
11 - 03 - 2025, 06:33 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
وَثَامَارُ كَنَّتُهُ وَلَدَتْ لَهُ فَارَصَ وَزَارَحَ.
كُلُّ بَنِي يَهُوذَا خَمْسَةٌ. [4]
ثامار[5]: سبق لنا الحديث عنها في التعليق على الآية السابقة، ورأينا أنها إذ كانت تشتهي ككل سيدةٍ عبرانيةٍ أن تنجب ابنًا، حتى وإن كان من حماها، لأنها اشتهت أن يأتي من نسلها المسيا المُخَلِّص، وحقَّق لها الله طلبها.
لقد قبلت أن تُعَرِّض حياتها للخطر، فخلعت ثياب ترملها، وارتدت برقعًا على وجهها، ولم تخجل من أن تظهر كزانيةٍ، ليس من أجل شهوة الجسد، إنما من أجل الإنجاب. فقد التصقت بحميها، وهو رجل قد كبر في السن... وتظهر طهارتها أنها إذ كشفت الأمر، لم تطلب بعد الزواج بأخي رجلها، إنما عاشت مع حميها، وقد قيل: "لم يعد يعرفها أيضًا" (تك 38: 26).
من أجل إيمانها اشتهت أن تنجب، أما يهوذا ففي كبر سنه ارتكب الزنا... لذا يقول: "هي أبرّ مني" (تك 38: 26). وقد صارت ثامار مثلاً حيًا يمنعنا من الإدانة مهما كانت علامات الخطية تبدو واضحة وملموسة.
وقد علَّق القديس أمبروسيوس كثيرًا على هذه العبارة "هي أبرّ مني" في حديثه عن التوبة، سائلاً كل إنسانٍ – حتى الأسقف – ألا يدين أحدًا، بل يترفق ويحنو على الخطاة، فمن كلماته:
v يا رب هب لي أن تكون سقطات كل إنسان أمامي، حتى أحتملها معه، ولا أنتهره في كبرياء، بل أحزن وأبكي، ففي بكائي من أجل الآخرين أبكي على نفسي، قائلاً: "هي أبرّ مني".
لنفرض أن فتاة قد سقطت، إذ خدعتها وجرفتها ظروف مثيرة للخطايا، حسنًا! ونحن الأكبر سنًا قد نسقط أيضًا! نحن أيضًا فينا ناموس الجسد يحارب ناموس أذهاننا، ويجعلنا أسرى للخطية، حتى أننا نفعل ما لا نريده (رو 7: 23). قد يكون صباها عذرًا لها، لكن ما هو عذري أنا؟! إنه يجب عليها أن تتعلَّم، أما أنا فيلزمني أن أعلم أنها "هي أبرّ مني"...
ليتنا إذن لا نخجل من أن نعترف بأن خطأنا أبشع من خطأ مَنْ نرى أنه مستوجب الانتهار، لأن هذا هو ما صنعه يهوذا الذي وبَّخ ثامار، فإذ تذكَّر خطيته قال: "هي أبرّ مني"... لقد اتَّهم نفسه قبل أن يتهمه الآخرون.
بهذا العمل الإيماني، تأهلت ثامار أن تكون جدَّة للسيد المسيح، يجري دمها في عروقه، حتى سجَّل الإنجيلي متى اسمها في نسب السيد المسيح (مت 1: 23)، بينما لم يُسَجِّل اسم سارة ولا رفقة ولا غيرهما من الأمهات المباركات.
كانت ثامار رمزًا لجماعة الأمم التي صارت كنيسةً مقدسةً للرب، هذه التي كانت قبلاً بلا ثمر كثامار، أشبه بأرملة مهجورة ليس من يسندها ولا من يُعِينها. لم يتزوجها وليها الأول شيلة، بل التصقت بالولي الثاني يهوذا... هكذا لم تلتصق جماعة الأمم بالوليّ الأول أي بالناموس الموسوي ولا التزمت بالختان والتهود إنما التصقت بالوليّ الثاني أي يهوذا الحقيقي، ربنا يسوع المسيح الخارج من سبط يهوذا.
والعجيب أن تصرُّفات ثامار كما وردت في التكوين أصحاح 38، حملت الكثير من الرموز التي تطابق ما تمتَّعت به كنيسة الأمم نذكر منها:
أ. خلعت ثامار ثياب ترملها، لكي تلتصق بيهوذا (تك 38: 14)، وهكذا خلعت الأمم ثياب الإنسان القديم لتلبس الإنسان الجديد الذي يليق باتحادها مع العريس الأبدي، بل صار السيد المسيح نفسه ثوبها الجديد.
