[Mary Naeem]

فقالَ لــَهم: ((أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون)).
فقالوا: ((لا يَزيدُ ما عِندَنا على خَمسَةِ أَرغِفَةٍ وسَمَكَتَيْن،
إِلاَّ إِذا مَضَينا نَحنُ فاشتَرَينا لِجَميعِ هذا الشَّعبِ طَعاماً))

تَشِيرُ عِبَارَةُ "أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون" إِلَى دَعْوَةِ يَسُوعَ لِلنَّاسِ لِلْبَقَاءِ وَلِتَلَامِيذِهِ أَنْ يُعْطُوهُم مَا يَأْكُلُون.
دَعْوَةٌ إِلَى العَطَاءِ وَالثِّقَةِ. إِنَّهَا دَعْوَةٌ يَسْتَحِيلُ عَلَى الإِنْسَانِ تَحْقِيقُهَا بِقُوَّتِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَلٰكِنَّهَا امْتِحَانٌ لِإِيمَانِ الرُّسُلِ، وَفُرْصَةٌ لِيَكْتَشِفُوا ضَعْفَهُمْ وَعَدَمَ قُدْرَتِهِم. فَيُرْغِمُهُم يَسُوعُ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَائِرَةِ الْعَطَاءِ، لأَنَّهُ فِي الْعَطَاءِ تَنْشَأُ عِلَاقَةُ أُخُوَّةٍ وَشَرِكَةٍ بَيْنَ التَّلَامِيذِ وَالْجَمْعِ. وَهٰكَذَا، يُعِدُّهُم يَسُوعُ لِلْمُسَاهَمَةِ فِي عَمَلِهِ الْمَجَّانِيِّ، مُفَضِّلًا أَنْ يَعْمَلَ مِنْ خِلَالِ النَّاسِ وَبِالنَّاسِ. فَهَلْ يَطْلُبُ اللهُ مِنَّا عَمَلًا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُتِمَّهُ وَحْدَنَا؟ نَعَم، لِكَيْ نَثِقَ بِأَنَّنَا بِدُونِهِ لا نَقْدِرُ أَنْ نَصْنَعَ شَيْئًا (يوحنا 15:5).
فَسِرُّ الْعَطَاءِ هُوَ جَوْهَرُ كَلَامِ وَأَفْعَالِ يَسُوعَ، وَمُرَافَقَتِهِ تَلَامِيذَهُ. وَفِي الْعَطَاءِ رَاحَةٌ وَإِيمَانٌ، لأَنَّ "الْخُبْزَ الْحَيَّ" الَّذِي يُطْعِمُنَا حَاضِرٌ فِي وَسَطِنَا، بَلْ هُوَ يُعْطِينَا نَفْسَهُ، وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نُشَارِكَ مَا يُعْطِينَا إِيَّاهُ. فَـيَسُوعُ يُعْطِينَا الْخُبْزَ، وَهُوَ رَمْزٌ لِلطَّعَامِ الْجَوْهَرِيِّ فِي الْقُرْبَانِ الْأَقْدَسِ، الَّذِي يُشْبِعُ أَعْمَاقَنَا.
هٰذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي نَبْحَثُ عَنْهَا. المسيحُ لا يُريدُنا أن نَصرِفَ الجِياعَ، بل أن نُشرِكَهم في مائدَتِنا؛لا أن نَهرُبَ من المسؤوليَّة، بل أن نُقدِّمَ القَليلَ الّذي لدينا ليَعملَ اللهُ به العَجائب. هذا النَّصُّ يدعونا لنكونَ خُبزًا مكسورًا من أجلِ حياةِ العالَم، تمامًا كما كَسرَ يسوعُ الخُبزَ ليُشبِعَ الجُموع، وكُسِرَ جَسدُه على الصَّليبِ ليَهبَنا الحياةَ الأبديَّة.