عرض مشاركة واحدة
قديم 07 - 11 - 2012, 04:36 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل أخر للرب يسوع

إن حادثة أسري اختبار جيدِ، لها الكثير من الأهميةُ. لو لم يضرب بطرس ملخس، لما كان عِنْدَي الفرصةُ كى ألفت انتباهكم إلى الطّريقةِ التى أُريدكَم أَنْ تَستخدموها في النضال من أجلي.
لقد استعملتُ مثالاً كى أُحذّرَ بطرس واعدتُ لملخس أذنَه لأنى لا اَحْبُّ العنف، بَكُونُي إله الحريةِ. لكن لاحظوا أنى حذرته من فعَل هذا، لقد أظهرت لبطرس رغبتى الراسخة فى أن تكون آلامي مُكتملة وقد جَعلته يَتأمّلُ حقيقة أنني إن أردتُ، فالأب سيَحْميني بملائكته.
انظروا كم اجتمعت أشياء عدة في حادثة واحدة فقط؟ لكن الشيء الرّئيسيَ هو بالضبط الدّرسُ الذي يجبُ أَنْ أَعطيه لكم جميعاً فى قتالِ أعدائكمَ. كل من هو مثلي سيفعَْلُ هكذا: سيَسْمحُ لنفسه أنْ يُؤْخَذُ أينما يُريدواَ أَنْ يَأْخذوه، لأنه سَينال فى لحظات القوةُ التي لا يتوقعها العالمِ, قوة ليست مِن قِبل البشر, قوة لا يتوقعها بالخبرةِ الإنسانيةِ، ولا بذكاء حبِّ الذّات .
كلا, إن كل من هو مثلي سيَبْقى في الحالةِ حيث هو وضعُ وسينال قوة مجهولة لكنها قوةَ نشيطةَ كى يتغلب على مضطهديه. تلميذي الحقيقي يَفعَلُ الأمور الأقل احتمالاً بلا أدنى اعتراض على خططي له, إن العالمُ يُسر نفسه بصفات مميِّزة‏ ببَراعَةِ، ويُظهر تفوق خاصته. هذا هو الرّوحُ الذي قَاتلتُه وقَهرتُه. لهذا أقول لكم جميعاً أَنْ تتشجعوا، لأنى قد هزمته، أن العالمِ لا يُستطيع أن يَفعلُ شيئاً الآن كى يَقْطعَ اتحادكم معي بشرط ألا تتحّدوا أنتم معه. إن اتحدتم معه، عليكم أَنْ تَعانوا من النّتائج بالإضافة إلى أننى بنفسي سأُعارضُ انتصاركم بأسلحةِ العالمِ، عديد من المرات سيكون عليكم أن تكونوا كخصومِ للعالمِ ولي, للعالم بسبب حبّه الأناني، ولي بسبب الحبِّ النقى، لأجل محبّة جوهركم الحقيقي الصالح ِ.
لذلك، لا ضرباتُ مثل ضربة بطرس إِلى آذانِ أعدائكمِ ستحميكم بدون قبول كل الكأسِ الذي أقدمه لكم. الكأس الذى ينبغى أن أَنْ تَروا فيه مشيئتى كما رَأيتُ أنا مشيئة أبى عندما سَألتُ بطرس الحبيب : " أَعِدِ السَّيْفَ إِلَى غِمْدِهِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ، أَلاَ أَشْرَبُهَا؟؟ "
تأمّلوا دائما فى آلامي وأمعنوا النظر بعمق في روحي واَحْصلُوا على الانطباعات المفيدةُ والتي تحثكم على أَنْ تُقتادوا بى. بالطبع، أنا من سأفعلُ هذه الأشياءِ فيكم لكنكم يَجِبُ أَنْ تُقدّموا ذواتكم، وبعد ذلك، سَتُنجزُون ما أَقُولهُ. آه! لو يستطيع الإنسان أن يَفْهمَ فقط هذا الجانب من آلامي ! كم سيكون أسهل كثيراً أَنْ يُنتجَ وأن يَعِيشَ حياتي مرة أخرى!
