08 - 10 - 2012, 06:44 PM
|
رقم المشاركة : ( 9 )
|
..::| VIP |::..
|
رد: موضوع متكامل لتفسير سفر الرؤيا كتابيا
6. إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا
1. من هو؟
"واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا"، قيل إنه الأسقف كوذرانوس، غير أن القديس إيرونيموس يقول بأن هذا الأب كان أسقفًا على أثينا وليس على فيلادلفيا.
2. وصف الرب
أ. إذ اتسمت هذه الكنيسة بالتراخي في العمل، لهذا يقدم الرب نفسه لها قائلاً: "هذا يقوله القدوس" [7]. وأنه يكفي للمخلوقات الحية الأربعة (رؤ 4) أن تدرك في الرب أنه قدوس لتسجد له على الدوام ليلاً ونهارًا بلا ملل. وما أن يسمع الأربعة والعشرون قسيسًا السمائيون الأربعة مخلوقات الحية يقولون "قدوس، قدوس، قدوس" حتى يقوموا من على كراسيهم ويخلعوا أكاليلهم، ويلقونها عند رجليه ساجدين. وهم يصنعون هذا منذ خلقتهم إلى يومنا هذا ويبقون هكذا إلى الأبد في شوق وهيام نحو هذا القدوس لا يعرفون ماذا يقدمون له.
هكذا عندما يدرك الإنسان حقيقة قداسة الله يلتهب بنيران الحب المتأججة نحو عبادة الرب والسجود له وخدمته بلا ملل!
ب. يقدم نفسه على أنه "الحق"، حتى تترك هذه الكنيسة تراخيها لتسلك طريق الحق.
ج. يقدم لها نفسه "الذي له مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح". هذا الوصف الذي سبق أن أعلنه إشعياء في ألياقيم رمز المسيح (22: 21). وكأن الرب يشجع كنيسته قائلاً: لماذا تتراخين في العمل وأنا وحدي أفتح لكِ أبواب السماء، وأغلق عليكِ، فلا يقترب منك إبليس. أما المفتاح الذي به يفتح فهو:
أ. يرى القديسان كيرلس الكبير وإيرونيموس أنه سلطان الحل والربط الذي وهبه الرب لعروسه خلال تلاميذه (مت 16: 19).
ب. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه الصليب الذي به يفتح لنا الرب باب الفردوس، ويدخلنا الملكوت كما يغلق به في وجوهنا الجحيم وجهنم.
ج. يرى القديس غريغوريوس صانع العجائب أن هذا المفتاح هو فهم الكتاب المقدس وخاصة النبوات، لأن روح المسيح الذي كتب النبوات هو وحده القادر أن يوضحها ويكشفها.
3. حال الكنيسة
"أنا عارف أعمالك،
وهأنذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا،
ولا يستطيع أحد أن يغلقه،
لأن لك قوة يسيرة،
وقد حفظت كلمتي ولم تنكر اسمي" [8].
بالرغم مما اتسمت به هذه الكنيسة من تراخٍ في العمل، لكنه يعرف أعمالها القليلة ولا ينساها. إن كل صلاة مهما بدت فاترة، وكل صدقة، وكل مثابرة مهما بدت هينة لا يتجاهلها الله، جاعلاً باب الخلاص مفتوحًا أمامنا. من أجل القليل يقدم الله الكثير.
ولعل الباب المفتوح هنا هو باب الخدمة الفعال (1 كو 16: 9)، فإذ كانت له قوة يسيرة في الكرازة والرعاية يهبه الله قوة للخدمة غير ناسٍ أنه حفظ كلمته ولم ينكر اسمه، من أجل هذا يقول له:
"هنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان،
من القائلين أنهم يهود وليسوا يهودًا، بل يكذبون.
هانذا أصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليكِ،
ويعرفون أني أنا أحببتك.
لأنك حفظت كلمة صبري،
أنا أيضًا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله
لتجرب الساكنين على الأرض [9-10].
بالرغم من ضعف الجهاد لكن الله لا ينسى هذا التعب. من أجل هذا يعطيه الرب نعمة فيحطم قوة الشيطان التي لبست مجمع اليهود كآلة في يده. وهنا يقدم لنا الرب مبدأين:
أ. المبدأ الأول أننا لسنا كفاة من أنفسنا للعبادة أو للخدمة لكن كفايتنا من الله (2 كو 3: 5). إننا بنعمة الله أكفاء وقادرون على تحطيم قوة الشر بكل شجاعة وثقة. نحن في ذواتنا "كأن لنا في أنفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله الذي يقيم الأموات، لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفيةٍ ليكون فضل القوة لله لا منا" (2 كو 1: 9؛ 4: 7).
