ابيبوس الشهيد
رجل تقي هرب من الضيق لكن بقلب متسع ومحب، وحين واجه الاستشهاد كان باشًا متهللاً! كان أبيبوس (حبيب) Abibus أو سابين Sabin يقطن في مدينة هرموبوليس (الأشمونين). عاش هذا المؤمن بحياة تقوية متعبدا لله، وإذ حلّ الاضطهاد على المسيحيين في عهد دقلديانوس، انطلق من المدينة سرًا إلى كوخ بسيط يسكنه بعض المسيحيين على حدود الصحراء، هاربًا من وجه إريانا والي أنصنا. إذ كان هذا التقي معروفًا في المدينة صار بعض الوثنين في شرهم لا يشعرون بطعم الراحة لهروبه، فكانوا باجتهاد يبحثون عنه. أما هو ففي مسكنه الجديد كان قلبه مملوء سلامًا ومحبة، يمارس أعمال الرحمة للجميع بغير انقطاع. تعرف عليه أحد الشحاذين، فكان يأتيه كل يوم يطلب منه صدقة، وكان أبيبوس يعطيه بمحبة وفرح... ولم يمض وقت طويل حتى بدأت محبة المال تشغل فكر هذا الشحاذ، فانطلق خفية إلى بعض رجال إريانا والي أنصنا وسألهم ماذا يعطونه إن أخبرهم عن مسكن أبيبوس الجديد، وإذ اتفق معهم انطلق بهم يهوذا الجديد إلى حيث يسكن هذا التقي ليمسكوا به. هجم رجال إريانا على الرجل، أما هو فبقلب هادئ ووجه باش سلّم نفسه لهم... وكانوا يسبّونه ويضربونه بالعصي حاسبين في ذلك أنهم يدافعون عن آلهتهم التي يحتقرها هذا الشقي... احتمل أبيبوس عذابات كثيرة بصبر، إذ كان ربنا يسوع يعزيه ويسنده. أخيرًا مزقوا أعضاء جسمه حتى سالت الدماء في كل موضع، وألقوه في نار، وجعلوا من النيل مقبرة له، وكان ذلك في سنة 305 م.
أحد الأماكن المقدسة الرئيسية بالرها في سوريا هو ذاك المقدس الذي يضم رفات الشهداء غورياس Gurias وشمعون أو صاموناس Samonas وأبيبوس أو حبيب Abibus، تحتفل لتذكارهم الكنيسة اللاتينية واليونانية 15 من شهر نوفمبر. جاءت قصة استشهادهم تروي أن الشهيدين الأولين قد فازا بإكليل الاستشهاد في عهد دقلديانوس في أواخر القرن الثالث أو أول الرابع، أما الشهيد الثالث فنال إكليل الاستشهاد بعدهما بحوالي 20 عامًا أثناء اضطهاد الملك ليكنيوس Lucinius عدو قسطنطين الكبير وصهره من أخته قسطنسيا. كان الشهيدان الأولان غيورين على نشر الإيمان المسيحي بين الوثنيين بالرها، فقُبض عليهما وسُجنا، وإذ رفضا التبخير للأوثان تعرضا لعذابات شديدة، منها أن عُلق كل منهما من يد واحدة، ووضعت أثقال في أقدامهما، كما أُلقيا في جب كريه مظلم بلا طعام ثلاثة أيام. بقيا الشهيدان أربعة أشهر يحتملان العذابات وكان الجلادون لا يكفون عن استخدام كل وسيلة لتعذيبهما واثقين أنه بانحراف هذان البرجان الشامخان عن الإيمان ينهار الشعب كله وراءهما، لكن إذ رأى الجلادون أن احتمالهما للآلام يسبب تعزية كثيرة للمؤمنين أمروا بضرب عنقيهما. أما الشهيد حبيب أو أبيبوس فكان شماسًا بالرها يسكن مع والدته التقية، اشتاق أن يتمتع بإكليل الشهادة بعد أن اختفى عن المضطهدين فترة قصيرة، ولعله ذهب إليهم من تلقاء نفسه بناء على دعوة إلهية، وقد اعترف بالإيمان بغير تردد. اتسم بفرحه وبهجته طوال فترة الآلام، حتى حسب الوالي ذلك حماقة أن يجد لذة بالحياة الأبدية وسط الألم، فأمر بحرقه بالنار. إذ سيق لحرقه قبّل والدته وأقاربه قبلة السلام، وكان يعزيهم ويشجعهم ثم ألقى بنفسه في النار وسط الجنود، وحُمل جسده إلى حيث دُفن الشهيدان السابقان دون أن تصيبه النار. بركة صلواتهم تكون معنا آمين.