07 - 11 - 2012, 04:39 PM
|
رقم المشاركة : ( 7 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل التاسع عشر
محاكمة يسوع أمام حنان
وصل يسوع إلى قصر حنان نحو منتصف الليل وعلى الفور اقتاده حرّاسه نحو قاعة فسيحة، حيث جلس حنان مُحاطاً بثمانية وعشرين عضواً من أعضاء المجلس على منصَّة ترتفع قليلاُ عن مستوى الأرض موضوعة قبالة المدخل. جر الجنود يسوع بفظاظة أمام المنصة. كانت الغرفة ممتلئة تماماً، ميزت عدداً من الغوغاء بين جنود وخدم حنان وكذلك الشهود الكذبة الذين ذهبوا بعد ذلك إلى قاعة قيافا .
ابتهج حنان برؤية يسوع لكونه حضر أمامه وكان ينتظر وصوله بفارغ الصبر. تعبيرات وجهه كانت بغيضة، حيث أظهرت كل قسمات وجهه ليس فقط البهجة الشيطانية التي امتلأ بها، بل أيضاً كل خداع ونفاق قلبه. لقد كان حنان رئيس نوع من المحاكم المؤسّسة لغرض استجواب الأشخاص المتّهمين بترويج تعاليم دينية باطلة؛ وإن أدينوا هناك فأنهم يؤخذون حينئذ أمام الكاهن الأكبر.
وقف يسوع أمام حنان. بدا مُسْتَنْفَداً ومنهكاً؛ ملابسه مُغطاة بالطّين، يداه مقيّدتان، رأسه منحنية، ولم يتكلّم بكلمة. حنان كان نحيلاً, سخيفاً, يبدو عجوزاً بلحية غير منسقة. كبرياؤه وافتخاره كانا عظيمين؛ وعندما جلس ابتسم ابتسامة ساخرة مدّعياً أنّه لا يعرف شيئاً على الإطلاق، وبدا مندهشاً تماما باكتشاف أن السّجين الذي قد أُعلم به تواً والذي جُلب أمامه، ليس سوى يسوع الناصري. قال له : " هل هذا ممكن، هل أنت فعلا يسوع الناصري؟ أين إذن تلاميذك وأتباعك العديدين؟ أين هى مملكتك؟ أخشى أن تكون الأمور قد تحولت عما كنت تتوقّعه. أعتقد أن السلطات قد اكتشف أنهّ الوقّت المناسب لوضع نهاية لتصرفاتك العديمة الاحترام نحو الرب وكهنته وإلى انتهاكاتك للسبت. أي توابع لك الآن؟ أين ذهبوا جميعا ؟ أنك صامت! تكلّم أيها المغرّر! تكلّم أيها المحرّض على التمرّد! هل لم تأكل الفصح بأسلوب غير قانوني، في وقت غَيْر ملائم، وفي مكان غَيْر ملائم ؟ هل لم ترغب أن تقدّم تعاليم جديدة؟ من أعطاك حق الوعظ ؟ أين درست؟ تكلّم، ما هى معتقدات ديانتك؟
حينئذ رفع يسوع رأسه المرهق ونظر إلى حنان وقال : " لقد تكلّمت إلى العالم علانية؛ لقد علّمت دوما في المجمع وفي الهيكل، حيثما يتردد كل اليهود؛ وفي السّر لم أتكلّم بشيء. لماذا تسألني؟ أسأل أولئك الذين سمعوا بما تكلّمت به؛ إنهم يعرفون بأى أمور قد تكلمت بها إليهم"
عندما أجابه يسوع هكذا أزبد وجه حنان بالغضب والسخط. أدرك خادم كان يقف بالقرب منه هذا ولطم يسوع فورا على وجهه صائحاً : " أهكذا تجيب رئيس الكهنة ؟ " يسوع شبه وقع من عنف اللطمة، حتى أنه عندما شتمه الحرّاس وضربوه، سقط تماما لأسفل، وتقطّر الدم من وجهه إلى الأرض. دوت القاعة بالضّحك وبالإهانات والكلمات المرّة. سحبه الجنود بفظاظة وأوقفوه وقال بهدوء: إن كنت قد تكلّمت رديا فاشهد على الردى؛ لكن إن كنت تكلمت حسناً، فلماذا تضربني؟ "
غضبً حنان أكثر عندما رأى سّلوك يسوع الهادئ والتفت إلى الشّهود، رغب منهم أن يقدّموا اتهاماتهم. بدءوا يتكلّمون جميعا فى الحال : " أنه زعم أنه ملك؛ أنه يقول أن الرب أبوه؛ لقد قال أن الفريسيون لهم جيل زانى. لقد تسبّب فى تمرد بين الشعب؛ أنه يشفي المرضى بمعونة الشّيطان فى السبت. أن سكان أوفيل تجمّعوا حوله وخاطبوه بلقب المُخلص والنّبي. لقد دعا نفسه يُلقب بابن الرب؛ أنه يقول أنّه مُرسل من قبل الرب؛ أنه يتنبّأ بدمار أورشليم. أنه لا يصوم؛ إنه يأكل مع الخطاة ومع الوثنيين ومع جُباة الضرائب، ويرافق نساء ذي سمعة سيئة. منذ وقت قصير قال لرجل أعطاه بعض الماء ليشرب عند بوّابات أوفيل، أنه سيعطيه ماء الحياة الأبدية، من يشرب منه لن يعطش فيما بعد. إنه يغوي الناس بكلمات ذات معنى مزدوج الخ ....الخ .
