الفصل الحادي عشر
غسل الأقدامِ
نهض السيد المسيح هو ورفاقه عن المنضدةِ، وبينما كَانوا يُنظّمونَ عباءاتَهم، كما يفعلون عادة قبل الصلاة، جاءَ شخص مع خادمين لأَخْذ المنضدةِ. تكلم السيد المسيح وهو واقِفا وسطِ تلاميذه، تَكلّمَ معهم لمدة طويلة، بأسلوب بغاية الجدّيةِ. أنا لا أَستطيعُ أَنْ أُردّدَ حديثَه بالكاملَ، لَكنِّي أَتذكّرُ بأنّه تَكلّمَ عن ملكوتِه وعن أنه ذْاهبُ إلى أبّيه، بأنه سيَتْركُهم الآن لأنّه عَلى وَشَكِ أَنْ يُؤْخَذَ. لقد أعطاَهم أيضاً بَعْض التعاليم التى تَتعلّقُ بالكفّارةِ والاعتراف بالخطايا والتوبة والتبرير.
شَعرتُ بِأَنَّ هذه التعاليم تُشير إلى غسيل الأقدامِ، ورَأيتُ بأنّ كُلّ التلاميذ يعترفون بآثامِهم ويتِوبون عنها، باستثناء يهوذا. هذا الحديثِ كَانَ طويلَ وجدّيَ. عندما أنتهي ذلك، أرسلَ السيد المسيح يوحنا ويعقوب الصغير لإحضار ماءِ مِنْ الدهليزِ، وأخبرَ التلاميذ أن يرتبوا المقاعدِ في نِصْف دائرةِ. ذَهبَ بنفسه إلى غرفةِ الانتظار حيث رَبطَ نفسه بمنشفة. أثناء ذلك الوقتِ، تكلم التلاميذ فيما بَينَهم، وبَدأوا يتناقشون من منهم سَيَكُون الأعظمَ، لأن الرب أعلَن بأنّه عَلى وَشَكِ أَنْ يَتْركَهم وأنّ ملكوتَه قد اقترْب، شَعروا بأنَّ الرب لديه خططُ سريةُ وبأنّه كَانَ يشير إلى النصرِة الدنيويِة التي ستَكُونُ لهم في اللحظة الأخيرة.
في هذه الأثناء ,في غرفةِ الانتظار، أخبر السيد المسيح يوحنا أن يأَخْذ حوض، وأن يأخذ يعقوب جيمس إبريق مَُمتلئ بالماءِ، وأن يتبعاه إلى الغرفةِ، حيث وضُعَ حوض فارغ آخر. بعودة السيد المسيح إلى تلاميذه بطريقة متواضعِة للغاية، خاطبَهم ببضع كلمات اللومِ على موضوعِ النزاعِ الذي ظَهر بينهم وقال بين أشياءِ أخرى، بأنّه كان بنفسه خادمَهم وعليهم أَنْ يَجْلسوا لأنهُ سيغَسْل أقدامِهم.
جَلس التلاميذ بنفس النظامِ الذي كانون جَالسين بها علي المائدةِ. ذَهبَ السيد المسيح مِنْ واحد إلى آخر وسكب الماءَ مِنْ الحوضِ الذي كان يحمله يوحنا على قدمِي كُلّ واحد، وبعد ذلك، أْخذُ المنشفةِ التي ائتزر بها ومَسحَهم. بغاية المَحَبَّة والعطاءِ كَانَ أسلوبَ الرب بانحنائه على أقدام تلاميذه ويغسلها. عندما دوره جاءَ دور بطرس، بسبب التواضع حاولَ مَنْع السيد المسيح من غَسْل أقدامِه, فصاح " يا رب, أنت تَغْسلُ أقدامَي؟" أجاب السيد المسيح " ما أنا فاعله, أنت لَسْتَ تَعْرفُه الآن، لَكنَّك سَتَعْرفه فيما بعد" بَدا لي بأنّه قالَ له بشكل خاص " يا سمعان, لقد استحقَّقت أن يُعلن لك أبي من أَنا، من أين أتيت، وإلى أين سأَذْهبُ، أنت وحدك اعترفَت بذلك بشكل واضح، لذا سَأَبْني عليك كنيستَي، وأبواب الجحيمِ لَنْ تَقوي عليها.
سلطتي سَتَبْقى مَع خلفائك حتى نهاية العالمِ." السيد المسيح أظهرَه للتلاميذ الآخرينِ، وقالَ بأنّه عندما لن يَكُونَ حاضرَ بينهم، سيملئ بطرس مكانَه. قالَ بطرس" أنت لَنْ تَغْسلَ أقدامَي! " فأجاب الرب " إن لم غْسلُك، فلن يكونُ لكَ دورَ مَعي" حينئذ صاحَ بطرس " يا رب، لَيسَ أقدامَي فقط، بل يداي ورأسي أيضاً" أجاب السيد المسيح " من هو مَغْسُولُ، ليس بحاجة إلا لغَسْل أقدامِه، لأنه طاهر بالكليةً. وأنتم طاهرين، لكن لَيسَ الكُلّ." أشارَ الرب بهذه الكلمات الأخيرةِ ليهوذا. تَكلّمَ عن غسيل الأقدامِ كدلالة عن التنقيةِ مِنْ الأخطاءِ اليوميةِ، لأن الأقدامَ، التي تتصل بالأرض بشكل مستمر، تكون أيضاً عُرْضَة للتَلوث بشكل مستمر، ما لم تنال عناية عظيمة.
غسيل الأقدامِ هذا كَانَ روحيَا، وعَملَ كنوع من الغفرانِ. لم يري بطرس، في حماسِه، شيئا فيه سوي تصرف مُتضع من ناحية سيدِه؛ لم يعَرفَ أنه لإنْقاذه فالسيد المسيح فى اليوم التالي مباشرةً سيضعُ نفسه حتى الموتِ المخزيِ للصليبِ. عندما غَسلَ السيد المسيح أقدام يهوذا، كَانَ ذلك بأسلوب بغاية لمحبِّة والتأثِّيرِ؛ لقد أحنىَ وجهَه المقدّسَ حتى قدمِي الخائنِ؛ ودعاه بصوتٍ منخفض يَدْخلُ على الأقل الآن إلى نفسه، لأنه كَانَ خائن غير آمين. بَدا يهوذا حريصاً أن لا يُبالي بكلماتِه، وتَكلّمَ مع يوحنا، مما جعل بطرس يصيح غاضباً " يهوذا، إن الرب يَتكلّمُ إليك! "