كتاب تكوين العادة - الأنبا مكاريوس أسقف المنيا
6- أمثلة للعادة
تتكون العادة فى بساطة شديدة كما أسلفنا ولو كان الأنسان ُيدرك كم ستكلفه فى النهاية لأنتبه وأحتاط، ولكن العادة تأتى فى شكل سلوك عابر ونزوة سريعة وخطأ غير مقصود.
يقول مار اسحق
" كل عادة إذا سلمت لها بأختيارك تصبح لك فى النهاية سيدا˝ تسير قدامه مضطرا˝ بغير أختيارك".
العادة الشبابية:
و قد ُسميت عادة
لأنها تحولت مع الوقت الى ضرورة ملحة، رغم أستياء الإنسان من العادة الشبابية،
وتنتقل هذه العادة الى الأنسان من خلال خبرة رديئة سرية عن طريق صديق غير مخلص،
وفى المرة الأولى وقع بعد حرب عنيفة وظل يعانى كثيرا من تعب الضمير والشعور بالأثم
وقد يحرمه ذلك من مواصلة الصلاة وقراءة الكتاب المقدس لفترة،
وفى المرحلة الثانية سقط بعد حرب ليست بذات الدرجة من العنف،
وفى المرة الثالثة وقع فيها بدون حرب،
وفى الرابعة أثار هو الحرب على نفسه وسعى الى الخطية،
وفى الخامسة سقط بدون لذة،
وفى السادسة دون شعور.
قال شيخ
" لا يوجد شئ أصعب من العادة الرديئة،
إذ يحتاج صاحبها فى سبيل قطعها الى زمان وتعب كثير،
أما التعب فهو فى متناول الكثيرين، ولكن الزمان الذى يحتاج إليه فما أقل من قضاه حتى النهاية، لأن أكثر أصحابها أختطفهم الموت قبل تمام قطعها، والله وحده هو الذى يعلم كيف سيدينهم"
التدخين:
كيف تعلم المدخن التدخين؟
لقد شجعه البعض على مشاركتهم فى سيجارة، وتمنع فسخروا منه
وفى أول محاولة أحتقن وجهه وسعل كثيرا وضحكوا منه كثيرا،
وفى المرة التالية تشجع ولم يسعل
وفى المرحلة الثالثة لم يبد عليه أى تأثر،
ثم أصبح بعد ذلك يطلب بنفسه منهم،
وقليلا قليلا بدأ يشترى هو واحدة وأثنين ليدخنها خلسة،
ومع الوقت صار يشترى علبة كاملة يخفيها فى ملابسه
والآن هو مدخن كبير يدخن علنا كمن يقوم بعمل جاد وهام، ولا تكفيه علبتين فى اليوم ويعرف عنه أصدقاؤه ذلك وكذلك أسرته.
و اليوم يود لأسباب صحية ومالية التخلى عن التدخين فلا يعرف ويحاول معه المخلصون بطرق مختلفة فلا يفلحون وينصحه الأطباء ببعض البدائل فلا يقدر، بل أعترض أهل الفتاة التى يود تزوجها – على ذلك، معتبرين أن التدخين ليس من شيمة المستقيمين،
وها هو يعانى الذل ّ ولا يستطيع منها إفلاتا؟!
ويقولون الآن أن متوسط عمر الأنسان بين غير المدخنين هو تسعة وستون عاما بينما ينخفض الى ستين بين المدخنين (حسب أحصائية فرنسية حديثة).
و ما يقال عن التدخين يقال عن القهوة وعن تعاطى المخدرات والمنبهات،
تلك التى تتسّلل الى خلايا الجسم فلا يستطيع الإنسان منها فكاكا، وكذلك اعتياد بعض الأماكن مثل صالات الديسكو وبارات الخمر والديفيليهات (عروض الأزياء) ودور السينما والمسارح وما الى ذلك.
هل تعرف كيف بدأت عبادة التماثيل
إن ذلك يشرحه لنا سليمان الحكيم فى سفر حكمة سليمان،
فقد توفى أحد الفتيان وكان أبوه يحبه كثيرا أكثر من العادة
ومن ثم أستدعى أحد النحاتين وطلب إليه أن يصنع له من كتلة من الخشب تمثالا يشبه أبنه، الذى لا يقدر على الحياة بدونه،
ففعل المثال
أما الأب المسكين فقد كان يضع كل يوم أمام تمثال أبنه ما كان يحبه من ألوان الطعام والشراب ويضع فوقه كذلك ما كان يرتديه من ملابس وهو ما يزال حيا، وفى كل صباح يمطره بالقبلات ويربت على كتفه كثيرا، وقد أستمر فى ذلك لسنوات طويلة، ومن ثم فقد قام أولاده بتقليده فصارت عادة فى تلك الدار،
وهكذا أصبح فى الدار إلها..!!
إنها العادة تستمد قوتها من محبة الشخص لها وأستعبادها إياه فتصبح إلها!. (راجع حك 14).
و يرد فى سفر الملوك الثانى عن الأقوام الذين جاء بهم ملك أشور ليسكنوا فى السامرة أن كل منهم بدأ فى عبادة الآلهة التى كان يعبدها فى البلد التى سبى منها
وكانوا من خمس بلاد هى:
بابل، كوث، عوا، حماه، سفروايم،
لأنها صارت عادة هناك
"كانوا يتقون الرب ويعبدون آلهتهم كعادة الأمم التى سبوهم من بينهم" (2 مل 17: 33)
والخطورة تكمن هنا فى أنهم اتقوا الرب إله إسرائيل خوفا من السباع التى هاجمتهم ومع ذلك فإنهم لم يستطيعوا التخلى عن عبادة الأصنام.
قال أب
(الذى أعتاد الخطية يشبه كلبا أعتاد على شحومات اللحامين "بقايا الجزارين"
فكلما نهروه عاد أيضا وكلما طردوه رجع فى إلحال ويظل هكذا حتى يقتلونه مكانه)
هكذا تؤدى العادة ليس الى عبادة الأصنام بل الى الموت الجسدى مع الموت الأدبى للخطية.