07 - 11 - 2012, 04:24 PM
|
رقم المشاركة : ( 17 )
|
..::| VIP |::..
|
آلامي... يا لها من هاوية بلا قاع من المرارةِ قد الّتفت علىّ! كم يخطئ كثيراً من يظن أنه يَفْهمها، على الرغم من إنهم يُفكّرونُ فقط فى آلامي الجسدية الرهيبة .
أبنائي، لقَدْ ادخرت لكم مشاهد أخرى من المآسيِ الأساسية التي عِشتُها وأَرْغبُ أَنْ أَتقاسمها معكَم لأنكم من هؤلاء الذين أعطاهم لى الآب في البستان .
أحبائى، تعلّمُوا منى أن الشيء الضّروريِ الوحيدِ، حتى وإن تمردت طبيعتكَم عليكم، هو أَنْ تُقدّمَوا نفوسكم بتواضع وأَنْ تَُسلمَوا نفوسكم كى تتحقق إرادة الرب فيكم.
لقد أردت أيضا أَنْ أُعلّمَ النفوس أن كل الأعمال الهامة يَجِبُ أَنْ تُعدً وأن تُنشط من خلال الصّلاةِ. فبالصلاةِ تتحصن النفس ضد أكثر الأشياءِ صعوبة والرب يَتّصلِ بهاِ ويَنْصحها ويُلهمها حتى لو لم تكن مدركة لذلك .
لقد انسحبتُ إِلى البستان مع ثلاثة من تلاميذي، لأُعلّمهم أن قوى النفس الثّلاث يَجِبُ أَنْ تُرافقَهم وأن تُساعدهم في الصّلاةِ.
تذكّرْوا المعونات الإلهية، كمال الرب, شفقته، قوته، رحمته والحبّ الذي يكنه لكم. بعد ذلك، انظروا بّفهمِ كيف تكافئوه عن الأعاجيبِ التي صنعها من أجلكم.... من خلال الصّلاةِ، في انزوائكم وصمتكَم، اَسْمحُوا لأرادتكم أنْ تتُحَرّكُ كى تَعمَلُ المزيد والأفضلَ للرب، وأنْ تكونوا مُكَرّسُين لإنقاذِ النفوسِ، سواء بواسطة عملكمَ الرّسولي أو بحياتكمَ المتواضعةِ والمخفيةِ. اطرحْوا ذواتكم بتواضع كمخلوقاتِ في حضرةِ خالقها، ومَجّدْوا عمله فيكم، مهما كانت تلك الأعمال، مودعين إرادتكم إلى قدوس القديسين .
بهذه الطريقة قدمت نفسي كى أُحقق عمل فداء العالمِ. آه! يا لها من لحظة عندما شَعرتُ بكل ذلك العذابِ آتياً علىّ، العذاب الذى علىّ أَنْ أَعانيه في آلامي : الافتراءات، الإهانات، الجَلْد، الرّكل، إكليل الشّوكِ، العطش، الصّليب. كل ذلك عْبرِ أمام عينيّ في الوقت نفسه الذي اخترق فيه الألم الحاد قلبي؛ الإساءات، الآثام، والبغضة التي ستُرتكبِ بمرورِ الوقتِ. وأنا لم أرها فقط، بل شَعرتُ بها وقد انغرست فىّ بكل بشاعةِ، وبهذه الطريقة قَدّمتُ نفسي إِلى أبي السّماويِ لأناشده الرحمة.
لقد قدمت نفسي كسوسنة لأُهدّئَ غضب الآب وأَسترضىَ عِقابه الإلهي. وعلى الرغم من هذا، بكثير جداً من الجرائمِ والآثامِ، اختبرت طبيعتي البشرية آلاماً مُميتة إلى حدّ أنى عرقت دّماُ. هَلْ مُمكن لهذا الألمِ وهذا الدّمِ أن يصْيرا بلا فائدةَ لكثير من النفوس؟ ... أن حبّي كَانَ أصلَ آلامي. إن أنا لم أرد ذلك، من كان سيَكُونَ قادراًَ أَنْ يَمْسّني؟ لقد أردت ذلك وكي أَتمّمَ إرادتي، استخدمت أقسَى مَنْ فى البشر .
