07 - 11 - 2012, 04:20 PM
|
رقم المشاركة : ( 10 )
|
..::| VIP |::..
|
المجدلية تغسل قدمي السيد المسيح للمرة الأخيرة
فى الصباح التالي علّم السيد المسيح عدد كبير مِنْ التلاميذ، أكثر مِنْ ستّون، في الساحةِ التى مقابل بيتِ لعازر. بعد الظهر، حول السّاعة الثّالثة، وُضِعتْ مناضد في الساحةِ، وكان السيد المسيح والتلاميذ يخَدمون أثناء طعامهم. رَأيتُ السيد المسيح يذهب مِنْ المنضدةِ لمنضدة يحمل شيءِ إلى هذا، شيء إلى ذلك، ويعلّم دائماً. لم يكن يهوذا حاضرَاً. كَانَ بالخارج لشراء احتياجات الضيافةِ لسمعان.
ذَهبتْ المجدلية أيضاً لأورشليم، لشِراء طيب ثمينِ. العذراء المباركة، التي كان السيد المسيح قد أعلن لها ذلك الصباحِ عن قرب موتَه، كَانتْ حزينة بما يفوق الوصف. ابنة أختها مريم التى لكلوبا كَانَت حولها دائماً تواسيها. ذَهبا سويا وهما بغاية الحزن حانةِ الرسل. أثناء ذلك، تَحدّثَ السيد المسيح مَع الرسل عن موتِه القريب وعن الأحداثِ التي ستتبعه. قالَ إن أحد الذين كانَ على علاقة حميمة مَعه، أحد الذين يدينون له بعظيم الامتنان، عَلى وَشَكِ أَنْ يَبِيعَه للفريسيين. أنه لن يَضعَ سعراً له، بل لن يَسْألُ سوي "ماذا سَتَعطونني مُقابله؟ "إن كان الفريسيين سيَشترونَ عبداً، لكان بسعر ثابت، لَكنَّه سَيبيعه بأي ما أرادوا إعْطائه. سيبيعه الخائن بأقل مِنْ كلفةِ عبد! بَكى الترسل بكاءً مرَّاً وحزنوا للغاية حتي كان لا بُدَّ أنْ يَتوقّفوا عن الأكل، لكن السيد المسيح أجبرَهم بلطف.
لاحظتُ في أغلب الأحيان بأنّ الرسل كَانوا أكثر حناناً على السيد المسيح من التلاميذ. أعتقد لأنهم لمَ يكَونوا كثيراً مَعه، فكَانوا بذلك أكثر تواضعا.
تَكلّمَ السيد المسيح هذا الصباحِ عن عديد مِنْ الأشياءِ مَع تلاميذه. ولأنهم لَمْ يَفْهُموا كُلّ شيءَ، أَمرَهم بتَدوين ما لا يَستطيعونَ فْهمة، قائلاً بأنَّه عندما سيُرسلُ روحَه إليهم، حينئذ سيَتذكّرونَ تلك النقاطِ ويستطيعون فهم معناها. لقد رَأيتُ يوحنا وبعض الآخرين الذين يَدونون مُلاحظاتَ.
أسْهَبَ السيد المسيح طويلا على هروبهم عندما سَيُسلّمُ نفسه للفريسيين. فلم يَستطيعوا أَنْ يُفكّروا بأنَّ شيء كهذا ممكن أن يحدث منهم، رغم إِنَّهُمْ هَربوا حقاً. لقد تَوقّعَ عديد مِنْ الأشياءِ التي ستَتْبعَ ذلك الحدثِ، وأخبرَهم كيف يجِبُ أَنْ يَتصرّفوا. فى النهاية تَكلّمَ عن أمِّه المقدّسةِ. قالَ بأنّها ستقاسى مَعه كُلّ الآلام القاسية التى ستتسبب فى موتِه، بأنَّها ستموت مَعه موتَه المرَّ، رغم أنها ستعِيشَ خمس عشْرة سنةَ بعد موته.
