تفسير الكتاب المقدس بعهديه
لأبونا انطونيوس فكرى
ارجو التثبيت لحين الأنتهاء من تفسير الأنجيل كله
تابع تفسير سفر ارميا
الإصحاح الحادى عشر
الله يذكر الشعب هنا بالعهد الذى قطعه مع أبائهم وعليهم أن يطيعوا شروط هذا العهد فيكون لهم بركة.
الأيات 1-10 :- الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا. اسمعوا كلام هذا العهد و كلموا رجال يهوذا و سكان اورشليم. فتقول لهم هكذا قال الرب اله اسرائيل ملعون الانسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد. الذي امرت به اباءكم يوم اخرجتهم من ارض مصر من كور الحديد قائلا اسمعوا صوتي و اعملوا به حسب كل ما امركم به فتكونوا لي شعبا و انا اكون لكم الها. لاقيم الحلف الذي حلفت لابائكم ان اعطيهم ارضا تفيض لبنا و عسلا كهذا اليوم فاجبت و قلت امين يا رب. فقال الرب لي ناد بكل هذا الكلام في مدن يهوذا و في شوارع اورشليم قائلا اسمعوا كلام هذا العهد و اعملوا به. لاني اشهدت على ابائكم اشهادا يوم اصعدتهم من ارض مصر الى هذا اليوم مبكرا و مشهدا قائلا اسمعوا صوتي. فلم يسمعوا و لم يميلوا اذنهم بل سلكوا كل واحد في عناد قلبه الشرير فجلبت عليهم كل كلام هذا العهد الذي امرتهم ان يصنعوه و لم يصنعوه. و قال الرب لي توجد فتنة بين رجال يهوذا و سكان اورشليم. قد رجعوا الى اثام ابائهم الاولين الذين ابو ان يسمعوا كلامي و قد ذهبوا وراء الهة اخرى ليعبدوها قد نقض بيت اسرائيل و بيت يهوذا عهدي الذي قطعته مع ابائهم.
أن نتذكر أن هناك عهداً بيننا وبين الله هذا يدعونا أن لا نستسهل صنع الخطية ثم نطلب حياة سهلة مملوءة بركة لأنَ هنا شروطاً لهذا العهد ولهذه البركة، وهى طاعة الوصية. وملعون من لا يسمع لكلام العهد (3) لأن من لا يطيع يفصل نفسه عن الله فيسقط مباشرة تحت سلطان إبليس لذلك يصبح ملعوناً. وفى (4) الله حين حررهم من أرض العبودية أعطاهم هذه الوصايا بنود العهد وطلب منهم الإلتزام بها. وهنا يجب أن نفهم أنَ الإلتزام بهذه الوصايا ليست عبودية جديدة بل أن "نير المسيح هين وحمله خفيف" وليس كور حديد (هو رمز للآلام الحادة والعبودية) والله يعلم أن الإنسان أصبح ضعيفاً بعد أن سقط والشيطان يستغل ضعفه ويغريه على الخطية والخطية تسبب خراب الإنسان لأن الشيطان سيعود ويتملكه لذلك فالله يطلب فى محبة من الإنسان أن يلتزم بهذا العهد. وهو إن لم يلتزم سيعيد نفسه لكور الحديد ثانية أى عبودية الشيطان "إن حرركم الإبن بالحقيقة تكونون أحراراً" ومن ثمار الطاعة لله ولوصاياه البركة (5). راجع (لا26)، (تث28). قول النبى أمين يا رب هى شهوة قلبه أن يستمع الشعب لوصايا الله. ولإحساس الله بغيرة النبى قال لهُ نادِ بهذا (6) ولكن للأسف فلم يسمع الشعب ولم يطيع بل قاموا بفتنة أى مؤامرة ضد الله ورجالهُ.
أية 2 :- كلموا رجال يهوذا = النبى يوجه كلامه هنا لرسل أتوه من قبل الملك.
الأيات 11-17 :- لذلك هكذا قال الرب هانذا جالب عليهم شرا لا يستطيعون ان يخرجوا منه و يصرخون الي فلا اسمع لهم. فينطلق مدن يهوذا و سكان اورشليم و يصرخون الى الالهة التي يبخرون لها فلن تخلصهم في وقت بليتهم. لانه بعدد مدنك صارت الهتك يا يهوذا و بعدد شوارع اورشليم وضعتم مذابح للخزي مذابح للتبخير للبعل. و انت فلا تصل لاجل هذا الشعب و لا ترفع لاجلهم دعاء و لا صلاة لاني لا اسمع في وقت صراخهم الي من قبل بليتهم. ما لحبيبتي في بيتي قد عملت فظائع كثيرة و اللحم المقدس قد عبر عنك اذا صنعت الشر حينئذ تبتهجين. زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك بصوت ضجة عظيمة اوقد نارا عليها فانكسرت اغصانها. و رب الجنود غارسك قد تكلم عليك شرا من اجل شر بيت اسرائيل و بيت يهوذا الذي صنعوه ضد انفسهم ليغيظوني بتبخيرهم للبعل.
فى (11) الشر الذى يجلبه الله عليهم هو نتيجة طبيعية لخطيتهم وحين يطلبون الله لن يستجيب لهم، فهم لا يصرخون فى توبة، بل لمجرد الخروج من الضيقة فقط. فى (12) نعرف لماذا لم يستجيب لهم الله فمازالت أوثانهم فى قلبهم وها هم يلجأون إليها. وأوثانهم متعددة (13) لذلك فى (14) يحرمهم الله من صلوات النبى وشفاعته، وهذا تهديد مخيف لمن يفهم أن صلاة القديسين أصبحت مرفوضة بالنسبة لهُ. وفى (15) فالله يرفضهم من بيته = ما لحبيبتى فى بيتى فأورشليم التى أحبها الله وخطبها لنفسه بالعهد الذى أصبحوا به خاصته. وهم فى وثنيتهم صاروا زناة. والزانية لو تكرر زناها وأصبحت وقحة يجب طردها خارج البيت. والله يسأل لماذا هى الأن فى بيتى وأنا قد رفضتها. ولم تَعُدْ الذبائح تحميهم أو تكفر عنهم. ولكنهم ما زالوا يذهبون للهيكل ويقدمون ذبائح سلامة ويأكلون منها بينما هم يفرحون بخطاياهم. ولكن لا المذبح سيحميهم ولن تعطيهم هذه الذبائح أى بركة فهم حُرِموا من كل البركات = اللحم المقدس عبر عنك ولاحظ أن الله مازال يسميهم حبيبتى وكذلك يسميهم بولس (رو28:11) "هذا من أجل الأباء" وفى (16) قارن بين الحالة التى أوجدهم الله عليها زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة = فالله غرسهم وجعل منهم شعباً وأعطاهم مميزات كثيرة وبركات عظيمة بل كان فى وسطهم. وكان لهم ثمار صالحة للأكل وشكلها جميل أى صالحة لله وللإنسان. يراها الناس فى بركاتها فيمجدوا أباها الذى فى السموات. ولكنهم بإصرارهم على الخطية تحول عنهم الله سر خضرة وإثمار زيتونتهم فتحولوا لزيتونة برية جافة لم تعد تصلح لشىء سوى الحريق والحريق أتٍ بواسطة جيش بابل الذى سيأتى بضجة عظيمة. والأغصان التى إنكسرت هى ملكها وكهنتها ورؤسائها.
الأيات 18-23 :- و الرب عرفني فعرفت حينئذ اريتني افعالهم. و انا كخروف داجن يساق الى الذبح و لم اعلم انهم فكروا علي افكارا قائلين لنهلك الشجرة بثمرها و نقطعه من ارض الاحياء فلا يذكر بعد اسمه. فيا رب الجنود القاضي العدل فاحص الكلى و القلب دعني ارى انتقامك منهم لاني لك كشفت دعواي. لذلك هكذا قال الرب عن اهل عناثوث الذين يطلبون نفسك قائلين لا تتنبا باسم الرب لئلا تموت بيدنا. لذلك هكذا قال رب الجنود هانذا اعاقبهم بموت الشبان بالسيف و يموت بنوهم و بناتهم بالجوع. و لا تكون لهم بقية لاني اجلب شرا على اهل عناثوث سنة عقابهم.
هنا يتأمر أهلهُ كهنة عناثوث ضده ليقتلوه قائلين لنهلك الشجرة بثمرها = هو تعبير يعنى دعنا ننتهى منهُ جذراً وفروعاً أى نقتل العائلة كلها (هكذا قام الكهنة ورؤسائهم على المسيح) وهم تصوروا أنهم بقتله سينتهون من نبوته (21) فهم لا يحتملون إنذاراته ودعوته لهم بالتوبة ولكن الله أبقاه وكشف لهُ مؤامرتهم (18) وفى (19) يصوَر حاله وهو سالك وسط هؤلاء الوحوش فى سلام وإطمئنان بينما هم يضمرون لهُ الشر، ويصوَر نفسه كخروف مسالم ولكن هذه الأية تتكلم بروح النبوة عن المسيح (اش7:53). الذى تآمر عليه الكهنة أيضاً لأنهم لم يحتملوه. وفى (20) هذا بروح النبوة يتنبأ عن ما سيصيبهم. وما سيصيب صالبى المسيح بيد الرومان.
الإصحاح الثانى عشر
الأيات 1-6 :- ابر انت يا رب من ان اخاصمك لكن اكلمك من جهة احكامك لماذا تنجح طريق الاشرار اطمان كل الغادرين غدرا. غرستهم فاصلوا نموا و اثمروا ثمرا انت قريب في فمهم و بعيد من كلاهم. و انت يا رب عرفتني رايتني و اختبرت قلبي من جهتك افرزهم كغنم للذبح و خصصهم ليوم القتل. حتى متى تنوح الارض و ييبس عشب كل الحقل من شر الساكنين فيها فنيت البهائم و الطيور لانهم قالوا لا يرى اخرتنا. ان جريت مع المشاة فاتعبوك فكيف تباري الخيل و ان كنت منبطحا في ارض السلام فكيف تعمل في كبرياء الاردن. لان اخوتك انفسهم و بيت ابيك قد غادروك هم ايضا هم ايضا نادوا وراءك بصوت عال لا تاتمنهم اذا كلموك بالخير.
أنظر أية حرية أعطانا الله حتى نناقشه من جهة أحكامه. ولكن من الذى لهُ هذا الحق أن يتساءل حول أحكام الله (1) الله يقبل أن نسألهُ عن أحكامه على أن نظل واثقين فيه وفى عدالة أحكامه ونقف أمامه كمن يتعلم ويريد ان يفهم (2) الله يقبل أن نسألهُ إذا كانت هناك محبة داخل القلب ونقف أمامهُ نسألهُ أن يكشف لنا لا فى روح المجادلة والإحتجاج. فأحكام الله فى بعض الأحيان تبدو بعيده عن أفهامنا (مزمور2:97) والقضية التى تحير النبى هنا هى نجاح الأشرار، وهم هنا الشعب الذى زرعهُ الله وأعطاه أرضا تفيض لبناً وعسلاً ثم إرتد عنهُ وإضطهد أنبيائه ولكن فلنعلم أن نجاح الأشرار لحين ونهايتهم شريرة (مزمور73) والله يطيل أناته عليهم لعل طول أناته تقودهم للتوبة. وفى صلب المسيح رد على تساؤلاتنا فهو صُلِبَ وهو القدوس ومن هذا نرى أن نجاح الأشرار الوقتى هو بسماح من الله وفى النهاية يتمجد الله وماذا كانت نهاية صالبو المسيح إلا الخراب وفى أية (2) الله غرسهم وأعطاهم بركة كبيرة ولكن فى المقابل سبحوه بشفاههم فالكلام سهل لكن القلب مبتعد عنه بعيداً = أنت قريب فى فمهم بعيد عن كُلاهم. وفى أية (3) يبدو أن الله كشف لهُ شرهم ونهايتهم. وأن الله ينظر لقلبه هو أنهُ مستقيم أمامهُ فتعزى بهذا وقال أنت يا رب عرفتنى أما هم فقد عرفتُ إجابة سؤالى فى أية (1) بخصوصهم فهم مصيرهم الذبح. فالله سوف يجذبهم خارج المرعى السمين أى أرضهم التى تفيض لبناً وعسلاً التى أكلوا وسمنوا فيها. فربما حين يذهبون للسبى يقدمون توبة وفى أية (4) لن تقف الأحكام ضدهم بالسبى بل بخراب أرضهم ولنلاحظ سبب إنحرافهم!! الله لا يرى آخرتنا = فإحساس الإنسان أن الله لا يراه ويعرف شروره ويجازى عليها هو بداية كل الشرور. وربما كان المعنى النبى لا يرى آخرتنا = أى أن عمرهم طويل جداً والنبى سيموت قبلهم وهذا سبب ثانى للشرور أن يتوقع الإنسان أن عمره طويل ولكن!! "يا غبى فى هذه الليلة تؤخذ نفسك" وفى أية (5) يبدأ الله فى إعداد النبى لتحمل ألام أكبر. فالله لم يسمح لأعداؤه أن يضعوا أياديهم عليه فى بداية طريقه فالله الذى خلقنا يعرف إمكانياتنا فى التحمل وهو "لا يدعكم تجربون فوق ما تحتملون" ولكنه يُعد خدامه بالتدريج لإحتمال الألم فالألم يكمل الخدام (عب10:2) فمتى نصير للمسيح تلاميذ ينبغى أن نحمل الصليب. حقاً ينبغى أن نُظْهِرْ لإبليس أننا لا نطلب راحة فى هذا العالم بل أنظارنا موجهة للسماء والراحة السماوية وهنا بعد أن إشتكى النبى من الألام التى واجهها ومؤامرة أهله لقتله يقول لهُ الله بل عليك أن تحتمل ماهو أقسى وأصعب. فلماذا تطلب الراحة "إن كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معهُ "ويقول لهُ الله إن جريت مع المشاة فأتعبوك = أى إن كنت تعبت من شر اهل عناثوث حتى إنك إشتكيت وخاصمتنى من جهة أحكامى فماذا سوف تفعل أمام ملوك ورؤساء وكهنة ورؤساء كهنة أورشليم وهؤلاء شبههم بالخيل = فكيف تبارى الخيل. أى عليك أن تُعَدْ نفسك لألام أشد وأصعب. ومثال أخر فأنت الأن مازلت فى أرض السلام بالمقارنة لما سيأتى عليك، فما سوف يأتى يشبه كبرياء الأردن = المقصود به مياه الأردن أيام فيضانه التى تجرف كل شىء أمامها ولا يعترض سبيلها شىء. ويشير هذا لأحكام ذوى السلطة على النبى من ملوك ورؤساء كهنة الذين لا يستطيع أحد أن يمنع أو يقف فى وجه أحكامهم. والله يريه الألام التى ستحل به حتى يتشدد ولا يتخاذل ولم يعده بمنع الألام عنهُ. وهذا الكلام ينطبق علينا. فنحن يجب أن نتوقع فى حياتنا مشاكل وعلينا أن نثق فى أن الله يسندنا فلا نخور. وفى أية (6) الله يحذر النبى من محاولات أقربائه لردَه عن طريق الله ليكف عن نبواته. ولكن هذه المرة سيستعملون الأقوال الناعمة عوضاً عن التهديد والعنف ولا تأتمنهم إذا كلموك بالخير
ملحوظة خاصة بأية (4) نلاحظ أن النبى وغيره من رجال العهد القديم يطالبون بعقاب الأشرار فلماذا (1) فى العهد القديم لم يكن هناك من يميز بين الخاطىء والخطية (2) الخاطىء يفسد الجماعة (3) كنبوة عن ما سوف يحدث لهؤلاء الخطاة ويعتبر فى نفس الوقت نبوة عن هلاك الشرير الحقيقى ومن وراء كل هذه الشرور وهو إبليس (4) كان أنبياء العهد القديم يرون أن الموت هو نهاية كل شىء وقليلاً منهم من تكلم عن حياة بعد الموت لذلك كان الأنبياء يشعرون أن البار يجب أن يكافأ على الأرض وأن الشرير يجب أن ينتقم منهُ على الأرض وإلا إختلَ عدل الله.
الأيات 7-13 :- قد تركت بيتي رفضت ميراثي دفعت حبيبة نفسي ليد اعدائها. صار لي ميراثي كاسد في الوعر نطق علي بصوته من اجل ذلك ابغضته. جارحة ضبع ميراثي لي الجوارح حواليه عليه هلم اجمعوا كل حيوان الحقل ايتوا بها للاكل. رعاة كثيرون افسدوا كرمي داسوا نصيبي جعلوا نصيبي المشتهى برية خربة. جعلوه خرابا ينوح علي و هو خرب خربت كل الارض لانه لا احد يضع في قلبه. على جميع الروابي في البرية اتى الناهبون لان سيفا للرب ياكل من اقصى الارض الى اقصى الارض ليس سلام لاحد من البشر. زرعوا حنطة و حصدوا شوكا اعيوا و لم ينتفعوا بل خزوا من غلاتكم من حمو غضب الرب.
