07 - 11 - 2012, 04:15 PM
|
رقم المشاركة : ( 2 )
|
..::| VIP |::..
|
الفصل الأول: حديث السيد المسيح في الهيكلِ.
اليوم بعد عودتِه إلى بيت عنيا، ذَهبَ السيد المسيح إلى الهيكلِ ليعلم، ورافقتْه أمِه كلية القداسة جزء من الطريقِ. لقد كَانَ يُهيّئُها لآلامِه القادمةِ، وأخبرَها بأنّ وقتَ إتمام نبوءةِ سمعان الشيخ, بأنَّ سيف سيَطْعنُ نفسها، قد قُرْب. قال لها أنهم سيَخُونُونه بقسوة، ويسجنونه ويهينونه ويَقْتلُونه كفاعل شر، وكُلّ شئ سيَقِعُ تحت عينِيها. تَكلّمَ السيد المسيح لمدة طويلة عن هذا الموضوعِ، واضطربت مريم بشدة.
أقام السيد المسيح في بيتِ مريم أم مرقص الذي يبعد حوالي رُبع سّاعة مِنْ الهيكلِ، ولذا يُقَال " خارج المدينةِ ". فى اليوم التالي، بَعْدَ أَنْ غادرَ اليهود الهيكلَ، بَدأَ السيد المسيح يُعلم فيه علانية وبكل جديّة. كُلّ الرسل كَانوا في أورشليم، لَكنَّهم ذَهبوا إلى الهيكلِ مُنفصلين ومن جهاتِ مختلفةِ. كان السيد المسيح يُعلم في القاعةِ الدائريةِ التي تَكلّمَ فيها عندما كان في الثانية عشر من العمر. المقاعد كَانت قَدْ جُلِبتَ للجمهورِ، واحتشدت جموع عظيمة جداً مِنْ الناسِ. يمكن القول أن آلام السيد المسيح قد بُدِأت الآن، لأنه كَانَ يَمْرُّ بعذاب داخليِ عظيم مِنْ حُزنِه المرِّير على عنادِ البشر.
في هذا اليوم واليوم التالي أقامَ السيد المسيح في بيتِ خارج بوابة بيت لحم حيث أقامت مريم عندما قدّمتْه في الهيكلِ. يتَألّفَ السكن مِنْ عِدّة شُقَق تُجاورُ أحدهما ألآخري، وكان هناك رجلُ يعمل كمشرفِ. عندما ذهب السيد المسيح إلى الهيكلِ، كان يصحب بطرس ويعقوب الكبير ويوحنا؛ جاءَ الآخرينُ فرادي. أقام التلاميذ والرسل مَع لعازر في بيت عنيا. فى اليوم التالي، بعد التعليم في الهيكلِ مِنْ الصباحِ حتى الظهرِ، كان الفريسيين حاضرين تعاليمه، عادَ السيد المسيح إلى بيت عنيا، حيث تَكلّمَ ثانيةً مَع أمِّه عن آلامِه القادمةِ. تَكلّموا وقفين في كوخِ مفتوحِ في فناءِ البيتِ.
نيقوديموس ويوسف الرامي وأبناء سمعان وتلاميذ آخرين لَمْ يَظْهُروا علانية في الهيكلِ أثناء أحاديث السيد المسيح. عندما غياب الفريسيين، كان هؤلاء التلاميذ يستمعون للسيد المسيح مِنْ بعيد. في عظته فى هذا اليومِ، كرّرَ السيد المسيح مثل الحقلِ الممتلئ بالأعشاب الضارةِ. أنه يجب العمل بحرص بألا تُقتلع الحبوب الجيدة عند اقتلاع الأعشاب الضارةِ، قدّمَ السيد المسيح هذه الحقيقةِ إلى فريسي العالمِ بغاية القوة, وبالرغم من امتلائهم بالغضبِ، إلا أنهم لم يَستطيعونَ أخفاء شعورهم بالرضا الداخلي. في تعليم لاحق، انزعاجهم قادَهم لغَلْق مدخلِ القاعةِ كي لا يَزداد المستمعون.
