09 - 10 - 2012, 07:08 PM
|
رقم المشاركة : ( 8 )
|
..::| VIP |::..
|
رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ
إنَّ يهوذا قد اشتاق إلى مملكة يكون
فيها أميرا ً! أمَّا يسوع فأراد مملكة
يكون فيها كل الناس ملوك وأُمراء
!
والآن،
ماذا أقول لو كنت قد عاصرت مأساة هذا العبد الشرير؟
كنت سأُشير بيدي نحو القتيل وأصرخ بصوت أجش قائلاً:
" ملعونة هى الأيدي التي تُمد إلى هذا الجسد الملطّخ بدماء الخيانة، وملعونة هى الأعين التى تذرف دموع الحزن، على هالك قد حملت الشياطين روحه إلى الجحيم لتبقَ جثّة ابن سدوم وعمورة مطروحة على هذا التراب الدنس، حتى تتقاسم الكلاب لحمه وتُذري الرياح عظامه، فليهرب الناس من تلك الرائحة النجسة المتصاعدة من داخل قلب دنُسته الخطية وسحقته الرذيلة، ولينصرفوا مسرعين قبل أن تلسعهم ألسنة نار جهنم ".
لقد مات ابن الهلاك الذى لم يكن فى العالم الوثنيّ نظيره، ولم يكن فى إمكانه أن يُنجب مُجرماً مثله! ولكن هذا ليس بغريب لأنَّ سليمان الحكيم يقول: " اَلرَّجُلُ الْمُثَقَّلُ بِدَمِ نَفْسٍ يَهْرُبُ إِلَى الْجُبِّ " (أم17:28)، وهكذا كل من يُعانق الشيطان عليه أن يُعانق الموت أيضاً!
ولكننا نعترف بأنَّ الجرثومة التي عملت فى يهوذا الإسخريوطيّ لازالت موجودة، وإن كنَّا لا نضع أنفسنا بين يدي الله ونطلب أن يُظللنا بأجنحة حُبّه فإنَّ إبليس الذي يجول كأسد زائر ملتمساً من يبتلعه (1بط8:5)، سوف ينقض كالوحش علينا ليفترسنا .
قطع أُذن مَلَخُس
بعد أن وجّه المسيح كلماته إلى يهوذا، نراه يسلم نفسه طوعاً لأيدي أعدائه.. هنا تحرّك الدم فى عروق التلاميذ بعد أن تجمّد ساعات طويلة فاستل بطرس سيفه " وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ اسْمُ الْعَبْدِ مَلْخُسَ " (يو10:18)، فقد أراد بطرس بهذا أن يُظهر غيرته للرب فى وقت الشدة، ولكنَّه لم يعلم أنَّ ابن الله لا يحتاج إلى المعونة، لأنَّه لو أمر أُلوفاً من الملائكة لملأوا الأرض ناراً.
وكم كانت دهشة الجميع عندما رأوا الرب فى شفقة، يميل على مَلخُسَ ويلمس أُذنه المُصابة بيده الشافية، فتوقف سيل الدم فى الحال وعادت سليمة كما كانت! فمن مِن الأطبَّاء له القدرة أن يُصحّح الأعضاء المقطوعة كمخلّصنا! لقد وضع الأُذن فى مكانها كالغصن الذى سقط من الشجرة، فكلل الجسم بالعضو الذى سقط منه، ليُعلن أنَّه سيد الخليقة وطبيب البشر الأعظم!
ونحن أيضاً نتعجب من هذه المعجزة، وما يُثير إعجابنا ليس فقط قوته التى أظهر بها مجده، ولكن الأكثر من ذلك محبته، التى لا تستثنى حتى الأعداء من أعمالها النافعة، كما أراد أن يُعلمنا أن ملكوته ليس من هذا العالم ولذلك لا مكان للانتقام، بل للوداعة التي تجمع جمر نار فوق رأس الأعداء، وما هذا إلاَّ إعلان أن حُب يسوع عميقاً كالبحر، عالياً كالنجوم، متّسعاً كالفضاء، وهكذا سيظل إناء حُبّه مملؤاً إلى الأبد لتشرب البشرية العطشانة فترتوى ويبرد حقدها وغيرتها وقسوتها!
وبينما كان الرب يمد يده الشافية المُحيية ليلمس الأُذن الجريحة، يقول لبطرس: " رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ ! " (مت52:26)، فالسيف ليس له استعمال إطلاقاً فى دائرة ملكوت الله، فالنصر يُحرز هنا بقوة الشهادة، وبدم الحمل، وصبر القديسين..
ومن المفسرين يرى أنَّ بطرس أراد ضرب رقبة مَلخُسَ،
لكن التدبير الإلهيّ أبعد يده عن الرقبة إلى الأُذن اليمنى لأمرين:
الأول: إن الشعب قد آذانه عن سماع أقوال الأنبياء وأقوال المسيح، فوقع العقاب على العضو المُخطيء، فالشعب الأصم ضُرب على أُذنه، لأنَّ أصوات بل رعود الأنبياء صرخت فيها ولم تسمع!!
الثانى: علامة على رغبتهم فى دوام عبوديتهم إلى الأبد، ليس للرب بل للشيطان، لأنَّ الشريعة كانت تأمر أن يُخيّر العبد وقت تحرره، هل يرغب أن يُعتق أم يظل كما هو عبداً، فإن رفض أن يعتق كانت أُذنيه تثقب، علامة على رغبته أن يظل هكذا عبداً (خر6:21).
أمَّا الأُذن التى قُطعت فهى أُذن عبد رئيس الكهنة، لا أُذن أحد الجنود، وهذا إنما يدل على أن المقصود هم بنو إسرائيل الذين أعطاهم الله الشريعة، ولكنَّهم لم يفهموها ولم يعملوا بما جاء فيها!
برئ يحاكم أمام خطاة
بقلم الراهب كاراس المحرقى
|
|
|
|