عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:40 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الحادي والعشرون

مُحاكمة يسوع أمام قيافا


اُقتيد يسوع عبر القاعة، ولاقاه الغوغاء بالآهات والاستهجان. بينما كان يعبر أمام بطرس ويوحنا نظر إليهما لكن دون أن يلتفت تجاههما لكى لا يكشفهما. وصل بصعوبة غرفة المجلس، حينئذ صاح قيافا بنغمة عالية : " ها أنت قد جئت أخيرا يا عدو الرب, أيها المُجدف يا من تزعج سلام هذه اللّيلة المقدّسة! ". وقام بفتح الأنبوب الذي يحتوى اتهامات حنان والذي رُبط بقضيب الملك المزعوم في يدي يسوع وأتم تلاوته .
استخدم قيافا أسلوباً مُهيناً وضرب الجنود يسوع ثانية وشتموه صائحين : " أجب فى الحال, تكلّم! هل أنت أخرس؟ ", اصبح قيافا أكثر غضباً من حنان وسأل ألف سؤال, الواحد بعد الآخر، لكن يسوع وقف أمامه صّامتاً، وعيناه تنظران لأسفل. حاول الجنود أن يجبروه على أن يتكلّم بضّربات متكرّرة، وبخبث ضغطوا إبهامه في شفاهه وأمروه بسخرية‏ أن يعضّه. ثم نودي على الشّهود.
كان الشهود الأوائل أشخاصاً من أردأ نوعية، اتهاماتهم كانت غَيْر متماسكة ومتناقضة كشهادة محكمة حنان، ولاشيء يمكن أن يُستخلص منها؛ لهذا التفت قيافا إلى الشّهود الرّئيسيين، الفريسيون والصديقيون، الذين جُمّعوا من كل أنحاء البلد. لقد سعوا أن يتكلّموا بشكل هادئ، لكن وجوههم وأسلوبهم أظهرا الحسد والكراهية التي تفيض بها قلوبهم نحو يسوع، ولقد كرّروا مرارا وتكرارا نفس الاتهامات التي أجاب عنها يسوع سابقا عدة مرات : " إنه يشفى المرضى ويطرد الشّياطين بمعونة الشّياطين, إنه يدنّس السبت, يحرّض الناس على الثورة, يدعو الفريسيين سلالة الأفاعي وزناة, توقّع دمار أورشليم, يتردّد على مجتمع جباة الضرائب والخطاة, يحشد الناس حوله كملك ونبي وابن الرب. " وأضافوا : " أنه يتكلّم دوماً عن مملكته، إنه منع الطلاق، دعا نفسه خبز الحياة، وقال إنّ كل مَنْ لا يأكل جسده ويشرب دمه فلن تكون له حياة أبدية
وهكذا حرّفوا وأساءوا فهم كلماته والوصايا التى أعطاها لهم والأمثال التي وضح بها وصاياه، مُعطين لها مظهر الجرائم. لكن هؤلاء الشّهود لم تتفق شهادتهم، لأن أحدهم قال : " إنه يدعو نفسه ملك " وناقضه الثاني فى الحال قائلاً : " كلا، إنه سمح للناس أن تدعوه هكذا؛ لكن عندما حاولوا بشكل مباشر أن يبايعوه كملك، هرب منهم " قال آخر: " إنه يدعو نفسه ابن الرب " لكنه قُوطع من قبل الرابع الذي صاح : " كلا، أنه يُلقب نفسه فقط بابن الرب لأنه يعمل إرادة أبيه السّماوي " بعض الشّهود أعلنوا أنّه قد شفاهم، لكن أمراضهم قد عادت، وأن علاجه المزعوم قد أداه فقط بقوة السّحر. تكلّموا أيضاً عن علاج الرّجل الكسيح الذى عند بركة بيت حسدا، لكنهم حرّفوا الحقائق كي يعطوها مظهر الجرائم، وحتى في هذه الاتهامات لم يستطيعوا أن يتفقوا، وكانوا متناقضين. الفريسيون الذين ناقشوا موضوع الطّلاق ذات مرة معه، اتهموه بأنه يُعلم تعاليم باطلة، وشاب الناصرة، الذي رفض أن يسمح له أن يصبح أحد تلاميذه، كان خسيساً بما يكفي لكى يشهد ضده.
لقد وجدوا أنه من المستحيل تماما إثبات تهمة واحدة، وبدا أن الشّهود يتقدّمون لأجل غرض واحد وهو أهانة يسوع، بدلا من أن أثبات صدق ادعاءاتهم. بينما كانوا يعارضون بعضهم البعض، وظَّف قيافا نفسه مع بعض أعضاء المجلس في سؤال يسوع، وكانوا يحولون إجاباته إلى موضوع من السخرية‏. " أي نوع من الملوك أنت؟ برهن على قوتك! استدع جحافل الملائكة التي تكلّمت عنها فى بستان الزّيتون! ماذا تفعل بالأموال التى تُعطى لك من قبل الأرامل البسطاء اللاتي أغويتهن بتعاليمك الباطلة؟ أجب فى الحال: تكلّم، هل أنت أخرس؟ لقد كان ممكن أن تكون أعقل لو كنت التزمت الصمت عندما كنت وسط الغوغاء الحمقى: لقد تكلّمت هناك كثيرا."
