
أنواع مختلفة من الغنى
قد يكون من المفيد أن نتعرّف من العهد القديم على الأجزاء المختلفة التي يتكوّن منها هذا المثل. يبدو أن يسوع ينطلق من نص في كتاب يشوع بن سيراخ: "رب إنسان اغتنى باهتمامه واقتصاده وهذه هي أجرته: حين يقول: قد بلغت الراحة سآكل الآن من خيراتي" وهو لا يعلم كم يمضي من الزمان حتى يترك ذلك لغيره ويموت" (سي 18:11-19). يبدو أن يسوع حوّل هذه الحكمة إلى مثل. لقد أبرز يسوع مفهوم "البطلان" الذي ورد في كتاب الجامعة: "باطل الأباطيل. كل شيء باطل" (جا 1:1) عندما جعله في مثل ملموس قريب من فهم الناس.
ينظر الجامعة بتجرّد شديد إلى كل أمور الحياة وخبرات البشر: إن كل ما يتوقعه الإنسان ويثق يلبي أقل بكثير ما يعد به: إنها كلها أباطيل لا تثبت مثل الدخان أو البخار.
يختلف يسوع عن الجامعة إذ لا يكتفي بكسر هالة الاكتناز، بل يحدد بوضوح الطريق الذي يتبعه الإنسان لكي يتغلّب على هذه الأباطيل ويهرب منها مَن يكتنـز هذه الخيرات إنما يكتنـزها لذاته ولا يغتني بالله. إن الغباء والحماقة يقومان في هذا "الاكتناز للذات" لا الاغتناء بالله.
إن عبارة لله في اللغة اليونانية ترد فعل حركة انتقال نحو الله، بالتالي لا يكون معناها لأجل الله، بل في اتجاه الله. إنه بذلك يوحي بفكرة هامة جداً: لا يقدم الإنسان خيرات وتقدمات لله، بل يستعملها في اتجاهه؟ وهو في طريقه إليه، بمنطقه هو.
تبرز تعاليم إنجيل القديس لوقا التالية معنى "لله": "لا يهمكم للعيش ما تأكلون، ولا للجسد ما تلبسون" (لو22:12)، "فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون أو ما تشربون ولا تكونوا في قلق" (29:12) "أبوكم يعلم أنكم تحتاجون إليه" (30:12) "اطلبوا ملكوته تزادوا ذلك" (31:12)، "بيعوا أموالكم وتصدقوا بها واجعلوا لكم أكياساً لا تبلى، وكذا في السموات لا ينفد" (33:12أ).