**** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة 26 ****
تحدثنا فى المحاضرة السابقة عن بعض الاضطهادات فى القرن الثالث وتكلمنا عن اضطهاد كاركلا واضطهاد مكسيمينوس الثراكى واضهاد ديسيوس ...
واليوم سوف نكمل حديثنا عن :
4- اضطهاد فاليريان
5- ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه ..
4- اضطهاد فاليريان :
----------------------
وجاء بعد ديسيوس قياصرة لايهمنا ذكرهم حتى ملك فاليريان سنة 254م فأظهر للمسيحيين مزيد الاناسة وكان يستدعيهم الى قصره ويجالسهم ولكن بعد قليل انقلبت محبة فاليريان الى البغضة وصار من الد الاعداء لهم ...
وكان السبب فى ذلك ان فاليريان كان مغرما بحكمة المصريين القدماء واتخذ له مشيرا واحدا من كهنة المصريين يدعى مكريانوس , كان يدعى السحر ومعرفة الامور المستقبلة .. فهذا لما رأى ميل الامبراطور للمسيحيين خاف ان ذلك التودد يكسبهم نفوذا عليه فتنخفض قيمته ولا يعود يقدر ان يبلغ من القيصر مأربا ولا ان يستجلبه لعبادة الاوثان فأخذ يوشى على المسيحيين واظهر له ان الذبائح التى كان يقدمها للآهله لاجل حفظ الملك وسلامته لم تعد مقبولة لسبب تقربه منهم وانه من اللازم مقاصتهم .. فصدق فاليريان كذب مكريانوس وامر بقصاصهم فكان اضطهاد شديد يضاهى الذى حصل فى ايام ديسيوس قتل فيه كثيرون من الشيوخ وكان المضطهدون يهجمون على الامنيين فى بيوتهم ويجرونهم الى مواقع العذاب حتى اضطر كثيرون من المسيحيين الى هجر بيوتهم وسكنوا الجبال والمغائر ...
وقد صادف البابا ديونيسيوس البطريرك فى ذلك الاضطهاد اهوالا مريعة واخيرا نفى .. وقد روى بعد رجوعه من منفاه الى الاسكندرية انه لم يجد من شمامسة الكنيسة سوى ثلاثة فقط وهم فوسطس ويوساب وكويرمولى مع انه ترك عددا وفيرا منهم ظلوا محتبئين فى مكانهم وكانوا ينتهزون الفرص ليعطوا الاخوة ويبشروهم ولكنهم ماتوا جميعا بداء الدفتريا وغير هؤلاء قتل كثيرون واستشهدوا ...
واشتدت القساوة على المسيحيين للغاية حتى انهم كانوا يشقون بطون اطفالهم ويأخذون مصارينهم ويلفونها على انانبيب القصب ويلقونها للآوثان .. واخرون خيروا بين يسجدوا للآوثان او يعذبوا الى الممات فأثروا الهلاك فهلك منهم عدد لا يحصى .. واستمر اضطهاد فاليريان ثلاث سنين ونصف وانتهى فى سنة 260م .
5- ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه
-----------------------------------------------------------
بعد فاليريان امسك ابنه الحكم "" غالينوس "" ولكنه انهمك فى الملاذ فرأى مكريانوس الساحر الوثنى ان يكون ملكا على مصر فأبى المسيحيون الخضوع له فعاداهم معاداة عظيمة حتى قام ايملياس الوالى واخذ منه التاج وحكم مصر حكما جائزا ...
وبعد ذلك اتاه "" تبودتس "" قائد جيش غالينوس وحاصره ودامت الحرب بينهما سجالا مدة من الزمن اصيب البلاد فيها بنكبات عديدة وتحمل المسيحيون منها العبء الثقيل لقيامهم بمساعدة المنكوبين وتخفيف الامهم ...
وقد كتب البابا ديونيسيوس رسالة فى عيد الفصح سنة 264م يصف هول الحرب وكيف كان المسيحيون سببا فى تخفيفها فقال :
" من الصعب ان المسيحيين يؤدوا فريضة عيد الفصح بسبب الحرب ولكثرة توالى المصائب وتتابع النكبات , وترى ابواب القبور مفتوحة تبتلع ارواح المسيحيين قبلما تفارق ارواحهم الاجساد حتى اصبحنا فى زمن كمثل زمن موت كل بكر فى ايام موسى لانه فعلا كان يوجد ميت على الاقل فى كل منازل المسيحيين , هذا غير التعذيب الشديد الذى يعذبونهم به ويقام مسارح التعذيب فى احتفال الاوثان بعيدهم ...
وبعد هذا النكبات اتت حرب اخرى وهى حرب الجوع , فيقول قداسة البابا كنا نواثيهم ونشاطر كل من انتابته مصيبه فى بلاياه ونرثى لامرهم ونعطف عليهم ينتج من قلوب واحساسيس مسيحية شريفة تتأثر لمصاب بنى البشر , ثم اصابنا وداهمنا وباء فتاك مسا ولكنه فتك بالوثنين فتكا ذريعا ...
ولكن المسيحيين وعواطفهم الحبيبة مع كل مريض بالداء فلم يخشو على انفسهم وساعدوا كل الناس ومرضوا الضعفاء وسد حاجات المعوزين فكانوا يموتون فرحين مسرورين لموت هو رقاد مؤقت تعقبه حياة ابدية سعيدة ...
لذلك مات الكثير من المسيحيين فداء لاخواتهم المرضى وهو عمل يظهر منه الفرق الكبير بين المسيحى الحقيقى الذى يضع نفسه عن الاخرين كما فعل سيده قبله وبين اولئك الذين يظهرون فى مظهر المحبيين المخلصين بواسطة احساس غير حساس يبدونه فى اداب باطلة ولكن اذا جاء وقت الشدة فزعوا من اصدقائهم وابتعدوا عنهم ...
فقد كان اولئك الوثنيون عندما يرون ان احدهم مريض يبتعدون عنه حتى اذا كان اعز اصدقائهم , وقد بلغت بهم القساوة حتى انهم كانوا يطرحون مرضاهم فى الازقة والشوارع وهم بين حى وميت , وكانوا يرمون الموتى فى الشوارع " ...
وبكدا نكون كملنا حدثنا عن الاضطهادات التى حدثت فى القرن الثالث .. والمحاضرة القادمة سنتحدث عن البدع والانشقاقات فى هذا القرن ...