ب. غطت ثامار وجهها ببرقعٍ (تك 38: 15)، والأمم إذ قبلوا الإيمان يعيشون هنا كما في لغزٍ، حتى يلتقوا بالعريس وجهًا لوجه، فيروه في كمال مجده وعظمة بهائه، ويتعرَّفوا على سمو أسراره الفائقة.
ج. جلست ثامار في مدخل عينايم (تك 38: 14)، أي مدخل ينبوعين، وكأنها بكنيسة الأمم التي لم تنعم بينبوع العهد القديم وحده بل وأيضًا بينبوع العهد الجديد معه.
د. تمتَّعت ثامار بخاتم يهوذا وعصابته وعصاه (تك 38: 18)، أي بخاتم البنوة لله والإكليل السماوي مع خشبة الصليب المحيية.
هـ. ظهرت علامات الحمل بعد ثلاثة شهور (تك 38: 24)، وكأنها بكنيسة الأمم التي حملت ثمارًا روحية، خلال إيمانها بالثالوث القدوس (3 أشهر) وتَمَتُّعها بالحياة المُقامة في المسيح يسوع الذي قام في اليوم الثالث.
v اشتاقت (ثامار) أن يكون لها أبناء من حماها عندما رأت أن حماتها قد ماتت... لم يكن ذلك لعدم طهارتها، حاشا! إنما لتتجنَّب أن تبقى بدون ذكرى. في الواقع، ما حدث كان بخطة إلهية، وكانت النتيجة أن خطّتها قد تحققت...
ليت من يسمع هذا لا يلوم ثامار. كما قلتُ قبلاً، كانت تُتَمِّم الخطة الإلهية، فلا يُلقَى عليها لوم، ولا أعلن يهوذا أي اتهام ضدها.
أقصد أنكم تلاحظون هنا أن نسب المسيح يحمل ابنيها.
فإنه على وجه الخصوص كان الطفلان المولودان له يرمزان إلى الشعبيْن، يُمَثِّلان الحياة اليهودية والحياة الروحية.
v خافت ثامار لئلا يُلقَى القبض عليها ويقتلها انتقامًا لابنيه، إذ اتُّهِمَت بأنها السبب في موتهما. لقد طلبت علامة... إنها تظهر له في مظهر آخر حتى لا يقتلها، وتُقَدِّم له دعوة أن تضطجع معه من فمه...
بينما كانت تطلب ثامار هذا من الله، خرج يهوذا ورآها.
صلاة ثامار جعلته يميل على غير العادة، ويذهب إلى زانية.
وإذ رأته وضعت حجابًا، لأنها كانت خائفة. وبعد الكلمة الخاصة بوجود علامة كما سألت، عرفت أن الله قد سُرَّ بما فعلته. بعد ذلك كشفت عن وجهها بدون خوفٍ، بل وطلبت مكافأة من سيد المكافأة.
القديس مار أفرام السرياني في تعليق القديس كيرلس الكبير على هذا الأمر قال: [غاية الكتاب المقدس، لا أن يروي حياة قديسين، فالأمر ليس هكذا بالمَرَّة، بل بالحري أن يُقَدِّم لنا معرفة سرِّ المسيح خلال هذه الحقائق، التي تجعل حديثنا عنه حق وواضح.]
الله بنعمته جعل من ثامار سلفًا لداود، وبالتالي ليسوع المسيح (مت 1: 3).
فارص وزارح: جاء السيد المسيح من نسل فارص الذي ولدته ثامار، وقد اقتحم فارص أخاه زارح وهو بعد في أحشاء أمه لينزع عنه البكورية (تك 38: 27-30). عند ولادتهما، أخرج زارح يده فربطت القابلة يده بخيط قرمزي أحمر، لكنه أدخل يده ليخرج فارص أولاً وبعده زارح. يرى بعض الآباء في زارح رمزًا للشعب اليهودي الذي كان يجب أن يكون البكر، وقد مدَّ يده واستلم الشريعة التي تركَّزت حول الذبيحة (الدم القرمزي)، لكن خلال عدم الإيمان خرج فارص مُمَثِّلاً الأمم الذين صارت لهم باكورية الروح عوض زارح (اليهود).
|