الله ترك بيته اى الهيكل فى (7) لأنهم دنَسوه فأجبروه على مغادرته ولكن مما يؤثر فى النفس جداً أن الله ما زال يسميهم حبيبة نفسه ولكن ها هو يسلمها ليد أعدائها. كم نحزن الله الذى يحبنا بخطايانا!! هم هم فقدوا حمايته لذلك وقعوا فى يد أعدائهم. وفى (8) يسميهم ثانية ميراثى. ولكنهم صاروا كوحوش تزأر حتى على الله نفسه. ولم يَعُدْ أحد يحبهم لوحشيتهم وصوت خطاياهم يصل للسماء كصوت أسد زائر. أو هذا صوتهم ضد أنبياء الله، وصوتهم ضد أنبياء الله كأنه على الله نفسه. وفى(9) صاروا جارحة ضَبُع = وهى طيور جارحة لها الوان متعددة فى ريشها وهذا إشارة لتعدد دياناتهم الوثنية لإختلاطهم بالشعوب المجاورة وهم بهذا يشعرون أنهم يزدادون جمالاً ولكنهم أمام الله يزدادون عفونة أما حمامة الله فهى ذات لون واحد. ولنلاحظ أن الطيور الجارحة يثيرها الطيور متعددة الألوان فتهاجمها وتعمل أصواتاً غريبة ضدها. وهكذا بابل الطير الجارح ستهاجمهم. شىء محزن أن رعية الله حمامته الوديعة تتحول لطيور جارحة. ولنذكر أن الطيور الجارحة محرمة ويحرم دخولها بيت الله. ولكن أورشليم تحولت كما لو كانت مسرحاً لصراع هذه الجوارح. ولأن يدهم كانت على كل إنسان ستكون يد كل إنسان عليهم (تك12:16). وأولاد الله لونهم مختلف ويثير عليهم الجوارح لكن الله سور لهم وفى (10) ما زال الله يسميهم كرمى من أجل محبته لأبائهم ويسمى جيش بابل رعاة كثيرون. فالسيف فى يدهم هو سيف الله. وصورة التخريب فى (12،11) وفى (13) هم ظنوا أن بإمكانياتهم صنع شىء وحماية أنفسهم ولكن مازرعوه قمحاً حصدوه شوكاً. مثال معاهداتهم مع مصر تحولت لتصير ضدهم. وسيخزون من كل تدبيراتهم.
الأيات 14-17:- هكذا قال الرب على جميع جيراني الاشرار الذين يلمسون الميراث الذي اورثته لشعبي اسرائيل هانذا اقتلعهم عن ارضهم و اقتلع بيت يهوذا من وسطهم. و يكون بعد اقتلاعي اياهم اني ارجع فارحمهم و اردهم كل واحد الى ميراثه و كل واحد الى ارضه. و يكون اذا تعلموا علما طرق شعبي ان يحلفوا باسمي حي هو الرب كما علموا شعبي ان يحلفوا ببعل انهم يبنون في وسط شعبي. و ان لم يسمعوا فاني اقتلع تلك الامة اقتلاعا و ابيدها يقول الرب.
أية (14) جيرانى الأشرار= هم المصريين والعمونيين... والله يسميهم جيرانى فأرض يهوذا هى أرضه، مازالت. ولأنه إله الجميع فهو يؤدَب الجميع حتى يتوبوا = هأنذا أقتلعهم أى الأمم المجاورة وأقتلع بيت يهوذا. فشعب وجيش بابل سيقتلع الجميع. وفى (15) سيردهُمْ الله. وفى هذا نبوة عن عمل المسيح. فالأمم الوثنية لم تقبل إلا فى المسيح وهكذا يهوذا. والقلع يشير للموت مع المسيح وردهم للأرض يشير للقيامة. والموت والقيامة تحدث لكل منا فى المعمودية حيث ندفن معهُ ونقوم معه. وبهذا أى بعمل الفداء أنهى الله كل نتائج خطية آدم وقَبِلَ الجميع يهوداً وأمماً. والآن فالمسئولية شخصية فمن يقبل أن يسير حسب ما يرضى المسيح = تعلموا علماً طرق شعبى أى لغة المحبة والإيمان بالمسيح أنهم يستمرون فى الزيتونة وإن لم يسمعوا... أقتلع تلك الأمة = هذا هو نفس ما ردده بولس الرسول فى (رو16:11-24) فإسرائيل هى الزيتونة الأصلية والأمم هم الزيتونة البرية.
تعليق على الإصحاح الثانى عشر
1. إشتكى أرمياء من شر الشعب إذ عَرِف أنهم يتآمرون عليه ليقتلوه، لكن الله هنا يجيب بالأتى:-
أ. من تسميهم أشرار هم بيتى وحبيبتى وكرمى، هم فسدوا، ولكننى أؤدبهم ليرجعوا إلىَ.
ب. إن كنت انت حزيناً على شرهم، فكم وكم حزنى أنا عليهم، وإن كنت أنت ترثيهم، فأنا أرثيهم أيضاً. وإن كنت تئن لخيانتهم لك فهم خانونى أنا أيضاً.
ت. هم لا يرفضون أرمياء لشخصه، بل هم يرفضون الله نفسه (آية 8).
ث. أنا لن أتركك يا أرمياء فى ضيقتك، بل سأقف بجانبك. لقد جعلتك نبياً للشعوب، فعليك أن تتحمل بعض الألام. والعجيب أن الله يدربه على ان يحتمل الألم، فهو يسمح بالضيقات أن تأتى بالتدريج (آية 5)
2. أية (4) هنا نرى خراب الأرض بما عليها من طيور وحيوانات بسبب خطية الإنسان، فالإنسان إما يكون سبب بركة للخليقة غير العاقلة، أو يكون سبب لعنة لها، كما سبق الله ولعن الأرض بسبب خطية آدم = (تك17:3).
3. فى أية (1) أكلمك من جهة أحكامك = نلاحظ ان غيرة أرمياء أنه فى ضيقاته لم يذهب ليشتكى همومه للناس، بل دخل إلى مخدعه ليكلم الله ويشتكى لهُ، وكان الله يجيبه ويعزيه، أما من يشتكى همومه للناس:-
أ. فهو يعثرهم.
ب. الناس ليس لديهم تعزية يعزونه بها.
ت. الشكوى تقود لمزيد من الإحساس بالمرارة، فاللسان يقود دفة الإنسان (يع4:3).
4. فى أية (5) كبرياء الأردن = الكلمة حرفياً تعنى عظمة وكبرياء، ولكنها تعنى ضمناً الأدغال الموحشة، والمملوءة وحوشاً على ضفة الأردن إشارة للملوك والقضاة والحكام ورؤساء الكهنة.
5. فى أية (16) نبوة بقبول الأمم = ويكون إذا تعلموا علماً طُرق شعبى أن يحلفوا بإسمى = دليل تركهم لأوثانهم. فالإيمان صار متاحاً لكل العالم، ومن لا يؤمن بالمسيح، أو المسيحى الذى يترك المسيح لأجل خطية ما = لم يسمعوا.. أقتلع تلك الأمة.
الإصحاح الثالث عشر
الأيات 1-11 :- هكذا قال الرب لي اذهب و اشتر لنفسك منطقة من كتان و ضعها على حقويك و لا تدخلها في الماء. فاشتريت المنطقة كقول الرب و وضعتها على حقوي. فصار كلام الرب الي ثانية قائلا. خذ المنطقة التي اشتريتها التي هي على حقويك و قم انطلق الى الفرات و اطمرها هناك في شق صخر. فانطلقت و طمرتها عند الفرات كما امرني الرب. و كان بعد ايام كثيرة ان الرب قال لي قم انطلق الى الفرات و خذ من هناك المنطقة التي امرتك ان تطمرها هناك. فانطلقت الى الفرات و حفرت و اخذت المنطقة من الموضع الذي طمرتها فيه و اذا بالمنطقة قد فسدت لا تصلح لشيء. فصار كلام الرب الي قائلا. هكذا قال الرب هكذا افسد كبرياء يهوذا و كبرياء اورشليم العظيمة. هذا الشعب الشرير الذي يابى ان يسمع كلامي الذي يسلك في عناد قلبه و يسير وراء الهة اخرى ليعبدها و يسجد لها يصير كهذه المنطقة التي لا تصلح لشيء. لانه كما تلتصق المنطقة بحقوي الانسان هكذا الصقت بنفسي كل بيت اسرائيل و كل بيت يهوذا يقول الرب ليكونوا لي شعبا و اسما و فخرا و مجدا و لكنهم لم يسمعوا.
كان معتاداً أن الأنبياء يستخدمون الرموز حتى يفهم الشعب الذى لا يريد أن يفهم ومنطقة الكتان (1) يضعها النبى على حقويه تشير لشعب إسرائيل الذى دخل الله معهم فى عهد وشركة مع نفسه. وهو فى محبته يلصقنا به. فهم شعب قريب جداً من الله وهم خاصته دائماً فى بيته ويغمرهم بإحساناته. وهى من كتان، فكان غريباً على نبى أن يلبس شيئاً ناعماً فالأنبياء كانوا يلبسون ملابس خشنة ويوحنا المعمدان كان يلبس منطقة من وبر الإبل. ولكن المعنى أن الله أعدَهم فى طهارة ليكونوا فى بياض الكتان ونعومته وكذلك الصقهم به. ولا تدخِلها فى الماء وإشارة لأنَ هذا الشعب لا يريد التطهير ولا التوبة. ثم فى (4) ذهب ليطمرها عند الفرات فى شق صخر = فكانت المنطقة هناك معرضة للماء يصعد عليها ويغمر المنطقة ثم ينحسر عنها فتجف ففسدت وتهرأت. ومما أتعب المفسرين هل ذهب أرميا فعلاً للفرات والمسافة بعيدة جداً أم كان ما حدث مجرد رؤيا. والرأى الصحيح أنه ذهب فعلاً:
1. فهو يقول مرتين فإنطلقت إلى الفرات (7،5).
2. هى طاعة لصوت الله فهو لا يحسب أى تنفيذ لأوامر الله أن فيه مشقة.
3. هو يشعر خلال رحلته بما سيشعر به المسبيين.
وفساد هذا الشعب الذى يشير إليه فساد المنطقة (10) راجع لوثنيته. هم لم يعبدوا الله ولم يسبحوه وهذا واجبهم فى مقابل إحساناته عليهم. ومن لا يسبح الله من الصعب أن يعتبر نفسه شعباً لله. وهم لم يسبحوا الله بل زادوا على هذا وثنيتهم فضلوا بعيداً عنه. هم دفنوا أنفسهم فى الأرض بملذاتها كما دفنت المنطقة وإختلطوا بالأمم وتلوثوا فأصبحوا لا يصلحون لشىء فالله بأحكامه سوف يبعدهم عنه ويزول عنهم كل سبب كانوا من أجله فى كبرياء. فالكبرياء تفصلنا تماماً عن الله. فإن لم تجعلنا نعمته نتضع فالله يحجب نعمته عنا لكى يحجب أسباب الكبرياء فنخلص. حتى لو كان الهيكل سبباً لكبريائهم سيزيله.
4. فسادهم راجع لإبتعادهم عن الله، وهذا مرموز لهُ بطول المسافة بين أورشليم ونهر الفرات ونهر الفرات يشير للخيرات الزمنية، فهم سعوا وراء زيادة ممتلكاتهم ووراء ملذاتهم تاركين الله.
5. وهم سيذهبون إلى بابل، والفرات يشير لبابل. فذهاب النبى إلى الفرات هو إشارة لسبيهم إلى بابل. لهذه الأسباب نقول أن النبى ذهب فعلاً للفرات. وفى (11) يكونوا لى إسما وفخرا ومجدا= هذه تساوى "ليرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات".
وبالنسبة لنا كمسيحيين فالمنطقة تشير للكنيسة التى تلتف حول المسيح الرأس، لذلك ففى التجلى إبيضت ثياب للمسيح (مت2:17) إشارة لأنه بدمه سيبيض كنيسته أى يبررها (أش18:1) + (1يو7:1) + (رؤ14:7) وهذا يتم بالمعمودية التى فيها يموت الإنسان العتيق ويقوم الجديد (رو2:6-8) ومن يرفض الإيمان ثم المعمودية يفسد، فمن أمن وإعتمد خلص (مر16:16) وهذا معنى لا تدخلها فى الماء فهذا يعنى من يرفض المعمودية. ودفن المنطقة فى التراب يشير لمن يدفن وزنته فى طين هذا العالم، ولا يستخدمها لحساب مجد الله (مت24:25-30) وإخفاء المنطقة فى الصخر يشير لأن الخاطىء يختفى من أمام وجه الله خوفاً من الله وهرباً منه، كما إختفى أدم بعد الخطية راجع (تك8:3) + (أش21،19،10:2) + (رؤ16،15:6) والعكس فمن يختبىء فى الصخرة المسيح (1كو4:10) بأن لا يبتعد عن الله، يكون كمنطقة حول المسيح الرأس، وهذا يكون كموسى الذى إختبأ فى نقرة الصخرة فرأى مجد الله ولمع وجهه، إشارة لحصولنا على الجسد الممجد بعد القيامة حين نرى الله.
الأبات 12-14 :- فتقول لهم هذه الكلمة هكذا قال الرب اله اسرائيل كل زق يمتلئ خمرا فيقولون لك اما نعرف معرفة ان كل زق يمتلئ خمرا. فتقول لهم هكذا قال الرب هانذا املا كل سكان هذه الارض و الملوك الجالسين لداود على كرسيه و الكهنة و الانبياء و كل سكان اورشليم سكرا. و احطمهم الواحد على اخيه الاباء و الابناء معا يقول الرب لا اشفق و لا اتراف و لا ارحم من اهلاكهم.
الخمر ترمز للفرح. وأورشليم أصبحت كزق ممتلىء خمراً. ولاحظ أن هناك نوعان من الفرح 1- فرح روحى وهذا عطية الروح القدس 2- أفراح عالمية يحصل عليها الإنسان من ملذات وشرور العالم. وهذا النوع الأخير هو الخمر الذى يملأ أورشليم، لذلك صاروا آنية مملوءة من غضب الله، فهى معدة للخراب، بينما أن فى الأصل كان الله قد أعدها كآنية مجد، تمتلىء مجداً ورحمة وفرحاً مقدساً من الله أى خمراً روحياً. لكنهم إختاروا الملذات الشهوانية الوثنية، لذلك فسيمتلئون من السكر = أى الضلال. ضلال مشوراتهم، وسيكونون كمن يتخبط فى سكره ولا يعرف طريقه، كمن فى ظلام (وهذا معنى أية 16) لا يعرفون طريقهم وسط أهوال المصائب الأتية. وسيكون مصدر ألامهم هو ما كانوا يفرحون به من قبل. لا بل هم كالسكارى سيحطمون كل واحد أخاه = أحطمهم الواحد على أخيه (14) ولاحظ إجابتهم الهازئة فى (12) أما نعرف معرفة = فمن يملأ نفسه من ملذات أى خمر العالم يصير هكذا هازئاً مستهتراً. وهذا مما يغضب الله، فيجعل هؤلاء كالسكارى يتخبطون فى الظلام. وفى (14) نرى الله القدوس لا يقبل الخطية، فهو قطعاً لو تساهل مع الخطية وترك الخطاة ورحمهم لسادت الفوضى فى العالم (أم25:19) ونلاحظ أنه فى مثل المنطقة نرى أن من يبتعد عن الله يتعرض للفساد أى الهلاك، وفى مثل زق الخمر نرى أن من يبتعد عن الله يفقد أفراحه.
الأيات 15-21 :- اسمعوا و اصغوا لا تتعظموا لان الرب تكلم. اعطوا الرب الهكم مجدا قبل ان يجعل ظلاما و قبلما تعثر ارجلكم على جبال العتمة فتنتظرون نورا فيجعله ظل موت و يجعله ظلاما دامسا. و ان لم تسمعوا ذلك فان نفسي تبكي في اماكن مستترة من اجل الكبرياء و تبكي عيني بكاء و تذرف الدموع لانه قد سبي قطيع الرب. قل للملك و للملكة اتضعا و اجلسا لانه قد هبط عن راسيكما تاج مجدكما. اغلقت مدن الجنوب و ليس من يفتح سبيت يهوذا كلها سبيت بالتمام. ارفعوا اعينكم و انظروا المقبلين من الشمال اين القطيع الذي اعطي لك غنم مجدك. ماذا تقولين حين يعاقبك و قد علمتهم على نفسك قواد للرياسة اما تاخذك الاوجاع كامراة ماخض.
