07 - 11 - 2012, 04:22 PM
|
رقم المشاركة : ( 5 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل الرابع عشر
يسوع في بستان الزّيتون
عندما ترك يسوع عُلية صهيون مع الأحد عشر تلميذاً بعد أن أسس سر العشاء الرباني، كانت نفسه مُضطربة بعمق وحزنه فى ازّدياد. فسار مع الأحد عشر فى طريق مهجور، إلى وادي يَهُوشَافَاطَ. عندما تركوا الدّار لم يكن القمر قد ارتفع بعد.
بينما كان إلهنا القدوس يجوّل مع تلاميذه حول الوادي، اخبرهم أنه سيعود يوما ما ليدين العالم، لكن ليس في حالة فاقة واتضاع، كما هو عليه الآن، وأن هؤلاء البشر سيرتعدون من الخوف وسيصيحون : " أسقطي علينا أيتها الجبال! " فلم يفهمه تلاميذه واعتقدوا, وهذا ليس لأول مرة فى تلك اللّيلة, أن الضّعف والإعياء قد أثّرا على تفكيره. فقال لهم ثانية : " ستشكون جميعكم فيّ هذا اللّيلة. لأنه مكتوب. أنى سأضرب الرّعاة وسيتشتت غنم القّطيع. لكنى سأقوم ثانية، وسأسبقكم إلى الجليل. "
ولأن التلاميذ كانوا ما زالوا متأثرين بدرجة ما بروح الحماس والولاء الذي تلقوا به القربان المقدس المبارك ومن كلمات يسوع المهيبة والمؤثّرة التى ألهمها فيهم. فقد احتشدوا بلهّفة حوله، واظهروا محبّتهم بأساليب متباينة، محتجّين بجديةّ إنهم لن يتركوه. لكن يسوع استمرّ يتحدّث بنفس الإجهاد، فصاح بطرس: " ولو شك فيك الجميع فأنا لن أشك! " فأجابه الرب: " آمين، أنى أقول لك, إنه فى تلك اللّيلة، قبل صياح الدّيك, ستنكرني ثلاث مرات. " لكن بطرس ظل يصرّ، قائلاً : " نعم، حتى لو اضطررت أن أموت معك, فأنا لن أنكرك" وقال الآخرون كلهم نفس الشيء.
ساروا وتوقفوا عدة مرات لأن حزن الرب استمرّ فى ازدياد. حاول التلاميذ أن يريّحوه ببراهين بشرية ويطمئنوه أن ما يتوقعه لن يحدث. لقد أجهدوا أنفسهم بهذه الجهود العقيمة، ثم بدءوا يشكّون وقد هاجمتهم التجربة.
عبروا مجرى قدرون، عن طريق جسر غير الجسر الذى عبروه بعد بضع ساعات بعد ذلك عندما اُخذ يسوع سجيناً، بل عن طريق آخر، لأنهم تركوا الطّريق المباشر. كانت جَثْسَيْمَانِي، حيثما كانوا مزمعين أن يذهبوا, على بعد حوالي ميل ونصف من علية صهيون، لأن العلية كانت على بعد ثلاثة أرباع ميل من وادي يهوشافاط.
الموضع المُسمى جَثْسَيْمَانِي ( حيث كان يسوع مُعتاد أن يقضى وقت يسيرا أثناء اللّيل مع تلاميذه ) عبارة عن بستان كبير مُحاط بسياج، ويحتوى على بعض أشجار الفاكهة والزهور، بينما توجد خارجه بضع بنايات خربة ومهجورة. كان لدى التلاميذ وبضع أشخاص آخرون مفاتيح هذا البستان، الذى كان يُستعمل أحيانا كأرض تقام بها الاحتفالات، وأحيانا كمكان خلوة للصّلاة. كانت هناك بعض التعاريش المصنوعة من أغصان الشجر،
مكث ثمانية من التلاميذ فى بستان الزّيتون وقد لحق بهم الآخرين بعد ذلك. البستان كان منفصل عن جَثْسَيْمَانِي بواسطة طريق، وكانت مفتوحة ومحاطة فقط بحائط ترابي وهي أصغر من بستان جَثْسَيْمَانِي . كانت هناك مغائر وشوارع وعديد من أشجار الزيتون، وكان من السهل أن توجد هناك بقعة مناسبة للصّلاة والتّأمل. ذهب يسوع ليصلّي فى الجزء الأكثر وحشة.