علّمَ السيد المسيح فى هذا اليومِ حتى وقتٍ متأخرٍ من الليلِ. أنه لم يُبدي أي تلميحات عَنيفةِ في الوَعْظ، لكنه التفت أحياناً إلى هذا الجانبِ، وأحياناً إلى ذلك الجانب. قالَ أنّه جاءَ لأجل ثلاث أنواعِ مِنْ الناسِ، وبقُولُ هذا، أشار إلى ثلاث جوانبِ مختلفةِ مِنْ الهيكلِ، تُعبّرُ عن ثلاث مناطقِ مختلفةِ مِنْ العالمِ، حيث كَانتْ كلها تتَضمّن المُختارين.
قبل هذا، وهو فى طريقِه إلى الهيكلِ، قالَ للحواريين الذين مَعه أنه عندما ينبغي أنْ يَتركهم، يَجِبُ أَنْ يَنْشدوه في الظهرِ. بطرس، الجريء دائماً، سَألَه ما المقَصودَ بـ "في الظهرِ". حينئذ سَمعتُ السيد المسيح يقول " فى الظهر تكون الشمس فوقنا مباشرة ولا توجد هناك ظِلال. في الضُّحى والمساء يتبع الظل النور، وفى منتصف الليل تسُودُ الظلمة, لهذا أطلبوني في ضياء الظهر الكاملِ. وأنتم سَتَجِدُونني في قلوبِكَم، لا تجلبوا أي ظِلِّ يَحْجبُ ضياءه." حَملتْ هذه الكلماتِ بَعْض التلميحِ إلى أجزاءِ مختلفةِ مِنْ العالمِ، لكني لا أَستطيعُ تَذْكرها الآن.
واصل اليهود غطرستهم. فأغَلقوا السورَ حول كرسي المعلّمَ وأغلقَوا حتى المنصة نفسها. لكن عندما دَخلَ السيد المسيح، مَع التلاميذ القاعةَ ثانيةً، أمسك بالسورَ فانفتح من تلقاء نفسه، والمنصة تحُرّرَت بلمسِة يَدِّه. أنى أَتذكّرُ بأنّ كثيرين مِنْ تلاميذ يوحنا المعمدان وبَعْض المُواليين السريينِ للسيد المسيح كَانوا موجودين، وأنّه بَدأَ بالتكَلم عن يوحنا وسْألُ ماذا يظنون عنه وماذا يظنون عنه هو نفسه. لقد رَغبَ أَنْ يُعلنوا أنفسهم بجرأة، لَكنَّهم كَانوا يَخْشونَ الكَلام. قدّمَ لهذا الحديثِ، بمثل الأبّ والابنان. أوصاهم والدِهم أن يروا حقل مُعين. وافق أحدهم لكنه لم يطيعَ. رفض الآخر لكنه ندمَ ونفّذَ ما طُلب منه. أسْهَبَ السيد المسيح طويلاً في هذا المثلِ. لاحقاً، بعد دخولِه أورشليم، علّمَ بشأنه مرة أخري.
فى اليوم التالي بينما كان المسيح مُسافرا مِنْ بيت عنيا إلى الهيكلِ، حيث سبقه تلاميذه لأعداد القاعةَ, صَرخَ رجل أعمى خلفه على الطريقِ وتَوسّلَ إليه أن يُشَفَيه، لكن السيد المسيح مَرَّ عليه. أستاء التلاميذ من هذا. في حديثِه، أشارَ السيد المسيح إلى الحادثةِ، وقدم أسبابَ تصرّفُه هكذا. قال إن الرجل كَانَ أعمى في النفس أكثر من كونه أعمي فى الجسد.
كلماته كَانتْ جادة جداً. قالَ أن هناك كثيرين مِنْ الحاضرِين لا يُؤمنْون به وأنهم لاحقَوه فقط من خلال حب الاستطلاع. وأنهم سيَتخلّونَ عنه في ساعةِ التجربة. أنهم مثل أولئك الذين يتَبعَونه طالما أنه يغَذّيهم بخبزِ الجسدِ، لكن عندما ينتهي ذلك، يتَفرّقون في كافة الاتجاهات. أضافَ أن أولئك الحاضرِين يَجِبُ أَنْ يُقرّرَوا الآن. أثناء هذا الكلامِ رَأيتُ كثيرَين يَخْرجونَ، وفقط أكثر من مائة بقليل ظَلّوا حول الرب.
