07 - 11 - 2012, 04:33 PM
|
رقم المشاركة : ( 20 )
|
..::| VIP |::..
|
مناجاة الأب
أنى أَرى أبنَي، مُرتعداً في ظّلال جَثْسَيْمَانِي ، نازلاً مِنْ السماءِ وآخذاً هيئة وجوهر خليقتِي، خليقتِي التي تعتقد وما زاِلت تَعتقدُ أنّها تستطيع أَنْ تتمرد ضدّ خالقِها. إنّ الرجلَ، ذلك الرجلِ الوحيدِ والمضطّربِ، هو الذبيحة المعيّنةُ، وعلى عاتقه، بذات دمِّه، عليه أن يَطهر كُلّ الإنسانيةِ التي يُمثّلها. أنه مَرتعدُ وخائفاً بشعوره بنفسه مُغَطاة بالآثم، حتى أنه يَرى نفسه محكوم عليه، بكتلةِ لا تصدّقِ مِنْ الخطايا التي كَانَ لِزاماً عليه أَنْ يأخذها من الضمائرِ المُظَلَّمةِ لملايينِ وملايينِ من المخلوقاتِ الغير طاهرة.
أيا أبني المسكين، لقد أَوصلك الحبّ إلى هذا وها أنت الآن مُخوف به. من يَجِبُ أَنْ يُمجّدَك في السماء عندما تَرْجعُ إليه مُتألقاً؟ أيُمْكِنُ أَنْ يَعطيك أيّ مخلوق المجد الذى تستحقه، أيستطيع أيّ مخلوق أَنْ يَعطيك الَحبُّ الذى تستحقه؟ وما هو تمجيد وحبُّ البشر، حبُّ ملايينِ البشر، بالمقارنة بالحبِّ الذى قَبلتَ به أكثر وأكبر الاختبارات التي مُمْكِنُ أَنْ توجدَ على الأرضِ؟ كلا يا أبني الحبيب، لا يوجد أحد سوي أبّيكَ الذى يستطيع أَنْ يَساويك فى الحب، لا أحد سوي أنا، الذي بروحِي, روح الحبِّ، مُمْكِنُ أَنْ أمجدك وأحبَّك لتضحيتِكَ فى تلك الليلِة.
لقد وَصلتَ يا أبني الحبيب الذي أُريحُ فيه كُلّ إحساني إلى سكرة الموتِ بالاستمرار فى المعاناةِ التى بغاية المرارةِ في البستان. لقَدْ بلغت بحدود منزلتك الإنسانية إلى كل وأصدق ألم يستطيع القلبِ الإنسانيِ أن يناله: أن تتألم من أجل الإهانات التى تُرتكب ضدي، بل أن تتألم من أجلهم بأنقى وأقوي حبِّ فيك. لقد وَصلتَ للحدَّ الذى تستطيع من خلاله أَنْ تنال الإنسانيةِ فداءاً كاملاً. لقد انتزعت يا أبني الحبيب بعرق دموي، لَيسَ فقط نفوس أخوتِكِ، بل أنتزعت ما هو أعظم، لقد انتزع منك أيها الإنسان مجدك الشخصي, مجدك الذي يَجِبُ أَنْ يسمو بك، متساوياً مَعي، لتكون إله مثله.
لقَدْ جذبت منى العدل الأكثر كمالاً، والحبّ الأكثر كمالاً. في الوَقت الذى كانوا يشكّلون فيه نفاية العالمِ، وأنت أصبحتَ كذلك من خلال قبولِكَ الاختياري والحرِّ. أنك الآن، بين الكلّ، إكرامي ومجدي وبهجتي. أنت لم تكن مُذنباً أمامي، لَيسَ أنت. أنك دائماً أبني الحبيبَ، الذي وَضعتُ فيه مسرتى. أنت لم تكن النفاية لأني رغم كل ذلك رَأيتُك كما كُنْتَ دائماً: نوري، كلمتي، ذلك هو أنا بذاتي. أبني، يا من ارتعدت واستسلمت من أجل كرامتي، لتستحق أنّ يُعلنُك أبّيكَ للعالمِ، إلى ذلك العالمِ الأعمى، الذي يَجْرحُنا على الرغم من حبنا العظيم له!
آه يا أبني الحبيب، أنى أَراك وسَأَراك دائماً في ليلِة مرارتِكَ تلك، وأنت دائماً في فكريِ! بسبب حبِّكَ أَنا تصَالَحت إلى الخليقة ومع الخليقة. أنك لم تَستطيعُ أَنْ تَرْفعَ وجهَكَ نحوي؛ لقد كان مغطى بالكامل بذنوبهم. الآن، لأجل مسرتك، أَجْعلُهم يَرْفعونَ وجوهَهم إلينا لكي مِن قِبل لَمْحَة من ضيائكِ، يظلون أسرى حبِّنا.
