الأصحاح الخامس
السفر المختوم
بعدما كشف لنا عن المشهد السماوي يوضح لنا اهتمام السماء "بالسفر المختوم":
1. السفر المختوم 1 - 4.
2. فاتح السفر 5 - 14.
1. السفر المختوم
"ورأيت على يمين الجالس على العرش
سفرًا مكتوبًا من داخل ومن وراء،
مختومًا بسبعة ختوم" [1].
رآه الرسول عن يمين العظمة الإلهيّة، أي في مكان مُكرم لا يقدر مخلوق ما مهما بلغ سموه أن يفتحه أو حتى يلمسه. فماذا يكون هذا السفر؟
1. يقول ابن العسال: [إنه الدرج... والرمز بالسفر على احاطة العلم الإلهي بما في مضمونه، وثباته على ما سيأتي.]
2. ويقول الأسقف فيكتورينوس: [هذا السفر يعني العهد القديم الذي تسلمته أيدي ربنا يسوع المسيح الذي أخذ الحكم من الآب]، أي ليحقق النبوات الواردة فيه منذ تجسده إلى يوم مجيئه على السحاب للدينونة ومكافأته للأبرار وإدانته للأشرار.
3. ويرى العلامة أوريجينوس والقديس جيروم وطيخون الإفريقي أن السفر المختوم هو الكتاب المقدس بعهديه، إذ هو سفر واحد يعلن مقاصد الله ومحبته للبشر وتأديباته لهم.
وهو مكتوب من داخل ومن وراء، لأن معانيه الظاهرة تحمل في طياتها معانٍ عميقة.
والكتابة من داخل تشير إلى العهد الجديد الذي يدخل بالنفس إلى أعماق الشركة مع الله، والكتابة من وراء تشير إلى العهد القديم الذي هو بمثابة غشاء للعهد الجديد، إذ يحوى رموزًا وظلالاً ونبوات لا يفسرها إلاّ العهد الجديد.
أما سرّ ختمه بسبعة ختوم، فهو بسبب احتجاب معانيه ومفاهيمه عن فهم البشر بسبب اعتمادهم على حكمتهم البشرية، وكما يقول النبي: "توانوا وابهتوا، تلذذوا واعموا... وصارت لكم رؤيا الكل مثل كلام السفر المختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة، قائلين: اقرأ هذا، فيقول لا أستطيع لأنه مختوم" (إش 29: 9-11).
وقد فسّر القديس جيروم هذه الختوم في رسالته إلى الأسقف Paulinus بقوله: [ظهر في سفر الرؤيا كتاب مختوم بسبعة ختوم، هذا الذي متى سلمته لواحدٍ متعلمٍ قائلاً له: "اقرأ هذا"، يجيبك: "لا أستطيع لأنه مختوم!"
كم من كثيرين اليوم يظنون في أنفسهم أنهم متعلمون، لكن الكتاب المقدس بالنسبة لهم مختوم ولا يستطيع أحد أن يفتحه إلاّ بواسطة ذاك الذي له مفتاح داود، "الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح"
(رؤ 3: 7).
هذا السفر هو الموضوع الشاغل للسماء كلها، إذ يقول الرسول: "ورأيت ملاكًا قويًا ينادي بصوت عظيم: من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه؟" [2].
لقد أخذ ملاك من طغمة سماوية عالية بالمناداة لعله يجد من يفتح السفر ويفك ختومه، أي يكشف أسراره معلنًا مقاصده. إنه بلا شك يعلم أن هذا السفر يخص البشرية وخلاصهم وميراثهم مع تأديبهم، فمع أنه ملاك لا يطمع في مجد أعظم مما هو فيه، ولا يخاف أحداثًا تتم في السماء أو على الأرض لكن بروح سيده، روح الحب، يصرخ مشغولاً بنا مهتمًا بما يحدث لنا!
عجبًا من أولئك الذين يجعلون من الملائكة أرواحًا جامدة بلا مشاعر ولا محبة، وكأنهم قطع حجرية تخدم الله بلا حب، لكنهم بالحق محبون، عاملون بروح الرب.
ولعلنا ندرك محبة الملائكة لنا إذ نحس في نبرات هذا الملاك الألم، لأنه يتوق إلى أمر خلاصهم إذ "تشتهي الملائكة أن تتطَّلع عليها" (1 بط 1: 12)، كما يدرك أن في فتح السفر ابادة لموت البشر وبالتالي خلودهم في عدم فساد كقول الأسقف فيكتورينوس.
نادى الملاك من أجلنا، مشتاقًا أن نبلغ ما يكنّه قلب الله من حب إلهي، لكنه للأسف لم يجد من السمائيّين أو البشريين أو المنتقلين من هو مستحق أن يقرأ السفر أو حتى يطلع عليه. وهنا غُلب يوحنا الحبيب على أمره، فأخذ يبكي بكاء مرًا، مظهرًا ضعف الطبيعة البشرية.