عرض مشاركة واحدة
قديم 09 - 10 - 2012, 07:04 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

قُبلة الموت

الآن يستعد النمر قبيل الوثوب على فريسته، فها أعداؤه يتربَّصون به لكي يصطادوه صيد الغزلان، ولا تزال جُعبة الصياد ممتلئة بالسهام، والحيَّة تهجم بعنف على نسل المرأة تريد أن تلدغه لدغة الموت، فتحت ستار الصداقة المزيفة يقترب يهوذا من سيده ويُرحّب به بعبارة كلها رياء، ويتجرأ ويُلوّث وجه ابن الإنسان، وبماذا لوّثه؟ بقُبلة غاشة كلها مكر وخداع.

لقد عانقه!! فما أن مد يده حتى ظهرت عظام أصابعه من تحت الجلد، كقضبان عارية ترتعش أمام العاصفة، وعيناه كالحفر المظلمة الممتلئة بالدماء، وخديه كالخرق المتجعدة، وشفتاه كورقتي خريف صفراء قد سقطتا من شجرة الحياة، لقد صار وجهه كصحيفة رماديّة ملتويّة، كُتب عليها بقلم معوج وبلغة شيطانية غريبة " خائن " !! وإن كان قد عانق المسيح، إلاَّ أنَّ هوة عميقة كانت تفصل بينهما، امتصت تحذيراته وحجبت الحقيقة عنه فلم يبصر ولم يسمع!!

ويصيح الخائن بمكر " سَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!! " فكانت هذه الكلمات كطعنة خنجر فى قلب البار، لكنّه يتقبلها ولم يرفض قُبلته الخبيثة، لأنَّه يعرف أنَّها قطرة سم مُزج فى كأس آلامه، فكان يهوذا يحمل سلاماً من الخارج، أمَّا الداخل فسيفاً مسموماً بسم الخيانة، من الظاهر كان كحمامة وديعة لكنَّ الخفي كان حيّة مملوءة مكراً ودهاءً!

أمَّا الرب ففى حزن وإشفاق وبأُسلوب رقيق يشابه رنين الأوتار الفضية يُجيبه: " يَا صَاحِبُ لِمَاذَا جِئْتَ ؟ "،

لماذا ترتدي ثياب الحملان وأنت من الداخل تحمل قلب الذئب؟ لماذا تجعل من رمز السلام علامة التسليم؟ لماذا تخفى الغش وتُظهر الصداقة؟ لماذا تدعوني سيّدك وسيّدك هو الشيطان؟ أنا لست سيدك ولا معلمك لأنى لم أُعلّمك الخيانة ولا السرقة، وليس أحد يعلّم هذا إلاَّ الشيطان، لكنَّ كلماته لم تُرجع هذا الشرير إلى صوابه، بل كانت تُغذي الشيطان القابض على نفسه! وهكذا نرى يسوع لم يترك وسيلة إلاَّ وطرقها، وها هو يقرع قرعة أخيرة على باب قلبه لَعَلّه يفتح، فإن لم تفلح تكون علامة برفض الخائن إلى الأبد، عندئذ يناديه الرب باسمه: " يَا يَهُوذَا " وكأنَّه لا يزال يريد أن يتأكد من صحة الأمر فيقول: " أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ ؟ " (لو48:22).

وقد كان هذا الوداع الأخير للمرتد التعس، ذلك الشقي البائس، الذي انتصرت عليه الجحيم وتخلّت عنه السماء، الذي أنكر كل الخيرات التى أخذها من معلمه وسيده، وعوض الخيرات كافأه شراً!! ولهذا يقول مار يعقوب السروجيّ مُحدّثاً يهوذا بلسان المسيح:

" لماذا ترفض جميع خيراتي أيها التلميذ وعوض الصالحات الكثيرة تكافئ بالشر؟! مِنْ أجل مَنْ تُسلّمني بغضب عظيم؟! من حسدك وأفرزك مَنْ بين تلاميذي؟! ومَنْ نصب لك فخاً وقعت فى حبائله؟! مَنْ أظهر لك أنَّ حنّان رئيس الكهنة يُحبُّك أكثر من مُعلّمك؟! أو قيافا بأي حسن سباك من عندي؟ إن أبغضتني فمن هو حبيبك، أو مُحب لك أعظم منى؟! ".

  رد مع اقتباس