الآن يا أبني الحبيب دائماً، سأفعْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلال جَثْسَيْمَانِي ، وهي سَتكُون أشياءَ عظيمةَ لمَنْحك المسرة والإكرام .
الآن يا أبني الحبيب دوما، سأفعَْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلالِ جَثْسَيْمَانِي، وهي سَتَكُون أمور عظيمةَ لإعطائك المسرة والإكرام .
عندما انتهت رؤى الألم، شعرت بوجه يسوع كوجه إنسان على حافة الموت؛ اختفت الملائكة، وأصبح العرق الدّموي أكثر غزارة، حتى إنى رأيته قد نقع على ردائه. سادت الظلمة كُل المغارة، عندئذ نظرت ملاكاً ينزل إلى يسوع. هذا الملاك كان من قامة أعلى من أي ملاك رأيته من قبل، وشكله كان أيضاً أكثر وضوحاً وأكثر شبهاً بالإنسان. لقد كان مكتسياً ككاهن في كساء طويل، ويحمل أمامه، في يديه، أناء صغيراً، في الشّكل تشبه الكأس المستعملة في العشاء الأخير. على قمة هذا الكأس، كان هناك جسم بيضاوي صغير، وكان ينتشر منه ضوء محمّر. مد الملاك يدّه اليمنى للأمام إلى يسوع دون أن يمسّ الأرض بقدميه، نهض يسوع عندما وضع الملاك الطّعام الغامض في فمه وأعطاه ليشرب من الكأس المضيء. ثم اختفى.
بعد ما قبل يسوع كأس آلامه بحريته، ونال قوة جديدة، ظل في الكهف لبضع دقائق، مستغرقاً في تّأمل هادئ، ومُعيد الشكر لأبيه السّماوي. كان ما زال في حزن روح عميق، لكنه هادئ على نحو خارق لدرجة أنه كان قادراً على الذهاب إلى تلاميذه دون أن يترنّح بينما يسير، أو ينحني تحت ثقل آلامه. طلعته كانت ما زالت شاحبة ومتبدلة، لكن خطاه كانت قويّة وراسخة. لقد مسح وجهه ورتّب شعره الذي انسدل على كتفيه المُبللتين بالدّم.
عندما جاء يسوع إلى تلاميذه، كانوا مُستندين على سور، نائمين، ورؤوسهم مُغطاة. قال لهم إلهنا أنه ليس هناك وقت للنّوم، بل يجب أن ينهضوا ويصلّوا : " انظروا ها قد قربت السّاعة، وابن الإنسان سيسلم في أيادي الخطاة قوموا، فلنذهب، انظروا ها هو قد أقترب الذى سيسلمني. لقد كان الأفضل لذلك الإنسان أن لم يكن ولد. "
نهض التلاميذ مذعورين، ونظروا حولهم بقلق. عندما استعادوا أنفسهم إلى حد ما، قال بطرس بانفعال : " إلهى، سأدعو الآخرين، حتى نحميك " لكن يسوع أشار إلى الوادي، على الجانب الآخر من البستان، إلى فرقة من الرّجال المسلّحين، الذين كانوا يتقدّمون بالمشاعل، وقال إنّ واحداً منهم قد خانه. لقد تكلّم بهدوء، حثّهم أن يواسوا أمه، وقال: " فلنذهب لنلاقيهم, أنى سأسلّم نفسي بلا مقاومة في أيادي أعدائي. " حينئذ ترك بستان الزّيتون مع التلاميذ الثّلاثة، وذهب ليقابل الجنود على الطّريق الذي يقود من بستان الزيتون إلى جَثْسَيْمَانِي .
عندما استعادت العذراء المباركة إحساسها، تحت عناية المجدلية وسالومة، قادها أحد التلاميذ، عندما رأي الجنود يقتربون، للرجوع إلى دار مريم أمّ مرقص. سلك الجنود طريق أقصر من الطريق الذي سلكه يسوع عندما ترك علية صهيون .
المغارة التى صلى فيها يسوع فى هذا اليوم لم تكن المغارة التى كان معتاد أن يصلّى فيها على جبل الزيتون. إنه عادة ما يذهب لموضع أبعد، حيث صلى يوما ما بحزن روح عظيم بذراعين ممدودتين ومتكئاً على صخرة بعد ما لعن شّجرة التين الغير مثمرة.
|
|
|
|