إن حياة السيدة العذراء مريم هي تسبيح في حد ذاتها..صمتها واتضاعها، طهارتها ونقاوتها، احتمالها وخضوعها. إن العذراء نفسها تسبحة في حد ذاتها.
وعندما فتحت السيدة العذراء فاها المبارك المملوء نعمة، كانت الكلمات الخارجة من فمهل هي تسابيح غنية وعميقة تدل على روحها النسكية الأصيلة، وتدل أيضاً على شبعها بكلام الله. فتسبحتها الواردة في إنجيل مُعلمنا لوقا البشير تتشابه كثيراً مع تسبحة القديسة حَنَّة أم صموئيل، والتي وردت في (1صم2: 1-10).
وفي ملء الاتضاع تَفهم العذراء القديسة أن ما نالته من نعمة هو من إحسانات القدير ورحمته. نحن نقول عنها إنها تستحق كل كرامة، وهي تقول عن نفسها إن ما نالته من كرامة كان إحساناً ورحمة من القدير "لأن القديرصنع بي عظائم، واسمهقدوس، ورحمته إلي جيل الأجيالللذين يتقونه" (لو1: 49-50).وانطلقت القديسة العذراء مريم تسبح الله على صنيعه المجيد مع شعبه: "صنع قوة بذراعه. شتت المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين. عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة، كما كلم آباءنا. لإبراهيم ونسله إلي الأبد" (لو1: 51-55).
القديسة مريم نطقت بهذه التسبحة الجميلة المذكورة في (لو1: 46-55)منذ بدء الحمل الإلهي وبعد أن رأت خلاص الرب المزمع أن يتم منها..وفي تسبحتها تعلن لنا افتقاد الرب لشعبه عن طريق ابنها الحبيب وإتمام مواعيد الرب للأنبياء.
زكريا الكاهن سبح الله وباركه بعد ولادة يوحنا المعمدان الذي جاء يعد الطريق أمام الله. وبمجرد أن رأى زكريا ابنه يوحنا تنبأ عن الخلاص الآتي... لقد استؤمن زكريا على نعمة النبوة، فصارت تسابيحه نبوات ونبواته تسابيح "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه وأقام لنا خلاصاً في بيت داود فتاه...وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم. بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا. المشرق من العلاء ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام" (لو1: 68-79).

سمعان الشيخ هو أحد الذين عُهد إليهم بعمل الترجمة السبعينية للكتاب المقدس... وإذ كان متحيراً من قول إشعياء النبي "ها العذراء تحبل وتلد ابناً..." (إش14:7)وأراد تغيير لفظ "العذراء" واستبداله بلفظ "الفتاة". فأُوحي إليه بالروح القدس أنه لن يرى الموت حتى يرى تحقيق نبوة إشعياء النبي بعينيه...وبقي سمعان الكاهن حياً حتى تجسد الرب وحملته العذراء مع يوسف النجار إلي الهيكل وحين رأى سمعان الشيخ الطفل الإلهي، انفتحت عقدة لسانه و"أخذه على ذراعيه وبارك الله" (لو28:2)، وهذا هو جوهر عمل التسبيح في الكنيسة: أن نرى الله، ونبصر خلاصه في تدبير حياتنا، فتنفك عقدة اللسان وننطلق نسبحه ونبارك عظمته ونمجد أعماله فينا...لقد قال هذا الشيخ الوقور: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك، الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم، ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 29-32).
ثم توجه سمعان الشيخ بالحديث والتسبيح إلي القديسة العذراء مريم "وقال لمريم أمه: ها إن هذا قد وُضع لسقوك وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تُقاوم. وأنتِ أيضاً يجوز في نفسك سيف، لتُعلن أفكار من قلوب كثيرة" (لو2: 34-35).لقد عرف بالروح ما سوف يحدث، وأن الرب يسوع سيكون سبباً في سقوط للرافضين وقيام للمؤمنين في إسرائيل.
ليست هذه كل التسابيح والصلوات بالكتاب المقدس، وإنما هناك العديد من تسابيح القديسين في الكتاب المقدس بعهديه تقرأها الكنيسة في ليلة سبت الفرح "الأبوغالمسيس" ومنها:
تسبحة موسى النبي بعد الخروج من مصر (الهوس الأول) خر15
تسبحة موسى النبي الثانية تث32: 1-43
صلاة حنة أم صموئيل 1مل2: 1-11
صلاة حبقوق النبي حب3: 2-19
صلاة يونان النبي يون2: 2-10
صلاة حزقيا الملك إش 38: 10-30
صلاة داود النبي 1أخ29: 10-13
صلاة الملك سليمان 1مل8: 22-30
صلاة عزاريا في سفر تتمة دانيال بالأسفار المحذوفة
تسبحة الثلاث فتية داخل أتون النار (الهوس الثالث) في سفر دانيال
تسبحة إشعياء النبي إش 25
تسبحة أخرى لإشعياء النبي إش 26
تسبحة الملائكة لو2: 13-14
يوجد عدد كبير من الآيات والمواقف التي تتحدث عن التسبيح وتحثنا على تسبيح الله بقلب طاهر مُستخدمين المزامير والتسابيح والأغاني الروحية:
"مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف19:5).
"وأنتم بكل حكمة مُعلمون ومنذرون بعضكم بعضاً، بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، بنعمة، مترنمين في قلوبكم للرب" (كو16:3).
"فما هو إذاً أيها الإخوة؟ متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور" (1كو26:14).
"واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر" (كو2:4).
"أعلى أحد بينكم مشقات؟ فليصل. أمسرور أحد؟ فليرتل" (يع13:5).
"ونحو نصف الليل كان بولي وسيلا يصليان ويسبحان الله، والمسجونون يسمعونهما" (أع25:16).
قيل أيضاً عن السيد المسيح أنه قد رتل (مزامير الهلّيل) مع تلاميذه في ليلة العشاء السري (وهي مزامير 112-118) ، وعبرت الأناجيل عن هذه التسابيح بالعبارة "ثم سبحوا وخرجوا إلي جبل الزيتون" (مت30:26) ، (مر26:14).
قيل عن الآباء الرسل:
"وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله" (لو53:24).
"وصعد بطرس ويوحنا معاً إلي الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة" (أع1:3).
وكل الجماعة المسيحية الأولى قيل عنها:
"وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة... مسبحين الله" (أع2: 46،47)