(15) لو سمعوا وتواضعوا لما هلكوا وياليتهم سمعوا. (16) أعطوا لله مجداً = وليس لأوثانكم وإعترفوا بخطاياكم وإقبلوا التأديب وسبحوا الله على إحساناته واعملوا أعمالاً صالحة تمجد الله، والبديل ظلاماً دامساً = لا ترون معهُ طريقاً للهرب (رؤ10،9:16) فالله نور ومن يفارقه الله لا يجد سوى ظلمة. بل سيكون هناك جبال عتمة = الجبال هم الشياطين فى كبريائهم، وهم بلا نور وفى الظلام الدامس سيكون هناك حالة يأس كامل. وفى (17) لم يتواضعوا ويسمعوا فبكى النبى رقيق المشاعر على مصيرهم = سبى قطيع الرب وفى (18) على الملك والملكة أن يكونا قدوة لشعبهم ويقدمون توبة. وهبط عن رأسيهما التاج = لأن القرار صدر ضدهما من الله، وقد يكون الملك والملكة هما يهوياقيم وزوجته. وفى (19) أغلقت مدن الجنوب = أى مصر من حيث إنتظروا المعونة فلم يجدوا = وليس من يفتح. وفى (20) إرفعوا أعينكم وأنظروا = أى هذه الضربات قريبة كأنه هو ينظرها والغزاة القادمون كالذئاب، وهم كالقطيع وسيلتهمونه. وكان الرؤساء عليهم أن يعتبروا أنفسهم رعاة للقطيع يحافظون عليهم وهنا يسألهم الله أين القطيع الذى سلمته إليكم. وكان قطيعاً جميلاً = غنم مجدك وفى (21) كانوا أولاً ينظرون للكلدانيين كقوة يريدون التحالف معهم ليقوموا بحمايتهم فهم إختاروا بأنفسهم وضع الكلدانيين كقادة للرياسة عليهم = وهاهم الكلدانيين أتوا ليعاقبوهم = فماذا يقولون عن أفكارهم السابقة وحكمتهم التى ثبت فشلها. أما تأخذك الأوجاع منهم هكذا كل من يذهب للشيطان يبيع نفسه لهُ طالباً لذة يأتى خرابه وأوجاعه من الشيطان ولاحظ قول الله أين القطيع. غنم مجدك = لقد ذهبوا إلى السبى وتركت أورشليم خراباً. أغلقت مدن الجنوب = قد تفسر أنه حتى مدنهم الجنوبية قد وقعت فى الأسر، وليس من يفك هذا الأسر. والمعنى شمولية السبى لكل يهوذا. وفى (17) أماكن مستترة فيبدو أن النبى كان يهرب من أمام وجه الملك حتى لا يقتله.
الأيات 22-27 :- و ان قلت في قلبك لماذا اصابتني هذه لاجل عظمة اثمك هتك ذيلاك و انكشف عنفا عقباك. هل يغير الكوشي جلده او النمر رقطه فانتم ايضا تقدرون ان تصنعوا خيرا ايها المتعلمون الشر. فابددهم كقش يعبر مع ريح البرية. هذه قرعتك النصيب المكيل لك من عندي يقول الرب لانك نسيتني و اتكلت على الكذب. فانا ايضا ارفع ذيليك على وجهك فيرى خزيك. فسقك و صهيلك و رذالة زناك على الاكام في الحقل قد رايت مكرهاتك ويل لك يا اورشليم لا تطهرين حتى متى بعد.
أية 22 نبوة بالسبى فهتك ذيلاك أى عارية بلا سروال وإنكشف عقباك أى بلا حذاء، وهكذا يسير المسبيين (أش 4:20) وفى السبى سيتبعثرون كالقش (24) أمام الريح، فمن ينجو من نار أورشليم لن يهرب من الريح وسيذهب إلى السبى. وفى (26) بسبب خطيتهم يسمح لهم الله بأن يتعروا ويفتضحوا كزانية. فحين تمادوا فى كبريائهم أخجلهم الله. وخطاياهم التى نجدها فى (27) فهى خطايا مخجلة لذلك فعقابهم المذكور فى (26) هو عقاب مخجل.
وفى (25) هذه قرعتك = أى نصيبك وجزاؤكِ لأنك إتكلت على الكذب = أى على المعاهدات مع مصر وغيرها ونسيتنى. وعبدتِ الأوثان الباطلة وتركتِ عبادتى. ومع كل هذا فهم يحتجون على الله قائلين لماذا أصابتنى هذه (22) وهذه هى أقوال كل خاطىء لا يريد التوبة ويرفض تأديب الله الذى يرده به عن إنحرافه وفى (23) الكوشى = اى الحبشى وهو أسود اللون بالطبيعة والنمر = لونهُ أرقط أى به بقع سوداء. وهذا يقال كمثل عن الخطية التى هى فى لون السواد. ولكن هناك فرق بين الكوشى وبين النمر فالكوشى كله أسود وهذه هى الطبيعة التى يولد بها الإنسان بعد سقوط أدم فالخطية هى سواد الروح. وبالطبع لا يمكننا تغيير هذا اللون الذى هو بالطبيعة ولكن هذا عمل الفداء فقط. وهناك النمر الأرقط وهذا يشير لخطاياى الشخصية التى من التعود عليها أصبحت كانها طبيعة ثانية وهذه أيضاً صعب التخلص منها. ولكن بالتوبة أستفيد من عمل النعمة والروح القدس يعين على التغيير. ولكن بالنسبة ليهوذا فهذا المثل يعنى أنهم وصلوا لحالة هم أنفسهم رافضين التوبة. فالخطية أصبحت طبع لا يمكن إستئصاله كما لا يمكن تغيير لون الكوشى أو لون النمر. ولو سألت النمر هل تريد أن يتغير لونك ويصير لوناً واحداً بلا بقع لوجد اللون الواحد باهتاً. وهكذا من تعوَد الخطية يتصوَر الحياة بدون خطية بلا طعم وباهتة.
الإصحاح الرابع عشر
كتب النبى هذا الإصحاح بمناسبة القحط العظيم لندرة الأمطار وبدأ هذا فى نهاية حكم يوشيا وإستمر فى أيام يهوياقيم فالله يبدأ بتجارب بسيطة كمقدمة لألام عظيمة هذا إذا لم نستفيد من درس التجارب البسيطة. ولكن لو قدمنا توبة لإمتنعت الألام العظيمة.
الأيات 1-9 :- كلمة الرب التي صارت الى ارميا من جهة القحط. ناحت يهوذا و ابوابها ذبلت حزنت الى الارض و صعد عويل اورشليم. و اشرافهم ارسلوا اصاغرهم للماء اتوا الى الاجباب فلم يجدوا ماء رجعوا بانيتهم فارغة خزوا و خجلوا و غطوا رؤوسهم. من اجل ان الارض قد تشققت لانه لم يكن مطر على الارض خزي الفلاحون غطوا رؤوسهم. حتى ان الايلة ايضا في الحقل ولدت و تركت لانه لم يكن كلا. الفراء وقفت على الهضاب تستنشق الريح مثل بنات اوى كلت عيونها لانه ليس عشب. و ان تكن اثامنا تشهد علينا يا رب فاعمل لاجل اسمك لان معاصينا كثرت اليك اخطانا. يا رجاء اسرائيل مخلصه في زمان الضيق لماذا تكون كغريب في الارض و كمسافر يميل ليبيت. لماذا تكون كانسان قد تحير كجبار لا يستطيع ان يخلص و انت في وسطنا يا رب و قد دعينا باسمك لا تتركنا.
غالباً الآيات (1-6) نبوة للتحذير من القحط قبل وقوعه. لأن هذه الكلمات هى كلمة الرب التى صارت لإرمياء ثم فى الأيات (7-9) صلاة أرمياء لرفع الضيقة أو تكون هذه الأيات كلها هى صلاة أرمياء بدأت بالشكوى من قسوة القحط ثم طلب إلى الله لرفع هذه الغمة ويكون معنى كلمة الرب التى صارت لإرمياء. أن هذه الصلاة وضعها الرب فى فمه فكل صلاة حقيقية وضعها الله فى قلوبنا (رو26:8).
ولنلاحظ أن سبب عدم إستجابة الله لصلاة أرمياء، وصلاة الناس أنفسهم، وأن الله لم يعط مطراً مع كل هذه الصلوات، هذا راجع لأنهم يطلبون الخيرات الزمنية غير مبالين بحياتهم الأبدية، أى دون أن يقدموا توبة حقيقية. فلنصلى لكى نمتلىء بالروح (ورمزه المياه يو37:7-39) على أن نقدم توبة حقيقية.
وفى (2) أبوابها ذبلت = أبواب أسوار المدن هى أماكن إجتماع الرجال للحديث والقضاء، ومنها تأتى إمدادات الطعام، بل منها خرج الشعب ولم يعد بحثاً عن طعام فى أماكن أخرى. حزنت إلى الأرض = هذه إشارة إلى أردية الحزن السوداء الطويلة. غطوا رؤوسهم = علامة الرعب والحزن. وصعد عويل أورشليم = لأن السماء صارت نحاساً والأرض حديداً (تث23:28) أى لا خيرات بسبب تركهم الرب، وذلك ما حذرهم به موسى من قبل. وفى (4) الأرض قد تشققت = ولكن ألم يتركوا هم ينبوع المياه الحية وحفروا لأنفسهم أباراً مشققة لا تضبط ماء. وبسبب خطية الإنسان تُلعن الأرض، وها هى الحيوانات تتألم (6،5) قارن مع (رو22،20:8) تستنشق الريح = الفرا هو الحمار الوحشى، وهذا يحيا فى البرية، ومن العطش ها هو يلهث طالباً هواءً بارداً رطباً يستنشقه. وصلاة النبى عنهم هنا فيها إعتراف بالخطية وأنهم يستحقون ما هم فيه. ثم طلب مراحم اللله ليس عن إستحقاق بل من أجل مجد إسمك أى ليتمجد إسمك بمراحمك. والإسم يعنى سمة الشخص الأساسية (7). وفى (8) المسافر الذى يبيت فى فندق ليلة واحدة لا يهتم بأمور الفندق وأرمياء هنا يعاتب الله قائلاً أليست أورشليم هى بيتك، فلماذا تركت بيتك، لماذا صرت بالنسبة لأورشليم كمسافر فى فندق ما عاد يهتم به أى بأورشليم أو لماذا صارت أورشليم لك كفندق وليس بيتك الخاص الذى تهتم به. وكثيراً ما يبدو المسيح هكذا، كأنه غير مهتم:
1. إما لغضبه كما هى الحالة هنا.
2. أو ليزداد إيماننا كما كان نائماً فى السفينة، كما لو كان متغافلاً مع تلاميذه فى المركب أثناء العاصفة الخطرة لكنه أبداً ليس هكذا.
وفى (9) كلام أشد لهجة حتى يحث الله أن يتدخل ولكن لماذا يتدخل الله والدرس لم يأتى بثماره ولم يقدَم الناس توبة. فلابد أن نتعلم الدرس وراء كل تجربة تمر بنا ونتعلم ما يريده الله منا ولا نتوقف عند مجرد طلب الخلاص من التجربة. ولنلاحظ فى هذه الصلاة أننا فى صلواتنا يجب أن نهتم بمجد الله لا بأنفسنا.
أيات 10-16:- هكذا قال الرب لهذا الشعب هكذا احبوا ان يجولوا لم يمنعوا ارجلهم فالرب لم يقبلهم الان يذكر اثمهم و يعاقب خطاياهم. و قال الرب لي لا تصل لاجل هذا الشعب للخير. حين يصومون لا اسمع صراخهم و حين يصعدون محرقة و تقدمة لا اقبلهم بل بالسيف و الجوع و الوبا انا افنيهم. فقلت اه ايها السيد الرب هوذا الانبياء يقولون لهم لا ترون سيفا و لا يكون لكم جوع بل سلاما ثابتا اعطيكم في هذا الموضع. فقال الرب لي بالكذب يتنبا الانبياء باسمي لم ارسلهم و لا امرتهم و لا كلمتهم برؤيا كاذبة و عرافة و باطل و مكر قلوبهم هم يتنباون لكم. لذلك هكذا قال الرب عن الانبياء الذين يتنباون باسمي و انا لم ارسلهم و هم يقولون لا يكون سيف و لا جوع في هذه الارض بالسيف و الجوع يفنى اولئك الانبياء. و الشعب الذي يتنباون له يكون مطروحا في شوارع اورشليم من جرى الجوع و السيف و ليس من يدفنهم هم و نساؤهم و بنوهم و بناتهم و اسكب عليهم شرهم.
فى (10) يقول لهذا الشعب ولم يقل شعبى فالله رفضهم لكسرهم وصاياه. وهم لا ميل ولا رغبة لهم للرجوع = هكذا أحبوا أن يجولوا إذاً فإنحرافهم ناشىء عن ميلهم للخطية وسرورهم بها. هم لم يكونوا مضطرين بل هم أحبوا هذا. والخطية هى جولان الإنسان بعيداً عن الله وهذا يحرمه من إحسانات الله. وهم سمعوا بهذا وعرفوا عقوبة خطاياهم ولكنهم لم يمنعوا أرجلهم. ولذلك فالله لن يقبلهم ولن يقبل حتى محرقاتهم ولا حتى صلوات النبى عنهم (12،11) وفى (13) يحاول النبى أن يجد لهم عذراً بأن الأنبياء الكذبة قد خدعوهم ولكن الله يقول كلاهما سيهلك الخادع والمخادع (16،15) وسيأتى عليهم السيف علامة على كذب هؤلاء الأنبياء الذين قالوا لا سيف. ولكن قبل أن يأتى السيف فهناك علامة أخرى على كذب الأنبياء وهى قلوبهم التى إنعدم منها السلام فسلام القلب علامة على صدق النبوات لو إتبعناها. ولكن هم أحبوا كلمات الأنبياء الكذبة ولم يحبوا كلمات النبى أرمياء لأنهُ يدعوهم للتوبة وهذا ضد شهواتهم "أعمى يقود أعمى" (12) حين يصومون لا أسمع = فهناك أصوام غير مقبولة، وهذه هى أصوام من لا يقدم مع صومه توبة، بل يصوم وهو مُصَرْ على خطيته.
أيات 17-22 :- و تقول لهم هذه الكلمة لتذرف عيناي دموعا ليلا و نهارا و لا تكفا لان العذراء بنت شعبي سحقت سحقا عظيما بضربة موجعة جدا. اذا خرجت الى الحقل فاذا القتلى بالسيف و اذا دخلت المدينة فاذا المرضى بالجوع لان النبي و الكاهن كليهما يطوفان في الارض و لا يعرفان شيئا. هل رفضت يهوذا رفضا او كرهت نفسك صهيون لماذا ضربتنا و لا شفاء لنا انتظرنا السلام فلم يكن خير و زمان الشفاء فاذا رعب. قد عرفنا يا رب شرنا اثم ابائنا لاننا قد اخطانا اليك. لا ترفض لاجل اسمك لا تهن كرسي مجدك اذكر لا تنقض عهدك معنا. هل يوجد في اباطيل الامم من يمطر او هل تعطي السماوات وابلا اما انت هو الرب الهنا فنرجوك لانك انت صنعت كل هذه.
يستمر النبى فى شفاعته عن شعبه بالرغم من أن الله طلب منهُ أن يكف عن ذلك ربما لأنه أحس أن الله لم يحرَم عليه ذلك بل هو لا يشجعه على الصلاة من أجلهم. وهو هنا يبكى على خراب أورشليم بتوجيه من الله حتى يؤثر فى سامعيه ويشعروا بالمصيبة القادمة وفى (17) يتكلم ويبكى كأنه رأى هذه المصيبة القادمة على العذراء بنت شعبى = فهى عزيزة علىَ كأنها بنتى. وفى (18) الكاهن والنبى لا يعرفان شيئاً وفقد حدث لهم عمى روحى ولم يعد الروح القدس يكشف لهم شىء بسبب إنغماسهم فى الخطية فلا شركة للنور مع الظلمة وفى (21) يصلى النبى للرب حتى لو أحزنتنا لا ترفضنا للنهاية، ولو كانت يدك علينا فلا تجعل قلبك يستدير ضدنا. ولا تهن كرسى مجدك = حتى لا تقول الشعوب أنه غير قادر على خلاصنا وفى (22) يتشفع من أجل مسألة المطر التى يحتاجونها الأن. فهو إله الطبيعة المسيطر عليها.
الإصحاح الخامس عشر
أية (1) :- ثم قال الرب لي و ان وقف موسى و صموئيل امامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب اطرحهم من امامي فيخرجوا.