أشارَ السيد المسيح إلى الرسل إلى أين يَجِبُ أَنْ يَذْهبوا: البعض إلى الرَّامَةِ، البعض إلى شيكار، وآخرون إلى قِيدَارُ. الثلاث الذين رافقَوه فى رحلتِه الأخيرةِ لم يعودا لأوطانهم. لكون أفكارِهم ومشاعرِهم قد قَاستَا تغيير عظيمَ، فلم يَكُنَ جيداً لهم أن يعَودوا إلى بلادِهم، وإلا فقَدْ يتسبّبونَ فى فضيحةَ، أَو بسبب معارضةِ الأصدقاءِ، فقد يخاطرَون بالتَرَاجُع إلى طرق تصرفاتهم السابقةِ. أَلِيُودَ وإرمنسير ذَهبا، أعتقد، إلى شيكار، لكن سيلا بَقى حيث كان. وهكذا أستمر السيد المسيح تعلّيم أتباعِه بحبِّ فائقِ، يَنْصحُهم على كُلّ شيءِ. رَأيتُ تَفرق العديد مِنْهمِ قُبَيلَ المساء.
رجعت المجدلية أثناء هذا التعليمِ مِنْ أورشليم بالأطياب التى اشترتها. لقد ذَهبتْ إلى فيرونيكا وأرتها الأطياب التى أشترتها، لقد كَانتْ مِنْ ثلاث أنواعِ، من أثمن ما يُمْكِنُ شراءه. أنفقَت المجدلية فى شرائهم كُلّ المال المتبقي معها. أحد الأطياب كَانَ زيتِ النَارِدِينٍ. القد اشترتْ القواريرَ بمحتوياتها. القوارير كَانتْ ضاربة إلى البياض، تُشبه ملمس اللؤلؤةِ. كَانوا علي الشكلِ الجرارِ الصَغيرةِ ذات قاعدة مُزَيّنة بمقابضِ، وكَانَ لهم فوهة لولبيةُ. حَملَت المجدلية القوارير تحت عباءتِها في جيب مُعلق على صدرِها بحبل يمَرّ علي أحد كتفِيها وظهرِها.
عادت أمّ يوحنا مرقص إلى بيت عنيا وقابلت يهوذا الذي تَكلّمَ مع المجدلية مُخفياً امتعاضه. سَمعتْ المجدلية مِنْ فيرونيكا بأنّ الفريسيين صمّموا على إلْقاء القبض على السيد المسيح وقْتلُه، لكن ليس الآن، بسبب حشودِ الغرباءِ وخاصةً الوثنيين العديدينِ الذي تَبعوه. أعلمتْ المجدلية المرأة الأخرى بهذه الأخبارِ.
النِساء كُنّ عند سمعان يُساعدنَ فى الإِعْداد للضيافةَ، التى اشتري لها يهوذا كُلّ شيء ضروري. لقد أفرغَ المحفظةَ بالكامل اليوم، مُعتقداً بأنَّه سيَستعيدُ كُلّ شئ مرة آخري في المساء. أشترى خضاراً وخروفان وفاكهة وسمك وعسل... الخ مِنْ رجل يملك بستان في بيت عنيا. كَانتْ صالة الطعام التى استعملتْ عند سمعان اليوم تختلف عن الصالة التي تَعشّى فيها السيد المسيح وأصدقائه ذات مرّة من قبل فى اليوم الذي دخل فيه الهيكل منتصرا. تَعشّوا اليوم في صالة مفتوحِة خلف البيتِ تطل على الفناءِ ذات سقف به فتحة مغُطّاة بقبة صغيرة. تم تزُيّنَها لهذه المناسبةِ.
أنهم لَمْ يَجتازوا الشارعَ إلى سمعان، بل مضوا بثياب الاحتفال عائدين من الحديقةِ إلى القاعةِ. كان هناك عددَ من الناسِ في بيت عنيا، وجائت حشود من الغرباءِ برغبة رُؤية لعازر وتسببوا فى بعض الضوضاء. وكَانَ سببَ مفاجأةِ واستياء للناسِ أن سمعان، الذي ترك بيتَه مفتوحَا، أشترى كميات كثيرة من المؤن وأغَلقَ مؤسستَه. أصبحوا في مدَّة قصيرة غاضبين وفضوليين، وتسلقوا الجدرانَ أثناء تناول الطعام. أنا لا أَتذكّرُ بَعْدَ أَنْ رَأيتُ أيّ غسل للأقدامِ، بل بَعْض التطهير القليل قبل دُخُول القاعةِ.