كانت حوالي الساعة التاسعة ليلا عندما وصل يسوع مع تلاميذه إلى جَثْسَيْمَانِي . ارتفع القمر وبزغ نوره بالفعل في السّماء، مع أن الأرض كانت لا تزال مظلمة. كان يسوع أكثر حزنا وأخبر تلاميذه أن الأمر اقترب. شعر التلاميذ أنه مضطرب، وطلب من ثمانية من تلاميذه الذين كانوا يتبعونه أن يمكثوا بينما ذهب هو ليصلّي. أخذاً معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وذهب هناك إلى مسافة قليلة داخل بستان الزّيتون.
لا توجد كلمات ممكن أن تصف الحزن الذي تعذبت به نفسه حينئذ، لأن الوقت كان قد اقترب. سأله يوحنا كيف يكون مُوهَن العزيمة هكذا وهو من كان يواسيهم دائما؟ كانت إجابة يسوع " نفسي حزينة حتى الموت ". ونظر الآلام والتجارب التى تحيط به من كل جانب تقترب أكثر وأكثر، تحت أشكال صور مخيفة حُملت على السحب. حينئذ قال لتلاميذه الثّلاثة : " امكثوا هنا واسهروا معي. صلّوا لئلا تدخلوا في تجربة " ذهب يسوع بضع خطوات نحو اليسار، أسفل ربوة، وأخفى نفسه تحت صخرة، في مغارة عمقها حوالي ستة أقدام، بينما مكث التلاميذ في تجويف من أعلى. كانت الأرض تغرق تدريجياً فى الظلمة كلما دخلت هذه المغارة، وحَجَبت النّباتات التي كانت معلّقة على الصّخور ما بداخلها من أشخاص مثل ستار. عندما ترك يسوع تلاميذه، رأيت عديداً من الأشكال المخيفة تحيط به في دائرة مستمرة فى الضيّق.
لقد كان حزنه وألام نفسه فى ازدياد، وكان يرتعد بالكامل عندما دخل الكهف ليصلّي، مثل عابر طريق مُرهق مُسافر يطلب ملجئاً من زوبعة مفاجئة، لكن الرّؤى المرعبة تّبعته حتى هناك وأصبحت واضحة أكثر فأكثر ومميّزة. واحَسْرتاه! إن هذه المغارة الصّغيرة بدت أنها تحتوي على صّورة مرعبة من كل الآثام التي اُرتكبت أو سترتكب منذ سقوط آدم وحتى نهاية العالم، والعقاب الذى يُستحق عنها كان هنا على جبل الزيتون، أنها المأوى الذي اتخذه آدم وحواء عندما طردا من الفردوس ليجوّلا هائمين على الأرض، وقد بكيا وناحا على نفسيهما في ذات هذه المغارة .
لقد شعرت أنّ يسوع، بتسليم نفسه للعدل الإلهى برّضى لأجل آثام العالم، أوجب على لاهوته أن يتراجع، بطريقة ما، نحو حضن الثّالوث القدوّس، مًركّزاً نفسه، إن جاز التعبير، في بشريته النقية, المُحبّة والبريئة والقوية فقط في محبتّها التى تفوق الوصف، مُعطيها الألم والمعاناة بلا حدود.
لقد سقط على وجهه، مغموراً بحزن لا يُوصف، وظهرت أمامه كل آثام العالم، تحت أشكال غير معدودة وبكل فسادها الحقيقي. لقد أخذها جميعاً على نفسه، وفي صلاته قدم شخصه الحبيب إلى عدالة أبيه السّماوي، في سداد دين بَغيض جدا. لكن إبليس، الذي توّج وسط كل هذا الرّعب، كان ممتلئ ببهجة شّيطانية برؤيته لهذا الدين، أطلق غضبه ضد يسوع، وأظهر أمام أعينه رؤى مرعبة بازدياد، في نفس الوقت وجه نحو إنسانيته الحبيبة كلمات مثل هذه : " أتأخذ حتى هذه الخطايا على نفسك؟ أترغب فى أن تتحمل عقوبتها؟ هل أنت مستعدّ أن تسدِّد دين كل هذه الآثام؟ "
نزل من السّماء شعاع طويل من النور، كطريق مضيء في الهواء؛ لقد كان ذلك موكبا من الملائكة أتوا إلى يسوع وقووه ونشّطوه.
|
|
|
|