قبل الألمِ، عَرفتُ نفسي كل الآلام واستطعت أَنْ أُقيّمها بالكامل. لكن بالرغم من ذلك، عندما أردتُ أَنْ أَعاني، كَانَ عندي الإحساسُ الإنسانيُ بكل هذه الآلامُ. لقد أَخذتُ كل الأحاسيس بالإضافة إِلى المعرفةِ والتّقديرِ الكامل لهاِ.
عند الحديث عن آلامي، لا أستطيع أَنْ اَدْخلَ فى تفاصيل كثيرةً. لقَدْ فعلتُ ذلك فى مرات أخرى ولم تستطيعوا أَنْ تَفْهموا ذلك. ذلك بسبب طبيعتكَم البشرية، أنكم لا تستطيعون أَنْ تبدءوا فهم المدى الهائل للألم الذي عَانيتُه. نعم، أنى أنيركمَ، لكننى أظل داخل حدود لا تستطيعون أَنْ تتخطوها. فقط أمي جَعلتهاُ تعرف كل آلامي، لهذا فهي من تألمت بآلامي أكثر من أي أحدَ. لكن اليوم, سَيَعْرفُ العالمَ أكثر مما سَمحتُ به حتى الآن، لأن أبي يُريد ذلك بهذه الطّريقةِ. لذلك السّببِ، يَزدهرُ شعاع من الحبِّ في كنيستي بسبب كل الظّروفِ المتُغَيِّرةِ التي أَخذتني من البستان إِلى الجلجثةِ. أكثر من أي شخص آخر، أنى أُظهرُ آلامي إِلى الأقرباء الأحباء الذين كَانَوا معي في البستانِ. إنهم قادرون أَنْ يَذْكروا شيئاً ما يُناسب الفكر المعاصرِ. وإن استطاعوا، فهم يَجِبُ أَنْ يفَعلوا ذلك. لهذا يُكتب كل ما أُخبركم به يا صغاري، من أجلكم ومن أجل كثيرين آخرين، من أجل راحة النفوس ومن أجل مجدِ الثّالوثِ القدّوسِ الذي يَرْغبُ فى أن تُعرف آلامي في جَثْسَيْمَانِي .
إن نفسى حزينة حتى الموتِ. فى حين أن الحزنَ لا يُمكنُ أن يَكُونُ سببا طبيعياً ًَللموتِ، لقد أردتُ أَنْ أختبر حزن الرّوحِ، الذي يتَضمّنَ الغيابِ الكاملِ لتأثيرِ اللاهوتِ والحضور المُفجع لأسبابِ آلامي .
فى نفسى, التي كَانتَ تتعذّبُ حتى الموت, كَانتَ توجد كل الأسبابِ التي دْفعتني لأَنْ أَجْلبَ المحبّة إِلى الأرضِ. أولهاً كَانتْ الإساءةَ التى جُعلتْ ضد آلامي الإلهية كإنسان، مع إدراكي الكامل بألوهيتي. أنكمَ لا تستطيعون أَنْ تَجدواَ أي شئ يماثل هذا النوعِ من الألمِ لأن الإنسان الذي أخطأ يَفْهمُ بنوري الجزء الذي يتوافق معه وفى عديد من المرات يفهمه على نَحْو ناقص، أنه لا يفقه ما مدى ما تعنيه الخطية أمامي. لذلك السّبب الرب فقط من يستطيع أن يعرف بوضوح فداحة الإساءة التى قد صُنعت له.
وبالرغم من هذا، يَجِبُ على الإنسانية أَنْ تَكُونَ قادرة على أَنْ تَقدم معرفة كاملة، حُزناً صادقاً، وتوبة إِلى اللاهوتِ، وأنا أستطيع أَنْ أدع الإنسانية تَفعلُ هكذا حينما تَرْيد. في الحقيقةِ أنا أفعَْلُ هذا بتقديم معرفتي التي عَملتُ داخلي كإنسان، كإنسان يحمل وزر الإساءة ضد الرب
هذه كَانتْ رغبتي: أنه من خلالي، سَيكونُ للأثيم التائب وسيلة ليتَقدمِ بها إِلى إلهه مُعترفاً بالإساءة التى أُرتَكَبها، وأنا، في لاهوتي، أستطيع أيضاً أَنْ أتقبل الّفهم الكامل لما قَدْ صُنع ضدي.