رَأيتُ السيد المسيح يبكي على هذا الارتداد عند عودتِه إلى بيت عنيا. كَانَ ذلك قُبَيلَ مساء اليوم التالي عندما تَركَ السيد المسيح بيت عنيا ليذِهب إلى الهيكلَ. كَانَ يصاحبه ستّة مِنْ تلاميذه، الذين مَشوا خلفه. هو بنفسه، عند دُخُول القاعةِ، وَضعَ المقاعدَ ورتّبَها، مما أثار دهشة التلاميذ. في تعليمه تأثر بما هو عتيد أن يفعله، وقالَ أنّه سيَتْركَهم قريباً. فى السّبتِ التاليِ علّمَ السيد المسيح في الهيكلِ مِنْ الصباحِ حتى المساء، قضي جزء من الوقتِ بمفرده مع التلاميذ والرسل فقط، وجزء آخر في قاعةِ المحاضرات حيث يستطيع الفريسيين المُخْتَفينِ واليهود الآخرينِ أَنْ يَسْمعوه. تَنبّأَ للتلاميذ والرسل بتعبيرات عامة عما سيَقعَ لهم في المستقبلِ. فقط فى الظهر تَوقّفَ لفترة قصيرة. أشارَ إلى الفضائلِ المَغْشُوشةِ، إلى الانجذاب إلى محبِّة الذات واشتهاء السيطرة؛ تكلم عن التواضعِ الممَزوجَ بالخُيلاءِ؛ وأظهرَ كَمْ هو سهل الانزلاق إلى كُلّ تلك الأشياء الشريرة. قالَ أنّ كثيرِين آمنوا بأنّها مملكةً دنيويةً والبَعْض توقع منصبِ مُشرفِ فيها؛ وأنّهم تَمنّوا بوسائلِه أَنْ يُصبحَوا مرتفعين بدون ألمِ أَو مشاكل من جهتهم، تماما كما أرادت أمّ أبني زبدي التقية منه عندما التمست موضع مُميّزَ لأولادها. لقد مَنعَهم من تكويم الكنوزِ المعرضة للفساد وندّدَ بالجشعِ. لقد شَعرتُ بِأَنّ هذا موجه نحو يهوذا.
تَكلّمَ أيضاً عنْ إماتة الجَسَد، عن الصلاةِ، عنْ الصوم، وعنْ النفاقِ الذي يُؤثّرُ على عديد من هذه الممارساتِ المقدّسةِ؛ وهنا أشار إلي غضبِ الفريسيين ضدّ التلاميذ منذ سَنَة عندما نَزعَ بَعْض التلاميذ حبوب الذرةِ. لقد كرّرَ عديد مِنْ وصاياه السابقةِ وأعطىَ بَعْض التفسيراتِ العامّةِ عن بعض تَصَرُّفاته فى الماضي. أشارَ إلى غيابِه الأخيرِ عنهم، مَدحَ تصرّفَ التلاميذ أثنائه، إشارة إلي أولئك الذين رافقَوه، مادحاً اجتهادهم وسلاستِهم وتذكّر بأي سلامِ كانت الرحلة مَعهم. لقد تَكلّمَ السيد المسيح بانفعال شديد.
حينئذ تأثر بقُرْب إنجازِ مهمّتِه وقرب آلامه والاقتراب السريع لنهايتِه، وأنه قبل ذلك ينبغي أن يدخل أورشليم. لمّحَ إلى المعاملةِ القاسيةِ التي سيَلاقيها، لكنه أضاف أنّه لابد أَنْ يَعاني، ويَعاني جداً، كي يَرضي العدل الإلهي. تَكلّمَ عن أمِّه المباركةِ، ذاكراً إِنَّهَا أيضاً لابد أَنْ تَعاني مَعه، وبأي شكل سَتُتأثّرُ. فَضحَ الفسادَ العميقَ وذنوبَ البشر، وشَرحَ أنه بدون آلامِه لا يستطيع إنسان أَنْ يبرئ. غضب اليهود وسخروا عندما تَكلّمَ السيد المسيح عن معاناته وعن قدرتِهم لإرْضاء الخطيةِ، وغادر البعض مِنْهم القاعةَ لإخْبار الغوغاءِ الذين عَيّنوا للتَجَسُّس على السيد المسيح. لكن السيد المسيح خاطبَ أتباعَه قائلاً لهم أَلا يَضطربوا، لأنّ ساعته لم تحين بعد، وأَنَّ هذا أيضاً جزء من آلامِه.
