عرض مشاركة واحدة
قديم 09 - 10 - 2012, 07:09 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

مدرسة الصلاة


بعد أن أعلم المسيح تلاميذه أن نفسه حزينة حتى الموت، ابتعد عنهم نحو رمية حجر ثم جثا على ركبتيه وخر على وجهه، وكانت تصعد أنات من نفسه المثقّلة بالحزن الشديد " يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتكَ" (لو41:22،42) وهكذا خر أيوب على الأرض وهو فى شدة الألم (أى20:1)، فالتمرغ فى التراب يُعبّر عن شدة الألم، كما يُعبّر أيضاً عن التواضع والانسحاق.

وفى هذا الجو المظلم نراه يدعو الله " أبتاه " ! فمهما تكاثفت السحب، وهاجت العاصفة، وأظلم الليل.. فإنَّه يستطيع أن يرى من خلالها الله أباً، وما أجمل ما يقول المؤمن " يا أبتاه " فى أوقات التجارب، لأنَّه لمن يذهب الطفل عندما يشعر بالضيقة إلاّ إلى أبيه!

وعلى الرغم من شدة آلامه إلاَّ أنّه عبّر عنها بالكأس! ومن هذا نتعلَّم أنَّ التخفيف من شدة الألم وقت الضيق وأنَّ شرب الكأس المرَّة التى يضعها الله فى أيدينا، مهما اشتدت مرارتها بشكر أفضل وسيلة للخروج من الضيقة.

كما أعطانا المسيح بصلاته أعظم درس ألا وهو: إنَّ الصلاة هى أعظم سلاح نستطيع أن نُحارب به، ففى جثسيمانى صار الألم كزلزال حبلت به الأرض فتمخضت متوجعة تريد أن تلد الخراب والشقاء! ولكنّها على غير عادتها لم تلد سوى الخلاص! فهل من سبيل للخلاص من المحن والشدائد غير الصلاة ؟ لقد صار المسيح للمؤمنين كالمرآة ينظرون فيها ويتعلمون!



عرق المحبة



كان يسوع يصلى بلجاجة، فتراءت له البشرية فى لحظة خاطفة فى جميع عصورها، تجرجر فى خزى إجرامها وقبح معاصيها! وطفقت جميع الخطايا تخرج من خفايا الزوايا وشقوق الضمائر، تفح كالأفاعى لتنفث سمها وتفرغ خبثها فى الحمل الوديع، قبل أن يقضى عليها ليمحوها! لقد هاله المنظر فصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض (لو22: 44)، فقدست هذه القطرات الطاهرة والمُطهّرة الأرض وباركت تربتها.


يقول مار إفرآم السريانيّ

" طوباك أيها المكان الذى تأهلت لأنْ يسقط فيك عرق الابن، إنَّ الابن بارك الأرض بعرقه ليُبطل عرق آدم الذى حل عليها، طوبى للأرض التى طيّبها بعرقه والتى كانت مريضة فشفاها لأنَّه نضح عرقاً عليها.

سقط آدم بزلته فكان إليه صوت الرب " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً " (تك3: 19)، ومع أنه عـرق مرات إلاَّ أنَّه لم يُشف، وفى هذا يقول مار يعقوب السروجى: " وعرق أثناء الصلاة فشفى آدم من العذاب، بعرق الرب صارت الصحة للمريض، نظر آدم عرق ربوات ولم يُشف لأجل الخطية الممزوجة به، فبغير خطية عرق مُخلّصنا دفعة واحدة وكانت نتيجتها تخليص آدم من الموت ".



أما الذي جعل عرق يسوع يتصبب هكذا كقطرات الدم، وجسده كله يبكي عوض الد موع دماً.. هو المحبّة، فإن أشارت المحبّة إليكم فاتبعوها وإن كانت مسالكها صعبة! وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها! وإذا خاطبتكم المحبّة فصدقوها وإن عطّل صوتها أحلامكم! لأنَّ المحبّة إن كانت تكللكم فهى أيضاً تصلبكمّ وكما تعمل على نموكم، هكذا تستأصل الفاسد منكم! المحبّة تغربلكم لتحرركم من قشوركم، وتطحنكم لكى تجعلكم أنقياء كالثلج، وتعجنكم بدموعها حتى تلينوا، ثم تعدكم لنارها المقدسة لتصيروا خبزاً مقدساً يقّرب على مائدة الرب، كل هذا تصنعه المحبة بكم لتدركوا أسرار قلوبكم، فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من قلب الحياة .


ولأنَّ دموع العين لم تكن كافية، بكى كل عضو من أعضاء المسيح حزناً على فساد أعضائنا التى دنّستها الخطية، فها هى عيناه تبكيان عوض أعيننا التى تلوثت برؤية المناظر القبيحة، وأذناه ويداه ورجلاه وفمه... والعجيب أنها لا تبكى ماءً بل دماً، لأنَّه كما قال القديس بولس الرسـول : " بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ ! " (عب22:9).

بكى يسوع حزناً على فساد البشرية، وقد كان لابد له أن يبكي، لأنَّ عينيه لم تتقنعا ببرقع السنين، أمَّا نحن فكثيراً ما نرفض البكاء، ليس على الآخرين فقط، بل حتى على أنفسنا لأننا ننظر ولا نبصر، ونصغي ولا نسمع، ونأكل ولا نتذوق، ولا نكرم ملوكاً بدون ممالك، ولا نراقب عودة الزارع من حقله إلاَّ إذا كان يهمنا، ولا ننصت لصوت مزمار الراعي وهو يقود قطيعه إلى العلف، إلاَّ إذا كان القطيع ملكاً لنا..

وفى كل هذا يقوم الفرق الشاسع بيننا وبين يسوع، فحواس المسيح تتجدد فيه دائماً، والعالم فى نظره جديداً على الدوام، والإنسان هو شاغله وموضوع حبه، ولم ينظر إلى تمتمة الطفل بأقل من نظره إلى صراخ الشيخ، فى حين أنها فى نظرنا تمتمة طفل لا أكثر ولا أقل.
  رد مع اقتباس