رفض الله لشفاعة النبى بل وشفاعة موسى وصموئيل. وموسى بشفاعتة أنقذ الشعب فى البرية من أن يدمَره الله وصموئيل نجد إستجابة الله لهُ مثلاً فى (1صم9:7). وهذه الأية هى من الأيات التى تثبت رأى كنيستنا فى الشفاعة فبالرغم من أن الله هنا لم يستجب للنبى وهو لن يقبل شفاعة موسى وصموئيل، إلا أن قول الله هذا لا يشير لعدم قبوله لشفاعتهم فهو قبلها سابقاً ولكن يشير أن حالة الشعب أصبح ميئوساً منها. والله يُكرِمْ الذين يكرموه. ومعلمنا يعقوب يطلب "صلوا بعضكم لأجل بعضً" وربما يتعلل البعض بأن هذه الأية للأحياء وليس للقديسين الذين إنتقلوا ولكن الله إله أحياء وليس أموات (مت32:22).
أيات 2-9 :- و يكون اذا قالوا لك الى اين نخرج انك تقول لهم هكذا قال الرب الذين للموت فالى الموت و الذين للسيف فالى السيف و الذين للجوع فالى الجوع و الذين للسبي فالى السبي. و اوكل عليهم اربعة انواع يقول الرب السيف للقتل و الكلاب للسحب و طيور السماء و وحوش الارض للاكل و الاهلاك. و ادفعهم للقلق في كل ممالك الارض من اجل منسى بن حزقيا ملك يهوذا من اجل ما صنع في اورشليم. فمن يشفق عليك يا اورشليم و من يعزيك و من يميل ليسال عن سلامتك. انت تركتني يقول الرب الى الوراء سرت فامد يدي عليك و اهلكك مللت من الندامة. و اذريهم بمذراة في ابواب الارض اثكل و ابيد شعبي لم يرجعوا عن طرقهم. كثرت لي اراملهم اكثر من رمل البحار جلبت عليهم ام الشبان ناهبا في الظهيرة اوقعت عليها بغتة رعدة و رعبات. ذبلت والدة السبعة اسلمت نفسها غربت شمسها اذ بعد نهار خزيت و خجلت اما بقيتهم فللسيف ادفعها امام اعدائهم يقول الرب.
هذه أيات مؤلمة نرى فيها نتيجة غضب الله بسبب الخطية. وربما أشار لمنسى الملك فهو قضى فترة طويلة فى الملك ونشر فساده ونتيجة عمله مازالت باقية. وقوله منسى إبن حزقيا يضاعف خطيته فهو إبن ملك قديس. والضربات المذكورة هنا سبق وحذرهم منها موسى فى (تث15:28-28) وهى نفسها التى تكلم عنها حزقيال فى إصحاح (14) وفى (5) من يهتم بأورشليم إذا كان الرب قد رفضها ومن يستطيع أن يعزيها حينئذ. وفى (6) مللت الندامة = أى تقديم توبة مؤقتة يعقبها إرتداد ثم توبة ثم إرتداد، هذه طرق خائنة يرفضها الرب، هذه ليست ندامة قلبية ولا توبة صادقة. هم مترددين بين الدعاء لله بسبب الكوارث التى هم فيها وبين قلبهم الميال للخطية. وفى (7) وصف للتشتت الذى يصيبهم. وفى (9،8) أم الشبان ووالدة السبعة = قد تعنى أنه حتى الأم التى لها أولاداً كثيرين لن يخلصوها فى الشدة القادمة وقد تعنى أورشليم التى كان لها أولاداً كثيرين، رمزاً لقوتها وفرحها وهاهى تفقد الجميع وتصبح كأرملة حزينة بلا زوج وبلا أبناء. فقد أسلمها الله ليد نبوخذ نصر الذى جاء ليس كلص فى الليل يهاجم خائفا بل عدواً قوياً= ناهباً فى الظهيرة. ورقم 7 هو رقم كامل لذلك فأم الشبان والدة السبعة تشير لأورشليم بشبانها، وهؤلاء الشبان سيشتتهم الله كقش تبعثره الريح = أذريهم بمذراة. فى أبواب الأرض = هى أبواب بابل، فى مقابل أبواب أورشليم مدينة الله السماوية.
تعليق وتأمل فى الأيات السابقة
لقد ظن أرمياء أن الله لا يقبل صلاته عن أورشليم لعيب فيه، ولكن الله يقول لهُ أبداً، حتى وإن وقف أمامى موسى وصموئيل لن أعفو، فموقف الله الذى أراد أن يشرحه لأرمياء، أنه رافض للشعب وليس رافضاً لصلاته هو، وذلك بسبب خطاياها البشعة ولنرى نتائج رفض الله لشعبه:
1. من يشفق عليك ومن يعزيك (5) الله وحده هو من يملأ القلب سلاماً. وهذا هو سبب كثرة حالات الإنتحار فى أغنى دول الغرب، لأنهم فقدوا علاقتهم بالله المعزى.
2. يعيشوا فى قلق (4) فالله وحده هو الذى يعطى السلام (غل23،22:5).
3. الموت = بالسيف.
4. المهانة = فالكلاب تسحب الشخص، لأنه هو الذى إختار أن يتمرغ فى تراب العالم.
5. المجاعة = جسدياً وروحياً ونفسياً.
6. السبى أى العبودية لإبليس ورمزه هنا بابل (راجع أيات3،2).
ولاحظ ما هو وراء كل ذلك.. أنت تركتنى (6) فالذنب ليس ذنب أباءهم فقط، بل ذنبهم أيضاً. لقد إرتدوا هم أيضاً إلى الوراء = مثل إمرأة لوط، أى عادوا يشتهون الشر بعد أن تركوه. وعودتهم للشر = عودة الخنزير لمراغة الحمأة (2بط22:2). وفى هذا إنفصال عن الله، وراجع نتائج هذا الإنفصال.
أيات 10-14 :- ويل لي يا امي لانك ولدتني انسان خصام و انسان نزاع لكل الارض لم اقرض و لا اقرضوني و كل واحد يلعنني. قال الرب اني احلك للخير اني اجعل العدو يتضرع اليك في وقت الشر و في وقت الضيق. هل يكسر الحديد الحديد الذي من الشمال و النحاس. ثروتك و خزائنك ادفعها للنهب لا بثمن بل بكل خطاياك و في كل تخومك. و اعبرك مع اعدائك في ارض لم تعرفها لان نارا قد اشعلت بغضبي توقد عليكم.
هذا حديث بين النبى وإلهه يكشفه النبى لشعبه لعلهم يفهمون. والنبى هنا يبدأ بشكوى من الألام التى يقابلها فصار إنسان نزاع لكل الأرض = الكل ضده ولا أحد يقبل كلامه. هو يتكلم معهم بالسلام أما هم فقد قالوا وفعلوا ضده الكثير حتى يمنعوه من أن يؤدى رسالته. وهذا طبيعى لكل من يخدم بأمانة. وهم حاولوا تلويث سمعته. مع أنه حين دعاه الله حرر نفسه من كل المعاملات المالية والإهتمامات المادية فلم يقرض مالاً ولم يقترض منهم فالمعاملات المالية عادة توجد مشاكل. وهو إهتمَ فقط ووضع قلبه فى خدمته فقط وزهد فى كل شىء وبالرغم من كماله فإن شعبه وأيامه كانوا أشراراً ولعنوه = كل واحد يلعننى وفى (11) الله يطمئنه أنه سيمر فى العاصفة بسلام. فبالرغم من أن الكل تركه لكن الله يقف بجانبه. وقد تكون إجابة الله رداً على تساؤل من النبى. إذا كان أهلى فعلوا بى هذا فماذا سوف يفعل بى هذا العدو المنتظر؟ وهنا الله يطمئنه من ناحية هذا العدو ولنثق أن الكل فى خدمة الله فلا نخاف إنسان. ولنطمئن فحين تأتى المصائب قد يكون فيها خير عما هو موجود الأن. وهذا حدث فعلاً وعامله الأعداء الكلدانيين معاملة حسنة كريمة جداً (12،11:39) ثم يتوجه الله بكلامه للشعب فى (12-14) ففى (12) الله أقام أرمياء عمود حديد (18:1) بل حديد من الشمال وهو أصلب أنواع الحديد. وأقامه أسوار نحاس لا يستطيع عدوه أن يضره بشىء فهم لو كانوا فى قوتهم حديداً لن يستطيعوا أن يكسروا حديد الشمال ولا أن يفتحوا أسوار النحاس. وسيكون جيش بابل كالحديد الذى من الشمال فيكسركم وينهبكم وكل ثرواتكم (13) وتذهبون للسبى (14) ولاحظ أن النبى الفقير لم يطمع فيه أحد. لكن هم الأغنياء كانوا فريسة للأعداء. بل كانوا فريسة سهلة بلا ثمن فهم ليس لديهم أسوار نحاس.
ويل لى يا أمى = لماذا ولدتنى يا أمى فى هذا العالم، هل لأصير مرفوضاً من الجميع.
إنسان نزاع لكل الأرض = بالنسبة لأرمياء فكل الأرض هم اليهود، ولكن أرمياء يرمز للمسيح الذى رفضه الجميع، وحتى الأن فالمسيحية مرفوضة وموضع نقد، وكما رفضوا المسيح رفضوا كنيسته.
حديد الشمال = قد يفهم أنه بابل الأتية من الشمال، فإن ظنت يهوذا نفسها حديداً، فلن تستطيع أن تكسر نير بابل. ومن يبتعد عن الله يأخذ ثرواته (مادية وروحية) (مت29:25).
الأيات 15-21 :- انت يا رب عرفت اذكرني و تعهدني و انتقم لي من مضطهدي بطول اناتك لا تاخذني اعرف احتمالي العار لاجلك. وجد كلامك فاكلته فكان كلامك لي للفرح و لبهجة قلبي لاني دعيت باسمك يا رب اله الجنود. لم اجلس في محفل المازحين مبتهجا من اجل يدك جلست وحدي لانك قد ملاتني غضبا. لماذا كان وجعي دائما و جرحي عديم الشفاء يابى ان يشفى اتكون لي مثل كاذب مثل مياه غير دائمة. لذلك هكذا قال الرب ان رجعت ارجعك فتقف امامي و اذا اخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون هم يرجعون اليك و انت لا ترجع اليهم. و اجعلك لهذا الشعب سور نحاس حصينا فيحاربونك و لا يقدرون عليك لاني معك لاخلصك و انقذك يقول الرب. فانقذك من يد الاشرار و افديك من كف العتاة.
عاد النبى ليشتكى أنه بالرغم من كماله أمام الله فالإضطهاد مستمر ويزيد. ولكن شكوانا لله فى الصلاة تعطى تعزية، أما الخطأ الشائع أننا نشتكى للناس الذين هم يعانون مثلنا ولا يهتمون حقيقة بنا وليس لديهم حل لمشكلتنا وغير قادرين أن يعطونا العزاء وهذا كلهُ نجده عند الله. وهنا هو يطلب فى (15) من الله أن ينتقم من أعدائه بل يطلُبْ من الله أن لا يطيل أناته فى الإنتقام، فهو مجروح ويقول لله إعرف إحتمالى العار لأجلك. وهذه الطلبة نرددها كثيراً كبشر حين يظلمنا إنسان فنتمنى أن ينتقم منه الله مباشرة. فطرق الله تختلف عن طرق الإنسان. فلو أهلك الله كل خاطىء فوراً لكنت أنا وأنت أول الهالكين. ولننظر كيف إنتقم الله من شاول الطرسوسى ومن الدولة الرومانية التى سفكت دماء القديسين الشهداء فتحول شاول لبولس الرسول العظيم والدولة الرومانية تحولت للمسيحية. فعلينا أن نصبر أمام الله. وفى (16) هو وَجَدَ كلام الله وكتابه حلواً فكأنه أكله وكان كطعام لشخص جوعان فهضمه وتحوَل لدماء وحياة (هكذا قال أيضاً داود وحزقيال ويوحنا فى الرؤيا). وقد يكون كلام الله الذى أكله إشارة لخدمته لله حين دعاه للخدمة فبالرغم من صعوبة عمله لكنه وجده مفرحاً أن يشهد لله. بل كانت خدمة الله بالنسبة لهُ طعامهُ وشرابهُ (يو34:4) فهو سعيد بأن الله يستخدمه لمجد إسمه. وفى (17) كما قال سابقاً أنه مات بالنسبة لثروات العالم فهو هنا يعبَر عن موته عن أفراح العالم والأصدقاء بل لأن الأصدقاء تجنبوه وكرهوه جلس وحده بلا صديق. وهذا ملأهُ غضباً. فلماذا بينما هو أمين لله يجد نفسه مرذولاً هكذا. وفى (18) مازال يشكو ألامه من الناس وفشله فى خدمته فلا أحد يسمع لهُ، ويشتكى من جروح نفسه وأن الله لم يشفيه منها. وهو هنا يتصوَر تصوراً خاطئاً أن الله لم يرحمه ولم يفى بوعده. ولكن ما السر فى أنه لا يحس بالتعزية، هل حقاً الله لا يريد أن يعزيه؟ نجد الإجابة فى الكلمات القاسية التى وجهها إلى الله وهى أصعب كلمات وجهها لله " أتكون لى مثل كاذب مثل مياهٍ غير دائمة " ومن هنا نكتشف ان الله كان لهُ كمياه فى بعض الأحيان أى كان يعطيه تعزيات وفى بعض الأحيان لا يجد هذه التعزيات والسبب نكتشفه هنا. راجع لروح الصراع مع الله وعدم القبول أن يخضع لنير الله وهو إن فعل لوجَدَه هين ولإمتلأ بالتعزيات ولكن رفضنا الدائم لأحكام الله وشجارنا معهُ حول أحكامهُ يفقدنا هذه التعزيات فنظن انه لنا مثل كاذب. إذاً المشكلة هى فينا وليست فى الله. لن نشعر بأن الحمل خفيف ونشعر بالتعزية إن لم نخضع ونتحمل ونسلم الأمر تماماً لله ولا نتعارك معهُ. ولكن الله الحنون الذى يعرف ضعف طبيعتنا لم يرفض أرمياء بعد هذا القول القاسى فهو يعرف قلبه ومحبته وفى (19) يقول لهُ إن رجعت أرجعك = بمعنى إن إمتنعت عن الخصام معى تعود لحالتك الأولى ويعود سلامُك وتعزياتك وتكون نبياً لى وتكون فماً لى فقط ميَز بين الثمين والمرزول = بين ما أضعهُ أنا فى فمك وعقلك وقلبك من كلمات وتعزيات وبين ما يزرعهُ الشيطان فى قلبك من تشكيك ويأس. وسيأتى لك هذا الشعب تائباً ولكن أنت لا تذهب إليهم يائساً إلى طرقهم الشريرة. وتكون سور نحاس فلا يقدرون هم عليك وأنقذك (21،20) وهذه الأيات (21،20) هى تكرار للأيات 19،18:1. فبعد أن تصادم أرمياء مع الله، رجع إلى الله، فأعاد الله لهُ درجته، بل أعلى ففى إصحاح (1) نسمع قول الله له ها قد جعلتُ كلامى فى فمك (9:1) أما هنا فنسمع قول الله "فمثل فمى تكون" والسبب فى إرتفاعه هو قبوله الصليب، وبهذا يصير شريكاً للمسيح فى صليبه، ومن يتألم مع المسيح يتمجد مع المسيح (رو17:8). وقول الله له أنه سيكون حديداً و نحاساً، ربما أساء النبى فهمه، فظن أنه لن يتعرض لأى هجوم وهذا غير صحيح، فالمسيح نفسه تعرض لكل أنواع الإهانات، فلماذا لا نقبل أن نهان لأجل إسمه، ومعهُ، ونتيجة فهم أرمياء الخاطىء إمتلأ غضباً مما كان يلاقيه على يد الأشرار (أية 17) وهذا لأنه ظن أن الله لم يفى بوعده. ولكن لنفهم معنى الحديد والنحاس، لنسمع أية (16) لنرى تعزيات الله لأرمياء. فالله يسمح بإهانة خدامه ولكنه:
1. يعطيهم تعزيات.
2. لا يستطيع أحد أن يضرهم إلا بسماح منه (يو11:19).
3. هو يحفظ حياتهم حتى ينهوا أعمالهم.
4. ألام أرمياء صارت شركة صليب يستحق عليها شركة المجد. بل صار أرمياء رمزاً للمسيح فى ألامه وأحزانه.
ولاحظ إن رجعت أرجعك = مكانك محفوظ لك، لكن كف عن المخاصمة مع الله وإرجع لعملك لتميز الثمين من المرذول = فخدمة أرمياء ستجذب النفوس المستعدة للتوبة = الثمين.