ب. المبدأ الروحي الثاني أننا نكون أمناء فيما بين أيدينا يهبنا الله الأمانة فيما يفوق طبيعتنا. نتحفظ من الشر قدر استطاعتنا، فيحفظنا الرب مما هو ليس بإرادتنا. نعمل بأمانة الآن، فيهبنا الله الأمانة في أشد لحظات الظلمة المقبلة.
4. العلاج والمكافأة
يتركز علاج التراخي في العمل في إدراك حقيقة مركز الإنسان وما أعده الله له في الحياة الأبدية بهذا يمتلئ رجاءً، فيعمل بفرح وثقة في غير يأس. لهذا يقول له الرب:
"ها أنا آتى سريعًا،
تمسك بما عندك،
لئلا يأخذ أحد إكليلك.
من يغلب فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي،
ولا يعود يخرج إلى خارج،
وأكتب عليه اسم إلهي،
واسم مدينة إلهي، أورشليم الجديدة،
النازلة من السماء من عند إلهي، واسمي الجديد.
من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" [11-13].
بهذا الرجاء يحمس الرسول أولاده قائلاً "هكذا اركضوا لكي تنالوا، وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى" (1 كو 9: 24-25).
إنه يعين رجاءنا بقوله: "ها أنا آتى سريعًا". فيليق بنا أن نتمسك بما عندنا من البركات التي نلناها، سالكين كما يليق كأبناء الله بالمعمودية وكهياكل مقدسة للروح القدس.
كما يحذرنا "لئلا يأخذ أحد إكليلك"، كما أخذ البشر إكليل الملائكة الساقطين، وأخذ يعقوب بركة عيسو (تك 25)، وأخذ يهوذا بركة رأوبين (تك 49)، وأخذ داود إكليل شاول، وأخذ متياس إكليل يهوذا، وأخذت الأمم البركة برفض اليهود.
وما هو إكليلنا أو رجاؤنا؟
أ. يصير الغالب "عمودًا في هيكل الآب". والعجيب أنه يدعو الآب "إلهي" مكررًا ذلك أربع مرات، مبينًا علاقة المسيح بالمؤمن الغالب في أبهي صورها، مظهرًا وحدة الحب اللانهائي حتى يدعو أباه معنا قائلاً عنه "إلهي". وهذا يكفي أن يكون إكليلنا. هذه الوحدة التي لا نستحقها ولا يقدر الفكر أن يتصورها!
ب. يقيمنا أعمدة حية في السماء، والأعمدة تشير إلى النصرة كما أقام المكابيون أعمدة على قبورهم وهم ينقشون عليها أسماءهم (1 مك 13: 29). ويرى الأسقف فيكتورينوس أن الأعمدة هي زينة البناء، لهذا يكون الرعاة الغالبون هم زينة المؤمنين في السماء في يوم الرب العظيم. وقد دعا الرسول بولس يعقوب ويوحنا وبطرس أعمدة الكنيسة (غلا 2: 9) ودعا "كنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته" (1 تي 3: 15).
ج. لا يعود يخرج إلى خارج. كالعمود الذي يرتكز عليه البناء، وكابن يبقى إلى الأبد (يو 8: 35)، هكذا يكون حال الغالبين في الأبدية.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [من لا يشتاق إلى المدينة التي لا يخرج منها صديق ولا يدخلها عدو!]
د. ينقش على العمود ثلاثة أسماء هم المنتصرون المخفيون:
أولاً: اسم الآب، فإن كل نصرة تسندها محبة الله وتدبيره الخفي.
ثانيًا: اسم مدينة الله، أورشليم الجديدة النازلة من السماء. المدينة المنتصرة على كل قوى الشر، وهي تبقى منتصرة إلى الأبد لا تصيبها عوامل زمنية ولا يهاجمنا عدو بعد.
ثالثا: اسم السيد المسيح الجديد، وربما يكون الاسم "الحمل" إذ يتكرر في سفر الرؤيا حوالي 28 مرة، لكن على أي الأوضاع سيسجل على كل مؤمن اسم الرب، ليس بلغة بشرية، بل بالوحدة الخفية والرباط الأبدي بيننا وبينه كأعضاء في جسده.
ويبقى اسم الرب جديدًا في تذوقنا له في الأبدية، لا يشيخ ولا يمل المؤمن من التلذذ بنطقه والاستمتاع بحلاوة عذوبته.
|
|
|
|