القديس يوحنا الذهبي الفم
جريمة الإهمال في تربية الأبناء
كثيرًا ما حَذَّر الذهبي الفم الوالدين من الإهمال في تربية أبنائهما، مُظهِرًا مدى خطورة هذه الخطية التي يحسبها أحد الخطايا الخطيرة للغاية، فلم يتردَّد عن أن يدعوها قتلاً للأطفال.
v لنفترض أنك تتمم وصايا الناموس في كل الأمور الأخرى، لكنك غير أمين في هذه الوصية الواحدة، فإنك تُعاقَب بشدةٍ. أصغ إلى هذا من خلال تاريخ الشعب القديم. فإنك ترى أية عقوبة مُرعِبة حَلَّت على الآباء الذين أهملوا في تربية أبنائهم.
كان بين اليهود كاهن موقر بسبب شخصيته الوديعة، اسمه عالي. كان لهذا الكاهن ابنان سَلَّما نفسيهما لكل رذيلة. لم يُبالِ الأب بهذا الأمر، بل استخفَّ به، وقد تعدَّى فسادهما الحدود فانتهرهما، لكن ليس بحماسٍ لائق وسلطان. كان يلزم أن يعاقبهما بحزمٍ شديدٍ حتى يوقف هذا الاعتداء. لم يفعل شيئًا من هذا. إنما اكتفى بتقديم نصيحة، قائلاً: "لماذا تعملون مثل هذه الأمور؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب" (1 صم 2: 24). هل هذا هو ما كان يجب أن يقوله؟ لقد عصيا ذاك الذي هما مدينان له بوجودهما، ومع هذا لازال يقبلهما كعضوين في أسرته. كانت نصيحته باطلة بلا نفع. لا، بل كان يلزمه أن يرعبهم، ليقتلع هذا العمى من قلبيهما.
يا لها من نصيحة باطلة! لم يكن ابنا عالي ينقصهما مثل هذه النصيحة. إنها كلمات بلا فائدة! يا لها من وداعة أثيمة، بها صارا ضحيتين!
لقد بدأت الحرب، وصار البائسان غنيمتين للأعداء. وإذ علم الأب عما حلّ بهما من نكبةٍ سقط على الأرض، وانكسرت رقبته ومات (1 صم 4: 18)! لقد قُلْتُ لكم حالاً إن الآباء الذين لا يهتمون بتربية أبنائهم في نشأة مسيحية هم قتلة لأبنائهم. أليست هذه حقيقة؟!
من ينبغي أن يلومه عالي بسبب موت ابنيه؟ يلزمه أن يلوم نفسه! حقًا إن سيف العدو قتلهما، لكن إهمال أبيهما الباطل هو الذي صوَّب ضدهما الضربة. إذ فارقهما العون السماوي ظهرا عريانين أمام سهام الفلسطينيين. لقد دمَّر الأب نفسه ودَمَّرهما. غير أننا نرى ذات الأمر أمامنا يوميًا. كم من آباء لا يريدون أن يأخذوا على عاتقهم هذا العمل بإصلاح عقوق أبنائهم وجموحهم؟
إنهم كمن يخشون مضايقة أبنائهم، لئلا بسلطان الكلمات القاسية يسيطرون على الميول الفاسدة. وما هي النتيجة؟ يزداد اعتلالهم، وتقودهم حصانتهم من العقوبة إلى ارتكاب معاصٍ جنائية. ينقادون إلى المحاكم، ويموت هؤلاء البائسون على أيدي المعاقبين.
أنتم ترفضون حقوقكم الشخصية عليهم، فتدفعون بهم إلى عقوبات مدنية، وتقتص العدالة البشرية حقها العنيف منهم.
أنتم تخشون إهانتهم بعقوبة خفيفة في حضوركم، ولكن أية إهانة مُرعِبة تحل عليكم، عندما لا يعود يرى الأب ابنه حوله، والذين يتهمونه يلاحقونه في كل موضع، ولا يجسر بعد أن يظهر في أي مكان!
v الإهمال في تربية الأبناء هو أحد الخطايا العظمى. هو أعلى درجات عدم التقوى...
إن لم نهتم بخلاص أولادنا، نسقط تحت أقسى أنواع العقوبة. أنتم تعرفون قصة عالي رئيس الكهنة الواردة في الأسفار المقدسة. كان شيخًا مسنًا، كاهنًا معروفًا، حكم الأمة اليهودية بلا خطأ لمدة عشرين عامًا، عاش في وقتٍ لا يحتاج إلى حزمٍ شديدٍ في الحياة. ومع هذا لم يستطع أن يُبَرِّرَ نفسه، بل على العكس، هلك بطريقة مُرعِبة في كارثة، لأنه لم يهتم بسلوك ابنيه كما ينبغي. حُسِبَ ذنب إهماله، خطأ فادحًا غطى على كل سمات عالي وأعماله الصالحة. فكم تكون دينونتنا نحن الذين نعيش في عهد مملوء بالأكثر بحب الحكمة، ولسنا نمارس فضائل عالي؟
v لا يأتي فساد الأطفال من فراغ، بل من الجنون الذي يلحق بالآباء نحو الاهتمامات الأرضية. الاهتمام بالأرضيات وحدها، واعتبار كل شيء غيرها ليس بذي قيمة، يدفعهم لا إراديًا نحو إهمال نفوس أطفالهم.
أقول، إن هؤلاء الآباء (ولا يظن أحد أن هذه الكلمات تتولد فيّ عن غضب)، أشر من قتلة الأبناء. الأول يفصل الجسم من النفس، أما الآخر فيطرح كليهما معًا في نيران جهنم.
الموت أمر محتم حسب النظام الطبيعي، أما المصير الثاني، فيُمكن للآباء تجنبه لو لم يؤدِ إهمال الآباء إليه.
الموت الجسماني يمكن أن ينتهي في لحظة بالقيامة حينما تحل، لكن لا توجد مكافأة تنتظر النفس المفقودة. إنها لا تنعم بالقيامة، بل تعاني آلامًا أبدية.
هذا يعني أنه ليس بغير عدلٍ ندعو هؤلاء الآباء أشر من قتلة الأبناء.
إنه ليس بالأمر القاسي أن تسن سيفًا، وتمسك به باليد اليمنى، لتغرسه في قلب طفلٍ مثلما أن تُحَطِّمَ النفس وتذلها، فإنه ليس من شيءٍ يعادل النفس.