يختلف الإنجيلي يوحنا بسرده الآم المسيح عن كل من الإنجيليين متى ومرقس ولوقا. يريد يوحنا أن نتجاوز ظاهر الأحداث لنكتشف من ورائها قصداً إلهياً، ألا وهو اطلاعنا على مجد المسيح في الهوان. فالآلام بالنسبة ليوحنا هي ساعة المجد إذ يتعرّف فيها الإنسان على ذاك الإله الذي يبحث عنه منذ الفردوس المفقود.
لذا علينا أن نتتلمذ للتلميذ الذي أحبه يسوع ونقرأ معه رواية الالام فيكتشف كل منّا ذاك الإله الذي يهب حياته بحرية مطلقة دون أن ينتزعها منه أحد. هذا الملك الحقيقي الذي يجمع البشر في الحق ويحكم العالم بطريقة الله، طريقة الحب والعطاء بلا حدود. لذلك يبيّن لنا الإنجيلي يوحنا في هذا النص أربعة مشاهد من رواية الآلام وهي: اللوحة والقميص وعطيّة أمّه مريم ليوحنا وتسليم الروح.
"هناك عند صليب يسوع وقفت أمه" يبيّن لنا الإنجيلي يوحنا
ان يسوع الذي هو على الصليب هو حمل الفصح الجديد الذي بموته وقيامته تتحقّق الحياة. نرى في المشهد الأول: اللوحة اتلي كُتب عليها اسم المحكوم عليه وسبب عقابه:"يسوع الناصري ملك اليهود". إنها طريقة تُظهر إعلان الهوان والمُلك في آن واحد. إنه من الناصرة وهو ملك الدهور وفي هذا يبرز طابع موته الشمولي. لقد اعترض رؤساء الأحبار على هذه الكتابة التي كُتبت"بالعبرية واللاتينية واليونانية" وهي لغات الدين والسياسة التي كانت مستعملة في تلك الحقبة من التاريخ ولكن دون جدوى. لقد اعترف الوثنيون بمُلك يسوع ورفضه اليهود. لذلك صرّح بيلاطس قائلاً:"ما كُتب قد كُتب".
ثمّ نرى في المشهد الثاني: إقتسام الثياب والإقتراع على القميص المخيط الذي رأى فيها الإنجيلي يوحنا معنى خاصاً وهو إثبات وحدة البشر الذي يجمعهم يسوع في الكنيسة التي خرجت من جنبه المطعون بالحربةثم هناك التمزّق والإنقسام بسببه وإعادة اللحمة والوحدة في شخصه. لقد جاء يسوع ليعيد بناء وحدة كل الشعوب، لتصبح فيه الكنيسة واحدة.
فلا يمكن الإنتماء إلى يسوع إلاّ في وحدة الحب والغفران.
وفي المشهد الثالث تتجلّى الوحدة بين الأم والابن. حيث يُنظر إلى المرأة من خلال دعوتها الأساسية بوصفها أم المعلّم والتلميذ.
تلك التي تلد شعب المؤمنين الجديد. إنها الكنيسة في خصوبتها الشاملة التي لا تحلّ محلّ حواء أمّ الأحياء فقط، بل محلّ صهيون أُمّ الشعوب. ففيها وبها تتمّ الساعة التي تحدّث عنها يسوع في عرس قانا الجليل:"فقال يسوع لأمّه:" ما لي ولك يا امرآة؟ لم تأتِ ساعتي بعد"(يو2/4).
فهذه الساعة هي ساعة الزفاف الحقيقي، عرس الصليب، الذي أتمّ فيه يسوع الشريعة العاجزة عن إعطاء الحياة ووهب العالم خمرة الفرح الذي هو جسده ودمه لأجل حياة العالم أجمع. وبعد أن أعطته مريم جسده تشترك معه في هذه الولادة الجديدة بوقوفها أمام ابنها المسمّر على الصليب.