تقدموا يا أولادي، فإن كل شيء إنما هو سؤالُ عن الحبِّ، لَيسَ عن أي أمر آخر. عن الحبِّ وعن عملي الذي أُريدُ أَنْ أَتمّمهَ فيكم، وعن أن تَحْبوني أكثر دائما. توقفوا عن أن تفكّروا بطريقهِ بشريةِ؛ اَفْتحُوا أذهانكم إِلى عالميِ، افتحوها إِلى خاصتي الذين معكم. فإن هذا مهمُ!
أنكم لي لثلاثة أسبابِ: أولا لأنى خَلقتكَم من لا شيء, ثانيا لأني افتديتكم, ثالثا لأنكم سَتكنون جزءاً من إكليل مجدي. لهذا يَجِبُ أَنْ تَتذكّرواَ أنّي أَهتمَّ بكَم لهذه الأسباب الثلاثة، وأنى لا يمكن أبداً أَنْ اَفْقدَ اهتمامي بمن قَدْ خَلقتُهم وفديتهم وسيكونون مجدي.
أنكمَ تُقادون نحو هذا الطّريقِ ويَجِبُ أَنْ تُقطعوه كله. كما كَانَ ذلك لي، إنه لَنْ يَكُونَ مفيداً لكم فقط بل لكثير من أخوتكمَ الذين يَجِبُ أَنْ يَنالوا منّي النعمة والحياة من خلالكم. تّقدّموا، لأنى أُبهجُ نفسي بتقدمكم؛ تعلّمُوا، لأن الحبَّ يُريدُ أَنْ يَمتلككمَ بالكامل.
أنى أُبارككم، بركة مليئة بالوعدِ. أَعطيها لكم جميعاً بالقدرة التى تمتّعُت بها أنا كإنسان، قدرة هى لكم، وفرح سَأمنحه مع جائزةِ، جائزة ستُؤكّدُ حبّي اللانهائي لكم. لقَدْ حانت ساعتي؛ السّاعة التى علىّ أَنْ أُكملَ فيها التّضحية، فسلمتُ نفسي إِلى الجنودِ بوداعة الحملِ.
لم يسقط قادة الجنود الأربعة والفريسيين السّتة على الأرض بكلمات يسوع، لأنهم هم ويهوذا، الذي لم يسقط أيضا, كانوا تحت سطوة الشّيطان بالكامل، حيث إن كل أولئك الذين سقطوا ونهضوا ثانية قد تعمدوا بعد ذلك وصاروا مسيحيين؛ إنهم أحاطوا فقط بيسوع، ولم يضعوا الأيادي عليه. ملخس قد آمن فورا من قبل الشفاء الذى ناله، وخلال وقت الآلام كانت وظيفته أن يحمل الرسائل ذهابا وإيابا إلى مريم وإلى رفاق الرب الآخرين.
قيد قادة الجنود يسوع بوحشية بالغة، كانوا وثنيين من أدنى نَسَب‏ وأقوياء وقصار ونشيطين، ببشرة رّملية، تشبه بشرة العبيد المصريين، سيقانهم وأذرعهم ورقابهم كانت عارية.
لقد ربطوا يديه بحبال جديدة صَلبة بإحكام، ربطوا الرّسغ الأيمن تحت المرفق الأيسر، والرسغ الأيسر تحت المرفق الأيمن. طوّقوا خصره بحزام مقوى بقطع من الحديد وقيدوا يديه به, بينما وضعوا على رقبته طوقاً مُغطى بقطع حديدية، وأضافوا إلى هذا الطوق حزامين من الجلد عبّرا صدره كالشال وربطوهما بالحزام. ثم ربطوا أربعة حبال إلى أجزاء مختلفة من الحزام، وبهذه الحبال جروا إلهنا المبارك بطريقة قاسية. الحبال كانت جديدة؛ أعتقد إنها اشتريت عندما قرر الفريسيون أن يعتقلوا يسوع. أشعل الفريسيون مشاعل إضافية، وتحرك الموكب. سار عشرة جنود في الأمام، يتبعهم قادة الجنود الذين أمسكوا الحبال وجروا يسوع، ثم يتبعهم الفريسيون وعشرة جنود آخرين فى المؤخّرة.
هام التلاميذ بعيداً وبكوا وناحوا من الأسى. يوحنا فقط تبع يسوع ومشي على مسافة ليست بعيدة عن الجنود، حتى رآه الفريسيون، فأمروا الحرّاس أن يعتقلوه. فسعوا أن يمسكونه، لكنه هرب، تاركاً في أياديهم الإزار الذي يتغطى به الذي امسكوه منه عندما سعوا أن يقبضوا عليه. لقد تخلص من إزاره حتى يهرب من أيادي أعدائه ولم يحتفظ بشيء سوى ثوب قصير وبدون أكمام وشال طّويل يرتديه اليهود عادة، والذي لفه حول رقبته ورأسه وذراعيه.
