ج- قلة إقتباسه من العهد القديم
+ يعتبر إنجيل متي من أكثر الأناجيل إقتباساً من العهد القديم ، لأنه كتب لليهود . أما مارمرقس الذي كتب للأمم فإن إقتباسه من العهد القديم أقل بكثير من متي ومن لوقا أيضاً .
تقديم السيد المسيح للرومانيين ( للأمم )
+ كان مارمرقس يعرف أن الرومان أهل عمل لا فكر ، فقدم لهم المسيح في عمله وقوته ، وإهتم بأعماله أكثر مما إهتم بتسجيل أقواله . وكان يعرف أن الرومان معتزون بقوتهم كدولة تحكم العالم ، فقدم لهم المسيح القوي إبن الله صاحب السلطة علي كل شئ
سرعة مذهلة في العرض
+ كان مارمرقس يعرف أن الرومان أهل عمل ، مشغولون بالتجارة والسفر والحرب وأشغالهم المتنوعة ، فدخل في موضوعه مباشرة ، بدون مقدمات . لم يتحدث عن أنساب المسيح ولا الحوادث السابقة لمجيئه كالبشارة مثلاً أو ولادة المعمدان أو زيارة العذراء لأليصابات ، أو ولادة المسيح وطفولته ، وإنما بدأ بعمل المسيح من أول إصحاح . وبينما بدأ مار متي إنجيله بقوله " كتاب ميلاد يسوع المسيح إبن داود إبن إبراهيم " ،
بدأ مارمرقس إنجيله بقوله :" بدء إنجيل يسوع المسيح إبن الله " . إن الطريق يهئ قدام الملوك ، وهذا الملك الآتي هو إبن الله ، لذلك يوصف من يهئ طريقه بأنه ملاك ( 1 : 2 ) صوته صوت أسد " صارخ في البرية " ( 1 : 3 ) . هذا الملك الذي سيملك علي القلوب ، لابد أن يعد طريقه بالتوبة ( 1 : 4 ، 5 ) . ثم تتلاحق الحوادث بسرعة ... أمام هذا الملك . المعمدان يشهد بأنه لا يستحق أن يحل سيور حذائه ( 1 : 7 ) . السموات تنشق ، ويشهد له الآب أنه الإبن الحبيب ( 1 : 11 ) . والشياطين نفسها تشهد أنه قدوس الله ( 1 : 24 ) . والملائكة تخدمه ، والوحوش معه في البرية ( 1 : 13 ) .
وبينما يبدأ متي البشير في ذكر معجزات السيد المسيح الخاصة بالشفاء وإخراج الشياطين من الإصحاح الثامن في إنجيله ، نري مارمرقس يبدأ مباشرة من الأصحاح الأول فيقدم المسيح كصاحب سلطان علي الكل ... يذكر سلطانه علي الشياطين يأمرها فتطيعه ( 1 : 27 ) ، وسلطانه علي الأمراض ( 1 : 34 ) ، وتعليمه بسلطان وليس كاكتبة ( 1 : 22 ) كما ذكر شعبيته الكبيرة وكيف أن الناس " كانوا يأتون من كل ناحية " ( 1 : 45 ) ، وكيف صار له تلاميذ إستجابوا بسرعة لدعوته ( 1 : 16 - 20 ) .
كل هذا في الإصحاح الأول من الإنجيل حيث وضح مارمرقس خطته . وحيث كتب في تركيز وقوة ، وبتأثير عجيب . فلنبحث إذن تفاصيل هذه الأمور كلها في إنجيله ، الذي سار بنفس هذه السرعة والوضوح في تقديم قوة المسيح للرومان ، وكيف أن مملكته أعظم من مملكتهم التي يفتخرون بها ...