بعد أن "اضطجع سليمان مع آبائه فدفنوه في مدينة داود أبيه. وملك رحبعام ابنه عوضاً عنه" (2أخ31:9) انقسمت المملكة بسبب سوء تصرف رحبعام، وصارت المملكة مملكتين (يهوذا وإسرائيل)، وفي الغالب كانت مملكة يهوذا أكثر تديناً من مملكة إسرائيل، "وكانت حرب بين رحبعام (ملك يهوذا)، ويربعام (ملك إسرائيل)كل أيام حياته" (1مل6:15). وانصرف الملك والجيش والناس إلي الحرب، ولم يعد أحد ينتبه إلي هؤلاء المرنمين والموسيقيين الموهوبين ليرعاهم..فبدأت خدمة التسبيح في الانحدار والانحطاط. وحافظ سبطا يهوذا وبنيامين بالكاد على خدمة الذبائح فقط، في مقابل انسياق كل باقي أسباط إسرائيل وراء الأوثان. هذا ما عير به "أبيا" ملك يهوذا شعب إسرائيل المنحرفين وراء يربعام الملك عابدين الأوثان قائلاً: "وأنتم جمهور كثير ومعكم عجول ذهب قد عملها يربعام لكم آلهة. أما طردتم كهنة الرب بني هارون واللاويين، وعملتم لأنفسكم كهنة كشعوب الأراضي (الأمم)..للذين ليسوا آلهة؟ وأما نحن فالرب هو إلهنا، ولم نتركه والكهنة الخادمون الرب هم بنو هارون واللاويون في العمل، ويوقدون للرب محرقات كل صباح ومساء" (2أخ13: 8-11).
في هذا الكلام ذكر "أبيا" خدمات الهيكل التي نظمها موسى، ولم يتطرق إلي ذكر فرق التسبيح التي نظمها داود، ومن بعده سليمان. ومن ذلك يبدو أن هذه الفرق كانت قد ضعفت أو توقفت..أي أن أسباط مملكة إسرائيل (الشمالية) انساقت إلي الأوثان، وتركت عبادة الله الحي.. ومملكة يهوذا (الجنوبية) أيضاً قد انشغلت، وتركت عنها خدمة التسبيح. فقد كانت البلاد في حالة فوضى وانشغالات كثيرة "وفي تلك الأزمان لم يكن أمان للخارج ولا للداخل، لأن اضطرابات كثيرة كانت على سكان الأراضي" (2أخ5:15).
لم يدم هذا الأمر كثيرا، بل كانت ذبيحة التسبيح تتأرجح في قوتها بحسب زمان الملك الذي يملك وظروف المملكة..فإن كان الملك باراً تقياً والمملكة في حالة سلام كان التسبيح يأخذ مكانته في الاهتمام والاعتبار، وإذا كان الملك شريراً معوجاً والمملكة في حالة حرب وفوضى كان يضعف الاهتمام بالتسبيح، ويتفرق المسبحون والعازفون، ويتوقف التسبيح من هيكل الرب أو يضعف مستواه الروحي والفني.
بعد هذا العهد الفقير في التسبيح، توالت عدة نهضات روحية متعاقبة. وكانت من أهم علامات النهضة الروحية التي يقوم بها أي ملك يملك على يهوذا، أو (إسرائيل) أن يعيد إلي الهيكل بهاءه، بتنظيم خدمة التسبيح.
في عهد آسا الملك وبَّخ النبي "عزريا بن عوبيد" الشعب، فتنبهوا ونزعوا الرجاسات من كل أرض يهوذا وبنيامين، وعادوا إلي الرب "ودخلوا في عهد أن يطلبوا الرب إله آبائهم بكل قلوبهم وكل أنفسهم" (2أخ12:15). كانت علامة هذا العهد أنهم "حلفوا للرب بصوت عظيم وهتاف وبأبواق وقرون. وفرح كل يهوذا.." (2أخ15: 14-15). كذلك كانت عودة هتاف التسبيح، هي العلامة المميزة لعودة الروح إلي الشعب، بعد عصور من التمزق والتمرد وعبادة الأوثان والحروب العنيفة.