تصرّف قادة الجنود بغاية القسوة مع يسوع بينما كانوا يقتادونه؛ لكى يرضوا الفريسيون السّتة، الذين يعرفون إلى أى مدى كانوا يكرهون يسوع. لقد اقتادوه على الطّريق الأكثر وعورة‏، على أحجار مدببة، وخلال الأوحال؛ لقد جذبوا الحبال بإحكام بقدر ما يستطيعون؛ ضربوه بالحبال المعقودة، كجزار يضرب بهيمة على وشك أن تُذبح؛ وقد صاحب هذه المعاملة القاسية إهانات دّنيئة وبذيئة لا أستطيع أن أصوغها.
كانت قدما يسوع عارية؛ كان يرتدى، بالإضافة إلى الثوب العادي، رداء صوفياً بلا حياكة، والعباءة التي من أعلى. لقد نسيت أن أذكر أنهّ عندما اُعتقل يسوع، كان ذلك بدون أي أوامر رسمية أو قانونية؛ لقد عومل كشخص بلا أى حماية من القانون.
مضى الموكب بخطى حثيثة؛ عندما تركوا الطّريق الذي يفصل بين بستان الزّيتون وبستان جَثْسَيْمَانِي ، انعطفوا يميناً، ووصلوا إلى جسر على مجرى قدرون. عندما ذهب يسوع إلى بستان الزّيتون مع التلاميذ، لم يعبر هذا الجسر، بل ذهب من طريق خاصّ يمرّ عبر وادي يهوشافاط، ويقود إلى جسر آخر إلى الجنوب. الجسر الذى اقتاد الجنود يسوع عليه كان طويلاً، لكونه لا يعبر المجرى فقط، الذي كان كبيراً جدا في هذا الجزء، بل أيضاً الوادي، الذي يمتدّ مسافة كبيرة إلى اليمين وإلى اليسار.
لقد رأيت يسوع يسقط مرّتين قبل أن يصل إلى الجسر، وهذا السّقوط كان نتيجة الأسلوب البربري الذي يجره به الجنود ؛ لكن عندما كانوا فى منتصف الجسر أعطوا مُتنفساً كاملاً لميولهم الوحشية، وضربوا يسوع بعنف حتى إنهم القوه من على الجسر في الماء، وأوصوه بازدراء أن يروي عطشه هناك. لو لم يحفظه الرب، لكان قُتل بهذا السّقوط؛ لقد سقط أولاً على ركبتيه، وبعد ذلك على وجهه، لكنه أنقذ نفسه بمد يديه قليلاً، التي مع أنها مقيدة بإحكام، إلا إن رباطها ارتخى، أنا لا اعرف إن كان ذلك بمعجزة أم أن الجنود قطعوا الحبال قبل أن يُلقوه في الماء؟. أن علامات قدميه ومرفقيه وأصابعه قد طُبعت على الصّخرة التى سقط عليها بشكل عجيب، وهذه العلامات قد أُظهرت بعد ذلك لتبجيل المسيحيين. إن هذه الأحجار أقل صلابة من قلوب البشر الغير مؤمنين سواء الذين أحاطوا بيسوع حينئذ، أو الذين يهينونه بطريقه أو بأخرى.
أنا لم أر يسوع ينال أى شئ من الماء ليروي العطش الذي أنهكه منذ معاناته في جَثْسَيْمَانِي ، لكنه شرب عندما سقط في قدرون، وأنا؛ سمعته يكرّر كلمات من المزمور 110 : 7 النّبوي " مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ "
ما زال الجنود يمسكون بنهايات الحبال المُقيد بها يسوع، لكن كان من الصعب أن يسحبوه خارج الماء من ذلك الجانب، بسبب حائط كان مبنياً على الشّاطئ؛ فعادوا وسحبوه من قدرون إلى الشّاطئ، وبعد ذلك جعلوه يعبر الجسر مرة ثانية، مًصاحبين كل أفعالهم بالإهانات والتجديف والضرب. رداؤه الصّوفي الطّويل، الذي أبتل تماما، التصق بساقيه وعرقل كل حركته، وجعل من شبه المستحيل له أن يمشي، وعندما وصل إلى نهاية الجسر سقط تماما. سحبوه ثانية بطريقة قاسية، ضربوه بالحبال، وربطوا نهايات ردائه المبلّل بالحزام، في نفس الوقت شتموه بأسلوب بغاية الجبن.