لقد كنت حزيناً حتى الموت لرؤيتي هذا التّراكم الضّخم للخطايا التى ترتكب في كل موضع. وإن كان لأجل خطيه واحدة اختبرت موتاً لا شبيه له, فماذا كان علىَّ أن أختبر من أجل مزيج من كل الإهانات ؟ " حزينة هى نفسى حتى الموتُ " حزناً أوهن فىّ كل مقدرة؛ حزناً قد صار له مركزاً فيّ أنا الربوبية, فى تتجمع اتجاهه كل تيارات الذنوب ورائحة نتِانة النفوس التى فسدت من كل أنواع الرّذائل. لهذا السبب كنت أنا الهدف والسهم فى آن واحد, كإله كنت الهدف, وكإنسان كنت السهم. وبمجرد أن غُمرت بكل الخطايا, ظهرت أمام أبى وكأنني الأثيم الوحيد. لا يمكن أن يوجد حزناً أعظم من هذا، وقد أردت أن أناله بالكامل، من أجل محبتي للآب، ومن أجل رحمتي بكم جميعاً .
إن كان الإنسان لا يَنتبهُ إلى هذه الأمور، فأنه يَتأمّلُ فى معاني هذه الكَلِماتِ دون جدوى، تلك الكلمات التي تَتضمّنُ كل جوهري كإله وكإنسان.
انظروا نحوى في سّجنِ الروح العملاقِ هذاِ. هَلْ لا أَستحقُّ الحبّ بعد أن كَافحتُ وعَانيتُ كثيراً؟ هَلْ لا أَستحقُّ من الخليقة أَنْ أُعد من خاصتهمِ، لقد أَعطيتهم نفسي بالكامل بلا أي تحفّظ؟ أَشْربُوا جميعاً من ينبوع صلاحي الذى لا ينضبِ. أشربْوا! ها أنا أقدم لكم حزني في البستانِ؛ أَعطوني أحزانكمَ، كل أحزانكَم. أنى أُريدُ أَنْ أَجْعلَ من أحزانكَم باقة من زهر البنفسجِ، التي يتجه عطرها دائماً نحو ألوهيتي .
" أبتاه، خذُ هذا الكأسِ بعيداً عني إن كان ذلك ممكناً، لكن لتكن لا إرادتي بل أرادتك ." لقد قُلتُ هذا بعلو المرارةِ، عندما صْار الثّقل الذى وضّع علىّ دموياً حتى أنى وَجدتَ نفسى في ظّلمةِ من المستحيل تصديقها. لقد قُلت ذلك للآب لأننى، علاوة على كل الملامةِ، فأنى قَدّمتُ نفسي أمامه كأني الأثيمِ الوحيدِ قبالة كل عدالته الإلهية التى سددتهاَ. وأحسست بالحَرمان منَ ألوهيتي، فقط بشريتى هى التى ظَهرتْ أمامي.
خُذْ منّي آيها الآب، خذ هذا الكأسِ الشديدة المرارةّ التى تُقدّمهاُ لي، والتي قَبلتُها لأجل محبتّكَ عندما جِئتُ إِلى هذا العالمِ. لقَدْ وَصلتُ إلى النقطةِ التي صرت لا أميز فيها حتى نفسي. أنتَ أيها الآب، الذي يَحْبّني، قَدْ جَعلَت الإثم ميراثي وهذا جعل حضوري أمامك لا يطاق. أن جحود البشرِ قد صار مَعْرُوفاً لي, لكن كيف سأَتحمّلُ رُؤيةَ نفسي وحيداً؟ إلهي، لتكن لك رحمةُ لهذه العزلة العظيمةِ التي وَجدتُ نفسي فيها. لماذا تُريدُ أَنْ تَتْركني؟ أي معونة سَأَجدُ إذن في مثل هذا الانسحاق العظيمِ؟ لماذا تَضْربني أنت أيضاً بهذه الطريقة ؟ نعم، أنك تَحْرمني منك. أنى أحس كأنني اَسْقطُ في مثل هذه الهاويةِ التي لا أميز فيها حتى يدّكِ في هذا الوضع المأسويِ. أن الدّم الذي تَسرّبَ خارج جسدي يَعطيكَ شهادةَ عن انسحاقي تحت يدّكِ القويةِ.