الإصحاح السادس عشر
الأيات 1-9 :-ثم صار الي كلام الرب قائلا. لا تتخذ لنفسك امراة و لا يكن لك بنون و لا بنات في هذا الموضع. لانه هكذا قال الرب عن البنين و عن البنات المولودين في هذا الموضع و عن امهاتهم اللواتي ولدنهم و عن ابائهم الذين ولدوهم في هذه الارض. ميتات امراض يموتون لا يندبون و لا يدفنون بل يكونون دمنة على وجه الارض و بالسيف و الجوع يفنون و تكون جثثهم اكلا لطيور السماء و لوحوش الارض. لانه هكذا قال الرب لا تدخل بيت النوح و لا تمض للندب و لا تعزهم لاني نزعت سلامي من هذا الشعب يقول الرب الاحسان و المراحم. فيموت الكبار و الصغار في هذه الارض لا يدفنون و لا يندبونهم و لا يخمشون انفسهم و لا يجعلون قرعة من اجلهم. و لا يكسرون خبزا في المناحة ليعزوهم عن ميت و لا يسقونهم كاس التعزية عن اب او ام. و لا تدخل بيت الوليمة لتجلس معهم للاكل و الشرب. لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل هانذا مبطل من هذا الموضع امام اعينكم و في ايامكم صوت الطرب و صوت الفرح صوت العريس و صوت العروس.
لإظهار حجم الكوارث القادمة مُنِعَ النبى من أن يكون لهُ بيتاً خاصاً ولا أسرة، وهذا ما دعا إليه بولس الرسول أيضاً (1كو26:7). ولا يذهب لبيت النوح أى يشترك فى مناسبات العزاء إذا مات إنسان أو مناسبات الفرح. فلأن الشعب لم يهتم بكلام النبى فها هو يؤكَد كلامه بأفعاله لعلهم يصدقون. وما يفعله هنا كأنه يرى البلد فى خراب تام قادم سريعاً جداً وليظهر أمام الناس أنه مقتنع بهذا جداً مُنِع النبى أن يشترك فى الحياة العادية من أفراح وأحزان. فهؤلاء الخدام الذين يريدون أن يقنعوا الأخرين بشىء عليهم أن يتحملوا شيئاً لإظهار صدق كلامهم. فلن نستطيع أن نقنع الأخرين بأن هذا العالم ليس لهُ قيمة إن لم نمارس هذا فعلاً. وكون أن الإنسان لا يكون لهُ عائلة فى كارثة مثل هذه الكارثة القادمة يجعل الهروب سهلاً. وكيف يحتمل أن يكون لهُ أبناء وهو يَعْلَمْ ماذا سيحدث للأبناء فى (4،3) ولماذا يذهب لبيت ميت ليعزى أهله ُ والله إمتنع أن يعزيهم = لأنى نزعت سلامى. وفى أية 4 :- ميتات أمراض = ميتات ناشئة عن أمراض مصاحبة للمجاعة (5) بل إن من مات لهو أسعد حالاً فلن يرى الضيقات القادمة. وهو وَجَدَ من يدفنه ولكن من يموت أيام هذه الكارثة لن يجد من يدفنه وهو يجب أن لا يشترك فى أحزانهم لأن حزنه على الخراب العام لبلده يجب ان يبتلع حزنه على فرد واحد. وفى (6) يصوَر الموت وقت المأساة فلا أحد يحزن على أخر، يكفيه مصيبته وفى (9،8) كيف يشترك فى فرح هو يعلم أن الكل فيه عريس وعروس ومدعوَين سيهلكون قريباً وكيف يذهب ليأكل ويشرب ويفرح وهو ينادى بصوم ومسوح ليرحمهم الرب من الأتى.
الأيات 10-13 :- و يكون حين تخبر هذا الشعب بكل هذه الامور انهم يقولون لك لماذا تكلم الرب علينا بكل هذا الشر العظيم فما هو ذنبنا و ما هي خطيتنا التي اخطاناها الى الرب الهنا. فتقول لهم من اجل ان اباءكم قد تركوني يقول الرب و ذهبوا وراء الهة اخرى و عبدوها و سجدوا لها و اياي تركوا و شريعتي لم يحفظوها. و انتم اساتم في عملكم اكثر من ابائكم و ها انتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي. فاطردكم من هذه الارض الى ارض لم تعرفوها انتم و لا اباؤكم فتعبدون هناك الهة اخرى نهارا و ليلا حيث لا اعطيكم نعمة.
من ظلمة الخطية وظلمة القلب بسبب الخطية يتساءل الناس فما هو ذنبنا؟ بينما أن قديس عظيم مثل بولس الرسول يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" وهؤلاء أباءهم أخطأوا وهم مستمرين فى نفس الخطية بلا توبة بل هم أساءوا أكثر من أبائهم (12) ولأنهم أحبوا الألهة الغريبة فليذهبوا كمسبيين لأرض هذه الألهة (13) ويتركوا هذه الأرض. هذه الآية شرح لقول الرب "أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع".
أيات 14-21 :- لذلك ها ايام تاتي يقول الرب و لا يقال بعد حي هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض مصر. بل حي هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض الشمال و من جميع الاراضي التي طردهم اليها فارجعهم الى ارضهم التي اعطيت اباءهم اياها. هانذا ارسل الى جزافين كثيرين يقول الرب فيصطادونهم ثم بعد ذلك ارسل الى كثيرين من القانصين فيقتنصونهم عن كل جبل و عن كل اكمة و من شقوق الصخور. لان عيني على كل طرقهم لم تستتر عن وجهي و لم يختف اثمهم من امام عيني. و اعاقب اولا اثمهم و خطيتهم ضعفين لانهم دنسوا ارضي و بجثث مكرهاتهم و رجساتهم قد ملاوا ميراثي. يا رب عزي و حصني و ملجاي في يوم الضيق اليك تاتي الامم من اطراف الارض و يقولون انما ورث اباؤنا كذبا و اباطيل و ما لا منفعة فيه. هل يصنع الانسان لنفسه الهة و هي ليست الهة. لذلك هانذا اعرفهم هذه المرة اعرفهم يدي و جبروتي فيعرفون ان اسمي يهوه.
فى هذه الأيات تمتزج رحمة الله مع أحكامه ضدهم للتأديب. ويبدو واضحاً أنها تشير لأيام الإنجيل. فبعد أن تكلم عن السبى فى (13) هاهو يبشر بالخبر السار وهو الرجوع من السبى (15،14) بل سيكون رجوعاً أعظم. فسبيهم فى بابل كان على يد متوحشين ليس مثل المصريين. وعبوديتهم فى مصر جاءت تدريجية أما فى بابل فالسبى كان شديداً من أول يوم. بل أن خروجهم من بابل ستكون مراحم حديثة للرب تذكرهم بخروجهم من مصر وأن الله مازال يذكرهم. وعلينا نحن أن نقول المجد لك يا رب يا من بصليبك أنقذتنا من يد إبليس.
(فالخلاص العظيم فى (14) هو الخلاص بالمسيح الذى كان الخلاص من بابل رمزاً لهُ لكن هناك معنى مباشر لـ17،16 فبابل والرومان هم الجزافين الذين سيعاقبون يهوذا على إثمها الأن).
وفى (16) وعد أخر بتجميعهم أينما كانوا لأرضهم وسيستخدم الله القانصين (صيادى الوحوش على البر) والجزافين (صيادى السمك فى الماء) اى سيأتى بهم لأرضهم سواء من فى البر أو البحر أى من كل مكان فى العالم. وهذا تمَ فى أيام كورش ملك الفرس الذى أطلق نداء فى المملكة لكل يهودى أن يرجع لبلده. وفى زربابل ورفاقه أو أى وسيلة يستخدمها الرب ليحرك قلوبهم فيعودون لبلادهم وفى (18،17) الله يعرف ويرى خطاياهم وهو سيعاقبهم ضعفين ليس بالنسبة لما يستحقون فالله لا يعاقب إلا بالعدل ولكن ضعفين بالنسبة لما سبق أو لما يتوقعون والمعنى أنه سيعاقب بشدة أولاً ثم يجىء الخلاص وهذا تم على يد الكلدانيين. وفى (19-21) سيعترفون بان الله هو الإله الواحد عزهم وملجأهم فهم سيأتوا تائبين بعد هذه الضيقة.
وفى (19) الأمم أيضاً سيأتون من أطراف الأرض وسيؤمن اليهود أيضاً ليس الكل ولكن بعضاً منهم لذلك يسبحَ النبى أمام هذا الخلاص "يا رب عزى وحصنى" والأمم سيعرفون ضلال أوثان أبائهم وكذبها وأنهم هم صنعوها. هذا هو خلاص المسيح للعالم كله أما القانصين والجزافين هم "صيادى الناس" يصطادونهم للإيمان بالمسيح. وهذه تشير أيضاً لإيمان اليهود بالمسيح فى الأيام الأخيرة، حين يكتشفون أن أبائهم قد أورثوهم كذباً بإنتظار مسيح اخر. والجزافين أى صيادى السمك فيها نبوة عن تلاميذ المسيح الذين كانوا صيادى سمك فجعلهم المسيح صيادى ناس. وهناك تأمل بأن صيادى السمك هم خدام كنيسة المسيح يجذبوا النفوس للكنيسة والقانصين الملائكة الذين يأخذون نفوس المنتقلين الذين يجدونهم يحيون فى السماويات (جبل/ أكمة) أو ثابتين فى المسيح (الصخر).
الإصحاح السابع عشر
الأيات 1-4 :- خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد براس من الماس منقوشة على لوح قلبهم و على قرون مذابحكم. كذكر بنيهم مذابحهم و سواريهم عند اشجار خضر على اكام مرتفعة. يا جبلي في الحقل اجعل ثروتك كل خزائنك للنهب و مرتفعاتك للخطية في كل تخومك. و تتبرا و بنفسك عن ميراثك الذي اعطيتك اياه و اجعلك تخدم اعداءك في ارض لم تعرفها لانكم قد اضرمتم نارا بغضبي تتقد الى الابد.
هم سألوا ما ذنبنا سابقاً والإجابة هنا أن خطيتهم محفورة فى قلوبهم لا يمكن أن تمحى وستكون شاهدة عليهم وشاهد آخر ضدهم هو قرون مذابحهم الوثنية التى رشوا عليها دماء ذبائحهم الوثنية. ومعنى أن خطيتهم محفورة فى قلوبهم بقلم من حديد برأس ماس أى أصلب شىء أنهم متأثرين بها جذرياً عزيزة عليهم. هكذا نقول للشىء العزيز علينا أنه محفور فى قلوبنا وفى (2) هم يحبون مذابحهم ويذكرونها كمحبة أبنائهم فكما أن الأم لا تنسى رضيعها هكذا هم لا يستطيعون ان ينسوا مذابحهم الوثنية وفى (3) يا جبلى فى الحقل أى أورشليم فهى مبنية على تل، وسط أرض منبسطة فهى جبل الله. ولكن الأعداء سينهبون كل ثرواتها فكل ما يخصص للخطيئة يفسد. والخطية تحرمنا من الفرح الذى يعطيه الله لنا وفى (4) وتتبرأ وبنفسك عن ميراثك = أنا أعطيكم الميراث لكن أنتم المسئولين عن ضياعه منكم بل هم جلبوا على انفسهم العبودية فى أرض غريبة. والتوبة وحدها تبطل نار غضب الله.
الأيات 5-8 :- هكذا قال الرب ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان و يجعل البشر ذراعه و عن الرب يحيد قلبه. و يكون مثل العرعر في البادية و لا يرى اذا جاء الخير بل يسكن الحرة في البرية ارضا سبخة و غير مسكونة. مبارك الرجل الذي يتكل على الرب و كان الرب متكله. فانه يكون كشجرة مغروسة على مياه و على نهر تمد اصولها و لا ترى اذا جاء الحر و يكون ورقها اخضر و في سنة القحط لا تخاف و لا تكف عن الاثمار.
بائس من يعتمد على الإنسان. فأى إنسان مهما كان هو قصبة مكسورة. وهذا يعتبر خطية لماذا؟ لأن الإنسان أداة فى يد الله. والإنسان لا يزيد عن كونه جسد بلا قوة وهو يموت وهو أيضاً خاطىء. فكيف يتكل إنسان على إنسان أخر اليوم ثم يجده غداً ميتاً، ثم كيف يتكل على إنسان قلبه يتغير، يحب اليوم ويكره غداً. إذاً هذه الخطية فيها إنحراف عن الله الذى هو مصدر كل خير وهو القوى وهو الذى لا يتغير وحده. وطبيعى فمن يضع إتكاله على أحد غير الله يحيد عن الله فدائماً العيان أسهل من الإيمان. والكنيسة كانت قوية أيام الإستشهاد لكن بعد أن تحوَل الملوك للمسيحية وساندوا الكنيسة ضعفت الكنيسة لأنها للأسف إتكلت على حماية الملوك لها وفى (6) يعطى مثالاً لمن يفعل ذلك بنبات العرعر = وهو نبات صحراوى تافه (يسمى الخلنج) ينبت فى الأرض القاحلة المملحة ويكون ضعيفاً فاقد الحيوية وسريعاً ما يجف ويموت كالقش الجاف. وهذا يشبه الإنسان المنفصل عن الله فهو يشرب من لذات العالم (وهى كالماء المالح، والعالم كالبرية، فهذا الإنسان يكون كميت (جاف روحياً) فلا يشعر بالبركة الروحية). وحينما يأتى الخير لن يشارك فيه. هكذا أيضاً كل من يثق فى بره وليس فى عمل نعمة المسيح. أما من يكون إتكاله على الله فله خيرات وفيرة. وما علينا هو أن نقوم بواجبنا نحو الله وهو يحملنا فى عملنا. ولا نعود نخاف من كل من يحاول أن يخيفنا أو
يعوَق عملنا وهذا الإنسان يشبه شجرة قوية ثابتة لها جذور متأصلة وهذه تستطيع أن تسحب كميات وفيرة من العصارة (8) وهذا عكس العرعر بلا عصارة. فمن يتكل على الله يكون لهُ سلام عجيب وفرح. ولو أتى عليها الحر لن يدمرها لأن مصدرها المائى فى جذورها وجذورها عميقة. هذا هو السبب فى أن المسيحية لا يمكن أن نحياها بالشكليات والممارسات الجافة بل بالدخول إلى العمق. هذه الشجرة المغروسة على المياه لا ترى إذا جاء الحر = أى لا تخاف منه فى ترجمة أخرى. ولن تفشل إذا جاءت التجارب = الحر. بل تزداد تعزيتها وتنمو دائماً وهى دائمة الإخضرار. هى فى فرح دائم وشكلها يُسر من ينظر إليها. هذا عكس العرعر يسكن فى برية جافة = بادية وحرارتها شديدة = يسكنُ الحرَة (العالم بألمه) والأرض مملحة (العالم بملذاته) = سبخة. ومن يشرب من هذا الماء المملح يعطش. وهى غير مسكونة = فمن إتكل على الناس مهما كانوا كثرة سيشعر بالوحدة فإذا كان الله نبع الماء الحى موجوداً، فلماذا نذهب للأبار المشققة؟.
الأيات 9-11 :- القلب اخدع من كل شيء و هو نجيس من يعرفه. انا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لاعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر اعماله. حجلة تحضن ما لم تبض محصل الغنى بغير حق في نصف ايامه يتركه و في اخرته يكون احمق.
فى (9) خطأ وخطير أن نتكل على الإنسان فقلبه كله خطية وخَدَاَع. هو يظن نفسه دائماً على حق. بل يظن الشر صلاح والصلاح شر. فهو يخدع صاحبه. وقد يصوَر القلب للإنسان أن الله غير موجود أو أنه لا يرى أو أن سلامه مستمر حتى لو إستمر فى أخطائه. وماذا يكون مصير الإنسان إذا كان قلبه وهو الشمعة التى فيه لتقوده ظلاماً. فإذا كنت غير قادر على الإعتماد على قلبى فكيف أعتمد على قلوب الأخرين. ولكن الله يعرف القلوب فهو يفحص كل شىء ويحكم على كل شىء فلنقف فى خوف أمام الله ولا نخدع أنفسنا باننا صالحين. لا أحد يعرف نجاسة القلب من يعرفه سوى الله فاحص القلوب (10). وهناك سبب أخر يخدع الإنسان أن تكون لهُ ثروة يعتمد عليها. ولذلك إشتهرت يهوذا بخطية جمع المال بالظلم. لذلك يقول لهم الله أن ما جمعوه سيذهب عنهم فجأة أو هم يذهبون عنه فجأة " يا غبى فى هذه الليلة.... فثروة نابال لم تنفعه. ومن يضع قلبه على ثروته يشبه الحجلة = (الحجلة تتعب فيما ليس لها ثم تكتشف فى النهاية أنها سلكت بحماقة) هى نوع من الطيور إشتهر بأنه يحضن بيضاً ليس بيضه (أى15:39) ولكنه لا يفقس، وهو إما يُكسر أو يُسرق أو يفسد. واليهود كانوا يعرفون هذا النوع من الطيور وكان يسكن وسطهم. إذاً نجد فى هذه الأيات نوعان من الخداع القلبى أولهما أن يكون إتكال الإنسان على إنسان آخر (أو حتى ذاته) وثانيهما أن يكون إتكاله على ماله وثروته فيطلب زيادتها بأى وسيلة. أما نحن فليكن إتكالنا على الله وحده.