لم يكن منتصف الليل قد حان عندما رأيت الجنود الأربعة يسحبون يسوع بشكل وحشي على طريق ضيّق على الشّاطئ المقابل من قدرون، طريق ممتلئ بالأحجار, بقطع من الصّخور ونباتات شائكة‏ وأشواك. كان الفريسيين الستة المتوحشين بقرب يسوع بقدر ما يمكن، ليضربوه بشكل ثابت بعصي مدبّبة وسّميكة، وكانت قدماه العاريتان تنزف وتتمزّق من الأحجار والأغصان الشائكة‏، حينئذ صاحوا باحتقار : " بالتأكيد إن سلفه يوحنا المعمدان لم يُعد الطريق جيداً هنا " أو " إن كلمات ملاخى النبي " ها أنا أرسل ملاكي أمام وجهك، ليمهّد الطريق أمامك" غير مُطبقه عملياً الآن بالضبط " كل دعابة وقحة نطق بها هؤلاء الرّجال حثت الجنود الأربعة على المُبالغة فى القسوة.
أشار أعداء يسوع بأنّ هناك بضع أشخاص يظهرون على البعد؛ لقد كانوا التلاميذ الذين تجمّعوا عندما سمعوا أنّ سيدهم قد اعتقل، والذين كانوا حريصين أن يكتشفوا ماذا ستكون النّهاية؛ لكن رؤيتهم جعلت الفريسيون يضطربون، خشية أية محاولة لإنقاذ يسوع، ولهذا أرسلوا فى طلب تعزيزات للجنود.
رأيت على مسافة قصيرة جدا من مدخل قبالة الجانب الجنوبي للهيكل، الذى يقود إلى قرية صغيرة تدعى أوفيل جنوب جبل صهيون, حيث محل إقامة حنان وقيافا، رأيت فرقة من حوالي خمسين جندياً، يحملون المشاعل، وبدت جاهزة لأي شئ؛ إن سلوك هؤلاء الرّجال كان شنيعاً، كانوا يصيحون صيحات عالية، ليعلنوا عن وصولهم، وليهنّئوا رفاقهم على نجاح مهمتهم. هذا سبّب اضطرابا بين الجنود الذين كانوا يقتادون يسوع، استغل ملخس وبضع من الآخرين ذلك ليغادروا المكان ويهربوا نحو جبل الزيتون.
عندما تركت فرقة الجنود أوفيل، رأيت أولئك التلاميذ الذين تجمّعوا. العذراء المباركة وحوالي تسع من النّساء القديسات، لكونهن مملوءات بالقلق، تقدمن نحو وادي يهوشافاط، يرافقهن لعازر ويوحنا مرقص وابن فيرونيكا وابن سمعان. الأخير كان في جَثْسَيْمَانِي مع نثنائيل والتلاميذ الثّمانية، وقد هرب عندما ظهر الجنود. لقد أعطى العذراء المباركة تقرير عن كل ما حدث، عندما انضمت فرقة الجنود الجديدة لأولئك الذين كانوا يقتادون يسوع، سمعت مريم حينئذ صخبهم العنيف ورأت ضوء المشاعل التى يحملونها. هذا المنظر تغلّب عليها تماما؛ صارت فاقدة الوعي‏، وأخذها يوحنا إلى دار مريم أمّ مرقص .