وُضعت عِدّة أقداح كبيرة على المائدةِ، وبجانب كُلّ واحدة، قدحين صغيران. كان هناك ثلاثة مِنْ أنواعِ من الشراب؛ واحد أحمر آخر مخضر، والثالث أصفر. أعتقد أنهم كَانَوا أنواع من عصير الكمثرى. قًدم الحمل أولاً. وُضع علي صحنِ بيضاويِ، الرأس يَستندُ على الأرجل الأماميةِ. وُضع الصحن مع الرأسِ قُرْب السيد المسيح. أَخذَ السيد المسيح سكين أبيض، مثل العظمِ أَو الحجارةِ، أدخلَه فى ظهر الحملِ، وقطع، أولاً إلى أحد جانبِي الرقبةِ وبعد ذلك إلى الجانب الآخر. بعد ذلك سَحبَ السكينَ لأسفل، قَاطعَا مِنْ الرأسِ على طول كل الظهرِ. خطوط هذا القطعِ ذكّرَني فى الحال بالصليبِ. ثمّ وَضعَ الشرائحَ التى فَصلتْ أمام يوحنا وبطرس وأمامه، ووجّهَ سمعان، المضيّف، لقَطْع الحملِ أسفل الجنابِ، ويَضِعُ القِطَعَ يمينا ويسارا أمام الرسل ولعازر. كانت النساء القديسات جالساتْ حول مائدتِهم, المجدلية، التي كَانتْ تبكي طول الوقت، جَلسَت مُقابل العذراءِ المباركة. كان هناك سبعة أو تسعة حاضرات. كَانَ أمامهم حمل صغير. كَان أصغرَ مِنْ الحمل الذي على المائدةِ الأخرى، الرأس فى اتجاه أمّ الربِ. هي التي كَانتْ تقَطعه. بعد الحمل كان هناك ثلاث سمكِات كبيرِ وعِدّة أسماك صغيرة. وضعت الأسماك الكبيرة في صحنِ كما لو أنَّها تسِبحَ في الصلصة البيضاء. ثمّ الفطائر، لفّائف صَغيرة علي شكلِ حملانِ وطيور بأجنحةِ ممدودة، أقراص العسل، أعشاب خضراء مثل الخسِّ، وصلصة مغمور بها بعض الخسِّ. أعتقد أنه كَانَ زيتاً. تلي هذا بعض الفاكهةِ التي بَدتْ مثل الكمثري. في وسط الصحنِ كَانَ شيئاً مثل القرع مع فاكهةِ أخرى مثل العنبِ. الصُحون المستعملة كَانتْ بيضاء وصفراء من الداخل جزئياً أصفرِ؛ وكانت صحون عميقة أَو ضحلة طبقاً لمحتوياتها.
علّمَ السيد المسيح طوال مدة تناول الطعام. عندما اقتربُ مِنْ نهو حديثِه؛ كان التلاميذ بغاية الانتباه. سمعان، الذي لم تعد خدماته مطلوبة، جَلسَ ساكناً يَستمعُ لكُلّ كلمة، عندما نهضت المجدلية بهدوء مِنْ مقعدِها بين النساء القديسات. كَانَت ترتدي عباءة بيضاء مع بعض اللون الأزرق، وشَعرها المُتَدفِّق مغُطّى بطرحة. وَاضْعة الأطياب في طيّة عباءتِها، مَرّتْ عبر الممشى المزُرِوع بالشُجيرات، وقفت خلف السيد المسيح وأحنت نفسها لأسفل عند قدميه وهي تبكي بمرارة. أحنتْ وجهِها على القدمِ الذي كَانَ يَستندُ إلى الأريكةِ، بينما رفع السيد المسيح بنفسه القدم الأخرى التي كَانتْ مرتفعة قليلاً عن الأرض. حَلَّت المجدلية الصندل ودَهنَت قدمَي السيد المسيح.
ثمّ جذبت شَعرَها المُتَدفِّقَ مِنْ تحت طرحتها بكلتا يديها، ومَسحتْ أقدامَ الرب المَدْهُونةَ، وأرجعت الصندلَ. سبّبَ عملُ المجدلية بَعْض المُقاطعة لحديثِ السيد المسيح. لقد لاحظَ اقترابها، لكن الآخرين فوجئوا. قال السيد المسيح: " لا تُصدموا من عمل هذه المرأةِ! " وبعد ذلك خاطبَها ببَعْض الكلماتِ. نهضت ووقفت خلفه وسكبت على رأسهِ الناردين الغاليِ بكميات وفيرة جداً حتي أنه نَزلَ على ملابسِه.
