إشعياء – الإصحاح العاشر
هجوم آشور على يهوذا ومعاقبة آشور
يحوى هذا الإصحاح ويلين ، الويل الأول ضد رؤساء الشعب بسبب شرهم ، والثانى ضد أشور لأن الله سمح له بغزو يهوذا للتأديب فإذا به ينتفخ على الله ويجدف عليه ، حاسبا أن آلهته غلبت إله إسرائيل .
يرى البعض أن هذا الإصحاح كتب فى السنوات الأولى من حكم حزقيا ملك يهوذا ، بعد سقوط السامرة فى يد سرجون ملك آشور ( إش 10 : 11 ) .
( 1 ) الويل الأول ضد القيادات 1 – 4
يرى البعض أن الويل الموجه ضد القيادات هنا هو تكملة لما ورد فى الإصحاح السابق عن كبرياء إسرائيل ، ويدللون على ذلك أنه انتهى أيضا بالعبارة التى تكررت قبلا : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " ( إش 9 : 12 ، 17 ، 21 ؛ 10 : 4 ) ، بهذا يكون الحديث موجها ضد قيادات الأسباط العشرة ( إسرائيل ) . غير أن تكملة الحديث موجه إلى أورشليم عاصمة يهوذا لهذا يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا ينطبق على قيادات المملكتين لأنهما تشابهتا فى الشر .
يكشف الله تصرفات القادة الجائرة ، التى تتركز فى القضاء بالباطل والحكم بالظلم ( إش 10 : 1 ) ، يدون الضعفاء عن التمتع بحقوقهم المسلوبة ، ويسلبون حق البائسين خاصة الأيتام والأرامل ( إش 10 : 2 ) : وكما يقول الحكيم : " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التى تجرى تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم ومن يد ظالميهم قهر " جا 4 : 1 .
الآن إذ يدرك إشعياء عدل الله خاصة فى دفاعه عن الضعفاء يسأل هؤلاء القادة : " وماذا تفعلون فى يوم العقاب حين تأتى التهلكة من بعيد ؟ إلى من تهربون للمعونة ؟ وأين تتركون مجدكم ؟ إما يجثون بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى " إش 10 : 3 ، 4 . العقاب قادم لا محالة خاصة تجاه القيادات الدينية والمدنية .
ومع هذا كله لا زال الله يمد يد محبته ليخلصهم من شرهم : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 10 : 4 .
( 2 ) الويل الثانى ضد أشور : 5 – 19
سبق أن تحدث النبى عن قوة أشور العسكرية وجبروته ونصرته حتى على شعب الله ، كما أكد أن ما حل بالشعب هو بسماح الهي للتأديب ، لكن أشور تعظم على الله وحسب بغلبته هذه أنه غلب إله هذا الشعب وأذله ... لهذا يعود الله فيؤدب أشور نفسه المتعالى والمتعجرف .
اعتاد إشعياء النبى أن يتحدث بجرأة وصراحة فبينما يدعو أشور قضيب غضب الله وعصاهم هى سخط الرب ( إش 10 : 5 ) ، لكون أشور أداة لتحقيق تأديبات الرب ، نجده يدعو شعب الله " أمة منافقة " و " شعب سخط الله " إش 10 : 6 ، لأن هذا الشعب قد حمل صورة العبادة من الخارج بينما دب الفساد فى حياتهم الداخلية .
لم يدرك أشور هذه الحقيقة أنه مجرد أداة للتأديب ( إش 10 : 7 ) إنما فى كبرياء قال :
" أليست رؤسائى جميعا ملوكا ؟! " ( إش 10 : 8 . بمعنى أن الولاة الذين يقيمهم ملك أشور تحت قيادته هم جميعا ملوك ، فماذا يكون مركزه هو ؟! إنه ملك الملوك !!
قال أيضا : " أليست كلنو مثل كرمشيش ؟! أليست حماة مثل أرفاد ؟! أليست السامرة مثل دمشق ؟! " إش 10 : 9 .
هكذا لم تقف أمام أشور أعظم مدن الحثيين أو الأراميين ، فهل تقف أمامه مدن يهوذا وإسرائيل ؟! لقد حسب أشور نفسه أنه غلب آلهة الأمم وأوثانها التى تحميها فلن يقف إله إسرائيل أو يهوذا قدامه ( إش 10 : 10 ، 11 ) ، ظانا أنه على ذات مستوى هذه الأصنام .
لقد سمح الله له بذلك ، لكنه يعود فيؤدب أشور على سخريته به : " فيكون متى أكمل السيد كل عمله بجبل صهيون وبأورشليم إنى أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه ، لأنه قال : بقدرة يدى صنعت وبحكمتى ، لأنى فهيم ، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحططت الملوك كبطل ، فأصابت يدى ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف " إش 10 : 13 ، 14 .
هكذا ظن أشور أنه بقدرته وحكمته صنع أعمالا خارقة ...