الجنود الخمسون الذين أرسلوا لينضموا للجنود الذين اخذوا يسوع، كانوا انفصلوا من مجموعة من ثلاثمائة رجل أُرسلوا ليحرسوا بوّابات وضواحي أوفيل؛ لأن الخائن يهوذا قد ذكّر الكاهن الأكبر أن سكان أوفيل, الذين من طبقة العمال، وعملهم الأساسي جلب الماء والحطب إلى الهيكل, كانوا موالين ليسوع، وربما يفعلون بعض المحاولات لإنقاذه. كان الخائن مدركاً أنّ يسوع كان قد ساعد وواسى وشفى أمراض كثيرين من هؤلاء العمّال الفقراء، وأن أوفيل كانت المكان الذى توقّف فيه خلال رحلته من بيت عنيا إلى حبرون عندما قُطعت رأس يوحنا المعمدان. عرف يهوذا أيضا أن يسوع قد شفى عديداً من البناءين الذين جرحوا بسقوط البرج فى سلوام والذين من أوفيل. لقد تعمد الجزء الأعظم من سكان أوفيل بعد صلب يسوع، وانضموا لجماعة المسيحيين الأوائل التي تشكّلت بعد العنصرة، وعندما انفصل المسيحيون عن اليهود شيدوا منازل جديدة، وضعوا أكواخهم وخيمهم في الوادي الذي يقع بين أوفيل وجبل الزيتون، وهناك عاش القديس اسطفانوس. أوفيل كانت على تل إلى جنوب الهيكل، محاطة بأسوار وسكانها فقراء جدا.
أزعجت ضوضاء الجنود نوم سّكان أوفيل الطيبين؛ فجاءوا من ديارهم وركضوا إلى مدخل القرية ليسألوا عن سبب الضّجيج؛ لكن الجنود استقبلوهم بفظاظة وأمروهم أن يعودوا إلى مساكنهم، وأجابوا أسئلتهم العديدة، قالوا: " لقد اعتقلنا يسوع، نبيكم الكذاب, الذى خدعكم بالكامل؛ أن رؤساء الكهنة على وشك أن يحاكمونه وسيصلب", أرتفع البكاء والنواح من كل جانب؛ النّساء والأطفال الفقراء ركضوا ذهاباً وإياباً، يبكون ويعتصرون أياديهم؛ ويتذكرون كل المنافع التى نالوها من الرب، ألقوا أنفسهم على ركبهم لينشدوا حماية السّماء. لكن الجنود دفعوهم جانباً، ضربوهم وأجبروهم على الرجوع إلى بيوتهم صائحين : " أي برهان أخر مطلوب بعد؟ ألا يُظهر تصرف هؤلاء الأشخاص بوضوح أنّ الجليلى كان يحرّض على التّمرّد؟ "
ومع ذلك فقد كانوا حذرين قليلاً في كلامهم وسلوكهم خوفاً من أن يتسببوا فى تمرد شعب أوفيل، ولهذا سعوا فقط أن يبعدوا سّكان القرية عن المناطق التى لابد أن يجتازها يسوع.
عندما كان الجنود القساة يقتادوا يسوع قرب أبوّاب أوفيل سقط ثانية، وبدا عاجزاً أن يخطوا خطوة واحدة، بناء على ذلك قال أحد من الجنود لآخر, لكونه تأثر بالشّفقة " ها أنت ترى أن الرّجل المسكين مُستنزف تماما، أنه لا يستطيع أن يسند نفسه من ثقل قيوده؛ إن كنا نريد أن نصحبه للكاهن الأكبر حياً فلابد أن نحلّ الحبال التي توثق يديه، لكى يقدر أن ينقذ نفسه قليلاً عندما يسقط " توقفت الفرقة للحظة وحُلت القيود، وجلب جندي عطوف آخر بعض الماء إلى يسوع من نبع مجاور. شكره يسوع وتكلّم عن " ينبوع الماء الحيّ " الذي يشرب منه أولئك الذين يؤمنون به؛ لكن كلماته أغضبت الفريسيون، وغمروه بإهانات وبألفاظ مُهينة. لقد رأيت قلبي الجنديين قد أنارت فجأة بالنّعمة؛ لقد آمنا قبل موت يسوع، وانضما فورا لتلاميذه.
بدأ الموكب ثانية، ووصل لبوّابة أوفيل. هنا تعالت ثانية نداءات الأسى والعطف من أولئك المًديونين له بكثير من الامتنان، وكان الجنود يجدون صعوبة هائلة في إبعاد الرّجال والنّساء الذين احتشدوا حوله من كل جانب. لقد شبكوا أياديهم، سقطوا على ركبهم، ناحوا وصاحوا : " أطلقوا هذا الرجل من أجلنا، أطلقوه! من سيُعيننا، من سيواسينا، من سيشفي أمراضنا؟ أطلقوه من أجلنا! " لقد كان مفجعاً حقا أن ينظروا يسوع ووجهه مشوّهاً وشاحباً ومجروحاً وشعره غير مُرتب, وكان رداؤه ملوّثاً، وحرّاسه المتوحشون والسّكارى يجرونه ويضربونه بالعصي كحيوان مسكين يُقاد لذبحة. هكذا اقتيد وسط سّكان أوفيل المفجوعين، المشلول الذى أبرأه، الأخرس الذي أعاد إليه الكلام، والأعمى الذي أبصر، اتّحدوا، في تقديم تضرّعات لأجل إطلاقه لكن دون جدوى.