ثمّ نَشرتْ بيَدِّها بعض الأطياب مِنْ أعلي الرأس حتي أسفلها. أمتلئت القاعة بالرائحةِ اللذيذةِ. تهَامسَ التلاميذ معاً عبّروا عن استيائهم حتى بطرس أغتاظ من المُقاطعة. انسحبت المجدلية وهي تبكي. عندما كَانتْ عَلى وَشَكِ أَنْ تَعْبرَ أمام يهوذا، مد يَدَّه ليوقفها بينما خاطبها بسخط ببَعْض الكلماتِ ليوبخها على تبذيرِها قائلاً بأنّ المالَ الذي أشترت به الأطياب كان يُمكنُ أنْ يُعطي للفقراءِ. لم تجبه المجدلية ولا بكلمة.
للقد كَانتْ تَبْكي بكاءً مرَّاً. حينئذ تَكلّمَ السيد المسيح، يَدعوهم بأن يتركوها تعبر، وقائلاً بأنّها دَهنتْه لأجل موتِه، لأنها لن تَكُونَ قادرة فيما بعد على عمَلُ ذلك، وبأنَّه حيثما يُكرز بهذا الإنجيلِ، سيُذكر عملها وكذلك تذمّرهم. جلست المجدلية، قلبها ملئ بالحُزنِ. توقف تناول الطعام بسبب استياء التلاميذ وتوبيخ السيد المسيح. عندما انتهى تناول الطعام، عاد الجميع إلى بيت لعازر. يهوذا، مُمتلئ بالغضبِ والجشعِ، أعتقد داخل نفسه بأنّه لَمْ يَعُدْ يَستطيعُ تَحَمُّل مثل هذه الأمور. لكنه أخفي مشاعرَه، وَضعَ جانبا رداء الاحتفال، وأدعى أنّه ينبغي أنْ يَعُودَ إلى الحانة ليري إن كان الباقي مِنْ الطعام قد أُعطىَ للفقراءِ. لكنه بدلاً مِنْ ذلك، رَكضَ بكل سرعةَ نحو أورشليم.
لقد رَأيتُ الشيطانَ مَعه دائماً، أحمر، ذو جَسَد، وشديد النحول. كَانَ أمامه وخلفه، كما لو أنَّه يُضئ الطريقِ لَهُ. لقد كان يهوذا يري خلال الظلمُة. لم يتَعثّرَ لَيسَ، بل ركض بأمانِ كامل. رَأيتُه في أورشليم يركض نحو البيتِ الذي كان فيه السيد المسيح فيما بعد عُرّضَة للاحتقار والسخريةِ. كان الفريسيين ورؤساء ما زالوا معاً، لكن يهوذا لَمْ يَدْخلْ اجتماعهم. خرج إثنان منهم وتَكلّمَا مَعه في الفناءِ. عندما أخبرَهم بأنَّه مستعدَّ لتَسليم السيد المسيح وسَألَ كم سيعطونه مُقابله، أظهروا بهجةً عظيمةً وعادوا ليخبروا باقيّ المجلسِ.
بعد فترة قصيرة، خرج واحد منهم وقدّمَ عرضاً بثلاثون قطَعِة من الفضةِ. أرادَ يهوذا أن يأخذهم فى الحال، لَكنَّهم لم يَعطونهم إليه. لقد قالوا بأنَّه كَانَ هناك من قبل، وبعد ذلك تَغيّبَ لمدّة طويلة وبأنّه يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بواجبه، وبعد ذلك يَدْفعونَ له. رَأيتُه يَعْرض يديه كعربون للعقدِ، ومزق كل واحد من الجانبينِ شيئاً مِنْ لباسِهم. أرادَ الفريسيين أن يمكث يهوذا معهم لفترة قصيرة ويُخبرُهم متي وكَيف سيتمم الصفقة. لَكنَّه أصرَّ على الذِهاب حتي لا يُثير الشكوك ضده. قالَ بأنّه عليه أَنْ يَكتشفَ بعض أشياء، حتي يستطيع أَنْ يَتصرّفَ فى اليوم التالي بدون أن يجَذْب انتباه أحد. لقد رَأيتُ الشيطانَ الذي كان طوال الوقت بين يهوذا والفريسيين. بتَرْك أورشليم، ركض يهوذا عائداً إلى بيت عنيا، حيث غيّرَ ملابسَه وانضمَّ إلى باقي التلاميذ. مكث السيد المسيح عند لعازر بينما انسحبَ أتباعَه إلى حانتِهم.
فى تلك الليلة جاءَ نيقوديموس مِنْ أورشليم، وعند عودتِه رافقَه لعازر لجزء من الطريقِ.
|
|
|
|