نشأة الكنيسة المسيحية في كورنثوس
أسسها القديس بولس في رحلته التبشيرية الثانية (أع 18)، ومع ما اتسمت به المدينة من فساد نجحت خدمته هناك نجاحًا بالغًا، وبقى هناك 18 شهرًا، من سنة 51م إلى أواخر 52م، وهى أكبر مدة قضاها الرسول في مدينةٍ ما للخدمة بعد أفسس.
بدأ خدمته في المجتمع اليهودي يكرز لليهود والأمم الدخلاء، وكان يقيم مع أكيلا وبريسكلا ويعمل معهما في صناعة الخيام (أع 18: 3-10)؛ ونجح في اجتذاب كريسبُس Crispus رئيس المجمع وأهل بيته (أع 8:18). لكن اليهود قاوموه بشدة، فقال لهم: "دمكم على رؤوسكم؛ أنا برئ، من الآن أذهب إلى الأمم" (أع 18: 4-6). وذهب إلى يوستس حيث تكونت كنيسة تضم الكثيرين.
في البداية يبدو أن الرسول وجد جوًا رهيبًا من الفساد والصراعات بين سكان المدينة القادمين من دول مختلفة لأهداف تجارية مع انحطاطٍ في الأخلاق، فأراد أن يرجع إلى تسالونيكي (1 تس 17:2-18). لكن خطته تغيرت تمامًا بإعلان إلهي (أع9:18-10)، فقد أمره الرب أن يتكلم بجسارة ويشهد له.
كان لكورنثوس أهمية خاصة عند الرسول بكونها أعظم المدن اليونانية،وكان نجاح الكرازة بها رمزًا لنجاح الخدمة بين الأمم، خاصة بين الذين لهم فكر فلسفي ويتباهون ببراعتهم الثقافية ويرددون شعارات مثل المعرفة والحرية، وكانوا يمارسون الحياة الوثنية الفاسدة. نجاحها يعلن عن عمل نعمة اللَّه الغنية في تقديس الفاسدين الذين يرتمون في حضن اللَّه.
يبدو أن الكنيسة هناككسبت عددًا كبيرًا من الطبقات الدنيا خاصة العبيد (7: 21؛ 26:1)، وإن كان قد وُجد من بينهم أيضًا شرفاء مثل تيطس يسطس (11: 21-32). وقد ضمت المدينة 200000 إنسانا حرًا، و400000 عبدًا.
نجح بولس الرسول في كسب نفوسٍ كثيرةٍ من بين التجار والبحّارة والمصارعين المحترفين في الدورات الرياضية ومحترفي القمار والمكرسين للفساد من الجنسين والعبيد. هؤلاء جاءوا قادمين من روما واليونان ومصر وآسيا الصغرى. مع اختلاف جنسياتهم وثقافتهم وإمكانياتهم المالية وخلفيتهم الدينية، كانوا مطالبين بالخضوع لروح اللَّه الذي يقدسهم ويهبهم روح الوحدة والانسجام ككنيسة مقدسة للرب يسوع.
بعد أن ترك الرسول المدينة زارها أبلوُس؛ وكان يهوديًا إسكندريًا ذا ثقافة هيلينية عالية، قَبِلَ الإيمان بالمسيحية وصار يكرز بها، وكانت خدمته ناجحة في كورنثوس (3: 5-9)، غير أن البعض أساء استخدام اسمه. فقد ظهرت خصومات في الكنيسة حيث ادعى البعض أنهم أتباع الرسول بولس أول كارز للمدينة.
والفريق الثاني أتباع أبلوس من أجل اقتدار حكمته. وثالث حسب نفسه أتباع بطرس الرسول ربما لأنهم اعتمدوا في فلسطين على يديه ولظنهم أنه أمين في حفظ الشريعة اليهودية حرفيًا. ورابع حسبوا أنفسهم تبع المسيح، غالبًا رغبة في التحرر من كل التزام، ليسلك كل واحد حسب هواه بحجة أنهم لا ينتسبون إلى قيادات بشرية، هؤلاء أساءوا فهم الحرية المسيحية.
يرى كثير من الدارسين أن الرسول بولس قد زار كورنثوس على الأقل ثلاث مرات.