في هذه الوصية أشار إلى العُلية، بدون أن يذكر أسمها، أشار إلى البيتِ الذي سيَأْكلُ فيه العشاء الأخيرِ والذي سينالون فيه لاحقاً الروحَ القدس. تَكلّمَ عن تَجَمُّعهم فيه وعن تَنَاوُلهم الطعام الذي يهبهم القوة والحياةِ التي فيه هو نفسه وأنه سيَمْكثُ مَعهم إلى الأبد.
كانت هناك بَعْض التلميحات أيضاً عن تابعِيه الذين يتبعونه فى الخفاء، أبناء سمعان وآخرين. لقد عَذَرهم أمام التلاميذ الظاهرين وأشار إلى حذرَهم كضرورة، لأنهم, كما قالَ، كَانَ عليهم مهام مختلفة.
كما َأتي بعْض الناسِ مِنْ الناصرة إلى الهيكلِ بدافع الفضول ليسَمْعوه، قالَ، بطريقة ما ليفَهْموا، أنّهم لم يكَونوا جاديّن.
عندما وقف التلاميذ والرسل وحدهم حول السيد المسيح، تأثر بعديد مِنْ الأشياءِ التي ستَقِعُ بعد عودتِه إلى الأبِّ. قالَ لبطرس أنَّه لديه الكثيرُ ليعَانيه، لَكنَّه يَجِبُ أَنْ لا يَخَافَ، قال أنه يَجِبُ أَنْ يَقف صْامداً عَلى رَأسِ الجماعة (الكنيسة)، التي ستَزِداد بشكل رائع. لثلاث سَنَواتِ يَجِبُ أن يظل هو ويوحنا ويعقوب الصغير مع المؤمنينِ في أورشليم.
ثمّ تَكلّمَ عن الشابِ الذي سيكون أول من يريق دمِّه من أجلَهُ، لكن بدون ذِكْر اسطفانوس بالاسم، وعن تحولِ مضطهدِه، الذي سيَعمَلُ بعدئذ في خدمتِه أكثرُ مِنْ الآخرين. هنا أيضاً، امتنعَ عن ذكر اسمِ بولس. سامعو السيد المسيح لم يَستطيعونَ أَنْ يَفْهموا كلماته الأخيرةَ بسهولة. لقد تَوقّعَ الاضطهاد الذي سيَنْشأُ ضدّ لعازر والمرأة المقدّسة، وأخبرَ التلاميذ أين يَجِبُ أَنْ يَمكثوا أثناء الشهورِ الستّة الأولى بعد موتِه:
بطرس ويوحنا ويعقوب الصغير يجب أَنْ يمْكثَوا في أورشليم؛ زكا عليه أَنْ يَذْهبَ إلى منطقةِ الجليل؛ فيليبس وبارثليماوس إلى جيسور داخل حدود سوريا. بهذه الكلماتِ، رَأيتُ رؤية للحواريين الأربعة يعْبرون الأردن قُرْب أريحا، وبعد ذلك يَسِيرون شمالاً. رَأيتُ فيلبس يَشفي امرأة في جيسور حيث كان في بادئ الأمر محبوباً جداً، مع ذلك لاحقاً أُضطهدَ. لَيسَ بعيدَاً عنْ جيسور كَانَ مسقطَ رأس بارثليماوس. أنحدر مِنْ ملك المدينةِ، قريب لداود. أساليبه العذبة ميّزتْه بين التلاميذ الآخرينِ. هؤلاء التلاميذ الأربعة لَمْ يَمْكُثوا معاً؛ لقد عَملوا في أجزاءِ مختلفةِ مِنْ البَلَدِ. جلعاد, حيث ذهب أندراوس وزكا، لم تكن بعيدة عنْ بيلا، حيث قضي يهوذا سَنَواته المبكّرة.