ملحوظة:-
خداع القلب: الجنس البشرى خُلق على صورة الله ولكنه تشوه بالخطيئة. ولو رجع كل واحد لقلبه لإكتشف الفساد الذى فى داخله وأن الغرائز التى فينا تثور ضد إرادة الله. ولقد إستعمل العبرانيون كلمة قلب بمعنى مركز العواطف والتفكير والإرادة. هو القوة المركزية التى تحرك الإنسان وهكذا كل الشرقيون. ونسبوا لهُ كل دافع داخلى فى الإنسان (أش7:10) فسنحاريب يفتكر بقلبه. وهناك أيضاً صوت الضمير وينسب للقلب أيضاً. والشيطان يضع أفكاره داخل الإنسان أيضاً فيصبح مصدرها القلب. ولنا الأن صوت الروح القدس كمؤمنين ولكن!! لأن الإنسان بسقوطه أصبح ميالاً للخطية فهو أكثر إنحيازاً لصوت الشيطان المخادع المضلل. وهكذا يخدع قلب الإنسان صاحبه لذلك يستحق المراقبة الدائمة فهو أشَر المخادعين. ونتاج مرض القلب هذا هى:
1. عمى البصيرة:- الذى هو من خصائص الخطية. وهذا يجعل الإنسان المريض أى الخاطىء يعرف أنه خاطىء. فإسرائيل تسأل ما هى خطيتى حتى يضربنى الله بالرغم من كل خطاياها.
2. حين تتسلل الخطية نتيجة العمى تستعبد الإنسان.
3. النتيجة التالية هى الموت. والكلمة "نجيس" المستخدمة تعنى فى الأصل مرضاً عضالاً.
علاج القلب:-
1. أن نلجأ لله بالصلاة لأنه وحده يعرف خبايا القلب. ونقرأ فى الكتاب المقدس فهو يعطينا أن نسمع الله يتكلم فنعرف حقيقة حالنا.
2. الله ليس فقط يكشف المرض لكن يعطى العلاج الذى هو بلسان جلعاد. فالروح القدس هو الذى يشفى لذلك يصلى النبى صارخاً إشفنى يا رب فأشفى (14:17) والبلسان هو دم المسيح ويكون دورى أنا أن أقدم توبة وأمتنع عن فعل الشر فأختبر الشفاء داخلياً.
الأيات 12-18:- كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا. ايها الرب رجاء اسرائيل كل الذين يتركونك يخزون الحائدون عني في التراب يكتبون لانهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية. اشفني يا رب فاشفى خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي. ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب لتات. اما انا فلم اعتزل عن ان اكون راعيا وراءك و لا اشتهيت يوم البلية انت عرفت ما خرج من شفتي كان مقابل وجهك. لا تكن لي رعبا انت ملجاي في يوم الشر. ليخز طاردي و لا اخز انا ليرتعبوا هم و لا ارتعب انا اجلب عليهم يوم الشر و اسحقهم سحقا مضاعفا.
هنا حوار آخر بين النبى وبين الله وفى مناجاته يمجد الله الذى وضع هيكله ومقدسه فى وسطهم (12) حيث يتراءى الله لهم وحيث يعبده الشعب. وكما ان الله لهُ عرشه فى السماء فهو لهُ عرش فى الأرض. وهو بهذا يذكر الله بمراحمه للشعب ليرحمهم. ولكن هذا مما يضاعف خطايا اليهود فهم يخطئون بينما كرسى الله فى وسطهم. وفى (13) من يتركون الرب يخزون فهو وحده القادر أن يسندهم متى جاءت هذه المأسى. والحائدون عن الله يكتبون فى التراب أى سريعاً ما يزولون ويتعرضون للإزدراء لأنهم ينتمون للأرض فهم جسدانيون شهوانيون وضعوا كنوزهم فى الأرض ولم تكتب أسماؤهم فى السماء. وهو هنا يقول الحائدون عنى = لأنه يكلمهم بإسم الرب وحين رأى نهاية هؤلاء قال إشفنى يا رب حتى لا أكون مثلهم. وخلصنى منهم ومن مؤامراتهم (14) وقرَبنى من مجدك وحين أشفى وأخلص أسبح. وفى (15) بدأ الشعب المعاند فى إغاظة النبى والسخرية منهُ حتى يمتنع عن نبواته التى تضايقهم وقالوا أين هى كلمة الرب لتأتِ. (2بط4:3) + (حز22:12) وفى هذا سخرية من النبى وإستهتار بأقوال الله وفى (16)*(* أية 16 :- لن أعتزل عن أن أكون راعياً = لن أكف عن عملى الذى كلفتنى به يا رب لكن إشعرنى بتعزياتك) موقف سامى من النبى فمع أن تحقيق هذه النبوات فيه تصديق لنبواته إلا أنه كراعٍ لم يشتهى أن تتحقق هذه النبوات بل أن تنجو رعيته. فالله وخدامه لا يشتهون موت الخاطىء بل أن يرجع ويحيا. وكل ما يطلبه تعزيات الله حتى يتمكن أن يستمر فى خدمته شاعراً بالسلام = لا تكن لى رُعباً. بل إعطنى التشجيع فلو كنت بجانبى يا رب ولست ضدى لن أخاف شراً مهما كان وهو فى (18) بالرغم من أنه يطلب سلام أورشليم إلا أنه يطلب عقاب الأشرار الذين يدبرون الشر فربما لو عوقب هؤلاء فقط لإمتنع الشر العظيم الأتى.
الأيات 19-23 :- هكذا قال الرب لي اذهب وقف في باب بني الشعب الذي يدخل منه ملوك يهوذا و يخرجون منه و في كل ابواب اورشليم. و قل لهم اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا و كل يهوذا و كل سكان اورشليم الداخلين من هذه الابواب. هكذا قال الرب تحفظوا بانفسكم و لا تحملوا حملا يوم السبت و لا تدخلوه في ابواب اورشليم. و لا تخرجوا حملا من بيوتكم يوم السبت و لا تعملوا شغلا ما بل قدسوا يوم السبت كما امرت اباءكم. فلم يسمعوا و لم يميلوا اذنهم بل قسوا اعناقهم لئلا يسمعوا و لئلا يقبلوا تاديبا.
الأيات 24-27:- و يكون اذا سمعتم لي سمعا يقول الرب و لم تدخلوا حملا في ابواب هذه المدينة يوم السبت بل قدستم يوم السبت و لم تعملوا فيه شغلا ما. انه يدخل في ابواب هذه المدينة ملوك و رؤساء جالسون على كرسي داود راكبون في مركبات و على خيل هم و رؤساؤهم رجال يهوذا و سكان اورشليم و تسكن هذه المدينة الى الابد. و ياتون من مدن يهوذا و من حوالي اورشليم و من ارض بنيامين و من السهل و من الجبال و من الجنوب ياتون بمحرقات و ذبائح و تقدمات و لبان و يدخلون بذبائح شكر الى بيت الرب. و لكن ان لم تسمعوا لي لتقدسوا يوم السبت لكي لا تحملوا حملا و لا تدخلوه في ابواب اورشليم يوم السبت فاني اشعل نارا في ابوابها فتاكل قصور اورشليم و لا تنطفئ.
السبت هو حق الله. هو التذكار الأسبوعى لعلاقة العهد بين إسرائيل والرب وكان حفظهم لهُ مذكراً دائماً لهم بخلاصهم من عبودية مصر (تث15:5). وهو يشير للراحة التى أعطاها لهم الله من التسخير لفرعون لذلك فهو يشير للراحة الأبدية (لا3:23) أما لو إهتم الشعب بالمكسب المادى وعمِلوا يوم السبت وتاجروا وأجروا مسراتهم الخاصة فيه يكون هذا دليل على إهتماماتهم الأرضية الجسدانية وعلى حالتهم المزرية. أما لو حفظوا هذا اليوم بالتقديس وكان يوم تسبيح، كان لهم هذا بهجة قلب وفرحوا بإمتيازاته. لذلك كان حفظهم للسبت فيه تظهر حالة الشعب هل هو روحى أم جسدانى. ولأن السبت هو يوم الرب فالعمل فيه هو سرقة الرب. ولو أعطوا الله حقه سيكون للملوك كرامتهم، وكرامة الملك فرح للشعب وستزدهر مدينتهم وحياتهم فالله قد قبلهم وباركهم. فكأن تقديس السبت هو تقديس لكل العلاقة مع الله وبدون هذا تذهب كل تقوى وورع ويحل مكانها الدنس والخرافات. وإذا إستمروا فى تدنيس السبت (27) ستشتعل نار الأعداء المحاصرين للمدينة وستحترق قصور الملوك الذين لم يحفظوا السبت. وهكذا معنا إن أعطينا الله حقه لنالتنا بركات وتعزيات السماء ولكنا ملوكاً وكهنة لله.
تعليق على الإصحاح السابع عشر
"أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم" (أر31:31-34).
"أجعل فى داخلكم روحاً جديداً وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم" (حز19:11).
فما معنى قلب الحجر وقلب اللحم؟ خلق الله أدم ووضع فى داخله ضمير يميز به الخطأ والحق، وكانت وصية الله مطبوعة على قلب أدم، وهذا معنى قلب اللحم، ولكن كيف تطبع الوصية على القلب فيصير قلب لحم؟ الإجابة هى المحبة... كان قلب أدم مملوء حباً لله، ومن يحب، لا يرضى بأن يخالف وصية من يحبه، ولا يقبل أن يخونه، وهذا هو ما قاله السيد المسيح (يو23،21:14) وعندما خالف أدم وصية الله، فترت المحبة فى قلبه إذ إبتعد عن الله وبدأ الإنحدار فى منحدر الخطية، وكلما زادت الخطية قَلَ الحب، وتحول القلب إلى قلب قاسٍ لا يحب الله، ثم تحول إلى قلب حجر، وهذا إستلزم من الله أن يعطيهم وصاياه مكتوبة على لوحى حجر يتناسب مع قلبهم الحجرى. وكان هذا لأن قلبهم فقد الإحساس بالحق والصواب، والأثم، لذلك أعطاهم الله الناموس عوناً "القداس الغريغورى" بينما كان فى الأصل، أن الوصية كانت مكتوبة على القلب.
وفى هذا الإصحاح نرى ما هو أصعب، فإن القلب تغيرت فيه المحبة، فبدلاً من أن تكون المحبة موجهة لله، صارت موجهة للعالم، ولملذات العالم، وفقد الإنسان نظرته للأبديات، صار لا يهتم سوى بما يراه من زمنيات، واضعاً كل قلبه فى هذا العالم وملذاته، ولأنه قلب حجرى فاقد الحب لله. قيل هنا أن محبة العالم والخطية حُفِرَتْ على قلب الإنسان كما بقلم من حديد برأس ماس، والماس أصلب شىء، والمعنى أن حب الخطية صار محفوراً فى قلب الإنسان. بل أن الخطية تملكت على قلب الإنسان وبقوة، وصارت قلوب البشر مذابح تقدم عليها ذبائح أموالهم وشهواتهم وصحتهم... بل كل ما يملكون فى سبيل محبتهم للخطية. وكانت الخطية تملك عليهم بقوة لذلك قيل هنا قرون مذابحكم (فالقرن علامة القوة فى مجتمعات الرعاة). إلا أنه قيل فى تفسير هذا القول أنهم نقشوا صورة الأعضاء التناسلية على قرون مذابحهم. وهذا القلب الحجرى حينما إكتشف أرمياء حقيقته صرخ أن القلب أخدع من كل شىء وهو نجيس = وكلمة نجيس تعنى مصاب بمرض خبيث يستحيل شفاؤه وهذه مثل "هل يغير الكوشى جلده" (أر23:13) أى صار تغيير حال القلب مستحيل. وخداع القلب يتضح فى تعلقه بالأرضيات وملذات العالم، فهذا ما يراه الإنسان بعينيه الجسديتين، إذ فقد الرؤية بالإيمان وفقد الشعور بالله والتعلق بالأبدية، والعيان أسهل من الإيمان، لأن رؤية الإيمان، أى حتى نرى الله والسمائيات فنتعلق بها، يستلزم هذا نقاوة القلب والقداسة "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت8:5) إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب (عب14:12) فالخداع الذى يعمله القلب، هو أن يصور للإنسان، أن ما يراه هو كل شىء، فتعلق الإنسان بمحبة كل ما فى العالم "القوة / المال / السلطة / المراكز / الجنس..." لذلك يقول النبى المفتوح العينين كرسى مجدٍ مرتفع من الإبتداء هو موضع مقدسنا (أية 12) والمعنى هل نترك الله بكرسيه المرتفع... هل نترك هذا المجد المعد لنا لننزل إلى الأرضيات ونجرى وراء العالميات. هل إنحدرنا إلى مستوى الحجلة الطائر الأحمق.
الحجلة (أية 11) هى طائر أحمق يحضن بيضاً ليس بيضه. فالمتهم بالماديات مضيعاً عمره وراء الأرضيات، هو يحتضن ما ليس لهُ....
1. فهو إما يموت تاركاً كل شىء.
2. أو يضيع منه ما إجتهد أن يملكه كما يذهب الطائر الذى إحتضنته الحجلة للطيور الذين من جنسه، أو تنكسر هذه البيضة التى إحتضنتها الحجلة.
وحينما يضيع ما سعينا وراءه، أو حينما يأتى الإنسان لنهاية حياته ويكتشف أن كل ما سعى وراءه كان باطلاً (أى كالسراب) سيكتشف فى النهاية أنه كان أحمق (أية 11) إذ ترك المجد المعد لهُ وسعى وراء الباطل، الذى ليس لهُ. لذلك أطلق المسيح على المال الذى بين أيدينا "مال الظلم" (لو11:16). فالله وضع المال / الصحة / الوقت والمواهب... ألخ فى أيدينا لا لنسعى وراء العالم، بل لمجد إسمه، فهل نكنز لنا كنوزاً فى السماء، أم نكون كالحجلة نحتضن ما ليس لنا، علينا أن نردد مع المرنم "من لى فى السماء. ومعك لا أريد شيئاً فى الأرض" (مزمور25:73).
حينما إكتشف النبى هنا هذا المرض الذى أصاب القلب، والقلب فى الثقافة العبرانية هو مركز الشعور والعواطف والتفكير والإرادة... هو القوة المركزية التى تحرك الإنسان ليتخذ قراراته... قال النبى أن هذا القلب لا يعرفه سوى الله = من يعرفه (أية 9). فهو الذى خلقه. إذاً هو وحده القادر أن يصلح ما فسد فصرخ النبى إشفنى يا رب فأشفى (أية 14). وهذه هى نفس صرخة داود "قلباً نقياً إخلق فى يا الله" (مزمور51).
ومن خداع القلب أنه أصبح لا يرى الله فى قوته وجبروته، فظن أن هناك من نستطيع أن نتكل عليه غير الله، فأصبح الإنسان، وصارت الذات أيضاً والمال والقوة البشرية هى أشياء نستند عليها ونضع فيها ثقتنا (أية 5) وكانت المشكلة أن القلب فى عماه، إذ ما عاد يرى الله، صار إتكاله على ما صار يراه من مصادر للقوة البشرية.
وحقاً لقد صارت الصورة قاتمة، وكان يلزم أن يتدخل الله للشفاء ولذلك تجسد المسيح وقام بالفداء ليُرسِل الروح القدس، الذى يشفى إرتدادنا (هو4:14)، ويشفى قلوبنا النجيسة التى كانت بلا أمل فى شفاء. وكيف يشفى الروح القدس قلوبنا؟ لنرجع لما قلناه سابقاً.. أن المشكلة ظهرت مع نقص المحبة لله، ومع إستمرار نقص المحبة تحولت القلوب لقلوب حجرية. لذلك كان عمل الروح القدس الأول، أن يعيد الحب لقلوبنا "لأن محبة الله قد إنسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5:5) لذلك أعطانا الله الروح القدس أساساً، ليسكب المحبة فى قلوبنا، ويصحح الأوضاع، لذلك نسمع فى (غل23،22:5) أن أول ثمار الروح القدس محبة. والثمرة الثانية منطقياً هى الفرح، هذا الذى فقدناه بسبب الخطية. وحينما عاد الحب، حب الله للقلب، صارت طاعة الوصية عن حب الله، صار القلب المحب لا يستطيع خيانة الله، صار القلب قلب لحم (حزقيال19:11) + (يو23،21:14). وهذا هو نفس المعنى الذى قصده فى (أر31:31-34) بكتابة الشريعة فى قلوبنا، هذا هو العهد الجديد الذى تكلم عنه أرمياء (31:31). ولاحظ أن حزقيال حينما تكلم عن قلب اللحم يقرن هذا بقوله أجعل فى داخلكم روحاً جديداً (19:11) وبعودة المحبة، عاد الفرح الحقيقى للقلب، وإستعدنا الحالة الفردوسية الأولى فالجنة كان إسمها جنة عدن، وكلمة عدن = إبتهاج.