كل هذه الأسئلة كانت يرافقها الضّرب من خدم أعضاء المحكمة، ولو لم يكن يسوع مدعوماً من أعلى، لكان من غير الممكن أن يبقى حياً فى ظل هذه المعاملة. سعى بعض من الشّهود أن يبرهنوا أنّه ابن غير شرعي؛ لكن الآخرين أعلنوا أنّ أمّه كانت عذراء تقية من عذارى الهيكل، وأنها بعد ذلك رأوها مخطوبة لرّجل يخاف الرب. وبخ الشّهود يسوع وتلاميذه لكونهم لا يقدمون ذبيحة في الهيكل. واستمر أعداء يسوع فى اتّهامه بأنه ساحر، وأكد قيافا بضع مرات أن تناقض روايات الشّهود سبّبه السّحر فقط.
قال البعض إنه قد أكل خروف الفصح فى اليوم السّابق، وهذا يناقض الشريعة، وأنه صنع فى السّنة السابقة تعديلات مختلفة في أسلوب الاحتفال بهذه المراسم. لكن الشّهود ناقضوا بعضهم البعض لدرجة أن قيافا ومؤيديه وجدوا أنه لا توجد تهمة واحدة يمكن إثباتها حقا. نودي على نيقوديموس ويوسف الرامى، وطُلب منهما أن يبررا كيف أنهما سمحا له أن يأكل الفصح فى اليوم الخطأ في غرفة تخصهما، فبرهنا لهم من وثائق قديمة أنه منذ زمن بعيد قد سُمح للجليليين أن يأكلوا الفصح فى يوم مبكر عن بقية اليهود. وأضافوا أن كل الطقوس قد مورست طبقا للشريعة، وأنه كان هناك بعض الأشخاص الحاضرين العشاء الذين ينتمون للهيكل. أربك ذلك الشّهود تماما وأزاد نيقوديموس غيظ أعداء يسوع بذكر الفقرات التى تبرهن على صحة الجليلى من واقع السجلات، التى أوضحت السّبب الذى من أجله قد مُنح هذا الامتياز.
السّبب كان أن الذبائح لم يكن من الممكن أن تنتهي بيوم السبت لو تجمع هذا العدد الهائل سوياً لذلك الغرض ليؤدوا جميعاً المراسم فى نفس اليوم؛ مع أن الجليليين لم يستفيدوا دوما بهذا الحق، ومع ذلك فأن وجوده قد برهن من قبل نيقوديموس؛ وارتفع غضب الفريسيون بإيماءاته بأن أعضاء المجلس قد تسببوا فى أن يهان المجلس بشّدة بتّناقضات روايات الشّهود، وأن الأسلوب الاستثنائي والمُسرع الذي تقاد به القضية قد أظهر أن الحقد والحسد هى الحوافز الوحيدة التي أقنعت المدّعين وجعلتهم يجلبون القضية في لحظة كان الجميع فيها منشغل في الإعداد لأكثر الأعياد مهابة فى السّنة.
لقد نظروا إلي نيقوديموس بغضب ولم يتمكّنوا من أن يجيبوه، لكن استمروا يسألون الشّهود بأسلوب متهوِر‏ وأحمق. تقدّم شاهدان أخيرا وقالا : " إن هذا الرّجل قال أنى سأهدم هذا الهيكل المصنوع بالأيادي، وفى ثلاثة أيام سأبني آخر غير مصنوع بالأيادي." ومع ذلك فحتى هذان الشاّهدان ما اتفقا في شهادتهما، لأن أحدهم قال أنّ المتّهم رغب أن يبني هيكل جديد، وأنه قد آكل الفصح في مكان غير عادي، لأنه رغب فى دمار الهيكل القديم؛ لكن الآخر قال : " ليس هكذا : أن الموضع الذى آكل فيه الفصح قد بنى أيضاً بأيادي بشرية، لهذا لم يكن ممكنا أنه يشير إلي ذلك. "
كان غضب قيافا متعذر وصفه؛ لأن المعاملة القاسية التي عاناها يسوع وصبره الإلهى وتناقض أقوال الشّهود، قد بدأت تؤثّر تأثيرا كبيرا على عديد من الأشخاص الحاضرين، سٌُمعت همهمات قليلة وتأثرت قلوب بعض الذين لم يستطيعوا أن يسكتوا أصوات ضمائرهم. ترك عشرة جنود المحكمة تحت ذريعة التّوعك لكن في الواقع كانت مشاعرهم قد غلبتهم. بينما يعبرون المكان حيث كان يقف كل من بطرس ويوحنا صاحوا : " إن صمت يسوع الناصري، وسط مثل هذه المعاملة القاسية، لهو فوق طاقة البشر: أنه ليُصهر حتى القلوب الحديدية, إنّ العجيب أن الأرض لم تنفتح وتبتلع مثل هؤلاء الفاسقين. لكن اخبرونا، أين يجب أن نذهب؟ " التلميذان أمّا ارتابا في الجنود، أو خافا أن يتعرف عليهم من يُحيطون بهما ويتهموهما كتلاميذ ليسوع، لأنهما أجابا بنغمة كئيبة : " إن كان حقاً قد دعاكم، اتبعوه، وكل شئ سيكون حسناً من تلقاء نفسه. " خرج الجنود فوراً من الغرفة وتركوا أورشليم فى الحال. وقابلوا أشخاص عند أطراف المدينة أرشدوهم إلى المغائر التي تمتدّ إلى جنوب أورشليم، على الجانب الآخر من جبل صهيون، حيث التجأ عديد من التلاميذ. في بادئ الأمر تنبّه التلاميذ برؤية غرباء يدخلون مخبأهم؛ لكن الجنود بددوا كل خوف فى الحال وأعطوهم تفاصيل لآلام يسوع.