يعقوب الكبير وأحد الرسل أُرسلا إلى المناطقِ الوثنيةِ شمال كفر ناحوم. توما ومتي أُرسلا إلى أفسس، كي يَُعدا البَلَدةَ حيث ستقيم العذراء مريم ذات يوم مع كثيرين ممن آمنوا بالمسيح هناك. لقد تَسائلوا كثيراً بحقيقةِ أن مريم ستَذْهبُ كي تعَيْش هناك. تداوس وسمعان يجب أَنْ يَذْهبا أولاً إلى السامرة، مع ذلك لا أحد أهتمَّ بالذِهاب هناك. كُلّ المُدن المُفَضَّلة وثنية بالكامل. أخبرَهم السيد المسيح بأنَّهم يجب أن يَجتمعوا جميعاً مرّتين في أورشليم قبل أن يُبشّروا بالإنجيلِ في الأراضي الوثنيةِ النائيةِ.
أشارَ إلى رجل يعيش بين السامرة وأريحا، الذي سيُؤدّي مثله عديد مِنْ المعجزاتِ، لكن بقوة الشيطانِ. أنه سيَبدي رغبته فى التحولِ، وهم يَجِبُ أَنْ يَستقبلوه بلطف، لأنه حتى الشيطانِ يَجِبُ أَنْ يُساهمَ في مجدِه. سمعان الماجوسي كان المقُصِودَ بكلماتِ السيد المسيح هذه. خلال هذه التعاليم، التلاميذ، كما في مؤتمر مألوف، سألوا السيد المسيح عن كل ما لم يَستطيعوا فْهمه، وهو فسّرَ لهم كل ما هو ضروريَ. كُلّ شيء كَانَ طبيعيَ جداً. بعد ثلاث سَنَواتِ من الصلبِ أجتمع كُلّ التلاميذ في أورشليم، بعد ذلك غادر بطرس ويوحنا المدينةَ ورافقت مريم يوحنا إلى أفسس. بعد ذلك قام الاضطهاد ضدّ لعازر ومارثا والمجدلية فى أورشليم. ذهبت بعده المجدلية لعُمِلَ كفّارةَ في الصحراءِ، في الكهفِ الذي هَربتْ فيه أليصابات مَع يوحنا خلال مذبحةِ الأطفال.
التلاميذ، في إعادة الشملِ الأولِ هذا، جَمعَوا كُلّ الذين ينتمون إلى جسدِ الكنيسةِ. عندما نِصْف وقتِ حياةِ مريم بَعْدَ صعودَ السيد المسيح، حوالي السَنَةِ السادسةِ بعد ذلك الحدثِ، اجتمع التلاميذ ثانيةً في أورشليم. فى تلك المرة رتّبوا العقيدة، صاغوا أحكامَ، تَخلّوا عن كُلّ ما يمتلكوه ووزّعَوه على الفقراءِ، وقسّموا الكنيسة إلى أبرشياتِ، بعد ذلك تفرّقوا ودَخلوا بلدانَ وثنيةَ بعيدةَ. عند موتِ مريم اجتمعوا كلهم ثانيةً لآخر مَرّة. عندما تفرّقوا ثانيةً فى البلدانِ النائيةِ، كَانَ ذلك حتى الموتِ.
عندما غادرَ السيد المسيح الهيكل بعد هذا الحديثِ، كَمنَ الفريسيين الغاضَبينَ عند كل من البابِ وفي الطّريق، لأنهم كانوا ينَون رَجْمه. لكن السيد المسيح تَفاداهم، مَضى إلى بيت عنيا، ولثلاث أيامِ لم يذَهبَ إلى الهيكلِ. أرادَ إعْطاء التلاميذ والرسل وقّت ليفكروا فيما سَمعوه. في غُضُون ذلك أشاروا إليه لمزيد من التفسيرِ لعديد مِنْ النقاطِ.
أوصاهم السيد المسيح أن يسجلوا ما قالَه بالنسبة للمستقبلِ. رَأيتُ نثنائيل الذي كان عريس، الذي كَانَ ماهرا جداً فى الكتابة، فعلَ ذلك، ولقد ذُهلت من النبوءاتَ. نثنائيل في ذَلِك الوَقت لم يكَنَ له اسمُ آخرُ. فقط في المعموديةِ نال أسم أخر.