أُرسل حنان وقيافا وأعداء آخرين ليسوع عديد من الأشخاص من أدنى الطبقات والأكثر انحلالا، لينضموا للموكب وليساعدون الجنود في إساءة معاملة يسوع وفي إبعاد سكان أوفيل. أن قرية أوفيل توجد على تل، ولقد رأيت كثيراً من الخشب موضوع هناك مُعداً للبناء. الموكب كان يجب أن يمضي أسفل التل، وبعد هذا يعبر خلال باب جُعل في السور. شُيدت بجانب هذا الباب بناية كبيرة كانت مُشيدة أصلاً من قبل سليمان، وعلى الجانب الأخر توجد بركة بيت صيدا. بعد العبور من هذا الباب، اتجهوا غرباً فى شارع شديد الانحدار، في نّهايته اتجهوا نحو الجنوب حيث دار حنان. لم يتوقّف الحرّاس عن مُعاملتهم القاسية لمُخلصنا الإلهى، وبرروا مثل هذه التّصرفات بقول إن الحشود التي تجمّعت أمام الموكب أرغمتهم على الشّدة. لقد سقط يسوع سبعة مرات فى المسافة من جبل الزيتون وحتى دار حنان .
كان سكان أوفيل لا يزالون في حالة ذعر وأسى عندما أبصروا العذراء المباركة، تعبر القرية ترافقها النّساء القديسات وبعض الأصدقاء الآخرين فى طريقهم من وادي قدرون إلى دار مريم أمّ مرقص، آثارهم ما زالت تتزايد، وقد جعلوا المكان يتردّد بالبكاء والنواح، بينما كانوا يحيطونها ويحملونها تقريبا على أياديهم.
كانت مريم صامتة من الأسى، ولم تفتح شفتيها حتى وصلت دار مريم أمّ مرقص، حتى وصل يوحنا، الذي قص كل ما رآه منذ أن ترك يسوع فى عُلية صهيون؛ وبعد ذلك بقليل أخذوها إلى دار مرثا، التي كانت قرب دار لعازر. ذهب بطرس ويوحنا، اللذان تبعا يسوع عن بعد، ذهبا بسرعة إلى بعض خدام الكاهن الأكبر الذين يعرفون يوحنا، من أجل محاولة دخول المحكمة حيث سيُحاكم سيدهم. كان هؤلاء الخدم يقومون بدور الرّسل، وقد أمروا أن يذهبوا إلى بيوت الشيوخ, وأعضاء المجلس الآخرين، ليستدعوهم ليحضروا الاجتماع الذي قد دُعي إليه. كما كانوا حريصين أن يلازموا التلاميذ، لكن توقعوا صعوبة كبيرة فى الحصول على أذن لدخولهم المحكمة، فأعطوهم عباءات تشبه التى يرتدونها هم أنفسهم، وجعلوهم يساعدونهم في حمل الرّسائل إلى الأعضاء من أجل أن يدخلوا بعد ذلك محكمة قيافا، ويختلطوا بالحاضرين دون أن يُميزوا بين الجنود والشّهود الكذبة، لأن كل الأشخاص الآخرين كانوا سيطردون. أمثال نيقوديموس ويوسف الرامى، وأشخاص آخرين حسنى النيّة من أعضاء هذا المجلس، أما التلميذان فقد تعهدوا لهما أن يجعلوهما يعرفان ما سيحدث في المجلس .
في أثناء ذلك تجوّل يهوذا فوق وأسفل المنحدرات الشّديدة الانحدار والموحشة التي بجنوب أورشليم، اليأس موسوم على هيئته، والشّيطان يتّبعه ذهابا وإيابا، يملأ خياله بكل الرؤى المظلمة، ولا يسمح له بلحظة راحة واحدة.
  رد مع اقتباس