عرض مشاركة واحدة
قديم 09 - 10 - 2012, 07:03 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

رحلة الالام : 2 - عـبــد يغــدر بـمـولاه .... بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ


عـبــد يغــدر بـمـولاه

يهـوذا


العبد هو يهوذا الإسخريوطيّ، الذى اختاره المسيح ليكون له تلميذاً، وقد غمره بمواهبه وإحساناته، وأعطاه سلطاناً كسائر التلاميذ.. فصنع المعجزات مثلهم وأخرج الشياطين، وفى نفس الوقت كان كارزاً بين اليهود، ومُعلّماً للخطاة، مع أنَّه كان فى الداخل بعيداً عن تعليم المسيح!

عهد إليه المسيح بمهمة ألا وهى: أمانة الصندوق، فصار مُدبّراً للمال، وليّاً على الفقراء والمساكين، وإذ كان طمّاعاً نهب ما كان يوضع بالصندوق، ولهذا السبب انتقد مريم عندما سكبت الطيب على قدمي يسوع فى بيت سمعان الأبرص (يو12: 6)، معتبراً نفسه من المحسنين، المدبّرين، فكان يتظاهر بأنّه يهتم بالفقراء، وهو يسعى لإهلاك أب الفقراء والمساكين.

لا نُنكر أنّه كان موضع ثقة التلاميذ، والدليل أنَّ ليلة التسليم عندما أعلن المسيح عن مُسلّمه، لم يخطر على بال أحد منهم أنّه يقصد يهوذا (مت21:26)، فكيف إذن سقط هذا النجم العظيم؟! كيف الذي وعظ الناس بالمسيح يسلم المسيح؟! والذي وهب النظر للعميان هو نفسه يُصاب بعمى القلوب؟! وكيف الذي أخرج الشياطين يدخله الشيطان؟! لماذا تحوّل الحمل إلى ذئب وبدأ يعض راعى الخراف؟!

محبة المال أصل الشرور

لابد أنَّ خطية كان يهوذا يخفيها فى قلبه، وهى التى دفعته إلى ارتكاب هذا الفعل الأثيم، لقد كانت محبة المال تملأ قلبه وهى التى جعلت الثلاثين من الفضة أفضل عنده من المسيح، ألم يقل بولس الرسول: " مَحَبَّةَ الْمَالِ اصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ الَّذِي اذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا انْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ " (1تى10:6).

إنَّ حُبّه الفضة جعله يبيع خالق الفضة، باع المجد الذى ليس له ثمن، وهو لا يدرى أن هؤلاء الأشرار لم يعطوه إلاَّ ثمن حبل المشنقة!! لأن المسيح لا يُقدّر بمال، وهكذا نسى يهوذا أننا " لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ وَوَاضِحٌ انَّنَا لاَ نَقْدِرُ انْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ " (1تى7:6)، وأنَّ " التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ " (1تى6:6).
ولم يخطر على باله أنَّ المال ليس سوى ينبوع من الينابيع الجافة الكثيرة، التي اخترعها العالم لنفسه اللهو وللمسرات.. وهو أشبه بالسراب الخادع، الذى يراه السائر فى الصحراء ماءً، وبعد أن يركض نحوه فسرعان ما يتأكد أن ما رآه إنَّما هو وهم وخيال!

قال أحد الأثرياء:


" بالأمس كنت غنياً بسعادتي واليوم فقيراً بمالي، ما كنت أحسب أنَّ المال يطمس عين نفسى ويقودها إلى كهوف الجهل، ولم أدرِِ أنَّ ما يحسبه الناس مجداً كان لي جحيماً، أهذا هو المال؟! أهذا هو الإله الذى صرت كاهنه؟! من يبيعنى فكراً جميلاً بقنطار من الذهب؟! من يأخذ قبضة من الجواهر بدقيقة محبة؟! من يُعطيني عيناً ترى الجمال ويأخذ خزائنى؟! ثم قام من مكانه ولمَّا وصل إلى قصره نظر إليه وأشار بيده نحوه كأنّه يرثيه وكل ما فيه وقال بصوت عالٍٍ: أيها الشعب السالك فى الظلمة، الراكض وراء التعاسة، المتكلّم بالحماقة، متى تأكل الشوك وترمى الثمار والزهور إلى الهاوية؟! متى تسكن الوعر والخرائب تاركاً بستان الحياة؟! لماذا ترتدي الثياب البالية وثوب البر قد حِيك من أجلك؟! لقد انطفأ سراج الحكمة فاسقه زيتاً، وخرّب اللصوص كرم السعادة فاحرسه، أوشكت خزائن راحتك على الإفلاس فانتبه!! ".

إنَّ حياتنا أيها الأحبّاء ليست فى امتلاء خزائنا بالأموال، ولكنّها فى امتلاء قلوبنا بالسلام الروحانيّ، سلام الله الذي يفوق كل عقل، والمال لم يكن فى يوم وسيلة للحصول على هذا السلام، لأنّه لا يمس إلاَّ الحواس الخارجية فقط، وأمَّا الحواس الداخلية فلا يستطيع أن يصل إليها، ماذا جنى عخان بن كرمى من حُبّه للمال؟ لم يجنِ سوى السرقة، وماذا فعلت به السرقة؟ قادته إلى المـوت رجماً بالحجـارة (يش25:7)، وأيضاً جيحزي تلميذ إليشع النبيّ، لم ينل من الاختلاس سوى مرض البرص (2مل27:5).