خلال هذه الأيامِ، جاءَ ثلاثة شبابَ إلى لعازر في بيت عنيا مِنْ مدينةِ سوخار الكلدانيةِ، ودبّر لعازر لهم بمشقّة مَسْكن في خان الرسل. هؤلاء الشبَّانِ كَانوا طوال ونحيلين جداً، بغاية الوسامة والنشاط جداً، وأكثر نبلاً في الشكلِ مِنْ اليهود.
تَكلّمَ السيد المسيح بضعة كلمات معهم وأرشدَهم إلى القائد الروماني لكفر ناحوم، الذي كَان وثني مثلهم، وهو سيُوجّههم. ثمّ رَأيتُ الشبَّانَ مع القائد الروماني, الذي كَانَ يَروي لهم شفاء خادمِه. أخبرَهم بأنّه من خلال الخزي من الأصنامِ التي كَانتْ في بيتِه، ولأنه كَان فقط وقت الذي كان فيه الكرنفال الوثني يُحتفلَ به، أستجدى من السيد المسيح، أبن الرب، أَنْ لا يَدْخلَ إلى عائلتِه الوثنيةِ.
خمسة أسابيعِ قبل أن يحتفل اليهود بعيدِ الفصح، أحتفل الوثنيون بكرنفالِهم، سلّموا خلاله أنفسهم إلى كُلّ أنواع الممارساتِ السيئة السمعةِ. القائد الروماني كورنيليوس بَعْدَ أن تحول أعطىَ ثمن كُلّ أصنامه المعدنية للفقراءِ، أَو لعَمَل أنية مقدّسة للهيكلِ.
عاد الكلدانيين الثلاثة من كفر ناحوم إلى بيت عنيا ومن هناك عُادوا إلى سوخار، حيث جمّعوا المهتدين الآخرينَ، ومَعهم وكنوزِهم للانضمام الي الملكِ. حتى هذا الوقت ذَهبَ السيد المسيح إلى الهيكلِ فقط مع ثلاثة رفاقِ؛ لكنه الآن بَدأَ بالذِهاب إلى هناك مصحوباً بكل جماعتِه من التلاميذ والرسل.
رَأيتُ الفريسيين يَنسحبونَ من جلسة السيد المسيح إلى القاعاتِ المحيطةِ، ويَنْظرونَ عليه من خلال العقودِ عندما بَدأَ يعْظ ويُنبئ عن آلامِه للتلاميذِ. في جدارِ أحد الأفنية المسوّرة للمبنى أمام مدخلِ الهيكلِ، وقف ثمانية من الباعةِ لبَيْع الأطعمةِ ونوع من الشراب الأحمر في قواريرِ صَغيرةِ. كَانوا كمستوطِنين، ولم أَعْرفُ إن كَانوا من المؤمنون أَم لا، لَكنِّي رَأيتُ الفريسيين في أغلب الأحيان يَتسللون حولهم. عندما ذهب السيد المسيح، الذي قضي الليلَ في أورشليم، فى الصباح التالي إلى الهيكلِ ووَصلَ القاعةَ حيث كان هؤلاء الباعةِ، أمرهم أنّ يخرجوا فوراً بكُلّ بضائعهم. عندما تَردّدوا في طاعته، جمع بيديه أشيائَهم وأزالَها. عندما دَخلَ الهيكلَ بعد ذلك انسحبوا بعجالة كأنه يطردَهم.
فى السّبتِ التاليِ، بَعْدَ أَنْ أتمَّ اليهود خدماتِهم المقدّسةِ، علّمَ السيد المسيح ثانيةً في الهيكلِ وأطالَ تعاليمَه حتي وقتٍ متأخرٍ من الليلِ. في تعاليمه لمح كثيرا إلى رحلتِه بين الوثنيين، حتي يُفْهَمَ بسهولة كَمْ جيدا هم كَانوا وكَمْ رغبوا تَلْقي تعاليمه. في مسانده لكلماتِه، أخبرهم بمجئ الكلدانيين الثلاثة الأخيرَ. أنهم لمَ يرَوا السيد المسيح عندما كَانَ في سوخار، لَكنَّهم سَمعوا عن عقيدته، وكَانوا بغاية الإعجاب بها لدرجة أنّهم سافروا إلى بيت عنيا ليتعلمِوا أكثرِ.