كانوا جميعاً يصيحون بهذه التهم؛ وقف بعض الشّهود أمام يسوع وأهانوه بينما تكلّموا بإشارات سّاخرة، ومضى الجنود يضربونه، قائلين في نفس الوقت : " تكلّم؛ لماذا لا تُجيب ؟ " أضاف حنان ومناصروه الهزء ليهينوه وكانوا يصيحون في كل مهلة باتهامات أخرى : " أهذا هو التعليم ؟ أليس هو؟ ألا تستطيع أن تجيب على هذا؟ ألست أنت الملك العظيم؛ الإنسان المُرسل من قبل الرب، برهن على مُهمتك " واصل حنان تساؤلاته بنغمة احتقار لاذِع " من أنت ؟ من قبل من أنت مُرسل؟ ألست أنت ابن نجار مغمور، أم أنت إيليا الذى صعد للسّماء في عربة نارية؟ أنه يقال أنه ما زال حياً، وقد قيل لى أنك تستطيع أن تجعل نفسك غير مرئي عندما تريد. ربما أنت ملاخى النبي، الذي تقتبس كلماته كثيراً. البعض قال بأنّ الملاك كان أبوه، وأنه أيضاً ما زال حياً. أن منتحل مثلك من الممكن أن ينال الفرصة أن ينتحل صفة هذا النّبي. أخبرني بلا مراوغة، إلى أي نوع من الملوك تنتمى؟ هل أنت أعظم من سليمان؟ على الأقل أنك تتظاهراً بأن تكون هكذا. كن سهلاً، فأنا لن أعد أرفض اللقب والصولجان اللذان تستحقّهما بعدل.
حينئذ طلب حنان رقّ الكتابة، وكتب سلسلة من الكلمات بأحرف كبيرة، وكل كلمة تُعبر عن تهمة مختلفة من التهم التي اتهموه بها ثم طواها ووضعها في أنبوب فارغ صغير ربطها بعناية على قمة قصبة وقدّم هذه القصبة إلى يسوع قائلاً : " أمسك بقضيب المُلك؛ أنه يحتوي على الألقاب، كما أنه يحتوى أيضا على مدى الكرامة التى أنت آهل لها، وعلى الحق فى العرش. خذوه إلى الكاهن الأكبر، من أجل أن يعترف بالكرامة الملوكية، ويُعاملك طبقا لما تستحقه. اربطوا يدي هذا الملك، وخذوه أمام الكاهن الأكبر. "
قيُدت حينئذ يدي يسوع عبر صدره بأسلوب يجعله قادراً على أن يحمل قضيب المُلك المزعوم والذي احتوى على اتهامات حنان، واقتيد إلى محكمة قيافا وسط استهجان وصّيحات الغوغاء والضربات التى انهالت عليه منهم من كل جانب.
لم تكن دار حنان تبعد عن دار قيافا بأكثر من ثلاثمائة خطوة؛ كانت هناك أسوار عالية ومنازل بمظهر عام مشترك على كلا جانبي الطّريق الذي أنير بمشاعل وفوانيس موضوعة على أعمدة، وكانت هناك جموع من اليهود واقفة تتّحدّث بأسلوب هائج وغاضب. استطاع الجنود أن يشقوا طريقهم بصعوبة خلال الحشود، وأولئك الذين تصرّفوا بشكل مخزي مع يسوع في محكمة حنان استمرّوا فى إهاناتهم له وواصلوا تصرفاتهم الخسّيسة خلال كل المدة المنصرفة في المسير نحو دار قيافا. لقد رأيت نقوداً تُعطى لأولئك الذين تصرّفوا بطريقة سيئة مع يسوع من الرّجال المسلّحين الخاصين بالمحكمة، ورأيتهم ينحون عن الطّريق كلَّ الذين نظروهم ينظرون بعطف إلي يسوع. أما الآخرون فقد سمحوا لهم أن يدخلوا محكمة قيافا
|
|
|
|