لم يدرك أشور أنه كان فأسا أو منشارا يستخدمه الله للتأديب ، فتشامخت الأداة على من يستعملها .
لذلك يقوم الله بتأديبه هكذا :
أ – يرسل على " سمانه " ، أى أبطال جيشه الجبابرة ، هزالا ( إش 10 : 16 ) .
ب – يوقد تحت " مجده " ، أى جيشه ، وقيدا كوقيد النار ( إش 10 : 16 ) ، فتلتهمه ليصير رمادا . يصير الله " نور إسرائيل " نارا آكلة لأشور ، والقدوس لهيبا يحطم العدو ( إش 10 : 17 ) . بمعنى آخر الله الذى هو نور للمؤمنين وسر تقديس لحياتهم يكون نارا آكلة ولهيبا للأشرار المقاومين .
ج ـ يفنى جيشه فيبقى عدد قليل ( أشجار وعرة ) يستطيع صبى أن يكتب اسماءهم ( إش 10 : 19 ) ، هذا من جهة العدد أما من جهة القوة فيفقدون طاقتهم النفسية والجسدية ويكونون كمسلول يذوب ( إش 10 : 18 ) .
( 3 ) الناجون من إسرائيل 20 – 23
كثيرا ما تحدث الأنبياء عن " البقية " التى تخلص ، قصدوا بها القلة القليلة التى تبقى أمينة للرب وسط انهيار القيادات الدينية وفساد القضاة والرؤساء والشعب أيضا . هذه البقية التى تنجو من ظلم أشور لا تفرح بعودتها إلى أورشليم إنما هو أعظم ، تفرح بلقائها مع الله القدير نفسه ( إش 10 : 21 ) .
اقتبس الرسول بولس قول إشعياء النبى ( 10 : 22 ، 23 ) قائلا : " وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل وإن كان عدد بنى إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص ، لأنه متمم أمر وقاض بالبر ، لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض " رو 9 : 27 ، 28 .
كان هذا القول يحمل نبوة عن المسبيين إذ كانوا كثيرين جدا بالنسبة للقلة القليلة التى تنجو من الأسر ... وأن الله سمح بذلك ، طبق الرسول هذه النبوة بصورة أشمل على العصر المسيانى حيث يؤسر عدد كبير جدا من اليهود تحت الجحود رافضين الإيمان بالمسيا ، وقليلون هم الذين يخلصون بقبولهم المسيا المخلص ، وقد سمح الله بذلك لأجل البر ، ليفتح الباب للأمم .
( 4 ) لا تخف يا شعبى : 24 – 27
يرى بعض الدارسين أن النبوة هنا تشير إلى الحدث التالى : عندما رفض حزقيا بن آحاز وخليفته دفع الجزية هاجم سنحاريب الأشورى يهوذا بجيش قوى وحاصر أورشليم وكان على وشك استلام المدينة ، لكن الله أمر بخلاصها . قتل الجيش وهرب سنحاريب حيث قتله أبناؤه .
يطالب الله شعبه ألا يخاف من أشور فإنه سيباد ، إذ يقيم الله عليه سوطا ( إش 10 : 26 ) ، يضربه بملاكه ضربة قاتلة ( 2 أى 32 : 21 ) ، كما سبق فضرب غراب أمير مديان ( قض 7 : 25 ، مز 83 : 11 ) ، وكما ضرب فرعون وجنوده فى بحر سوف خلال عصا موسى ( إش 10 : 26 ) ، هكذا يبيد الله أشور لينزع هذا النير عن كتف شعبه ( إش 10 : 27 ) وعن عنقه بسبب السمانة ( الدهن ) ، لأجل المسحة المقدسة التى نالها داود الملك وبنوه من بعده .
( 5 ) الغزو الأشورى ليهوذا : 28 – 32
قبل الحديث عن سقوط أشور تحدث النبى عن الغزو الأشورى ليهوذا ليوضح قدراته الحربية الجبارة وسرعة تقدمه نحو أورشليم العاصمة مع ضعف مقاومة يهوذا بل وانعدامها ، وكيف ارتعب يهوذا وارتعد ( إش 10 : 28 – 32 ) . قدم النبى وصفا شاعريا يكشف عن مرارة مدن يهوذا ، لكن أشور يتوقف عند نوب ( مدينة للكهنة تقع فى شمال أورشليم ) ، ربما ليستريح الجيش ويستعد لمواجهة أورشليم . لقد وقف سنحاريب هناك ليرفع يده ويمدها مهددا أورشليم ( إش 10 : 32 ) فظهر كشجرة شامخة منعجرفة . هدد بسحق أورشليم ولم يدرك أن الله قد سمح بسحقه هو ولينزع عنه أغصانه التى يتشامخ بها .
( 6 ) سقوط أشور 33 – 34
يعلن الله تحطيم أشور تماما ، فإنه يقضب أغصانه بل وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينزل مجده إلى التراب ( إش 10 : 33 ، 34 ) ، هذه هى ثمرة الكبرياء !