هذا الرّجل كان معه أيضا " والأشخاص الذين خاطبتهم سألوا بطرس فورا إن كانت كلماتها صادقة قائلين : " ألست واحداً من تلاميذ هذا الرّجل؟ " بطرس كان أكثر حذراً من ذى قبل وجدّد إنكاره قائلا : " كلا أنى لست أعرف هذا الرّجل. "
ترك بطرس القاعة الدّاخلية ودخل القاعة الخارجية وهو يبكي، وكان اضطرابه وحزنه عظيمان حتى أنه لم يفكر فى الكلمات التى نطقها تواً. كانت القاعة الخارجية قد امتلأت بالناس، وتسلّق البعض قمة الحائط ليستمعوا إلى ما يُقال في القاعة الدّاخلية التي مُنّعوا من دخولها. كان هناك بعض التلاميذ أيضاً، لأن قلقهم بخصوص يسوع كان عظيماً جدا حتى إنهم لم يتمكّنوا من أن يظلوا مختبئين في مغائر وادي هنوم. جاءوا إلى بطرس، وبكثير من الدّموع سألوه بخصوص سيدهم الحبيب، لكنه كان فاقداً شجاعته‏ وخائفاَ للغاية من خيانته، حتى أنه أوصاهم باختصار أن يخرجوا، حيث إنه من الخطر أن يمكثوا وتركهم فى الحال. لقد استمرّ يُطلِق العِنان لحزنه العنيف، بينما أسرعوا هم بترك المدينة. لقد ميزت بين هؤلاء التلاميذ، الذين كانوا حوالي ستة عشر، بَرْثلْمَاوُس، نثنائيل، ستيرنينوس، يهوذا برسابا، سمعان الذي أصبح بعد ذلك أسقف أورشليم، زكا، ومناحم، الرّجل الذي ولد أعمى وشفاه يسوع .
لم يستطيع بطرس أن يستريح فى أي مكان، وحبّه ليسوع حثّه على أن يرجع إلى القاعة الدّاخلية، التي سُمح له أن يدخلها، لأن يوسف الرامى ونيقوديموس كانا قد أدخلاه في المرة الأولى. ولكنه لم يدخل الدهليز، بل أنعطف يميناً وذهب نحو الغرفة المستديرة التي كانت خلف المحكمة، والتي كان يخضع فيها يسوع لكل احتقار وإهانة ممكنة من أعدائه القساة. سار بطرس بخوف نحو الباب، ومع أنه كان واعياً تماما أنه محل شكّ من قبل كل الحاضرين بأنه من الموالين ليسوع، ومع ذلك لم يتمكّن من أن يبقى خارجاً؛ حبّه لسيده دفعه للأمام؛ دخل الغرفة، تقدّم، ووقف قريبا في وسط الحشد البغيض الذي كان يمتّع نظره بآلام يسوع. لقد كانوا في تلك اللّحظة يجرونه بشكل مخز ذهابا وإيابا بتاج القش على رأسه؛ ألقى يسوع عليه نظرة حزينة جدا وحادّة، نظرة مزقت قلبه، لكنه كان لا يزال منتبّهاً للغاية، وفي تلك اللّحظة سمع بعضاً من الذين حوله يصيحون " من هذا الرّجل؟ " فرجع مرة أخرى إلي القاعة، وشاهد الناس الذين في الدّهليز يراقبونه، أتى نحو النيران ووقف أمامها لفترة. لاحظ بعض الأشخاص وجهه المضطرب الحريص وبدءوا يتكلّمون بكلمات مخزية عن يسوع وقال له أحدهم : " إنك أيضا أحد تلاميذه؛ أنك جليلي أيضا؛ أن لهجتك تُظهرك " نهض بطرس معتزماً أن يترك الغرفة، عندما أتى شقيق ملخس إليه وقال : " هل لم أرك في البستان معه؟ ألست أنت الذى قطع أذن أخي؟ "
حينئذ أصبح بطرس بغاية الرّعب؛ بدأ يلعن ويقسم " إني لست أعرف الرّجل " وخرج من الدّهليز إلى القاعة الخارجية؛ حينئذ صاح الدّيك مرة ثانية، وكان يسوع في تلك اللّحظة يُقتاد عبر القاعة، ألقى نظرة ممتزجة بالحنو والأسى على تلميذه. طعنت نظرة يسوع تلك قلب بطرس، لقد ذكّرته بالأسلوب القويّ والشديد الذى تكلم به يسوع معه فى المساء السّابق : " أنك قبل أن يصيح الدّيك مرّتين, ستنكرني ثلاث مرات." لقد نسى كل وعوده وتأكيداته إلى يسوع، أنه ممكن أن يموت بدلا من أن ينكره, لقد نسى تحذير يسوع له؛ لكن عندما نظر إليه يسوع، شعر بفداحة ذنبه، وقلبه كان يطفح بالأسى. لقد أنكر سيده، عندما كان ذلك السيد المحبوب مهاناً، مُذلاً, مُسلّماً في أيادي قُضاة ظّالمين، عندما كان يعاني كلّ شئ بصبر وبصّمت. أن إحساسه بالنّدم كان فوق كل تعبير؛ لقد رجع إلى القاعة الخارجية وغطّى وجهه وبكى بمرارة؛ كل خوفه من أن يتعرفون عليه قد ولى؛ وكان مستعداً أن يعلن للعالم كله ذنبه وتوبته.
لقد ترك الرب بطرس لقوته، وهو كان ضعيفاً، مثل كل من ينسون القول " اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة "


  رد مع اقتباس