في اليوم التالي أغلق السيد المسيح ثلاثة عقودِ من قاعةِ المحاضرات, كي يعظ تلاميذه ورسله على انفراد. كرّرَ في هذه المناسبةِ وصاياه المبكّرةِ بخصوص صومِه في البرية. لمّحَ أيضاً عن عديد مِنْ الأحداثِ المرتبطة بحياتِه الماضيةِ، وقالَ لماذا وكَيف أختار التلاميذ.
أثناء هذا الجزءِ الأخيرِ مِنْ حديثِه، عَيّنَ التلاميذ أزواجِ أمامه. إلا يهوذا، على أية حال، تَكلّمَ لكن كلماتَ قليلة. الخيانة كَانتْ في قلبِه. لقد غضب وتقابلَ مَع الفريسيين. بعد الانتهاء مِنْ التلاميذ، أتجه السيد المسيح إلى الرسل وتَكلّمَ عن مهمتِهم, رَأيتُ بأنّ الجميع كانوا حزانى جداً. آلام السيد المسيح كَانتْ قُرْيبة
دامت تعاليم السيد المسيح الأخيرة في الهيكلِ قَبْلَ أحدَ السعف أربع ساعاتَ طوالَ. الهيكل كَانَ ممتلئ، وكُلّ من أرادَ أن يسَمْعه تمْكِنُ من أَنْ يَسمعه. نساء كثيرات سمعنه مِنْ مكان منفَصل مِن قِبل حاجز. لقد وضّحَ عديد مِنْ الأشياءِ مِنْ وصاياه السابقةِ وتصرفاتِه. تَكلّمَ عن شفاءِ الرجلِ في بركةِ بيت حسدا، وقالَ لِماذا شفاَه فقط في ذَلِك الوَقت؛ تكلم عن أقامة أبن أرملةِ نايين، وأيضاً عن ابنة يايرس، وقالَ لِماذا تَبعه أبن الأرملةِ مباشرةً، لكن يايرس لَم يتبعه.
ثمّ أشارَ إلى ما أَوْشَكَ أَنْ يَحْدثَ قريباً. وقالَ بأنّه سُيُتْرَكَ من خاصته. في بادئ الأمر سيدخل الهيكل بعظمةِ وعلانية منتصرِاً، وشفاه الرضعِ التي مَا سَبَقَ أَنْ تَكلّمتْ حتي الآن ستُعلنُ دخولَه. كثيرين سيَكْسرونَ غصون الأشجارِ ويَنْثرونَها أمامه، بينما سيضع الآخرون ثيابهم في طريقِه. لقد شَرحَ أن من نَثروا الأغصان أمامه، لن ينكرون عنه ما يمتلكونه، ولن يَظْلّوا مخلصون له، لَكنَّهم من يَنْشرونَ ملابسَهم في الطّريق سيفْصلُون أنفسهم عن ما لديهم، واضِعُينه على الإنسانِ الجديدِ، وسيَظْلُّون مخلصين له. لم يقل السيد المسيح أنّه سيَدْخلُ أورشليم على حمارِ؛ وبالتّالي، فكرِ كثيرين بأنه سيحتفل بدخولَه بعظمةِ وفخامة، بخيولِ وجِمالِ مع حاشيته. أحدثتْ كلماته هَمْس عظيم بين الجمهور. أنهم لَمْ يَأْخذوا عبارتَه. "خمسة عشرَ يوم" بشكل حرفي.
لقد فَهموا ذلك على أنه يقَصْد وقت أطول؛ لذا، كرّرَ السيد المسيح بشكل ملحوظ: "ثلاثة مراتِ، خمسة أيامِ "! هذا التعليم أحدث قلقِ عظيم بين الكتّبِة والفريسيين. دعوا إلى لقاء في بيتِ قيافا، وأصدروا تحريم ضدّ كل من يأوي السيد المسيح أو تلاميذه. وَضعوا أيضاً الجواسيسَ عند البابِ يتَرَقُّبوه، لَكنَّه ظل مختفيا في بيت عنيا مَع لعازر
|
|
|
|