تتحوّل الحياة إلى سجن إذا غلّف المال جدران بيوتنا، عندئذ يكون المال هو السلسلة التي تربطنا فتحرمنا الخروج من منازلنا، خوفاً من أن يأتى لصوص ويسرقوا أموالنا! حياتنا على الأرض رغم قصرها إلاَّ أنّها نقطة البداية للحياة الأبدية، والمال ليس هو النبع الذى منه ينطلق النهر بين الجبال والصخور وعلى السهول.. حتى يصب فى بحر الأبدية، إنَّما القداسة هى النبع الذي منه تنطلق المياه ولا تكف عن الجريان حتى تصب فى بحر الأبدية.

شهوات أُخرى


كان حُب المال هو الباعث الأقوى لخيانة يهوذا، لكنّه لم يكن الحافز الوحيد، وإلاَّ ما اكتفى أن يأخذ من اليهود ثلاثين من الفضة ثمن تسليمه ليسوع، بل لانتهز الفرصة ليأخذ مبلغا أكبر، ولكان أفضل له أن يبقى أميناً للصندوق يختلس منه ما شاء، لكنَّ الحقيقة إنَّ شهوات أُخرى كانت تتأجج نيرانها فى قلبه، فلابد أنَّه ظن أنَّ المسيح قد جاء ليُقيم مملكة أرضية كسائر الممالك، فطمع كما طمع يعقوب ويوحنا ابنا زبدي فى منصب رفيع (مت21:20)، فلمَّا خاب أمل يهوذا عرض عنه ونفر منه، وتحوّل من تلميذ له إلى عدو ضده.

هذا وقد علل القديس يوحنا الحبيب مسلك يهوذا البشع بعبارة بليغة قالها وهى " دخله الشيطان " (يو13: 7)، ويؤكد هذا ما قاله يسوع: " أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ الاِثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ! قَالَ عَنْ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ لأَنَّ هَذَا كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يُسَلِّمَهُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ " (يو70:6،71).

لقد نظر يهوذا إلى ممالك الأرض الواسعة، ومدن داود وسليمان الرائعة، واشتهى أن يشهر سيفه مع سيوف التلاميذ لينتصر المسيح، ويكون له مكان على عرش فى إحدى الولايات، فما أروع المملكة فى الصباح وهى ترتدى ثوبها الفضيّ، وما أبهاها فى المساء وهى تتزين بزيها الذهبيّ، أمَّا خاتم المُلك فما أجمله بين أصابع الأمراء، وتاج العرش ما ألمعه على جباه الولاه.

ولكن يهوذا لم يخطر على باله أن وراء ما ينظر ملكوت أسمى يحكمه من غدر به! وهل يمكن لمن يحوط الأرض بجناحيه أن ينشد ملجأ فى عش مهجور؟! أم هل يرتفع الحي ويتشرّف بواسطة لابسي الأكفان؟!
إن مملكة المسيح ليست من هذه الأرض، وعرشه لم يُبنَ على جماجم الموتى، أمَّا رأسه فلم ترغب سوى تاج الأشواك، وعلى كل الذين يرغبون مملكة أُخرى غير مملكة الروح، أن ينحدروا إلى مقابر أمواتهم حيث يعقد ذوو الرؤوس المتوّجة منذ القديم مجالسهم فى قبورهم، ليعطوا مجداً لعظام جدودهم وآبائهم!

فلا عجب إن تخيل يهوذا نفسه أميراً، يُعامل الرومان بقسوة مثلما عاملوا اليهود، خاصة وأن يسوع قد تكلم عن مملكته، فاعتقد أنه اختاره قائداً ولذلك تبعه برضى، ثم اكتشف أنه لم يأتِِِ ليؤسس مملكة أرضية، أو أن يُحررهم من ذل الرومان واستعبادهم، لأنَّ مملكته لم تكن سوى مملكة القلب، ولهذا يُخيل إلي أنَّ روح يهوذا كانت تتمرر وقلبه يتحجّر، عندما كان يسوع يتكلم عن المحبة والرحمة وفضائل الروح! لأنَّ ملك اليهود الذي تمنّاه تحول فى نظره إلى عازف على القيثارة لكي يسكّن حِدة أفكار البشر!

لا نُنكر أنَّه أحبّه ولكن مثل غيره من النفعيين، ولأنَّ من طبيعة النفعيّ أن يتنقل من شخص إلى آخر حسبما تقتضى المصلحة، كان ولابد ليهوذا أن يبتعد عن المسيح، ولكنه نسى أن الأنانيّ يعيش على حساب نفسه قبل أن يعيش على حساب الآخرين!! فلمَّا رأى أن يسوع لم يحرك يداً لتحريرهم من ذلك النير، ملأ اليأس قلبه وتبددت جميع آماله، فقال فى نفسه: إنَّ من يقتل آمالي ويُبدد أحلامي لابد أن يُقتل!
  رد مع اقتباس