بالخطية نفقد كل شىء، مواهبنا وأفراحنا وسلامنا وميراثنا السماوى (أيات 4،3)، وتكون نهايتنا التراب = كل الذين يتركونك يخزون. الحائدون عنى فى التراب يكتبون (أر13:17). ولكن بالعودة لله والرجوع إليه نستعيد حالنا. فما هو دورنا الأن... ماذا نعمل... هذا موضوع الأيات 27:19 السبت = هو إشارة لتقديس العلاقة مع الله، فالسبت فيه راحة الله، وهذه كانت بالفداء، وفيه راحتنا بالثبات فى المسيح، والثبات فى المسيح يأتى بالتوبة عن كل عمل شرير، وبجهادنا الإيجابى (صلاة / صوم / ممارسة أسرار..) فالعمل لهُ وقته (ستة أيام). والله لهُ وقته (السبت). ومن يفعل يُكرمه الله، كملك فنحن ملوك وكهنة، بل سيكون بركة لكثيرين، وسبب جذب لهم = يأتون من مدن يهوذا... أية 26 وتقديم ذبائح يعنى العودة لعبادة الله، بدل جريهم وراء العالم وهذا التكريم للسيت يجعلنا فى حماية الله، فلا يستطيع إبليس أن يهاجمنا بسهامه الحارقة، أما المنفصل عن الله فيسهل لإبليس مهاجمته فتحترق قصوره أية 27. ونحن قصور فالله ملك الملوك يسكن فينا. لذلك يطلب بولس الرسول منا "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فإطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الآب" (كو1:3) والأن بعد ان جعلنا الله خليقة جديدة (2كو17:5)، وسكب روحه القدوس فينا، وجعلنا ملوكاً وكهنة، مازال أمامنا طريقين، وبحرية علينا أن نختار أحدهما، إما طريق الحياة أو الموت (تث15:30).
ولنلاحظ أن العالم الذى مازلنا نعيش فيه ملىء بالتجارب والألام، مملوء بغضة وكراهية، ضيقاته كثيرة، موضوع فى الشر وهذا ما أسماه فى هذا الإصحاح الحَُرَة فى البرية والمسيح لم يَعِدْنا برفع الضيقات فى هذا العالم، بل قال "إدعنى وقت الضيق..." وماذا يعمل المسيح وقت الضيق ووقت التجربة؟ المسيح لن يرفعها عنا، بل يشاركنا ضيقتنا فنتعزى، وهذا نفس ما عمله مع الثلاث الفتية فى أتون النار... ولكن يا ويل من ليس لهُ علاقة بالمسيح، فمثل هذا ماذا يفعل إذا جاء الحر = أى الضيق والتجربة. هذا سيكون مثل العرعر. والشيطان يعلم هذا تماماً، وعنده سلاحه أى كلما شعرنا بالضيق، يعطينا أن نتذوق من ملذات الخطية، ولكن هذه اللذة هى لذة لحظات يعود بعدها الضيق ثانياً، وملذات العالم هى كالماء المالح، من يشرب منها يعطش = وهذا ما قاله عنه هنا أرضاً سبخة ولاحظ أن العرعر الذى ينمو فى أرض كهذه، ومع كثرة الحر يجف ويكون كالقش أى ميتاً، فإذا جاءت الخيرات أى المجد السماوى لن يشعر به، من عاش فى العالم بملذاته سيحترق من حر وتجارب العالم، والنهاية لن يجد له نصيب فى الخيرات الأبدية، هو عاش على الأرض ولكنه سريعاً ما يموت ويدفن فى التراب = يكتبون فى التراب، وهذه نهاية كل من وضع قلبه وتعلق بالأرضيات. أما أولاد الله الذين يحبون الله، ويجاهدوا ليكون قلبهم نقياً، فهم يرون الله هنا، ويعيشون متمتعين بتعزيات الروح القدس يستمدونها كما تستمد الشجرة ذات الجذور العميقة المياه من العمق، هذه لن تحرقها التجارب، بل تزيدها إخضراراً. والنهاية لهم حياة أبدية. هؤلاء سمتهم المميزة أنهم يحيون فى فرح يسبحون الله =لأنك أنت تسبحتى (أية 14).
الإصحاح الثامن عشر
الأيات 1-10 :- الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا. قم انزل الى بيت الفخاري و هناك اسمعك كلامي. فنزلت الى بيت الفخاري و اذا هو يصنع عملا على الدولاب. ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد و عمله وعاء اخر كما حسن في عيني الفخاري ان يصنعه. فصار الي كلام الرب قائلا. اما استطيع ان اصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت اسرائيل يقول الرب هوذا كالطين بيد الفخاري انتم هكذا بيدي يا بيت اسرائيل. تارة اتكلم على امة و على مملكة بالقلع و الهدم و الاهلاك. فترجع تلك الامة التي تكلمت عليها عن شرها فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بها. و تارة اتكلم على امة و على مملكة بالبناء و الغرس. فتفعل الشر في عيني فلا تسمع لصوتي فاندم عن الخير الذي قلت اني احسن اليها به.
نلاحظ فى مثال الفخارى أن الله يمكن أن يتكلم معنا فى أماكن لا نتصورها وبأشخاص قد لا نتصوَر أن نسمع منهم كلمة الله. ولكن القلب المستعد أن يسمع من الله ستصل إليه كلمة الله الهادئة. ونجد هنا أن الله يكلم أرمياء فى مكان الفخارى وربما يكلمنا الله فى الطريق أو فى أماكن عملنا وبأمثلة من واقع حياتنا العملية. ولنلاحظ:
1. حينما خرج الإناء الأول فاسداً قام الفخارى بصبر وطول اناة بتشكيله مرة ثانية ولم يَرْمِهِ ونحن إن سلمنا الله حياتنا يعيد تشكيلنا ويطهرنا وينزع عنا عاداتنا الشريرة وأفكارنا الشريرة (أش9،8:64). والله لا ييأس ويستخدم طرق عديدة لذلك.
2. الله يشكل كل إنسان لعمل معين وخدمة معينة "لأننا نحن عمله مخلوقين لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكى نسلك فيها" (أف10:2) فلكل منا عمل يشتاق الله أن نعمل وننجح فيه. إذاً كل واحد منا هو أنية ثمينة عند الله، طالما هناك هدف خلقنا لهُ.
3. الوعاء الذى فسد (4) لم يفسد بسبب عدم كفاءة الفخارى بل بسبب وجود جزء غير مرن فى الطين، حصوة مثلاً، وما هذا سوى الإرادة البشرية المقاومة لإرادة الله "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة... كم مرة أردت... ولم تريدوا" ولكن الله الفخارى الحكيم قادر أن يعيد تشكيل هذا الإنسان ويعطيه مكاناً آخر لخدمته أو خدمة أخرى تناسب وضعه الجديد (4).
4. الدولاب الذى يستخدمه الفخارى لتشكيل الأنية هو دولاب دوار ويستخدم الله الزمن والظروف رغم ما يبدو فيها من تكرار، فى تشكيلنا.
5. أصابع الفخارى تشير لنعمة الله العاملة فينا، ونار الفرن تشير للتجارب والألام.
6. يأتى وقت يصبح فيه التغيير صعباً بل مستحيلاً حينئذ يكسر الفخارى الإناء، وهذا يشير لحالة من يرفض التوبة. وهذا موضوع اصحاح 19 (مز9:2 + رؤ27:2).
7. أية (8) مثال لذلك نينوى. حين تابت قبلهم الرب وإمتنع الشر.(ولكنهم حينما عادوا للشر وأصروا عليه أبادهم الله... سفر ناحوم).
8. أية (10،9) هذا إنذار موجه ليهوذا شعب الله الذى غرسهُ الله وقصد بها خيراً والمعنى أن الله مزمع أن يأتى عليها بشر. فالإناء الآن فى حالة يصعب إصلاحها.
أصابع الفخارى
الفخارى يستخدم أصابعه ليشكل الإناء أو ليعيد تشكيله لذلك قال المسيح عن الروح القدس أنه إصبع الله. فالروح القدس هو الذى يعيد تشكيلنا (بتبكيته ومعونته... الخ).
ونرى أن الروح القدس هو إصبع الله بمقارنة الأيات (لو20:11) مع (مت28:12).
الأصابع لا تعمل بدون يد.
فاليد هى القوة التى تحرك الأصابع. والروح القدس لم يكن ليحل فينا ويعمل فينا لولا فداء المسيح. لذلك قيل عن المسيح يد الله أو ذراع الله. "قد شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص إلهنا" (إش10:52). وشمر الرب عن ذراعه تشير لتجسد المسيح وظهوره بالجسد من أجل الفداء. راجع أيضا (إش9:51 + 13:48 + 1:59).
الأيات 11-17 :- فالان كلم رجال يهوذا و سكان اورشليم قائلا هكذا قال الرب هانذا مصدر عليكم شرا و قاصد عليكم قصدا فارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء و اصلحوا طرقكم و اعمالكم. فقالوا باطل لاننا نسعى وراء افكارنا و كل واحد يعمل حسب عناد قلبه الرديء. لذلك هكذا قال الرب اسالوا بين الامم من سمع كهذه ما يقشعر منه جدا عملت عذراء اسرائيل. هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان او هل تنشف المياه المنفجرة الباردة الجارية. لان شعبي قد نسيني بخروا للباطل و قد اعثروهم في طرقهم في السبل القديمة ليسلكوا في شعب في طريق غير مسهل. لتجعل ارضهم خرابا و صفيرا ابديا كل مار فيها يدهش و ينغض راسه. كريح شرقية ابددهم امام العدو اريهم القفا لا الوجه في يوم مصيبتهم.
فى (11) مازال هناك أمل أن لا يكسر الله الإناء إن قدموا توبة وفى (12) نجد ردهم المعاند فقد قالوا باطل = أى لا أمل. وهذا يسميه الخطاة، حرية، ولكنها عبودية لشهواتهم. والخطية تقسى القلوب. وفى (13) إهانة لهم فالأمم لم يحصلوا على ما حصلت عليه إسرائيل من نعم، ولكن حتى هؤلاء الأمم سيقشعرون مما عملته إسرائيل وأية (14) لها ترجمة أخرى "هل يترك رجل ثلوج لبنان الموجودة على صخر الحقل أو تترك المياه الباردة الجارية من مكان أخر" والمعنى هل يترك مسافر عطشان ثلوج لبنان التى تسيل وتنزل مياهها الباردة نقية من أعلى جبل لبنان بعيدة عن الطين ويذهب لمكان قذر يبحث فيه عن بعض المياه الراكدة. او هل يترك إنسان ماء مثلج فى يوم حار. ولكن هذا ما عمله شعبى فقد تركونى أنا ينبوع المياه الحية وبخروا للباطل. فخسروا الماء المثلج أى عزاء الروح القدس فى وسط حرارة الضيقات
(صخر الحقل). ولذلك سيأتى عليهم الخراب (16). وفى (17) أريهم القفا = الإنسان يحتمل التجربة لو شعر أن الله معهُ يبتسم لهُ ويشجعه. اما لو أدار الله وجهه فهذا مالا يحتمل. والله يرى القفا لمن سبق وأعطاه القفا (أر27:2).
الأيات 18-23 :- فقالوا هلم فنفكر على ارميا افكارا لان الشريعة لا تبيد عن الكاهن و لا المشورة عن الحكيم و لا الكلمة عن النبي هلم فنضربه باللسان و لكل كلامه لا نصغ. اصغ لي يا رب و اسمع صوت اخصامي. هل يجازى عن خير بشر لانهم حفروا حفرة لنفسي اذكر وقوفي امامك لاتكلم عنهم بالخير لارد غضبك عنهم. لذلك سلم بنيهم للجوع و ادفعهم ليد السيف فتصير نساؤهم ثكالى و ارامل و تصير رجالهم قتلى الموت و شبانهم مضروبي السيف في الحرب. ليسمع صياح من بيوتهم اذ تجلب عليهم جيشا بغتة لانهم حفروا حفرة ليمسكوني و طمروا فخاخا لرجلي. و انت يا رب عرفت كل مشورتهم علي للموت لا تصفح عن اثمهم و لا تمح خطيتهم من امامك بل ليكونوا متعثرين امامك في وقت غضبك عاملهم.
هنا يتكلم النبى ثانية عن مؤامرات شعبه ضده. فالخطاة لا يريدون سماع كلمة الله وينفرون منها. ومعنى أية (18) هم يريدون أن يحملوه مسئولية ألامهم أو أنه لا ينفع فلنتخلص منه وعندنا الكهنة والأنبياء وساستنا الحكماء. وواضح طبعاً أنهم هنا يظهرون حماسة زائفة للدفاع عن الدين وقلبهم يجرى وراء شهواتهم
فلنفكر على أرمياء أفكاراً= هى مشورات شعبه ضده وهى شبيهة بمشورات قيافا والكهنة ضد المسيح. لأن الشريعة لا تباد عن الكاهن ولا الكلمة عن النبى = هذا حماس كاذب عن الكهنة والأنبياء، فهم قطعاً يتحدثون عن الأنبياء الكذبة الذين يخدعونهم بالكلام الذى يحبونه والكهنة يشجعونهم فى مسلكهم الشرير طالما يكسبون من ورائهم.
هلم فنضربه باللسان = أى يسيئوا لسمعته بشائعات مغرضة حتى يكرهه الناس وينفرون منهُ. ومثال على ذلك قولهم عنه أنه متآمر مع الأعداء. ولكن لا نندهش فمن يخون إلهه يخون أعز أصدقائه وحتى الأن فالمسيح دمه يشفع فى كل واحد ولكنهم حتى الأن فى الأرض يتكلمون عليه كلاماً رديئاً. أما الأيات (19-23) كلام النبى بالشر ضدَهم هو نوع من النبوة كما سبق.
الإصحاح التاسع عشر
1- هكذا قال الرب اذهب و اشتر ابريق فخاري من خزف و خذ من شيوخ الشعب و من شيوخ الكهنة. 2- و اخرج الى وادي ابن هنوم الذي عند مدخل باب الفخار و ناد هناك بالكلمات التي اكلمك بها. 3- و قل اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا و سكان اورشليم هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل هانذا جالب على هذا الموضع شرا كل من سمع به تطن اذناه. 4- من اجل انهم تركوني و انكروا هذا الموضع و بخروا فيه لالهة اخرى لم يعرفوها هم و لا اباؤهم و لا ملوك يهوذا و ملاوا هذا الموضع من دم الازكياء. 5- و بنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا اولادهم بالنار محرقات للبعل الذي لم اوص و لا تكلمت به و لا صعد على قلبي. 6- لذلك ها ايام تاتي يقول الرب و لا يدعى بعد هذا الموضع توفة و لا وادي ابن هنوم بل وادي القتل. 7- و انقض مشورة يهوذا و اورشليم في هذا الموضع و اجعلهم يسقطون بالسيف امام اعدائهم و بيد طالبي نفوسهم و اجعل جثثهم اكلا لطيور السماء و لوحوش الارض. 8- و اجعل هذه المدينة للدهش و الصفير كل عابر بها يدهش و يصفر من اجل كل ضرباتها. 9- و اطعمهم لحم بنيهم و لحم بناتهم فياكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار و الضيق الذي يضايقهم به اعداؤهم و طالبو نفوسهم. 10- ثم تكسر الابريق امام اعين القوم الذين يسيرون معك. 11- و تقول لهم هكذا قال رب الجنود هكذا اكسر هذا الشعب و هذه المدينة كما يكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد و في توفة يدفنون حتى لا يكون موضع للدفن. 12- هكذا اصنع لهذا الموضع يقول الرب و لسكانه و اجعل هذه المدينة مثل توفة. 13- و تكون بيوت اورشليم و بيوت ملوك يهوذا كموضع توفة نجسة كل البيوت التي بخروا على سطوحها لكل جند السماء و سكبوا سكائب لالهة اخرى. 14- ثم جاء ارميا من توفة التي ارسله الرب اليها ليتنبا و وقف في دار بيت الرب و قال لكل الشعب. 15- هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل هانذا جالب على هذه المدينة و على كل قراها كل الشر الذي تكلمت به عليها لانهم صلبوا رقابهم فلم يسمعوا لكلامي.