هكذا، صَرختُ؛ سَقطتُ. لكنى واصلت: إنك مُحق أيها الآب القدوس أن تَعمَلُ بى ما تُريدهُ. أن حياتي لَيستْ لي، إنها بالكليةً لك. أنى لا أُريدُ أن تكون إرادتى، بل بالأحرىَ إرادتك أنت. لقَدْ قَبلتُ الموت على الصّليبِ، أنى اَقْبلُ أيضا الموتَ الظّاهرى عن ربوبيتى .
إنه العدل. كل هذا يَجِبُ أَنْ أَعطيه لكَ، وقبل كل شيءِ، يَجِبُ أَنْ أقدم لك محرقة ألوهيتي التي تُوحّدني بك. نعم أيها الآب، بالدّمِ الذي تَراه، أُؤكّدُ عطائي وقبولي: لتكن إرادتك ولَيسَ إرادتي .
لقد كانت حوالي العاشرة والنصف عندما نهض يسوع على ركبتيه، وكان ينضح عرقاً بارداً، توجه بخطى واهنة نحو تلاميذه الثّلاثة. بصّعوبة صعد إلى جانب المغارة ووصل حيث كان التلاميذ ينامون منهكين من الإعياء، حزانى وقلقين.
جاء إليهم، كرجل مغمور بالحزن المرّ ملتمساً أصدقاءه, ومثل الراعي الصالح، الذي يسرع ليفتقد قطيعه عند اقتراب الخطر، ليهبه الأمان ممن يهدّده؛ لأنه كان يعرف جيّداً إنهم أيضا مُتعبون من الألم والتجربة. الرّؤى الفظيعة لم تتركه، حتى بينما كان يلتمس تلاميذه. عندما وجدهم نائمين، شبك يديه وسقط على ركبتيه بجانبهم، مغلوّباً بالحزن والقلق، وقال : " سمعان هل أنت نائم؟ " فاستيقظوا ونهضوا، وقال لهم بعمق حزن الروح " ماذا؟ ألا تستطيعوا أن تسهروا ساعة واحدة معي؟ "
عندما نظروا إليه، ورأوه شاحباً ومنهكاً، بالكاد قادراً أن يسند نفسه، مُستحماً في عرقه، مرتعداً ومرتجفاً، عندما سمعوا كيف أن صوته قد صار متغيّراً وخافتاً، لم يعرفوا ماذا عليهم أن يعتقدوا، ورأوا أنه لم يعد محاط بهالة النور المشهورة، إنهم لم يتعرفوا عليه كيسوع. قال له يوحنا : يا سيد، ماذا حدث لك؟ هل يجب أن أدعو التّلاميذ الآخرين؟ هل علينا أن نهرب ؟ " أجابه يسوع : " لقد كنت أعيش وأعلّم وأؤدّي معجزات طيلة ثلاث وثلاثين سنة، أن ذلك لا يكفي لإنجاز ما يجب أن يُنجز قبل هذا الوقت غدا. لا تنادى الثّمانية؛ إنى لم أحضرهم هنا، لأنهم لا يستطيعون أن يروني معذّباً هكذا دون أن يروّعوا؛ دون أن يخضعوا للتجارب، دون أن ينسوا كثيراً من الماضي، ويفقدوا ثقتهم فيّ. لكنكم أنتم، الذين رأيتم ابن الإنسان مُتجلياً، ورأيتموه أيضا تحت السحابة، تستطيعون أن ترونه في إهمال الرّوح؛ وعلى الرغم من هذا، اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في تجربة، لأن الرّوح نشط حقا، لكن الجسد ضعيف "
بهذه الكلمات كان يشجّعهم ليثابروا، وكي يجعل المعركة التي كانت تتحمّلها طبيعته البشرية ضد الموت معروفة لهم، بسبب ضعفه وبحزنه الذى غمره مكث معهم ربع ساعة تقريبا، وتكلّم معهم ثانية. ثم عاد إلى المغارة، آلامه الروحية كانت لا تزال فى ازدياد، بينما مد تلاميذه أياديهم نحوه وبكوا واحتضن كل منهم الآخر متسائلين : " ماذا ممكن أن يكون هذا؟ ما هذا الذي يحدث له؟ أنه يبدو في حالة أسى كامل " بعد هذا، غطّوا رؤوسهم، وبدءوا يصلّون، بشكل حزين جدا وبقلق عميق.
|
|
|
|