*** تاريخ البطاركة - القرن الرابع - محاضرة رقم 36 ***
تحدثنا سابقا عن بعض من بطاركة القرن الرابع الميلادى .. عن البطريرك بطرس خاتم الشهداء ثم تحدثنا عن البطريرك ارشلاوس وكيف انه لم ينفذ وصية البابا بطرس سلفه بحرم اريوس ورفض رجوعه ثانيا ثم موت ارشلاوس المفاجئ بعد حوالى 6 اشهر بعد اقامته بطريريكا , ثم حسب وصية البابا بطرس خاتم الشهداء تم اقامة البطريرك الكسندروس بعد موت اخوه البطريرك ارشلاوس ...
واليوم سوف نتحدث عن اشهر بطاركة القرن الرابع وباقى العصور هو البطريرك اثناسيوس الرسولى ...
هذا الموضوع طويل جدا وسوف اكتبه على مراحل متعددة ...
4- البطريرك اثناسيوس الرسولى :
----------------------------------
البطريرك العشرون
ولد بمدينة الاسكندرية سنة 296م من والدين مصريين ..
"1" "يدلك على قبطية اثناسيوس للقديس انطونيوس الذى لم يكن يعرف غير اللغة القبطية .. ولما كان اثناسيوس برومية بعث لرهبان مصر برسالة مكتوبة بلغتهم ولغته القبطية ... وقال مؤلف كتاب " الدار المنظوم " ص 30 وهو مارونى " ان اثناسيوس لما كان يكتب باللغة اليونانية احصى بين ابناء الكنيسة اليونانية مع كونه قبطيا " , وقال العلامة ستانلى " ان اوصاف شعره تشبه اوصاف شعر الموميات المصرية المحنطة اى " شعر خفيف اسمر اللون ضارب الى الحمرة " ولا عبرة بأن اسمه قد يغرى على الحكم بأنه يونانى اذ نجد فى التاريخ اسما يونانيا بحتا مثل " انطون " قد تسمى به لا مشاحة فى انه قبطى صميم " اه الكرمة 9 : 4 ص 184 " ...
نرجع ثانية الى الحديث عن والديه ..
كان والدى اثناسيوس مصريين وثنيين , كانا معتبرين لكثرة غناهما وشريف نسبهما , وكان وحيدا لهما , وتوفى والده وهو صغير , وحينما بلغ سن الرشد اخذت والدته تحسن له الزواج الا انه كان يرفض حتى انها سلطت عليه احدى البغيات لتفسد عفته فلم تفلح لان اثناسيوس كان يحب عشرة الله والاتقياء الذين نذروا انفسهم للرب , ورغب هو ايضا ان يكون واحدا منهم وبعد ذلك امنت امه وتعمدت على يد البطريرك الكسندروس ...
وذات يوم بينما كان البابا الكسندروس منتظرا مجئ بعض الاكليروس لتناول الطعام معهم وكان جالسا فى الشرفة كان بعض الغلمان يلعبون وكان ضمنهم اثناسيوس وكان يعمدهم اثناسيوس, ولما سألهم البطريرك ماذا يفعلون عرف ان اثناسيوس يعمد بعض الوثنين بطريقة صحيحة , وبعد مناقشات دارت بين البطريرك واكليروسه اتفق رأيهم على الاعتراف بصحة ذلك العماد والاكتفاء بأجراء خدمة التثبيت للمتعمدين ثم رشحوا اثناسيوس بعد ذلك لرتبة الكهنوت ...
واصبح اثناسيوس تلميذا لقداسة البابا الكسندروس واخذه من امه ووضعه فى البطريركية واعتنى به وبتهذيبه وتثقيفه بالعلوم , فبرع اثناسيوس براعة عجيبة ونال حظا وافرا من العلوم اللاهوتية والفلسفية حتى فاق اهل عصره فضلا عما كان متوشحا به من التقوى والقداسة ...
وقيل ايضا انه كان تلميذا للقديس انطونيوس ابى الرهبان واقتبس عنه فضائل النساك والمتعبدين ...
وعندما كان اثناسيوس تلميذا اصدر سنة 318م رسالة الى الوثنين دلت على غزارة مادته وقوة حجته فكان ذلك سببا فى ان اعجب به البابا الكسندروس فسامه شماسا وبعد ذلك صار رئيس شمامسة الكرسى البطريركى سنة 319م , ثم صار مساعد البطريرك يحيل عليه المشكلات والمعضلات ليكشف عن غوامضها ...
وفى هذه الاثناء ظهرت مواهب اثناسيوس مع حداثة سنة وهو الذى حضر المجمع الاسكندرى سنة 319م وامضى كرئيس شمامسة رسالة بطريركة ضد ارسيوس كما وجد اسمه محرا فى اكثر الرسائل البطريركية ...ثم تقدم فى الحرب ضد اريوس واستصحبه البطريرك معه الى مجمع نيقية , وهناك اخذ اثناسيوس رئيس الشمامسة ومشير البطريرك يفند اراء الاريوسيين ويبطل ادلتهم ويدحض براهينهم واظهر من الغيرة على ازلية المسيح ما جعله موضوع اعجاب اباء مجمع نيقية كلهم فأندهشوا من حذاقة لبه وصحة فكره حتى قيل ان قسطنطين الملك قال له قبل انفضاض المجمع كأنه يتنبأ له " انت بطل كنيسة الله " ...
وقال سقراط المؤرخ الكنسى " ان فصاحة اثناسيوس فى المجمع النيقاوى قد جرت عليه كل البلايا التى صادفته فى حياته "
مع ان اباء المجمع احتجوا على وجوده بصفته رئيس شمامسة فقط لكنه بعد افتتاح الجلسة صار يتكلم ويحاج خصومه كأنه هو بابا الاسكندرية بعينه ...
وبعد نياحة البابا الكسندروس انتخب اثناسيوس خلفا له بناء على وصيته , ومع ان اثناسيوس حاول الافلات من عبئ هذه الوظيفة الا ان الكنيسة لم تجد من يليق لها اكثر منه فبحثوا عنه كثيرا حتى وجدوه فى مكان اختبأ به فأحضروه بفرح شديد ورفعوه الى رتبة البطريركية فى اواخر سنة 326م , وفى شهر بشنس سنة 43ش فى عهد قسطنطين قيصر وكان عمره وقتئذ 28 سنة ووضع عليه الايدى لاول مرة خمسون اسقفا من اساقفة الكراسى المجاورة وقد حاول الاريوسيون ان يمنعوا انتخابه خوفا من مقاومته لهم فلم يفلحوا ....
هذا هو اثناسيوس بطل الارثوذكسية العظيم الذى قيل ان الله انتخبه ليريه كم ينبغى ان يتألم من اجل اسمه ....
فلم يكد يعتلى الكرسى المرقسى حتى تألب الاريوسيون لاسقاطه ...