في عهد "يهوشافاط" الملك تعرضت الدولة لهجوم من الأعداء.. فرجعوا إلي الرب، وكان أحد الـمُسبِّحين هو الذي قاد الشعب للتوبة وهو "يحزئيل بن زكريا...من بني آساف، كان عليه روح الرب في وسط الجماعة" (2أخ14:20). وكانت عودتهم للرب مرتبطة بالتسبيح "فخَرَّ يهوشافاط لوجهه على الأرض، وكل يهوذا وسكان أورشليم سقطوا أمام الرب سجوداً للرب. فقام اللاويون من بني القهاتيين ومن بني القورحيين ليسبحوا الرب إله إسرائيل بصوت عظيم جداً" (2أخ20: 18-19).
في الغد وقف يهوشافاط لتحفيز الشعب على العودة للرب، و"أقام مغنين للرب ومسبحين في زينة مقدسة...وقائلين: "احمدوا الرب لأن إلي الأبد رحمته". ولما ابتدأوا في الغناء والتسبيح جعل الرب أكمنة على بنى عمون وموآب وجبل ساعير الآتين على يهوذا، فانكسروا" (2أخ20: 21-22).فكان الفضل في نصرتهم يرجع إلي التسبيح.
وعاد الشعب من الحرب "ليرجعوا إلي أورشليم بفرح، لأن الرب فرحهم على أعدائهم. ودخلوا أورشليم بالرباب والعيدان والأبواق إلي بيت الرب" (2أخ20: 27-28). وانتصرت إسرائيل على الأعداء وعادوا يسبحون الله بحسب ترتيب داود وسليمان.
حدثت نكسات أخرى في حياة الشعب وسادت الشرور والآثام، وتراجعت الروحانية والحب والتسبيح حتى قام كاهن عظيم هو "يهوياداع".
رد يهوياداع الشعب إلي الله، وخلع "عثليا" الملكة الشريرة، وملَّك يوآش بن أخزيا. وكان تجليس الملك في حفل ديني مهيب أعاد إلي الأذهان مجد الهيكل القديم أيام داود وسليمان: "وإذا الملك واقف على منبره في المدخل، والرؤساء والأبواق عند الملك، وكل شعب الأرض يفرحون وينفخون بالأبواق، والمغنون بآلات الغناء، والمعلمون التسبيح" (2أخ13:23).
وبعد حفل التجليس هذا الذي أحيا مجد التسبيح في الهيكل.."قطع يهوياداع عهداً بينه وبين كل الشعب وبين الملك أن يكونوا شعباً للرب" (2أخ16:23).
لقد كان من علامات هذه النهضة الروحية أن "جعل يهوياداع مناظرين على بيت الرب عن يد الكهنة اللاويين الذين قسمهم داود على بيت الرب، لأجل إصعاد محرقات للرب، كما هو مكتوب في شريعة موسى، بالفرح والغناء حسب أمر داود" (2أخ18:23).لقد كان التسبيح هو المقياس الذي يقيس درجة الحرارة الروحية لشعب الله. والنظام الذي أرساه داود النبي كان هو المعيار والمرجع عند إعادة أي ترتيب لخدمة الهيكل.

قام في يهوذا ملك عظيم تقي هو "حزقيا" الذي قيل عنه إنه "عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود أبوه" (2أخ2:29).هذا الملك القديس اجتهد أن ينهض بالشعب روحياً "فتح أبواب بيت الرب ورممها" (2أخ3:29)، ونبه الكهنة واللاويين إلي التوبة (2أخ29: 4-11). ثم "أوقف اللاويين في بيت الرب بصنوج ورباب وعيدان حسب أمر داود وجاد رائي الملك وناثان النبي، لأن من قبل الرب الوصية عن يد أنبيائه. فوقف اللاويون بآلات داود، والكهنة بالأبواق. وأمر حزقيا بإصعاد المحرقة على المذبح. وعند ابتداء المحرقة ابتدأ نشيد الرب والأبواق بواسطة آلات داود ملك إسرائيل. وكان كل الجماعة يسجدون والمغنون يغنون والمبوقون يبوقون. الجميع، إلي أن انتهت المحرقة" (2أخ29: 25-28).
كانت أيام حزقيا أياماً روحية عاد فيها الشعب إلي الرب(2أخ29: 30،35،36)
اهتم يوشيا الملك بخدمة التسبيح "وكان الرجال يعملون العمل بأمانة، وعليهم وكلاء...ومن اللاويين كل ماهر بآلات الغناء" (2أخ12:34)، "والمغنون بنو آساف كانوا في مقامهم حسب أمر داود وآساف وهيمان ويدوثون رائي الملك" (2أخ15:35).لذلك فعند موته "كان جميع المغنين والمغنيات يندبون يوشيا في مراثيهم" (2أخ25:35).