كان قيافا بالفعل مُضطرباً واغتاظ تماما من الشهادة المتناقضة للشّاهدين الأخيرين، وقام من مقعده واقترب من يسوع وقال له: " أما تجيب بشيء لما يدعيه هذان الشاهدان؟ "
لم يرفع يسوع رأسه ولا نظر نحو الكاهن الأكبر، مما ازداد غضبه لدّرجة عظيمة؛ والجنود إزاء هذا أمسكوا يسوع من شعره، جاذبين رأسه للخلف، وضربوه أسفل ذّقنه؛ لكنه احتفظ بعينيه تنظران لأسفل. رفع قيافا يديه وصاح بنبرة غاضبة : " أستحلفك بالرب الحيّ أخبرنا إن كنت أنت المسيا المنتظر، ابن الرب الحيّ؟ "
أجاب يسوع بعد تمهل بصوت إلهي : " أنك قد قلت. وأقول لكم أيضاً، منذ الآن سترون ابن الإنسان جالساً على يمين قوة الرب وآتياً على سحاب السّماء "
عندما أعلن يسوع هذه الكلمات، ظهر لي نور ساطع يُحيط به وانفتحت السّماء فوق رأسه ورأيت الآب الأزلى؛ لكن لا كلمات إنسان تستطيع أن تصف المنظر الُمدرك بالحس الذي أجيز لى أن أحياه. لقد رأيت أيضاً الملائكة والصلوات صاعدة تواً إلي عرش الرب.
فى نفس اللّحظة لاحظت هاوية جهنم واسعة مثل نيزك ناري عند أقدام قيافا؛ لقد كانت ممتلئة بالشّياطين المروّعين؛ ضباب مُهلهل فقط ظهر يفصله عن نيرانها المظلمة. استطعت أن أرى الغضب الشّيطاني الذي كان يفيض به قلبه، وبدا كل البيت لي كجهنم. في الوقت الذي أعلن فيه يسوع كلماته المهيبة : " أنا هو المسيح، ابن الرب الحيّ " بدت جهنم تهتز من أقصاها إلى أدناها، وبعد ذلك، بدت وكأنها تنفجر وتغمر كل شخص في بيت قيافا بمشاعر الكراهية المتضاعفة نحو الرب.
عندئذ نهض قيافا، حيث حثّه إبليس ورفع نهاية عباءته وشقها بالسكين ومزعها من أولها حتى نهايتها صائحاً بصوت عالٍ " إنه قد جدف. ما حاجتنا إذن لشّهود؟ لقد سمعتم الآن تجديفه: ماذا تظنون ؟ " نهض كل الحاضرين وصاحوا: " إنه مذنب ويستحق الموت! "
وسط المأساة المرّة التي فاض بها قلب يوحنا، كانت أفكاره مع العذراء؛ لقد خشي أن تّصلها أخبار إدانة ابنها فجأة أو أن يعطيها بعض الأعداء المعلومات بأسلوب قاس. لذا نظر إلى يسوع وقال بصوت منخفض : " إلهى أنت تعلم لماذا أتركك " وخرج بسرعة ينشد العذراء المباركة، كما لو أنه مرسل من قبل يسوع نفسه.
كان بطرس مقهوراً تماماً بالقلق والحزن، لذا كان مُرهقاً مما جعله يشعر بالبرد؛ لهذا، ولأن الصّباح كان بارداً، صعد بجانب النيران ليستدفئ مع عديد من العامة. لقد فعل ما بمقدوره كى يخفي حزنه في حضورهم، كما لم يستطع أن يستقر فى رأيه إن كان سيذهب إلى البيت أم سيظل مع سيده الحبيب.



  رد مع اقتباس