ماذا بقي إذن أن يقال في مديح بطرس ؟
لقد أغفل أصحاب الرأي الآخر كل هذا الذي ذكرناه ، وركزوا علي نقطتين ، سنحاول أن نتناولهما الآن بشئ من التحليل والتعليق :
إعتراضان ، والرد عليهما
الأول : يقولون إن مرقس عندما ذكر إعتراف بطرس بالمسيح ، لم يذكر بعدها تطويب الرب له وإعطاءه المفاتيح
الثاني : أن مارمرقس أغفل مشي بطرس علي الماء
إعتراف بطرس بالمسيح، ولم يذكر بعدها تطويب الرب له
الأول :
يقولون إن مرقس عندما ذكر إعتراف بطرس بالمسيح ، لم يذكر بعدها تطويب الرب له وإعطاءه المفاتيح وقوله له " كل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاً في السموات ، وكل ما تحله علي الأرض يكون محلولاً في السموات " ( مت 16 : 13 - 19 ) . في الواقع أن مارمرقس أراد أن يركز علي شخصية المسيح وحده . فلم يذكر هذا عن بطرس ، كما لم يذكر هذا عن باقي الرسل أيضاً .
فلم يذكر قول الرب لهم كما ورد في إنجيل متي " الحق أقول لكم كل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء ، وكل ما تحلونه علي الأرض يكون محلولاً في السماء " ( مت 18 : 18 ) . كما لم يذكر أيضاً ما ورد في إنجيل يوحنا أن الرب نفخ وقال لهم " إقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 20 : 22 ، 23 ) .
لماذا هذه الحساسية إذن من جهة بطرس الرسول ؟!
إن أشياء كثيرة لم يسجلها مارمرقس ، تمر في هدوء ، فلماذا لا يمر أيضاً بنفس الطريقة ما يخص بطرس الرسول . إن مارمرقس لم يذكر شيئاً مثلاً في مديح يوحنا الرسول . فعندما قبض علي الرب ، قال مارمرقس " وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلي داخل دار رئيس الكهنة " ( 14 : 54 ) . وفي الواقع أن بطرس لم يتبع الرب وحده وقتذاك ، بل كان هناك تلميذ آخر تبعه أيضاً ( يو 18 : 15 - 17 ) . وأغفل مارمرقس هذا التلميذ الآخر . ولم نأخذ هذه دلالة علي علاقة بين هذا التلميذ ومرقس .
لماذا إذن هذه الحساسية من جهة بطرس ؟!
لم يذكر مارمرقس أيضاً أن يوحنا كان يتكئ في حضن الرب ، وأن الرب كان يحبه . ولم يذكر أن بطرس طلب وساطة يوحنا ليعرف من هو الذي سيسلم المسيح . ولم يذكر أن يوحنا كان واقفاً عند صليب المسيح ، وأن الرب قد عهد إليه بأمه العذراء ، وإعتبره إبناً خاصاً لها ... ومع ذلك نمر نحن علي هذا الإغفال ليوحنا ببساطة ، ولا نستنتج منه مطلقاً أن يوحنا أوصي مرقس من باب الإتضاع ألا يكتب هذا عنه ولو من باب التلميح مثلما فعل يوحنا فيما بعد ...
فلماذا إذن هذه الحساسية من جهة بطرس الرسول ؟.
ولم يذكر مرقس مديح آخرين ورد مدحهم في باقي الأناجيل . لم يذكر دعوة فيلبس ونثنائيل ، ولا مديح الرب لنثنائيل ، ولا إعتراف نثنائيل بأن المسيح هو إبن الله ، قبل إعتراف بطرس بسنين ( يو 1 : 43 - 51 ) . ولم يذكر مدح الرب ليوحنا المعمدان بقوله " الحق أقول لكم لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان .." ( مت 11 : 11 ) .
في الواقع أن مرقس الرسول كان هدفه أن يركز علي شخص المسيح بالذات . فلما وصل إلي إعتراف بطرس بأنه المسيح إبن الله إكتفي بهذا . ولم يشأ أن يستطرد في تفاصيل الحديث ، لأن ذلك لم يكن هدفه . نلاحظ أيضاً أن لوقا البشير فعل مثلما فعل مارمرقس تماماً ، وذكر إعتراف بطرس بالمسيح ، وإكتفي بهذا دون ذكر ما بعده من تطويب ( لو 9 : 18 - 20 ) ولم يأخذ أحد هذا الأمر دلالة علي أن لوقا أخذ معلوماته عن بطرس ، أو أن بطرس طلب إلي لوقا أن يمتنع عن ذكر مدحه تواضعاً !!.
أما يوحنا الرسول ، فلم يعرض لهذا الحادث كلية . وبالتالي لم يذكر شيئاً عن هذا السلطان الذي دفع إلي بطرس ، وفي نفس الوقت ذكر هذا السلطان مدفوعاً للرسل جميعاً ( 20 : 22 ، 23 ) . ولم يقل أحد أن بطرس كان له تأثير علي يوحنا في إغفال هذا الأمر تواضعاً منه ...