فساد الإنسان إضطر الله أن يكون تعليمه وصية فوق وصية (أش10:28) أى درس وراء درس حتى يكون الإنسان بلا عذر. وهذه الحادثة ستجرى فى وادى إبن هنوم حيث قدموا أولادهم ضحايا لمولك الإله الوثنى. (وبعد ذلك تحول مكاناً لحرق النفايات) وفى هذا الوادى سيكون لهم أفظع مآسيهم حيث يدفنون بل تلقى جثثهم بلا دفن ويكون وادى القتل. وستكون كل أورشليم بهذه الصورة. ولاحظ فى (2) نادِ هناك بالكلمات التى أكلمك بها = فالله لم يخبره مقدماً بما سوف يقول. ولكن كان لهُ ثقة أن يذهب وهناك يكلمه الله. وهذا درس لكل من يرسلهُ الله "لا تخف فالروح القدس يعلمك ما تتكلم به" (مت20،19:10) ومن (3-9) يعدد لهم خطاياهم والشر الآتى عليهم بسببها. وفى أية (9) حدث هذا فعلاً فى حصار بابل لهم (مرا20:2، 10:4) وحدثنا يوسنيوس المؤرخ اليهودى أن هذا حدث فعلاً أثناء الحصار الرومانى لأورشليم. توفة = أو تفتة مكان فى وادى إبن هنوم والكلمة تعنى مكان الحريق أو الفرن.
وفى (11،10) يكسر النبى الإناء الفخارى. ولكن هذا الإناء الفخارى يشير للشعب ولأورشليم. فهل يكسر الله شعبه؟ قلنا سابقاً أن الله هو الفخارى الحكيم وهو يظل يحاول إصلاح الإناء ولكن تأتى ساعة يستحيل فيها الإصلاح حين يصبح الإناء صلباً وحينئذ يجب كسره فلا أمل فى إصلاحه. وكان على النبى أن يكسر هذا الإناء بعد أن ينتهى من عظته. إشارة لهذا الشعب الذى تقسى فى الخطية. أما لو كان مازال طرياً ما كان الله قد كسره بل أعاد تشكيله. وطبعاً إستخدم الأمثال يطبع فى القلوب الفكرة التى يريدها الله. وكل من ظنَ نفسه قوياً فليعلم أنه إناء خزفى (راجع 2كو7:4) فالقديسين قوتهم ليست فى ذواتهم فهم ليسوا إلا أوان خزفية ضعيفة لكن فضل القوة لله لا من إنسان.
وفى (13) بخروا على سطوحها = كانوا يقيمون مذابح للأوثان فوق سطح كل منزل للتبرك بها لكل جند السموات = اى للنجوم والأفلاك. وهم أصبحوا لا يخجلون من هذا فيمارسونه علناً وفى (15،14) رجع النبى من توفة بعد كسر الإبريق ودخل الهيكل وإستأنف كلامه عن الموضوع عينه وهذا ما أثار ضده رجال الدين.
تعليق على الإصحاحين 19،18.
خلق الله الإنسان كأجمل وأكمل ما يكون، وسقط الإنسان وفسد، لكن الله لم يترك الإنسان لهذه النهاية. فالله يشبه نفسه بفخارى قادر أن يعيد تشكيل الإنسان. ولكننا نرى هنا أن الله يريد أن يعيد تشكيل وتجديد خلقتنا، فنصير فى المسيح خليقة جديدة (2كو17:5). أو إذا رفضنا يكون فى هذا هلاكنا، وهذا ما يعمله الله الأن مع كل منا، فهو يحاول بروحه القدوس أن يعيد تشكيل كل منا فنكون على صورة المسيح (غل19:4)، ولكن من تقسى قلبه فهذا يهلك. فالله يريد أن جميع الناس يخلصون (1تى4:2) لكن إرادتى قد تعوق إرادة الله (مت37:23-39) فكما قال القديس أغسطينوس "الله الذى خلقك بدونك لا يستطيع أن يخلصك بدونك. وهذا رأيناه هنا فالإناء الذى مازال طرياً" هو القلب الذى فيه رجاء أن يقدم توبة، هذا يعيد الله، الفخارى الحكيم تشكيله وتجديده. أما الإناء الذى تقسى تماماً فهذا يتم كسره. وهذا رأيناه مثلاً فى :-
إسرائيل المملكة الشمالية تكسر كإناء قاس بيد أشور، لكن يهوذا كان ما زال فيها رجاء، إذاً لتذهب للسبى فيعاد تشكيلها. والسبى يقال عنه هنا هأنذا مصدر عليكم شراً وهو سبى بابل. (أية11:18).
أورشليم كان فيها أنية قابلة لإعادة التشكيل، هذه أرسلها الله إلى بابل وأسماها التين الجيد أرمياء (24) اما التين الردىء فيكسر فى حريق أورشليم وتجديد الخليقة قام به المسيح حين نزل وتجسد، وكان أرمياء رمزاً للمسيح، لذلك نسمع قول الله له إنزل (2:18) وكأنها نبوة عن نزول المسيح ليبدأ الخلقة الجديدة على أن الخلقة الجديدة هى أيضاً عمل الروح القدس، إصبع الله (مت28:12) + (لو20:11) ورمزها هنا أصابع الفخارى، وهنا نفهم أن إعادة التشكيل قد تستلزم بعض الألام والتجارب التى بها يكمل الإنسان، فالأصابع تضغط على طين الإناء ليعاد تشكيله. والضغط قد يؤلم، أصابع الله ضغطت على أيوب وعلى بولس ليعيد الله تشكيلهم. ولكن ليس بالتجارب وحدها تعاد خلقة الإنسان، بل أولاً بالولادة الجديدة من الماء والروح (يو5:3) + (رو1:6-14) ثم يقوم الروح القدس بالتعليم والتذكير بكلام الله (يو26:14) وإذا أخطأ الإنسان المؤمن يقوم الروح القدس بتبكيته (يو8:16) وكلمة تبكيت تعنى أيضاً إقناع، وكما نسمع فى (أر7:20) أن الروح يقنع النبى بل يلح عليه "أقنعتنى يا رب فإقتنعت وألححت على فغلبت" فالروح يظل يعمل فى المعمد، الممسوح بالميرون ليعيد خلقته، ويثبته فى المسيح (2كو21:1) ومن هو ثابت فى المسيح يخلص. لذلك يقول المسيح إثبتوا فىَ وأنا فيكم (يو4:15) اما من يرفض الثبات فى المسيح فهذا يتقسى قلبه، من يطفىء الروح (1تى19:5) لا يعود يسمع صوت إقناع ولا توبيخ أو تبكيت الروح القدس، فهذا يصير كالإناء الذى يستحق الكسر. وكما رأينا أن الله يعمل ليجدد طبيعتنا، لكن إرادتى تحدد النتيجة، فإن تجاوبت مع الله أحصل على الخيرات، وإن إبتعدت عن الله تأتى الشرور علىَ، ولكن الله يستخدم أسلوب إنسانى ليشرح هذا فيقول أن الله يندم، والله قطعاً لا يندم على قرار يتخذه، لكن أنا بإرادتى أغير طريقى، وما يبدو للأخرين أن قرار الله قد تغير، فأجد الخير عوضاً عن الشر أو العكس والله يستخدم ألفاظاً بشرية كقوله ("أصابع الله"، "ويدى الله"... ألخ).
ولاحظ الطبيعة المنحرفة للبشر، الذين يجرون وراء كل ما هو جديد، وكيف يعاتب الله على ذلك (4:19) لم يعرفوها هم ولا آباؤهم فلماذا نغير طريق أبائنا، وما إستلمناه منهم، وهذا ما يدعو الله له فى (نش8:1) أن نسير وراء أثار الغنم لنجد الطريق، لذلك تهتم الكنيسة بتعاليم الأباء وتقرأ دائماً سيرتهم فى السنكسار (عب7:13) و(أية13:18) نرى تطبيقها الأن فى كنيسة الأمم التى تقشعر مما عمله اليهود حين صلبوا المسيح.
الإصحاح العشرون
هذا الإصحاح هو تطبيق مباشر على إصحاح 19 ففشحور هنا هو الإناء الذى تقسى والحكم الذى صدر ضده هو كسر الإناء فلم يعد هناك أمل فى إصلاح فشحور.
الأيات 1-6 :- و سمع فشحور بن امير الكاهن و هو ناظر اول في بيت الرب ارميا يتنبا بهذه الكلمات. فضرب فشحور ارميا النبي و جعله في المقطرة التي في باب بنيامين الاعلى الذي عند بيت الرب. و كان في الغد ان فشحور اخرج ارميا من المقطرة فقال له ارميا لم يدع الرب اسمك فشحور بل مجور مسابيب. لانه هكذا قال الرب هانذا اجعلك خوفا لنفسك و لكل محبيك فيسقطون بسيف اعدائهم و عيناك تنظران و ادفع كل يهوذا ليد ملك بابل فيسبيهم الى بابل و يضربهم بالسيف. و ادفع كل ثروة هذه المدينة و كل تعبها و كل مثمناتها و كل خزائن ملوك يهوذا ادفعها ليد اعدائهم فيغنمونها و ياخذونها و يحضرونها الى بابل. و انت يا فشحور و كل سكان بيتك تذهبون في السبي و تاتي الى بابل و هناك تموت و هناك تدفن انت و كل محبيك الذين تنبات لهم بالكذب.
بعد العظة الواضحة التى ألقاها النبى بدأ إضطهاده بواسطة فشحور الكاهن. وكان المنتظر أن يحمى فشحور إرمياء وبالأخص لأنه نبى وكاهن مثله. ولكنه ضربه كما ضُرِب بولس الرسول (أع2:23) ووضعهُ فى المقطرة وهى أله تعذيب يوضع فيها السجين منحنياً وتربط يديه ورجليه ورقبته فيتألم ألماً مبرحاً. بل ليزيد من ألامه كان هذا أمام الناس ليسخر منه المارة ويحتقروه (فلا يلتفتوا لكلامه، فكلامه ضد كلامهم بأن مصر ستنقذهم). وكان ذلك عند باب بنيامين بين المدينة والهيكل. والغرض أن يمتنع عن نبواته بالتهديد. ولكن لم تتحقق أغراض فشحور فقد هاجمه النبى بشدة. فلو قُيَدَ النبى فكلمة الله لا تُقيد، والله يصدر حكمه على هذا الكاهن الشرير. ناظر أول فشحور كان لهُ مركزاً سامياً فى الهيكل به يستطيع أن يسجن أرمياء بتهمة الإخلال بالأمن العام. ومعنى إسم فشحور = فرح. ولكن أرمياء سماه مجور مسابيب = وهذه معناها خوف من كل جانب. فالله يحوَل أفراح الخطاة لمخاوف (حينما تأتى بابل) وسيمتلىء هو رُعباً وحزناً. بل سيكون منفراً لأصدقائه وهو فى حالته هذه. والله لم يقتله فوراً بل تركهُ يتألم مثل قايين.وإنها لشجاعة للنبى أن ينطق بكل هذه النبوات ضد من سجنه وضد الملك وكل الشعب. ولم يرد فشحور لأن خوف الله سقط عليه مباشرة بكلمة النبى (إذ قال له مجور مسابيب أى خوف من كل جانب فحدث هذا فوراً)، فطرد أرمياء وإكتفى بهذا.
الأيات 7-13:- قد اقنعتني يا رب فاقتنعت و الححت علي فغلبت صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزا بي. لاني كلما تكلمت صرخت ناديت ظلم و اغتصاب لان كلمة الرب صارت لي للعار و للسخرة كل النهار. فقلت لا اذكره و لا انطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الامساك و لم استطع. لاني سمعت مذمة من كثيرين خوف من كل جانب يقولون اشتكوا فنشتكي عليه كل اصحابي يراقبون ظلعي قائلين لعله يطغى فنقدر عليه و ننتقم منه. و لكن الرب معي كجبار قدير من اجل ذلك يعثر مضطهدي و لا يقدرون خزوا جدا لانهم لم ينجحوا خزيا ابديا لا ينسى. فيا رب الجنود مختبر الصديق ناظر الكلى و القلب دعني ارى نقمتك منهم لاني لك كشفت دعواي. رنموا للرب سبحوا الرب لانه قد انقذ نفس المسكين من يد الاشرار.
مهما حدث لفشحور من رعب فما لا يمكن إنكاره أن النبى إنسان عادى له مشاعرهُ. وهذه المشاعر جُرِحَتْ فيما قام بهِ فشحور خصوصاً من تعريضه لسخرية الناس ونلاحظ فى هذه الأيات صراع داخلى يعتمل فى نفس النبى بين عمل نعمة الله المعزية وأحزان النبى الإنسانية. وهذه المشاعر نجدها هنا متداخلة. ففى أية (7) قد أقنعتنى فإقتنعت = هنا عمل النعمة يغلب. ولكن بماذا أقنعه؟ العله رأى صورة الصليب والعار الذى كان للمسيح عليه وسخرية المارة حوله وشماتتهم فيه وهو ربُ المجد. وهو ما حدث لأرمياء فالشعب كان يسخر منهُ ومن كلامهُ ويوَدون لو توقف وها هو فى المقطرة وهذا هو يومهم للسخرية العلنية منهُ. ولكن إذا كان الله إحتمل فعليك يا أرمياء أن تحتمل أم هل أقنعه الله كما أقنع صموئيل من قبل "هم لم يهزأوا بك بل هزأوا بى" وأن ألامك يا أرمياء هى ألامى. أم أراه الله عقوبة هؤلاء أم أقنعه بأن الألم ضريبة المجد أم كل هذا معاً. الله يعلم.
ولننظر عمل نعمة الله، أنها تُلَح على الإنسان = الححت على فغلبت. بالرغم من أننى صرت للضحك وفى (8) هو يهان لأجل أمانته وغيرته فى خدمته. فكانوا يهزأون به لأنه يصرخ من غيرته. ولنعرف أن الخدام الأمناء هم سخرية غير المؤمنين أو غير التائبين. وهم سخروا منه لأنه قال ظلم وإغتصاب = فهم لا يحتملون من يذكرهم بخطاياهم. وفى (9) فقلت لا أذكره هذه غواية من الشيطان ولها منطق عقلانى. فطالما أن هؤلاء الناس لا يستحقون عملك فأترك خدمتك وأسترحْ فى بيتك وأعكف على الصلاة. فتعاليمك صارت للهزء من السامعين. ولكن وجد كلام الله فى قلبه كنار وعمل نعمة الله فيه قوياً منفجراً يبحث عن مخرج لها. بل أشعره الله بقوته معهُ وضعف أعدائه فلم يستطع السكوت. وفى (10) لماذا أراد أولاً السكوت "لأنى سمعت مذمة من كثيرين" = أى كلام إفتراء ووشاية وخوف من كل جانب = فى سخرية حوََلَ الناس عبارة أرمياء ضده (كأنهم يقولون من الذى يحيطه الخوف من كل الجانب أهو فشحور، أم أنت يا أرمياء، بل أحاطوه فعلاً بالخوف) = يقولون إشتكوا فنشتكى عليه اى فليخترع أى إنسان كذبة ضده ونحن سنروجها لهُ ونشهد ضده بل سنزيد عليها. كل أصحابى يراقبون ظلعى = ظَلْعى أى عرجى أو أى خطأ منى. وهذا ما عملوه مع المسيح فكانوا يرسلون للمسيح ولأرمياء من يتصِيدهم بكلمة ليشتكوا بأى خطأ عليه. وللأسف فهم يرسلون الأصحاب فأية خيانة مؤلمة هذه. قائلين لعله يُطغى = أى لعله يمكن إغواؤه فنرغمه على أن يكف عن نبواته وتوبيخاته لنا. ولكن كما صار لفشحور خوفاً من كل جانب هكذا فليعثر مضطهدىَ (11) هؤلاء الذين يسيئون لشرفه من وراء ظهره فلا يستطيع أن يدافع عن نفسه مثل أنه يثير فتنة ضد الحكومة وينادى بثورة ضد الملك ويتحالف مع بابل.
ملحوظة:-
سمعت مذمة من كثيرين هى صلاة داود فى المزامير (13:31) فلنتعلَم الصلاة بالمزامير. فكل من يتألم مثل داود وأرمياء فالروح القدس الذى أوحى بهذه الكلمات يعطى تعزية حين نصلى بها. وفى (13) نجد أن الصراع بين نعمة الله ومخاوفه كإنسان ينتهى لصالح النعمة ويرى خلاصه فيسبح الرب لأنه أنقذه من يد الأشرار.
الأيات 14-18 :- ملعون اليوم الذي ولدت فيه اليوم الذي ولدتني فيه امي لا يكن مباركا. ملعون الانسان الذي بشر ابي قائلا قد ولد لك ابن مفرحا اياه فرحا. و ليكن ذلك الانسان كالمدن التي قلبها الرب و لم يندم فيسمع صياحا في الصباح و جلبة في وقت الظهيرة. لانه لم يقتلني من الرحم فكانت لي امي قبري و رحمها حبلى الى الابد. لماذا خرجت من الرحم لارى تعبا و حزنا فتفنى بالخزي ايامي.
هذه حرب جديدة باليأس والألم إستغل فيها عدو الخير إحساس النبى البشرى العادى من الجرح نتيجة إهانات فشحور لهُ. والحياة تتخللها فترات تنتصر فيها النعمة وفترات تتغلب فيها الألام الإنسانية. ولكن طالما هناك حياة فليكن لنا رجاء (مز22:31 + 7:77 + أى1:3).